المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة الخاطر - 2 / زوجي وكتابي



أهــل الحـديث
24-05-2013, 11:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



(الخاطرة الثانية)
(زَوجي وكتابي)


قال لي صاحبي:
أَفسِح لي من قلبك مكانا، ومن وقتك زمانا،
وعِشْ قضيَّتي، وذُقْ مُلِمَّتي؛ فقد أصابني ما أصابني:
تتنازعني المحابّ، وتتجاذبني المقاصِد؛
أُحبها وأحبه، آنَس بها وبه، أرغب إليها وإليه،
ولكنّها:
تُحبّني ولا تُحبّه، تَأنَس بي وتستوحشه، تَرغب إليّ وتفرّ منه، تَنهَى عنه وتَنْأَى منه،
قد تَمثَّل لها ضَرَّة سويَّة، حتى وَهَنَ العقل منها واشتعل القلب غيرة،
غارت فغارت، وكادت فآذت.
قلت لصاحبي:
أفصح عن الحبيبين اللَّذين شتَّتا أمرك، وتنازعا نفسك، وقَضَّا مضجعك؟
قلت: زوجتي وكتابي!
فقال لي صاحبي - وقد نَخَلَ فِكره، واعتصر عقله، وأحضر خميرة دهره -:
العدلَ العدلَ، والقصدَ القصدَ،
إن لأهلك عليك حقًّا؛ فلا تضيعه،
ولولدك منك نصيبًا؛ فلا تبخسه،
واعلم أنّك ما أنفقت من وقت؛ فإن الله يخلفه،
أَنفِق يُنفَق عليك، احتسب اللُّقمة تضعها فِي فِيِّ زوجك، يبارَك لك في وقتك وعلمك،
أَشْرِكْها فيما تُحبّ، تَنَل منها ما تُحب،
أَزِل أسباب الوحشة، واقتلع عِلَل النُّفْرَة،
يقع الأُنس، ويحصل الإِلْف،
اُتْلً عليها نبأ ابن بَرْدَزْبَه والقُشَيْرِيّ، والنَّسَوِي والتِّرمذيّ،
رَدِّد عليها دون ملالة أو سآمة، أو جَزَع أو ضَجَر:
لقد خَلَّفَ الإسلام رجالًا بعضهم من بعض؛
هل أتاكِ نبأ أحمد؟
هل أتاكِ نبأ الشّافعيّ؟
هل أتاكِ نبأ الذهبيّ والمعلّميّ؟
هل أتاك نبأ شاكر والطَّنَاحي؟
هؤلاء وغيرهم كثير كثير، قد خلَّفوا عِلمًا موروثا، وأدبًا مبثوثا،
إني لأجد رِيْحَ أرواحهم بين ثنايا حروفهم،
أكاد أرى دمعة تسَّاقط عند حرف،
وأكاد أشعر بتأوّه عند حرف،
وأكاد أسمَّع ضحكة مشرقة عند حرف؛
هؤلاء أحبهم،
فهلَّا توافقنا على هذا الحب، وتشاكلنا في هذا العشق؟!
واتِّقاءً للدائرةً، ودرءًا للكَرَّة،
أعظك زوجتي العزيزة:
العدلَ العدلَ، القصدَ القصدَ؛
فلا يُلهينَّكِ المتنبّي عنِّي،
ولا يَشغلنَّكِ أُمُّ الشَّافعيّ عن أُمِّي.
أصلحنا اللهُ وإيّاكِ بما أصلح به عباده الصّالحين، ربَّنا واجعلنا مُسلِمَين لك ومِن ذُرِّيّتنا أُمَّة مسلمة لك، واجعلنا زوجين متآلفَين متحابَّين، مجتمعَين على مائدة العلم، نقطف من أزاهيرها ما نقطف، ونستنشق من رحيقها الطيب ما نستنشق ..
قال لي صاحبي: لقد نَقَبْتَ النَّقْب، ورَأَبْتَ الصَّدْع، فجزاك الله تعالى خيرًا مِن أخ وفيّ، وخِلٍّ زَكِيّ.

والحمد لله رب العالمين.