المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السِّيادة أو الحاكمية في الإسلام



أهــل الحـديث
27-05-2013, 01:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


في الدَّولة الحديثة غير الإسلامية تتمثل السُّلطة التشريعية في مجلس يُسمَّى مجلس النواب، أو مجلس الشعب، أو المجلس الوطني، ويقوم بوظيفة التشريع أو إصدار القوانين والنُّظُم، كما يقوم ببعض الأمور التي هي في الأصل تنفيذية، كالموافَقة على الوزارة، والمصادَقة على المعاهدات، وإعلان الحرب، وما شابه ذلك [نظام الإسلام – د. محمد المبارك (ص82)].

أما في الإسلام فلا خلاف بين المسلمين في أنَّ مصدر جميع الأحكام التشريعية – مِن أوامرٍ ونواهٍ – هو الله تعالى لا يُشارِكه فيه أحدٌ مِن الناس فيما وضع مِن مباديء وأُصول، وتشريعات مُفَصَّلة مُحَدَّدة، وطريق التعرف عليها يكون فيما أَنْزَل الله مِن قرآن أو أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلَّم.
وفي ذلك ضمان وثيق لحرية الإنسان والحفاظ على كرامته ومصالحه، وعدم استبداد أحد به.
أما إعطاء سُلطة التشريع والأمر لأحدٍ مِن الناس فهو إشراك في ربوبية الله، وطريق يؤدِّي إلى الاستبداد والطغيان والظُّلم، وإهدار حرية الإنسان، والإضرار بمصالحه الخاصة التي لا تصطدم مع المصالح العامة.

والأدلة توجِب حتمية الخضوع لما أَنْزَل الله، وآيات القرآن الكريم حاسمة في ضرورة أنْ تكون شريعة الله هي الحاكِمة، يقول تعالى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة يوسف - الآية 40]، إلى جانِب أنَّ النصوص تَصِم مَن يعدِل عن حُكم الله بوصمة الكُفر والظُّلم والفِسق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة - الآية 44]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة - الآية 45]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة المائدة - الآية 47].

كما أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينفي الإيمان عن الذين يعزفون عن التحاكم إلى الله ورسوله، يقول تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النِّساء - الآية 65]، فهذه الآية الكريمة لا تقتصر في نفي الإيمان عن الذين يرفضون التحاكم لشريعة الله، وإنما ينتفي الإيمان أيضاً عن هؤلاء الذين يُحَكِّمون شريعة الله ثُم يتحرجون مِن الالتزام بما قضى الله، ومِن هنا فإنَّ هذه الآية توجِب تحكيم شريعة الله، والتسليم الكامل بما يقضي، كما أوجب الله عزَّ وجلَّ ردَّ كل خلاف إلى شريعة الله حتى يتحقق لها الحاكمية، يقول عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [سورة الشُّورى - الآية 10]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾ [سورة النِّساء - الآية 59].

إلى جانب أنَّ الشارع جَعَل البديل عن اتباع الحق والالتزام بشريعته اتباع الهوى والوقوع في الفتنة والرجوع إلى حُكم الجاهلية، يقول تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [سورة المائدة - الآيات 49، 50].

وغير ذلك مِن النصوص العديدة التي توجِب أنْ تكون الشريعة الإسلامية هي الحاكمة، إلى جانب أنْ تكون هي الميزان الذي تقف بمقتضاه على مشروعية اللوائح والقوانين في الدولة الإسلامية، فالله وحده هو الذي يملك أنْ يُشرع للناس ابتداءً، وهو عزَّ وجلَّ لم يتنازل عن سلطانه هذا لبشر.


كتبه: أ.د. فرحات عبد العاطي سعد، كلية الشريعة بجامعة الأزهر
مِن كتاب: السياسة الشرعية