المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهة وردّ



أهــل الحـديث
18-05-2013, 08:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الرد علي شبهة الرجل الذي أوصي بتحريق نفسه !!
-------------------------------------------------------
احتج بعض من يري العذر بالجهل بحديث الرجل الذي أوصى بتحريق نفسه، وقال بأنه رجل قد شك في قدرة الله على إعادته فغفر الله له بجهله.
والحديث هو ما رواه البخاري وغيره من حديث حذيفة (3479) وأبي سعيد الخدري (3478 ) وأبي هريرة (3481) والفظ لحديث أبي هريرة

(( عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ على رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ )).

مذاهب العلماء في فهم هذا الحديث ( حديث الرجل ذي أوصي بتحريق نفسه ) :

المذهب الأول :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأخذ بظاهر الحديث، وأن الرجل شك في قدرة الله؛ إلا أنه كان جاهلا فعذر بالجهل.
وممن قال بهذا القول من أهل العلم :

ـ الإمام ابن قتيبة :
---------------------
حيث يقول : (وهذا رجل مؤمن بالله مقر به خائف له إلا أنه جهل صفة من صفاته فظن أنه إذ أحرق وذري الريح أنه يفوت الله تعالى فغفر الله تعالى له بمعرفته تأنيبه وبمخافته من عذابه جهله بهذه الصفة من صفاته ) [ تأويل مختلف الحديث ص : 119 ].

ـ الإمام ابن حزم :
----------------------
حيث يقول : (فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله ) [ الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 3 / 140 ) ]

ـ الإمام ابن الوزير رحمه الله :
--------------------------------
حيث يقول : (وإنما أدركته الرحمة لجهله وإيمانه بالله والمعاد لذلك خاف العقاب وأما جهله بقدرة الله تعالى على ما ظنه محالا فلا يكون كفرا إلا لو علم أن الأنبياء جاؤا بذلك وأنه ممكن مقدور ثم كذبهم أو أحدا منهم لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل ) [ إيثار الحق على الخلق ص : 394 ]

ـ الإمام بن أبي العز الحنفي رحمه الله :
-------------------------------------------
حيث يقول : (كما غفر للذي قال: إذا مت فاسحقوني ثم ذروني، ثم غفر الله له لخشيته، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته، أو شك في ذلك ) [ شرح العقيدة الطحاوية ص : 299 ]
______________________________________

المذهب الثاني :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الذين ذهبوا إلى أن " قَدَرَ " بمعنى " ضيق " أو " قَضَى "
وقد ذهب هؤلاء العلماء إلى أن لفظة " لئن قدر على ربي " هي بمعنى " قضى " فيكون المعني لئن قضى على العذاب ليعذبني أو بمعنى ضيق " فيكون المعني لئن ضيق الله على فأعادني وهو قادر على أن يعيدني ليعذبني "

وقد احتج أهل هذا المذهب بحجج منها :
--------------------------------------------
1 ـ ما عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري " وإن يقدم على الله يعذبه " الحديث رقم : ( 6481).

2 ـ ما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد ـ أيضا ـ في القصة نفسها " فَإِنِّى لَمْ أَبْتَهِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَىَّ أَنْ يُعَذِّبَنِى ) الحديث رقم : ( 7160) .

وقالوا بأن هذا أمرا معروفا في لغة العرب ويؤيده ظاهر القرآن ( أي أن قدر تأتي بمعنى قضى وضيق ) .
ووجه احتجاجهم بهاتين الروايتين أنه ليس فيهما ما يدل على ما جاء في ظاهر الروايات الأخرى من أن الرجل كان شاكا في قدرة الله .

وقد اعترض ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على من يتأول قدر بمعنى ضيق بأنه لا أصل لذلك في لغة العرب حيث قال : ( قدر بمعنى ضيق لا أصل له في اللغة ) [ الفتاوى ( 11 / 410 ) ].

