المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى طيب ثراك عماه - رثاء



أهــل الحـديث
22-05-2013, 02:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


كنا نخاف عليه موتَه من مرضه ؛ فلكم أرداه حتى أوقعه ، ولم يكد ليقوم بعدها ... كانت الدنيا تسير به ويستمر معها... لا يفتر ، ولا يتعب ... تحمل منها الكثير ... وحصل منها على شقوة العناء ، وبعدها توفاه الله بحادث مروري أفجعَنا نبؤه وكان ذلك في غرة شهر رجب 1434هـ، وآلمنا فراقه إنه عمي عبد ربه صالح عبد الله شيخ البيضاني فرحمه الله رحمة الأبرار ، وأسكنه جنته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - فإليك عماه :


قُم نادِ داركَ واستفسرْ لياليها == وسلْ عنِ الأهلِ والدنيا ومنْ فيها
واستخبرِ الفاتحين الجودَ في زمنٍ == دعا عليها أميناً وهو حاميها
وسل عن القوم ماذا قد جرى لكمو == بين الليالي وأعياكم تدانيها
تبكون فيها وكأس الحزن في ألمٍ == بالله ماذا جرى فيها يؤسّيها
قالوا – ودمعُ الأسى قيدٌ يكبلهم == وألسنٌ نطقتْ صمتاً يبكّيها
وأرجعوا عبراتِ البُعْدِ - : وافرقًا == وسادروا البوح ، والمضنى يجافيها
قالوا : ألم تكُ منا وابن لِسْنتنا == تهون عنا ضفاف في مبانيها
فقلتُ حقاً؛ ولي أهلٌ وعائلةٌ == وإخوةٌ عجَزوا عن فَهْمِ داعيها
قالوا: فتانا حبيبُ الروحِ قد ذهبَتْ == حياته في دواعِيْها وعانيها
وسارَ عنا بعيداً بُعْدَ جدِّكَ إذ == جرَتْ عليهِ المنايا قبل ماضيها
وغادر الأهل والأحبابَ مُطّرِحًا == حملاً وكم حاطتِ الدنيا عواديها
فتىً على الجودِ والأخلاقِ قد ملكَتْ == جوادَ نفْسٍ بأحسابٍ تزكيها
وكان فيها أبيّاً صادقًا ولهُ == يدٌ بها العدلُ إن شطّتْ مراميها
خِلافةُ الخُلْقِ في ذا الدهْرِ مُلِّكَهَا == وكانَ يُمْسِكُ فيها من نواصيها
لقد حنِقْنا وآهاتُ الفِراقِ تُرى == غيظًا من الْحُزْنِ تستشكي لباريها
فقلت : مَن كان هذا في الزمان ، ومن == حقّا علا في سماءٍ في العواليها
قالوا : وكان تقيّاً في العبادةِ لم == تجدْهُ إلا بنصفِ الليلِ باكيْها
يُسامِرُ الخيرَ في الدّنيا ويحْمِلُهُ == موزّعًا أجْرَ ماضيها وآتيها
حَمّالُ مُعْضِلةٍ ، للقلْبِ مؤْلِمَةٍ == للنفسِ طاويةٍ – والأرض تطويها
مِنْ كُلِّ مُسْتنْجِدٍ يأتي بِدارتِهِ == يراهُ في حُبِّ نفْسٍ لا يُراعيْها
وبعْدُ ، قالوا فهذا مِنْ نسيبِكَ ، بل == مِنْ نسْلِ جدّكَ أصلٌ في مبانيها
فقلت: إني عليلٌ فارحموا ألمي == فقد زهقتُ من الدّنيا وما فيها
قالوا: وكان له في في الأرض ناهبةٌ == وجسمهُ كمْ بِهِ أدوا يُعانيها
فقلتُ : عمي ؟ فقالوا : إيهِ واكربا == يا شقوتي في ليالٍ بتُّ أقضيها
عماهُ : قد نبتَ الْحُزْنُ الذي عجِبتْ == له الدنايا بقاصيها ودانيها
وسالتِ الدمْعةُ الكُبْرى مسيرَ دمٍ == لبُعْدِهِ أضْحتِ الدُّنْيا تواسيْها
وصاحَ نادي الأسى في القومِ مُحْتدِما == بكًا وحُزْنًا وقد أبكى مناديها
أبكى الأحبةَ قاصيها ودانيها == وشاع فيها فأبكى من يسليها
لما رآها تغُطُّ البوحَ في رَجَفٍ == عمرانُها باءت الدنيا وما فيها
تبكي القوافي حبيبًا مات في ألقٍ == والحُزْنُ في حنقٍ فيمن بناديها
هذا صفاءٌ وأخلاقٌ ومكرُمةٌ == قد كان عن مضغنات القلب صافيها
لبى ندا الله إذ صاح النداء دجى == وقلّما تجد الدنيا تلبيها
