المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سمات المجتمع الاسلامي الفاضل



أهــل الحـديث
23-05-2013, 12:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




لو كان التاريخ جوهرا ماديا يمكن النظر إليه لكان أشد ما يبهر الأنظار تلك البؤرة المستنيرة التي تضرب بأطنابها في عمق التاريخ فكادت من شدة وميضها ان تخفى تلك البقايا النورانية هنا وهناك فكأنها تمثل وحقب الزمان صفحة السماء التي زخرت بالنجوم الصغيرة يتوسطها القمر في صورته البهية بموكبه المضئ ينشر شعاعه السامق على صفحات التاريخ فمن نال حظه من القرب نال حظه من النور..

هذا النبع المستنير هو جيل الإسلام الأول الذين نهل من المعين الصافي قبل أن تكدره الدلاء الغاشمة فتمثلت فيه معاني الإسلام الصافية المجردة عن العبث التاريخي وطول الأمد الذي تنفرج معه أضلاع الحقب الزمنية كطوق النجاة قذفته الأمواج متلاطمة فشرد بعيدا عن من حام حولهم شبح الغرق.
فكما أن الإسلام العظيم منحنا النموذج الفردي الأعظم لتعرض عليه سمات الأفراد ليكون اقرب الناس شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم هو اسعد الناس بحيازة الكمال البشري.

فكذلك جاد علينا بالنموذج المجتمعي الأمثل في تاريخ البشرية لتعرض عليه خصائص المجتمعات البشرية فيكون لهم مقياسا معياريا -إن صح التعبير- فيكون أكثرهم احتذاء به أكثرهم جمعا لصفات المجتمع الفاضل .

وكلما انفرجت زاوية التشابه بينهما خلق ذلك صدع زمني طردي فكأنما فتحت به شرفة من الجحيم تمثله الأمم الهابطة فيصله من حمومها وسمومها فتلج معه زبالات الأمم ونفايات التاريخ لترسم صورة جليه تبين دركة من دركات التدني البشري وسبب من أسباب هبوط المستوى الأخلاقي.

بقى أن نعرف طرفا من الملامح الأساسية لذلك المجتمع الفاضل الذي هو في مضمونه بشري خالص حتى لا تكون حجة لأحد في أن إدراك ذلك محض خيال صعب المنال ، وكذلك كان الكمال على المستوى الفردي لتكون هذه من الحكم السامية التي من اجلها أرسل إلينا رسولا بشرا.

لكن الكمال البشري يختلف نسبيا عن صورة الكمال التي ترسمها الأذهان والسبب ويرجع هذا الخلل في التصور إلى خلط الأذهان بين طبيعة الأجناس المختلفة كمحاولة ذهنية ملفقة لتجميع الصفات المستحسنة من كل جنس لتضعها في صورة مخلوق وهمي ليس بموجود في الواقع .

ويصحح ذلك معرفة أن الكمال في الخالق يختلف عن الكمال في المخلوق والكمال في المخلوقات يتباين حسب جنس كل مخلوق فعالم الجن يختلف عن عالم الحيوان الذي يختلف بدوره جذريا عن عالم الإنسان

ويتضح ذلك بالمثال ..
فالكبر صفة كمال في الخالق وهي صفة نقص وخزي في المخلوق وتناول الطعام والشراب صفة كمال في المخلوق من لم يفعله يعتل ثم يموت ، لكنها صفة نقص في الخالق من نسبها إليه كفر.
بل في الجنس الواحد قد تختلف فمثلا الخشونة صفة كمال في الرجل صفة نقص في المرأة والاعوجاج والتصنع في محلهما صفة كمال في المرأة صفة نقص في الرجل بإطلاق.. وهكذا
فصفات الكمال منها ما هو مطلق كالعلم والوجود الذي يمدح به أي جنس ومنها ما هو نسبي فهذه يحدده نوع الجنس وصفته وطبيعته فالصفات على قدر الذوات.

وإنما أفضنا في هذا لنقرر أن المجتمع الفاضل ليس هو المجتمع الخالي من الأعراض والأمراض والآفات والزلات بإطلاق فعلى المستوى الفردي لو أن الكمال لا ينال الا بالعصمة المطلقة فلن ينال الكمال احد حتى الأنبياء وهذا يخالف النصوص والفطرة البشرية لضرورة وجود فئة من الكمّل الذي يكونون كمثل عليا تقاس على مثلهم الصفات ، فالأنبياء كلهم قد حازوا الكمال ليس لأنهم معصومون بإطلاق ولكن من أسباب ذلك أنهم كانوا يعلمون كيف يتعاملون مع ما قد يبدر منهم من دقيق الأخطاء بمقتضى طبيعتهم البشرية .

فإذا تقرر انه قد يلم بالمجتمعات الفاضلة شئ من هذه الآفات لكن في النهاية تظهر المعادن النقية لتلك المجتمعات في نبذ كل آفة دخيلة على المجتمع واستدراك الفرطات الفردية بالإنكار تارة وبالستر تارة وبالهجر تارة وبالحزم تارة تناسبا مع كل ظاهرة .

فالستر قد يصلح مع من لا يجهر بذنبه ولا يتعدى شره لأحد من الناس بخلاف من تتعدى وشروره وتنفث سمومه فهذا لابد من تحذير الناس منه فثمّ فرق بين الستر والتستر ليس هذا موضع بيانه.
والهجر قد يصلح مع من ترجى المصلحة في هجره ليطرق كل الأبواب فتغلق دونه ليجد باب ربه لا يغلق في وجه التائبين فيتوب وتصلح حاله .
والنفي يصلح مع من قد يعزله ذلك عن أصدقاء السوء ومواقع الخنا الأسباب التي كانت تقويه على معصيته وعدوانه ..
وأيضا الإنكار باليد له مناطه وباللسان له مواضعه وبالقلب له أحواله .

ولتعلم ايها القارئ الكريم أن كل ما أفضنا فيه هو نفي صفة سلبية عن صفات المجتمع الفاضل ولا يؤهله ذلك فقط للوصول الى هذا المقام السامي و الصفات الوجودية اشرف من الصفات المنفية وبها يحصل الكمال الحقيقي والمثالية المرجوة وهي التي تكوّن معالم المجتمع الفاضل كالتعاون على البر والتقوى ونصرة المظلوم وصفاء القلوب من أدرانها كالغل والحسد وغير ذلك كثير مما الحاجة في معرفته اوجب لكن لكل مقام مقال..

وإن تلك المسئولية الملقاة على عاتق المجتمعات التى تسعى للكمال تزيد يوما بعد يوم فما زال الخلق في ازدياد من البعد عن منبع النور ولازالت زاوية الانفلات في انفراج أبدا كلما أوغلنا في عمق الدهر قال صلى الله عليه وسلم" لا يأتي على الناس زمان الا والذي بعده شر منه "

إن من عجيب القول في هذه الأزمنة العجيبة أن التقدم الى الأمام لا يأتي إلا بالسعي الحثيث إلى الخلف إلى حيث النماذج الحية التي ينبض بها الزمان والتي قال عنها النبي " خير الناس قرني" وقال مالك " لا يصلح آخر الأمة إلا ما صلح بها أولها "

فلتبحر أذهاننا إلى الخلف منقبة ،ولتقدم قلوبنا إلى الإمام شامخة ،ولتفتح عقولنا صفحات المستقبل ببصمة فريدة تحمل النور للبشرية ..... بصمة الإسلام