وقد أجاب أهل هذا القول على هذا الاعتراض؛ بأن نفي أن تكون قدر بعني " ضيق " من لغة العرب؛ هو مخالف لما جاء عن أئمة اللغة، وعن أئمة التابعين، بل هو مروي عن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه .
فقد نقل القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى : { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ }

(وذكر الثعلبي وقال عطاء وسعيد بن جبير وكثير من العلماء معناه: فظن أن لن نضيق عليه. قال الحسن: هو من قوله تعالى:" اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ" «3» [الرعد: 26] أي يضيق. وقوله" وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ" «4» [الطلاق: 7]. قلت: وهذا الأشبه بقول سعيد والحسن. وقدر وقدر وقتر وقتر بمعنى، أي ضيق وهو قول ابن عباس فيما ذكره الماوردي والمهدوي. وقيل: هو من القدر الذي هو القضاء والحكم، أي فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة، قاله قتادة ومجاهد والفراء. مأخوذ من القدر وهو الحكم ) [ تفسير القرطبي ( 11 / 331 )

وقال الإمام الشوكاني رحمه الله : (وذهب جمهور العلماء أن معناها : فظنّ أن لن نضيق عليه، كقوله : { يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } [ الشورى : 12 ]، أي يضيق، ومنه قوله : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] . يقال : وقَدَر وقُدِر وقَتَر وقُتِر، أي ضيق . وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم، أي فظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة، قاله قتادة ومجاهد، واختاره الفراء والزجاج، مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة ) [ فتح القدير للشوكاني ( 5 / 73 ) ]

وقدا اختار هذا القول ابن جرير ـ رحمه الله ـ حيث قال :

(وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عَنَى به: فظنّ يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه ) [ تفسير ابن جرير الطبري ( 18 / 516 ) ].

بهذا تعلم أن " قدر " تأتي في لغة العرب بمعنى " ضيق "؛ كما نُقِلَ عن أهل اللغة، وجمهور العلماء؛ من التابعين وغيرهم .

وكذلك اعترض ابن حزم ــ بأنه لو سلم لهم أن قدر بعني ضيق؛ لم يكن في أمره بالتحريق والذر بعد موته فائدة .
فقال رحمه الله : (وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى لئن قدر الله على إنما هو لئن ضيق الله على كما قال تعالى ((وأما إذا ما ابتلاه فقد عليه رزقه))

وقال بعضهم وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله على ليضيقن على وأيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمره بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى ) [ الفصل للإمام ابن حزم ج 3 / 141 ]
---------------------
وقد أجاب أصحاب هذا المذهب عن هذا الاعتراض بأنه فعل ذلك بنفسه إزراء لها وتحقيرا وغضبا عليها لإسرافها في العصيان، أو قد يكون ذلك جائزا في شرعهم تصحيحا وتتمة للتوبة.
قال الحافظ بن أبي جمرة مجيبا عن هذا الاعتراض بقوله :
(قال بن أبي جمرة كان الرجل مؤمنا لأنه قد أيقن بالحساب وأن السيئات يعاقب عليها وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة) [ فتح الباري ج 11 / 315 ].
----------------------------------------
ويقول القاضي عياض رحمه الله حاكيا عن الإمام ابن جرير وغيره من أهل العلم؛ في إجابتهم عن ما في هذا الحديث من تحريق الرجل لنفسه :
(ويكون ما فعله بنفسه إزراء عليها وغضبا لعصيانها) [ الشفاء للقاضي عياض ج 2/239 ].

وقال الإمام النووي رحمه الله :
--------------------------------
(وَقِيلَ : إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ، وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا، وَإِسْرَافهَا، رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى) [ النووي 9/124].
فتحصل من أجوبة هؤلاء العلماء أن الرجل فعل ذلك الفعل ليكفر به عن ما قصر به في جنب الله.
وقد جاء في رواية ( لم يبتئر ) بمعنى لم يدخر عملا صالحا؛ توبة منه إلى الله وإنابة إليه فغفر الله له، ولم يفعل ذلك ظنا منه أن الله غير قادر على جمعه وإعادته [ راجع " عارض الجهل " ص : 421 ]
________________________________________

المذهب الثالث :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أن هذا من باب مزج الشك باليقين:
ذهب من قال بهذا القول من أهل العلم إلى أن الرجل لم يشك في قدرة الله تعالي؛ وإنما استعمل أسلوبا من الأساليب السائغة في لغة العرب؛ وهو مزج الشك باليقين، بمعنى إيهام السامع الشك للوصول إلى الحقيقة، مع كونه موقنا في الحقيقة وليس شاكا .

