المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرجم في الإسلام بمحكم القرآن ومتواتر السنة وإجماع علماء الأمة



أهــل الحـديث
26-05-2013, 09:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذه سلسلة مقالات أكتبها حول ما أثير حول حد الرجم هذه الأيام وهي مكونة من شقين :
تأصيل وتفكيك للشبه التي أثارها المبطلون تجاه هذا الحد، والبداية سوف تكون بالتأصيل لأنه الأهم.
أدلة الأحكام متفاوت من جهة الثبوت نقلا ودلالة، ففيها من المنقول ما يقطع بثبوته عن المشرع صلى الله عليه وسلم، و لا يشك فيه، فهو متواتر لفظا ومعنا ، وعمل به المسلون عملا بينا فاشيا؛ حتى علمه الخاص والعام، وهذا أعلى دلالة الأحكام من جهة النقل.
ومن جهة الدلالة ما تكون دلالته من جهة اللغة واضحةً، لا يختلف من له معرفة باللغة في وجه دلالتها وتعيين مقصودها، ويعبر الأصوليون عن هذا النوع من دلالة الألفاظ "بالنص"، أو"المحكم" كما يعبر عنه الأصوليون من الحنفية، فإذا نضاف إلى هذه ـ الدلالة اللغوية البينة الغير قابلة إلا لمقصود واحد من الدلالات ـ ، الدلالة الفعلية المبينة لها تأكدت هذه الدلالة بكل معاني القطعية والبعد عن الاحتمال.
هذا النوع من الأحكام لم يختلف فيه المسلون، ولا يجوز فيه الاختلاف، ولا مجال للاجتهاد والرأي فيه، ولا يسع المسلم تجاهه إلا التصديق به والعمل بموجبه.
ويعرف هذا النوع من الأحكام "بالمعلوم من الدين بالضرورة"؛ لأن كل من يعيش بين المسلمين يعرفه بدون عناء التعلم لفشوه بينهم.
هذا النوع من الأحكام لا يجهل ثبته في الشرع، أو يجادل في إلزامه إلا صنفان من الناس:
ـ الصنف الأول: من أطبق عليه الجهل بالشرع، فلم يخلص إليه من علمه شيء، ولم يخالط المسلمين فيعرفه من جهة المخالطة لهم، فإن كل من خالط المسلمين يعرف هذا النوع من الأحكام، لفشوه ينهم و قيام عاداتهم وأعرافهم عليه.
الصنف الثاني: منافق يريد أن يصد المسلمين عن دينهم، ويوقعهم في حيرة منه، فإن التشكيك في هذا النوع من الأحكام الشرعية؛ يلزم منه بطلان دين المسلمين كله، لأنه إن جاز التشكيك في حكم من الأحكام القطعية، جاز التشكيك في نظيره من الأحكام القطعية الأخرى، فإذا جاز التشكيك في حد الرجم، جاز التشكيك في أوقات الصلوات، وأعدادها، وأعداد ركعاتها، وإذا جاز التشكيك في القطعي من الأحكام فهو في الظني منها من باب أولى، وهكذا يعود الدين لعبة من اللعب، كل من أراد أن ينفي حكما منه نفاه، وصار الأمر "حيص بيص" لا أحكام قطعية ثابت في الشرع، وينعدم ميزان القطعي والمحتمل في الأحكام الشرعية، كل من اشتهى حكما من الأحكام جعله قطعيا، وإذا أبىاه نفاه.
بعد هذه المقدمة نخلص إلى مقصودنا، وهو ما أثير هذه الأيام حول حكم قطعي من الأحكام الشرعية التي دل عليها القرآن، وتواترت بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخبار من قوله وفعله، وأجمع عليها المسلون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، وهي من العلم الضروري الذي يتوارثه المسلمون خلفا عن سلف، لا يشك فيه منهم أحد ولا يرتاب، ذلك الحكم هو رجم الزاني المحصن.
وهذا البيان من القرآن والسنة المتواترة، والإجماع على هذا الحكم.
البيان من القرآن لحكم الرجم:
بين الله في كتابه الكريم أن حكم الزاني المحصن الرجم وذلك في قوله تعال:
{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15]
فالسبيل المذكور في هذه الآية هو الرجم على المحصن، كما هو مبين في أعلى أنواع التفسير، وهو تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بإجماع المفسرين من السلف، والخلف.
