المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة وقصيدة (1)



أهــل الحـديث
19-05-2013, 04:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


.................................................. ......بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أروع الشعر ما اقترن بقصة يندر وقوعها أو يُستغرب اتفاق أحداثها وقصة حافظ إبراهيم أحسن مثال على ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ حافظ وانتظار الموت ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
حينما توفي الشيخ محمد عبده ، مفتى الديار المصرية ، وقف ستة من الخطباء والشعراء ، يرثونه ويعددون مناقبه ، وهم بحسب ترتيبهم في الوقوف :
1- الشيخ أحمد أبو خطوة .
2- حسن عاصم بك .
3- حسن عبد الرزاق باشا الكبير .
4- قاسم أمين .
5- حفني ناصف .
6- حافظ إبراهيم .
كان أولهم تأبيناً أولهم وفاةً ثم لحق به ثانيهم ، ثم حان أجل الثالث ، ثم عرجت المنية على الرابع . حدث هذا كله في ثلاث سنوات ، ولم يبق من الستة إلا الخامس حفني ناصف ، والسادس حافظ إبراهيم . وهنا وقر في قلب حفني ناصف أن الدّوْرَ حلّ عليه ، وأن منيته قد قربت ، فكتب إلى حافظ إبراهيم أبياتاً ، جاء فيها :

أتذكر إذ كنا على القبر ستة " = " نعدد آثار الإمام ونندب
وقفنا بترتيب وقد دّب بيننا " = " ممات على وفق الرثاء مرتب
أبو خطوة ولًّى وقفاه عاصم " = " وجاء لعبد الرزاق الموت يطلب
فلبّى وغابت بعده شمس قاسم " = " وعما قليل شمس محياي تغرب
فلا تخش هلكاً ما حييت فإن أمت " = " فما أنت إلا خائف تترقب
فخاطر وقع تحت الترماي ولا تخف " = " ونم تحت بيت الوقف وهو مخرب
وخض لجج الهيجاء أعزل آمنا " = " فإن المنايا عنك تنأى وتهرب


وإلى هذا المعنى أشار حافظ إبراهيم في قصيدته التي ألقاها في تكريم حفني ناصف في عام 1912م حيث يقول :


أخشى عليك المنايا " = " حتى كأنك مني
إذا شكوتَ صداعاً " = " أطلّتُ تسهيد جفني
وإن عراك هزال " = " هيأت لحدي وقطني
وإن دعوتُ لحيِّ " = " يوماً فإياك أعني
عمري بعمرك رهن " = " وعش أعش ألف قرن


لهذا لم يكن عجيباً أن ينتظر حافظ الموت بعد ذلك إن وفاة الأربعة تمت خلال ثلاث سنوات فقط ففي كمّ من الوقت تتم وفاة الآخرين .


ولقد شاءت إرادة الله تعالى أن تطرد فصول هذه القصة العجيبة إلى نهايتها ، فقد مات حفني ناصف قبل حافظ إبراهيم ، أي بنفس ترتيبه في الوقوف في لحظه رثاء الشيخ محمد عبده ، وإن تأخر كثيراً عن سابقيه.

وهنا قال حافظ :

آذنت شمس حياتي بمغيب " = " ودنا المنهل يا نفس فطيبي
قد مضى حفني وهذا يومنا " = " يتدانى فاستثيبي وأنيبي
وارقبيه كل يوم إنما " = " نحن في قبضة علام الغيوب
اذكري الموت لدى النوم ولا " = " تغفلي ذكرانه عند الهبوب

وفيها يقول :

قد وقفنا ستة نبكي على " = " عالم المشرق في يوم عصيب
وقف الخمسة قبلي فمضوا " = " هكذا قبلي وإني عن قريب
وردوا الحوض تباعاً فقضوا " = " باتفاق في مناياهم عجيب
أنا مذ بان وولي عهدهم " = " حاضر اللوعة موصول النحيب
هدأت نيران حزني هدأة " = " وانطوى حفني فعادت للشبوب
القصيدة كاملة:

آذَنَت شَمسُ حَياتي بِمَغيبِ ................... وَدَنا المَنهَلُ يا نَفسُ فَطيبي
إِنَّ مَن سارَ إِلَيهِ سَيرَنا ....................... وَرَدَ الراحَةَ مِن بَعدِ اللغوبِ
قَد مَضى حِفني وَهَذا يَومُنا .................. يَتَدانى فَاِستَثيبي وَأَنيبي
وَارقُبيهِ كُلَّ يَومٍ إِنَّما ......................... نَحنُ في قَبضَةِ عَلّامِ الغُيوبِ
اُذكُري المَوتَ لَدى النَومِ وَلا ............... تُغفِلي ذِكرَتَهُ عِندَ الهُبوبِ
وَاُذكُري الوَحشَةَ في القَبرِ فَلا .............. مُؤنِسٌ فيهِ سِوى تَقوى القُلوبِ
قَدِّمي الخَيرَ اِحتِساباً فَكَفى .................. بَعضُ ما قَدَّمتِ مِن تِلكَ الذُنوبِ
راعَني فَقدُ شَبابي وَأَنا .......................لأُراعُ اليَومَ مِن فَقدِ مَشيبي
حَنَّ جَنبايَ إِلى بَردِ الثَرى ................. حَيثُ أُنسى مِن عَدُوٍّ وَحَبيبِ
مَضجَعٌ لا يَشتَكي صاحِبُهُ .................. شِدَّةَ الدَهرِ وَلا شَدَّ الخُطوبِ
لا وَلا يُسئِمُهُ ذاكَ الَّذي ..................... يُسئِمُ الأَحياءَ مِن عَيشٍ رَتيبِ
قَد وَقَفنا سِتَّةً نَبكي عَلى .................... عالِمِ المَشرِقِ في يَومٍ عَصيبِ
وَقَفَ الخَمسَةُ قَبلي فَمَضَوا ................. هَكَذا قَبلي وَإِنّي عَن قَريبِ
وَرَدوا الحَوضَ تِباعاً فَقَضَوا .............. بِاِتِّفاقٍ في مَناياهُم عَجيبِ
أَنا مُذ بانوا وَوَلّى عَهدُهُم .................. حاضِرُ اللَوعَةِ مَوصولُ النَحيبِ
هَدَأَت نيرانُ حُزني هَدأَةً .................. وَاِنطَوى حِفني فَعادَت لِلشُبوبِ
فَتَذَكَّرتُ بِهِ يَومَ اِنطَوى .................... صادِقُ العَزمَةِ كَشّافُ الكُروبِ
يَومَ كَفَّنّاهُ في آمالِنا ......................... وَذَكَرنا عِندَهُ قَولَ حَبيبِ
عَرَفوا مَن غَيَّبوهُ وَكَذا .................... تُعرَفُ الأَقمارُ مِن بَعدِ المَغيبِ
وَفُجِعنا بِإِمامٍ مُصلِحٍ ...................... عامِرِ القَلبِ وَأَوّابٍ مُنيبِ
كَم لَهُ مِن باقِياتٍ في الهُدى .............. وَالنَدى بَينَ شُروقٍ وَغُروبِ
يَبذُلُ المَعروفَ في السِرِّ كَما ............ يَرقُبُ العاشِقُ إِغفاءَ الرَقيبِ
يُحسِنُ الظَنَّ بِهِ أَعداؤُهُ .................. حينَ لا يَحسُنُ ظَنٌّ بِقَريبِ
تَنزِلُ الأَضيافُ مِنهُ وَالمُنى ............. وَالخِلالُ الغُرُّ في مَرعىً خَصيبِ
قَد مَضَت عَشرٌ وَسَبعٌ وَالنُهى ........... في ذُبولٍ وَالأَماني في نُضوبِ
نَرقُبُ الأُفقَ فَلا يَبدو بِهِ ................. لامِعٌ مِن نورِ هادٍ مُستَثيبِ
وَنُنادي كُلَّ مَأمولٍ وَما .................. غَيرُ أَصداءِ المُنادي مِن مُجيبِ
دَوِيَ الجُرحُ وَلَم يُقدَر لَهُ ................ بَعدَ ثاوي عَينِ شَمسٍ مِن طَبيبِ
أَجدَبَ العِلمُ وَأَمسى بَعدَهُ ............... رائِدُ العِرفانِ في وادٍ جَديبِ
رَحمَةُ الدينِ عَلَيهِ كُلَّما .................. خَرَجَ التَفسيرُ عَن طَوقِ الأَريبِ
رَحمَةُ الرَأيِ عَلَيهِ كُلَّما ................. طاشَ سَهمُ الرَأيِ في كَفِّ المُصيبِ
رَحمَةُ الفَهمِ عَلَيهِ كُلَّما ................. دَقَّتِ الأَشياءُ عَن ذِهنِ اللَبيبِ
رَحمَةُ الحِلمِ عَلَيهِ كُلَّما ................ ضاقَ بِالحِدثانِ ذو الصَدرِ الرَحيبِ
لَيسَ في مَيدانِ مِصرٍ فارِسٌ .......... يَركَبُ الأَخطارَ في يَومِ الرُكوبِ
كُلَّما شارَفَهُ مِنّا فَتىً .................... غالَهُ المِقدارُ مِن قَبلِ الوُثوبِ
ما تَرى كَيفَ تَوَلّى قاسِمٌ ............... وَهوَ في المَيعَةِ وَالبُردِ القَشيبِ
أُنسِيَ الأَحياءُ ذِكرى عَبدِهِ ............. وَهيَ لِلمُستافِ مِن مِسكٍ وَطيبِ
إِنَّهُم لَو أَنصَفوها لَبَنَوا ................. مَعهَداً تَعتادُهُ كَفُّ الوَهوبِ
مَعهَداً لِلدينِ يُسقى غَرسُهُ .............. مِن نَميرٍ فاضَ مِن ذاكَ القَليبِ
وَنَسينا ذِكرَ حِفني بَعدَهُ ................ وَدَفَنّا فَضلَهُ دَفنَ الغَريبِ
لَم تَسِل مِنّا عَلَيهِ دَمعَةٌ ................ وَهُوَ أَولى الناسِ بِالدَمعِ الصَبيبِ
سَكَنَت أَنفاسُ حِفني بَعدَ ما ........... طَيَّبَت في الشَرقِ أَنفاسَ الأَديبِ
عاشَ خِصبَ العُمرِ مَوفورَ الحِجا ... صادِقَ العِشرَةِ مَأمونَ المَغيبِ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
* القصة والقصيدة في ديوان حافظ إبراهيم وفي بعض المنتديات ومنها نقلت.