ونقل مثل هذا القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :
---------------------------------------------
(وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا مِنْ مَجَاز كَلَام الْعَرَب، وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا، يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لِعَلَى هُدًى } فَصُورَته صُورَة شَكّ وَالْمُرَاد بِهِ الْيَقِين ).

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ:
-----------------------------------
( وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا مِنْ مَجَاز كَلَام الْعَرَب، وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا، يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِالْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لِعَلَى هُدًى } فَصُورَته صُورَة شَكّ وَالْمُرَاد بِهِ الْيَقِين ) [ شرح النووي على مسلم ( 9 / 129 )
____________________________________________

المذهب الرابع :
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

أن الرجل كان في زمن فترة:
ذهب من قال بهذا القول من أهل العلم إلى أن الرجل كان في زمن فترة يكتفي فيه بمجرد التوحيد.

ـ قال الإمام القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :
--------------------------------------------
(وقيل كان هذا في زمن الفترة وحيث ينفع مجرد التوحيد ) [ الشفا بتعريف حقوق المصطفي ( 2 / 293 ) ].

ـ قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ :
-----------------------------------
(وَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَ هَذَا الرَّجُل فِي زَمَن فَتْرَة حِين يَنْفَع مُجَرَّد التَّوْحِيد [ شرح النووي على مسلم ( 9 / 124 ) ].

ـ وقال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله :
---------------------------------------------
(أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان ) [ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ( 6 / 523 ) ].
______________________________________

المذهب الخامس :
_____________

وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه ربما كان في شرعهم جواز العفو عن الكافر بخلاف شرعنا.

ـ قال لإمام النووي رحمه الله
---------------------------------
(وَقَالَتْ طَائِفَة : يَجُوز أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَن شَرْعهمْ فِيهِ جَوَاز الْعَفْو عَنْ الْكَافِر، بِخِلَافِ شَرْعنَا، وَذَلِكَ مِنْ مُجَوَّزَات الْعُقُول عِنْد أَهْل السُّنَّة، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعنَا بِالشَّرْعِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ } وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّة، وَاَللَّه أَعْلَم ) [ شرح النووي على مسلم ( 9 / 124 ) ].

وقد استبعد الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ هذا القول حيث يقول :
(وأبعد الأقوال قول من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر ) [ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ( 6 / 523 ) ].
_____________________________________________

المذهب السادس :
______________

أن الرجل لم يفعل كفرا أصلا وأن ما قاله ليس شكا في القدرة وإنما في إجرائها.
ـ قال الإمام الكشمهيري رحمه الله :
--------------------------------------
(ومن ألفاظه: «لَئِنْ قَدَرَ الله عليّ...» إلخ، قيل: إن هذا يُؤْذِنُ بتردُّده في قدرته تعالى، وهو كفرٌ. قلتُ: لفظه هذا يحتمل معنيين: الأول: ما قلتَ، وهو كفرٌ، كما قلتَ. والثاني: أنه لا شكَّ له في نفس القدرة، ولكنه في إجرائها، أي إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى، وإن كان قادراً، لكنه إن تَرَكَني على هذا الحال ولم يَجْمَعْني، فقد تمَّت حيلتي، وأنقذتُ نفسي، وإن لم يَتْرُكْني حتَّى جَمَعَني ونفذت قدرته، فإنه يعذِّبني... إلخ. وهذا معنى لا غائلة فيه. وليس فيه ما يُوجِبُ الكفرَ أصلاً ) [ فيض الباري شرح صحيح البخاري ( 6 / 62 ) ].
___________________________________________

المذهب السابع :
_____________

أن الرجل قال ذلك في حالة ذهول، ودهشة، وشدة جزع؛ حيث ذهب تيقظه وتدبر ما يقوله، فكان في معني الغافل والناسي؛ الذي لا يعقل ما يقول، ومن كان في هذه الحالة، ترتفع عنه المؤاخذة.