تفسير القرآن للسبيل الوارد في الآية الكريمة:
بين القرآن الكريم أن السبيل المذكور هنا هو الرجم على الزاني المحصن.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقطي ـ رحمه الله ـ:
"لم يبيّن هنا هل جعل لهنّ سبيلا أو لا؟ ولكنّه بيّن في مواضع أخر أنّه جعل لهنّ السّبيل بالحدّ كقوله في البكر: الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما الآية [24 \ 2] ،، وقوله في الثّيّب: (الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم) ; لأنّ هذه الآية باقية الحكم كما صحّ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب - رضي اللّه عنه - وأرضاه وإن كانت منسوخة التّلاوة.
وروي عن ابن عبّاس - رضي اللّه عنهما - أنّ حكم الرّجم مأخوذ أيضا من آية أخرى محكمة غير منسوخة التّلاوة، وهي قوله تعالى: ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب اللّه ليحكم بينهم ثمّ يتولّى فريق منهم وهم معرضون، فإنّها نزلت في اليهوديّ واليهوديّة اللّذين زنيا وهما محصنان ورجمهما النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فذمّه تعالى في هذا الكتاب للمعرض عمّا في التّوراة من رجم الزّاني المحصن، دليل قرآنيّ واضح على بقاء حكم الرّجم"( )
الآية التي فسر الشيخ الشنقطي رحمه الله بها السبيل، بين البيهقي ـ رحمه الله ـ إجماع الصحابة على إحكام معناها وإن نسخ لفظها فقال:
"وقد كانت آية الرّجم معلومة عند الصّحابة، رضي الله عنهم، وعلموا نسخ تلاوتها دون حكمها.( )
وحكي ابن الجوزي أيضا الإجماع على بقاء حكم هذه الآية التي فسرت بها السبيل الواردة في الآية الكريمة فقال:
"الإجماع انعقد على بقاء حكم ذلك اللّفظ المرفوع من آية الرّجم، وترك الإجماع ضلال."( )
والآية التي فسر الشيخ بها هذه الآية ، تتابع أهل العلم على القول ببقاء حكمها وإن نسخ لفظها، وأنها كانت من القرآن الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي الموطأ( )وصنف عبد الرزاق( ) ومسند الحميدي( ) ومصنف ابن أبي شيبة( ) وسنن الدارمي( ) وصحيح البخاري( ) وصحيح مسلم( ) وسنن ابن ماجة( ) وسنن أبي داود( ) وسنن الترمذي( ) وسنن النسائي( ) ومعرفة السنن والآثار للبيهقي( )
أن عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف "
وقد استنتج النووي إجماع الصحابة على إحكام معنى آية الرجم المنسوخة لفظا من خطبة عمر هذه في المسجد النبوي دار الهجرة والوحي، وموافقة الحاضرين من الصحابة له على قوله وترك الاعتراض عليه فقال:
"وفي إعلان عمر بالرّجم وهو على المنبر وسكوت الصّحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرّجم" ( )
وقد ورد ثبوت هذا هذه الآية في عدة أحاديث عن عدد من الصحابة منهم:
خالة أسعد بين سهل بن حنيف العجماء الأنصاري( ) وعن أبي ابن كعب رضي الله عنه( ) وزيد بن ثابت( )
ولا يستشكل مستشكل نسخ اللفظ وبقاء الحكم فإنه من أنواع النسخ المجمع عليها بين أهل العلم المعتد بهم، فبعد أن خرج البيهقي هذه الأحاديث المبينة إحكام معنى آية الرجم بعد نسخ لفظها، بين أن هذا الإحكام إجماع من الصحابة وأهل العلم فقال: " في هذا وما قبله دلالة على أنّ آية الرّجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة وهذا ممّا لا أعلم فيه خلافا ( )
وقد قسم علماء الأصول، وعلوم القرآن النسخ إلى ثلاثة أنواع:
1ـ ما نسخ لفظه معناه.
2ـ ما نسخ معناه وبقي لفظه.
3ـ ما نسخ لفظه وبقي معناه.
قال ابن الجوزي:
"اعلم أن المنسوخ من القرآن على ثلاثة أضرب.
أحدها: ما نسخ لفظه وحكمه.