بكت عليه المعالي والمكارم بل == سطرتُ أدمعَ هذا في قوافيها
حتى جعلتُ بصحراء الزمانِ ضُحًى == حجمًا من السيلِ يجري في فيافيها
وقد نعتْ حشرجاتُ البُعْدِ ، وانتدبتْ == عليه خير حروفٍ في معانيها
ذكرتُ في وجهه الأخلاق ، واأسفا == رسمن فيه خصالا من أياديها
قضى إلى الله نحْبًا بعدَما ركدتْ == له الحياةُ جهادًا في لياليْها
واللهِ ما الدمعُ يكفي للْبُكاءِ ولو == جمعتُ كلّ فتًى في الأرض يبْكِيْها
ولا كَفَتْ دمعةُ الأحزانِ ساكبةً == عُمْرًا ولوْ نسَجَتْ منها مراثيها
نحتُّ من فيض قلبي أضلُعَا رسمت == جسمًا من الحُزْنِ والأحْداثُ تُقْوِيْها
كم لي وللدهر والدنيا تسطِّرُ في == أحباب دربي ضروبًا من عواديها
عزيْتُ نفسي وأقْوامِيْ وعائِلَتِيْ == عزّيتُ في العمِّ آتيها وغاديْها
عزيتُ إبناءَهُ عزيتُ دوحته == عزيتُ رُفقتهُ والجمرُ يلظيها
عزّيْتُ شيْخاً فقيْهًا في المُصابِ وقدْ == عزّيْتُ ( صينَ ) الهوى ، والبعد يطويها
وفي ( الحديدة) قد عزيتُ دُرّتَها == وخيرها ، صانه الرحمنُ باريها
وفي ( الإماراتِ) عزّيْتُ المُصابَ لهم == عزاءَ مُمْتَعِضٍ مِنْ حُزْنِ باكيها
عزّيْتُ أبراجَ أحْزانِ الزمانِ لقد == جنتْ بِهِ الدمعةُ الكبرى لواعيها
صحوتُ من ألم في النوم يندبني == إلى الحقيقة لا ألقاه يحييها
وقمتُ من هجعتي بالحُزنِ مُكْتسِيًا == والدمعُ يحرقُ أعضائي ويدميها
ذكرتُ جسمًا كريمًا أنزلوْهُ إلى == لحدٍ، وذُكِّرتُ عُظمانًا سيبليها
قد أودعوهُ إلى قبْرٍ وإنهمو == قد أودعوني إلى الأيام أنعيها
كأنني قد أضعْتُ الناسَ من حَزَني == وقد نُفيتُ إلى أقصى الفلاتيها
لما تخيّلت وجْهًا والشُّحُوبُ بِهِ == وجال صوتُ أنينٍ في نواديْها
بكَيْتُ واحراقا حتى عجَزْتُ عنِ الـ == ـبُكاء ثمّ تداعتْنِيْ قوافيْها
نابُ الزمانِ تروَّى مِنْ دِمَايَ ولم == تجدْ مكانًا وأحْزانِي تُعافِيْها
كمْ باعَدَ الدَّهْرُ بيْنَ الأقربينَ وقد == أيقنتُ ألا أراهُ ماشيًا فيها
كم تُقْتُ أسْمعُهُ يومًا وألمحُهُ == وكمْ تمنّيْتُ أفْراحًا فيأْتِيْها
وكمْ وددْتُ لِقاهُ في الذهابِ عسى == أرى سديرَ اللقا يُرْدِي مآسِيْها
وخاب هذا وذا ، وانسلَّ بِيْ حنَقٌ== يُقاتِلُ الرُّوْحَ أعْوامًا فيُرْدِيْها
وصارتِ النَّفْسُ مِنْ بعْدِ الفِراقِ بِها == عليلُ أمراضها ما عاد يدويها
البردُ يُمرِضُهَا ، والشَّمْسُ تُحْرِقُها == والريْحُ تُزْعِجُها ، والحرُّ يُؤْذِيْها
والأرضُ تُرْمِضُها ، والعينُ تَمْعضُها == والماءُ ينقُضُها ، والقُرْبُ ينْفِيْها
الطرفُ ناعِسةٌ ، والريْقُ يابِسةٌ == والنفسُ حادِسَةٌ – مِنْ قبْلُ – تنْبيها
خلّفتَ نفْساً تُقاسِيْ بَعْد فقْدِكَ مِن == أوجاعها ما يجافيها ويظميها
الدمع يُغرِقُها، والحُزنُ يسْبِقُها == والسّهْدُ يؤْرِقُها ، والنار تكويها
قد عشتَ فرحتَنا والروحَ تسكنها == وكنتَ خير سميرٍ في أماسيها
ودمتَ في روحنا حيّاً وتُضحكها == وبعدٍ موتك قد أصبحت تُبكيها
فأسأل الله ربي أن تُكرّمَ في == جنانِه ودخولًا في أعاليها
وفي فراديسها تحيا على فرحٍ == تذوق من برد راقيها وحاليها
نرجو لك اللهَ غُفرانا ومكرمةً == وجنة طاب مبناها وبانيها
عليكَ منّا سلامُ الله ما طلعت == شمسٌ وما سطعت أنوارها فيها


3 رجب 1434هـ
صالح البيضاني