ـ قال القاضي عياض رحمه الله :
-------------------------------------
(وقيل: إنما قال ما قاله وهو غير عاقل لكلامه ولا ضابط للفظه مما استولى عليه من الجزع والخشية التى أذهبت لبه فلم يؤاخذ به ) [ الشفا بتعريف حقوق المصطفي ( 2 / 293 ) ].

ـ قال الإمام النووي رحمه الله :
---------------------------------
(وَقَالَتْ طَائِفَة : اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره، وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلَامِهِ، وَلَا قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ، وَمُعْتَقِد لَهَا، بَلْ قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَالْخَوْف وَشِدَّة الْجَزَع، بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ، فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِل وَالنَّاسِي، وَهَذِهِ الْحَالَة لَا يُؤَاخَذ فِيهَا، وَهُوَ نَحْو قَوْل الْقَائِل الْآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته : أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك، فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَالْغَلَبَة وَالسَّهْو ) [ شرح النووي على مسلم ( 9 / 124 ) ]

ـ قال الإمام ابن بطال رحمه الله :
-----------------------------------
( وقال آخرون : إنما غفر له، وإن كان كفرًا ممن قصد قوله وهو يعقل ما يقول؛ لأنه قاله وهو لا يعقل ما يقول . وغير جائز وصف من نطق بكلمة كفر وهو لا يعلمها كفرًا بالكفر، وهذا قاله وقد غلب على فهمه من الجزع الذى كان لحقه لخوفه من عذاب الله تعالى وهذا نظير الخبر الذى روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الذى يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال له : ( إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ) فيقول للفرح الذى يدخله : ( يا رب أنت عبدى وأنا ربك مرتين ) قالوا فهذا القول لو قاله على فهم منه بما يقول كان كفرًا، وإنما لم يكن منه كفرًا لأنه قاله وقد استخفه الفرح مريدًا به أن يقول : أنت ربى وأنا عبدك، فلم يكن مأخوذًا بما قال من ذلك . ويشهد لصحة هذا المعنى قوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) [ شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 10 / 193 ـ 194 ) ].

ـ قال ابن حجر رحمه الله :
----------------------------
(وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه ) [ فتح الباري ( 6 / 523 ) ].
وقد ذكر مثل ذلك عن شيخه ابن الملقن حيث قال :
(ومن اللطائف أن من جملة الأجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا بن الملقن في شرحه أن الرجل قال ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجزع فيعذر في ذلك ) [ فتح الباري ( 11 / 314 ) ].
وهناك نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية ذهب فيه إلى ما صدر من هذا الرجل هو من قبيل شدة الخوف والخطأ.
فقال رحمه الله :
( فهذا الرجل لما كان مؤمنا بالله في الجملة، ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت فهذا، عمل صالح وهو خوفه من الله أن يعاقبه على تفريطه، غفر له بما كان من الإيمان بالله واليوم الآخر؛ وإنما اخطأ من شدة خوفه كما أن الذي وجد راحلته بعد إياس منها أخطأ من شدة فرحه ).
مجموع الرسائل والمسائل ( 3 / 346 ) نقلا عن الكتاب القيم " عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة " ص : 433 .
وقد رجح هذا المذهب الأخير واختاره كلا من " الإمام ابن حجر " وشيخه " بن الملقن " وذكره " القاضي عياض " عن طائفة من العلماء.
وقد رجح الشيخ أبي العلاء بن راشد هذا القول واختاره لأمور منها :
1 ـ تصريح طائفة من أهل العلم بترجيحه واعتماده.
2 ـ هذا المذهب يبقي اللفظ على ظاهره " فإن قدر على ربي " ويلحق فعل الرجل بعارض آخر وهو الخطأ من شدة الجزع والخوف .
وإبقاء اللفظ على ظاهره أولي من تأويله؛ كما هو مقرر في علم الأصول .
3 ـ أن ترجيح هذا المذهب لا يعني رد غيره من الأوجه الأخرى المعتبرة عند أهل العلم؛ لأنها أوجه محتملة عليها طوائف من أهل العلم .

ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال ضعف الاستدلال بها.
وفي هذا يقول الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري ـ رحمه الله ـ :
( وقائع الأحوال إذا تطرق عليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقي فيها من الإجمال) [ نيل الأوطار ( 2 / 44 ) ].
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

تنبيهات تتعلق بهذا الحديث:
___________________

1- قيام الرجل بالتوحيد:
--------------------------
هذا الحديث خارج عن محل النزاع فهو ليس في قضية التوحيد التي هي أصل الأصول بل كان الرجل موحدا مؤمنا مجانبا للشرك تاركا له.
ففي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة:
(عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد فلما احتضر قال لأهله انظروا إذا أنا مت ان يحرقوه حتى يدعوه حمما ثم اطحنوه ثم أذروه في يوم ريح فلما مات فعلوا ذلك به فإذا هو في قبضة الله فقال الله عز و جل يا بن آدم ما حملك على ما فعلت قال أي رب من مخافتك قال فغفر له بها ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ) [ المسند (8040) ]
----------------------------------------------------
ومن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
( أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فخذوني واحرقوني حتى تدعوني حممة ثم اطحنوني ثم اذروني في البحر في يوم راح قال ففعلوا به ذلك قال فإذا هو في قبضة الله قال فقال الله عز و جل له ما حملك على ما صنعت قال مخافتك قال فغفر الله له ) [ المسند (3785) ]
--------------------------------------------------------
ـ قال الإمام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
( روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال "قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد" وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة) التمهيد ج 18/37.
--------------------------------------------------
قال العلامة عبيد الله بن العلامة محمد عبد السلام المباركفوري:
(وقد روى الحديث بلفظ : قال رجل لم يعمل خيرًا قط إلا التوحيد، وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمانه والأصول تعضدها { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ( النساء : 48) قلت : الخشية من لوازم الإيمان ولما كان فعله هذا من أجل خشية الله تعالى وخوفه فلا بد من القول بإيمانه، وعلى هذا فالحديث ظاهر بل هو كالصريح في استثناء التوحيد كما تقدم فلا إشكال فيه .) [ مرعاة المفاتيح (8/180) ]
--------------------------------------------------------
ـ قال صاحب الأحاديث القدسية :
نقلاً عن القسطلاني في شرح الصحيح لم (يقدم عند الله خيراً) ( ليس: المراد نفي كل خير على العموم، بل نفي ما عدا: التوحيد ولذلك غفر له، وإلا فلو كان التوحيد منتفياً عنه، لتحتم عقابه سمعاً ولم يغفر له... وليس ذلك شكاً منه في قدرة الله على إحيائه ولا إنكاراً للبعث وإلا لم يكن موقناً، وقد أظهر إيمانه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله –تعالى ا.هـ.) [ العذر بالجهل تحت المجهر ص 239 ].
-------------------------------------------------------------------
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله : ( وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه كان موحداً ليس من أهل الشرك ، فقد ثبت من طريق أبي كامل ، عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة (( لم يعمل خيراً قط إلاَّ التوحيد )) ، فبطل الاحتجاج به في مسألة النـزاع ).اهـ [ منهاج التأسيس والتقديس ص 218 ]
------------------------------------------------------------

2- الرجل لم يكن شاكا أو جاهلا في أصل قدرة الله تعالى ولو كان شاكا في أصل القدرة لما أوصي أولاده بأن يحرقوه ويذروه ولقال لهم : إذا مت فاقبروني بهيئتي.
وإنما كان الرجل مثبتا للقدرة لكنه يري أنها خاصة بالموجودات؛ لذا أمر بإحراقه وذره في الهواء ليكون معدوما، وهو شك في جزئية من جزئيات القدرة، وهي مسألة خفية، ولم يكن منكرا لعموم القدرة .

ـ قال الإمام الدهلوي :
-------------------------
(فهذا الرجل استيقن بأن الله متصف بالقدرة التامة، لكن القدرة إنما هي من الممكنات، لا في الممتنعات، وكان يظن أن جمع الرماد المتفرق نصفه في البر ونصفه في البحر ممتنع، فلم يجعل ذلك نقصا، فأخذ بقدر ما عنده من العلم، ولم يعد كافرا) [ الحجة البالغة للدهلوي ج1 /126].