الثّاني: ما نسخ حكمه وبقى لفظه، وهو كثير، لأجله وضعت كتب النّاسخ والمنسوخ.
والثّالث: ما نسخ لفظه وبقي حكمه، كآية الرّجم."( )
ولم يعد العلماء خلاف من خالف في هذا النوع من النسخ، خلافا معتبرا، ولم يعرجوا علي قوله ورأوه من الشذوذ، والشطط، لأنه مسبوق بالإجماع من الصحابة على اعتبار هذا النوع من النسخ.
قال في الإبهاج:
"يجوز نسخ الحكم دون التلاوة وبالعكس ونسخهما معا وخالف في ذلك كله بعض الشاذين واستدل في الكتاب لكل من الصور بالوقوع أما نسخ الحكم دون التلاوة فكنسخ الاعتداد بالحول من قوله تعالى: {متاعا إلى الحول} بقوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} وقد سبق الكلام في آية الحول فكان الأولى التمثيل بغير هذه الآية المختلف في أنها هل هي منسوخة والآيات في هذا القسم كثيرة وأما عكسه اعني نسخ التلاوة دون الحكم فكما روى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حديثا في كتاب الله فلقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها رواه الشافعي وهذا لفظه" ( )
قال ابن حزم:
فإن قيل: قد يسقط لفظ الآية ويبقى حكمها كما كان في آية الرّجم. قلنا: لولا إخبار النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - ببقاء حكم الرّجم لما جاز العمل به بعد إسقاط الآية النّازلة به لأنّ ما رفع اللّه تعالى فلا يجوز لنا إبقاء لفظه ولا حكمه إلّا بنصّ آخر.( )
تفسير السنة للسبيل الوارد في الآية الكريمة:
فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم السبيل الوارد في هذه الآية الكريمة بأنه الرجم في حق المحصن إذ يزني.
فعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة، والرجم» ( )
لم يتجاوز المفسرون هذا التفسير النبوي، فقد أجمعوا على تفسير السبيل الوارد في الآية الكريمة بأنه الرجم في حق المحصن، وإن اختلفوا هل هذا السبيل نسخ للحبس، أو تبيين للمدة التي تنته بها عقوبة الحبس، وتستبدل بعقوبة أخرى، أو هو من المجمل المبين.
وهذه نصوص المفسرين المبينة معنى السبيل الوارد في الآية الكريمة:
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم" إلى"أو يجعل الله لهن سبيلا"، فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: (الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة) [سورة النور: 2] ، فإن كانا محصنين رجما. فهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما.( )
فقد فسر ابن عباس وهو ترجمان القرآن وإمام المفسرين، السبيل الوارد في هذه الآية الكريمة أنه الرجم في حق المحصن.
قال ابن جرير:
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله:"أو يجعل الله لهن سبيلا"، قول من قال: السبيل التي جعلها الله جل ثناؤه للثيبين المحصنين، الرجم بالحجارة، وللبكرين جلد مئة ونفي سنة = لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ولم يجلد = وإجماع الحجة التي لا يجوز عليها فيما نقلته مجمعة عليه، الخطأ والسهو والكذب = وصحة الخبر عنه أنه قضى في البكرين بجلد مئة ونفي سنة.( )
وهذا إمام المفسرين بين أن تفسير السبيل هنا بالرجم في حق الزاني المحصن، مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التواتر، فهو تفسير نبوي قطعي الثبوت لا مجال لتطرق الاحتمال إليه.
قال ابن كثر:
"قال ابن عبّاس: كان الحكم كذلك، حتّى أنزل اللّه سورة النّور فنسخها بالجلد، أو الرّجم. وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضّحّاك: أنّها منسوخة. وهو أمر متّفق عليه."( )
فإذا تأملت كلام ابن كثير وجدته ينقل إجماع المفسرين، على أن السبيل المذكور في هذه الآية الكريمة هو الرجم في حق الزاني المحصن.
وهذه نصوص عن المفسرين، متطابقة على تفسير السبيل المذكور في هذه الآية الكريمة بأنه الرجم في حق الزاني المحصن.