ـ قال السندي رحمه الله :
-----------------------------
( فيحتمل أنه رأى أن جمعه يكون حينئذ مستحيلا والقدرة لا تتعلق بالمستحيل فلذلك قال فو الله لئن قدر الله فلا يلزم أنه نفى القدرة فصار بذلك كافرا فكيف يغفر له وذلك لأنه ما نفى القدرة على ممكن وإنما فرض غير المستحيل مستحيلا فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة والكفر هو الأول لا الثاني ) [ حاشية السندي على النسائي ج 4 / 113 ].
-----------------------
ـ قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله :
( الذي أمر بان يذر في البحر، خوفاً من الله، لم يكن شاكاً في القدرة، إنما ظن أن جمعه بعد ذلك، من قبيل المحال، الذي ما من شأن القدرة أن تتعلق به؛ وهذا : باب واسع، والله أعلم ) [ الدرر السنية ج 2 / 33 ].
فجهل الرجل بهذه الصورة الدقيقة لا يطعن في ألوهية الله سبحانه وتعالى .
بخلاف من شك في أصل قدرة الله فهذا طعن في ألوهيته سبحانه وتعالى إذ كيف يكون الإله عاجزا أو جاهلا أو ميتا .
-----------------------------------------------------
ولذلك نص شيخ الإسلام ابن تيمية في مناظرته على (العقيدة الواسطية ) التي جلها في باب الأسماء والصفات ، وذلك لما اعترض بعض المناظرين على قوله فيها (هذا اعتقاد الفرقة الناجية ) قال رحمه الله : ( وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً ، فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة ) أهـ الفتاوى (3/116) ".اهـ
-----------------------------------------
قال الشيخ المقدسي - معلقاً على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتأمل قوله في حديث الرجل ( فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري…الخ). فإن الرجل المذكور لم يجحد اليوم الآخر ولا أنكر البعث على إطلاقه، بل كما قال شيخ الإسلام في موضع آخر من الفتاوى (12/263): (كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت) أهـ.
وخوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه دفعة في اندهاشه ساعة موته إلى أن يوصي بما أوصى به، فالجهل حصل عنده في سعة قدرة الله تعالى وتفاصيلها وأن الله قادر على جمع كل ذرة من ذراته، وهذا التفصيل من الأخبار التي لا تعرف إلا من طريق الحجة الرسالية ولذلك يعذر الجاهل الذي عنده أصل الإيمان والتوحيد بها، كما كان حال هذا الرجل، إذا ما أخطأ أو جهل بعض تفاصيل الأسماء والصفات ونحوها من الأمور،، التي قد تخفى علي من خلا فيه نذير
---------------------------------------------------
وقال الخطابي : (قد يستشكل هذا فيقال :كيف يُغفر له وهو منكرٌ للبعث والقدرة على إحياء الموتى ؟ والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل أنه إذا فعل به ذلك لا يُعاد فلا يعذَّب وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله) .ذكره ابن حجر في فتح الباري (6 /604).
-----------------------------
وذكر قول ابن قتيبة : (قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك) أهـ.

وفي قول شيخ الإسلام عن ذلك الرجل: (لم يكن عالماً بجميع ما يستحقه الله من الصفات وبتفصيل أنه القادر…) ،وقول الخطابي : (أنه لم ينكر البعث )؛
----------------------------------------------------------------------
ما يبين أن الأمر ليس كما ذهب إليه بعض أهل التجهم والإرجاء من دعوى أن هذا الرجل أنكر البعث مطلقاً، ثم يستدل بقوله تعالى: (( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا )) ومن ثم توجيه وتعميم إعذاره بالجهل في إنكار البعث مطلقا، لينتقل بذلك إلى إعذار الطواغيت المشرّعين والحكام المرتدين المحاربين للدين المتولين لأعدائه، الذين قد خرجوا من دين الله من أبواب عديدة..!! فلا شك أن هذا من تحميل الدليل ما لا يحتمله، فالرجل كما هو ظاهر لم يكن منكراً لقدرة الله على البعث، وإنما دخله الجهل في سعة هذه القدرة وتفاصيلها، وأنه سبحانه قادر على جمع ما ذرّته الرياح. وتفرق في الأنهار والبحار من رماده وبعثه، وهذا التفصيل تحار فيه العقول، وقد يخفى وتذهل عنه الأذهان،خصوصا مع شدة الفزع والاندهاش في سكرات الموت ، وهو مما لا يعرف إلا من طريق الحجة الرسالية، فلا يحل مماثلة الخطأ أو الجهل في مثل هذا الأمر الخفي ،وتنزيل العذر فيه وإلحاقه بالشرك الأكبر الواضح المستبين، والردة الصريحة المضاف إليها محاربة الدين ،وغير ذلك من الكفر البواح الذي ارتكس في حمأته طواغيت الحكم، مناقضين بكفريّاتهم أظهر وأصرح وأشهر أمور الدين التي بعث بها الرسل كافة.

فوالله الذي لا إله إلا هو لا يساوي أو يماثل بين خطأ هذا الرجل الموحد وبين طوام القوم المشركين في الوهية الله وربوبيته ؛إلا المطففون الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، المتلاعبون بالأدلة، الذين يلوون أعناقها ويتلاعبون بدلالاتها، (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم))؟؟؟".اهـ
___________________________________

ومن أروع ماتقرء في هذا الباب "
---------------------------------
الشبهة التي يستدل بها دائماً المخالفون:
_____________________________

- قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين: (واحتج بعض من يُجادل عن المشركين، بقصة الذي قد أوصى أهله أن يُحرقوه بعد موته، على أن من أرتكب الكفر جاهلاً لا يكفر، ولا يكفر إلاَّ المُعاند.
والجواب على ذلك كله: أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرُسل، وأعظم ما أُرسلوا به ودعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره، فإن كان مُرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله، فمن الذي لا يُعذر؟!... وأما الرجل الذي أوصى أهله أن يُحرِّقوه، وأن الله غفر له مع شكه في صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، فإنما غفر له لعدم بلوغ الرسالة له، كذلك قال غير واحد من العلماء؛ ولهذا قال الشيخ تقي الدين: من شك في صفة من صفات الرب تعالى، ومثله لا يجهله كفر، وإن كان مثله يجهله لم يكفر ، قال: ولهذا لم يُكفِّر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قُدرة الله تعالى، لأنه لا يكفر إلاَّ بعد بلوغ الرسالة، وكذلك قال أبن عقيل، وحمله على أنه لم تبلغه الدعوة. واختار الشيخ تقي الدين في الصفات: أنه لا يكفر الجاهل، وأما في الشرك ونحوه فلا، كما ستقف على بعض كلامه إن شاء الله تعالى، وقد قدمنا بعض كلامه في الاتحادية وغيرهم، وتكفيره من شك في كفرهم. قال صاحب اختياراته: والمُرتد من أشرك بالله، أو كان مُبغضاً لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو لما جاء به، أو ترك إنكار كُل منكر بقلبه ، أو توهم أن من الصحابة من قاتل مع الكُفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر فرعاً مجمع عليه إجماعاً قطعياً، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم، كفر إجماعاً. ومن شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها فمرتد، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله، فأطلق فيما تقدم من المكفرات، وفرق في الصفة بين الجاهل وغيره، مع أن رأي الشيخ: أن التوقف في تكفير الجهمية ونحوهم، خلاف نصوص أحمد وغيره من أئمة الإسلام. قال المجد رحمه الله تعالى: كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نُفسق المُقلد فيها، كمن يقول: بخلق القرآن، أو أن علم الله مخلوق، أو أن أسمائه مخلوقة، أو أنه لا يُرى في الآخرة، أو يسب الصحابة رضي الله عنهم تديناً، أو أن الإيمان مُجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك، فمن كان عالماً في شئ من هذه البدع يدعوا إليه، ويناظر عليه، محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع، انتهى. فأنظر كيف حكم بكفرهم مع جهلهم) .

- قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله: (وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه كان موحداً ليس من أهل الشرك، فقد ثبت من طريق أبي كامل، عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة ((لم يعمل خيراً قط إلاَّ التوحيد)) ، فبطل الاحتجاج به في مسألة النزاع) .