قال السمرقندي: أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا يعني مخرجا من الحبس، ثم نسخ فصار حدهن الرجم لما روي عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «خذوا عنّي خذوا عنّي قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثّيّب بالثّيّب جلد مائة والرّجم بالحجارة»( )
قال الماوردي:
"يعني بالسبيل الحد , وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا عنّي قد جعل الله لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام , والثّيّب بالثّيّب جلد مائة والرّجم) ."( )
قال السمعاني:
"كان هذا هو الحكم في ابتداء الإسلام، وأن المرأة إذا زنت حبست في البيت إلى أن تموت. ثمّ نسخ ذلك في حق البكر بالجلد والتغريب، وفي حق الثّيّب بالجلد والرّجم، وهو بيان السّبيل المذكور في الآية، والحجّة عليه: حديث عبادة: " خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهنّ سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام؛ والثّيّب بالثّيّب جلد مائة ورجم بالحجارة ".( )
قال البغوي:
وهذا كان في أوّل الإسلام قبل نزول الحدود، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتّى تموت، ثمّ نسخ ذلك في حقّ البكر بالجلد والتّغريب، وفي حقّ الثّيّب بالجلد والرّجم.( )
قال ابن عطية:
"وسبيلا معناه مخرجا بأمر من أوامر الشرع، وروى حطان بن عبد الله الرقاشي عن عمران بن حصين، أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الوحي، ثم أقلع عنه ووجهه محمر، فقال: قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم."( )
قال الرازي:
"لم يحصل النّسخ في هذه الآية ولا في هذا الحديث البتّة، وذلك لأنّ قوله تعالى: فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا يدلّ على أنّ إمساكهنّ في البيوت ممدود إلى غاية أن يجعل اللّه لهنّ سبيلا وذلك السّبيل كان مجملا، فلمّا
قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «خذوا عنّي الثّيّب ترجم والبكر تجلد وتنفى»
صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا ناسخا لها وصار أيضا مخصّصا لعموم قوله تعالى: الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة [النّور: 2] ومن المعلوم أنّ جعل هذا الحديث بيانا لإحدى الآيتين ومخصّصا للآية الأخرى، أولى من الحكم بوقوع النّسخ مرارا، وكيف وآية الحبس مجملة قطعا فإنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّ ذلك السّبيل كيف هو؟ فلا بدّ لها من المبين، وآية الجلد مخصوصة ولا بدّ لها من المخصّص، فنحن جعلنا هذا الحديث مبيّنا لآية/ الحبس مخصّصا لآية الجلد"( )
قال العز ابن عبد السلام:
"{أو يجعل اللّه لهن سبيلا} وهو الحد،قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "( )
قال أبو حيان:
"السبيل هو ما استقر عليه حكم الزنا من الحد، وهو «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب»
رمي بالحجارة. وثبت تفسير السبيل بهذا من حديث عبادة بن الصامت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب المصير إليه. وحديث عبادة ليس بناسخ لهذه الآية، ولا لأنه الجلد، بل هو مبين لمجمل في هذه الآية إذ غيا إمساكهن في البيوت إلى أن يجعل لهن سبيلا، وهو مخصص لعموم آية الجلد."( )
قال الشوكاني:
"أو يجعل الله لهن سبيلا ( هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) الحديث"( )
قال صديق حسن خان:
"(أو يجعل الله لهن سبيلا) وذلك السبيل كان مجملا، فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه مسلم من حديث عبادة، صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا نسخا له."( )
قال القاسمي:
"وقد بينت السنة أن الله تعالى أنجز وعده، وجعل لهن سبيلا. وذلك فيما
رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت قال: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أنزل الوحي كرب له وتربّد وجهه. وإذا سرّي عنه قال: خذوا عني خذوا عني (ثلاث مرار) قد جعل الله لهن سبيلا. الثيب بالثيب، والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة والرجم. والبكر جلد مائة ونفي سنة"( )
قال الشيخ السعدي:
"{أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} أي: طريقا غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن."( )
فعلماء التفسير مجمعون على تفسير السبيل، المذكور في هذه الآية الكريمة بأنه الرجم في حق الزاني المحصن، لم يختلفوا في ذلك، أولهم عن آخرهم، متقدمهم ومتأخرهم، وقد استندوا جميعا في تفسيرهم هذا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي فسر فيه السبيل، وهو تفسير للقرآن بالسنة وهو تفسير بالوحي المعصوم لا بأقوال الرجال القابلة للخطأ والصواب.