المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القول النفيس في وقوع الوليد بن مسلم بالتدليس



أهــل الحـديث
18-05-2013, 11:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الْحَمْدُ للهِ بِالْعَشِى وَاِلإِشْرَاقِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَى مَحَبْتِهِ الإِتْفَاقُ ، وَطَلَعَتْ شُمُوسُ أَنْوَارِهِ فِي غَايَةِ الإِشْرَاقِ ، وَتَفَرَّدَ فِى مَيْدَانِ الْكَمَالِ بِحُسْنِ الإِسْتِبَاقِ ، النَّاصِحِ الأَمِينِ الَّذِي اهْتَدَى الْكَوْنُ كُلُّهُ بِعِلْمِهِ وَعَمْلِهِ ، وَالْقُدُوَةِ الْمَكِينِ الَّذِي اقْتَدَى الْفَائِـزُونَ بِحَـالِهِ وَقَوْلِهِ ، نَاشِـرِ أَلْوِيَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ، وَمُسْدِي الْفَضْلِ لِلأَسْلافِ وَالْخَوَالِفِ ، الدَّاعِي عَلَى بَصِيرَةٍ إِلَى دَارِ السَّلامِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَالْبَشِيرِ النَّذِيرِ عَلَمِ الأَئَمَّةِ الأَعَلامِ ، الآَخِذِ بِحُجُزِ مُصَدِّقيِّهِ عَنْ التَّهَافُتِ فِي مَدَاحِضِ الأَقْدَامِ ، وَالتَّتَابُعِ فِي مَزَلاتَ الْجَرْأَةِ عَلَى الْعِصْيَانِ :

[ الباب الأول ] تَعريف تدليس التَسوية .
وهذا النوعُ مِنْ التدليس هو أردى أنواعهِ وشرهُ قال الحافظ الذهبي في ترجمة الوليد بن مسلم - رحمه الله - : (( وكان من أوعية العلم ، ثقة حافظا ، لكن رديء التدليس ، فإذا قال : حدثنا ، فهو حجة . هو في نفسه أوثق من بقية وأعلم )) وهو أن يسقط الراوي شيخاً ضعيفاً بين ثقتين علم سماعهما مِنْ بعضهما البعض أو تلاقيهما ، ففي هذه الحالة يأتي الراوي فيسقط الضعيف من بين الثقتين حتى يصبح السند مستقيماً كله، ثم يأتي بالعنعنة، ولذلك كثير من المدلسين لا يقبل منه إلا إذا صرح بالتحديث، كما قال الذهبي في بقية، قال: أما بقية إن قال: عن، فلا تلتفت إليه، وإن صرح بالتحديث فذاك، يعني: إذا قال: حدثني، فخذ، فالمدلس هنا يقول: حدثني ثم يأتي بشيخه الثقة، ثم يقول: عن؛ لأنه لو قال: حدثني، لكان كاذباً، فيسقط الضعيف من بين الثقتين ويأتي بصيغة موهمة للسماع وهي عن، ويكون شيخه قد عاصر الثقة الذي بعد الضعيف.
وقد دفع هذا الأمر العُلماء إلي التشنيع على تدليس التسوية واتهم بذلك الثوري -وكان مقلاً- والأعمش والوليد بن مسلم وهشيم بن بشير وبقية بن الوليد .
وقد بالغ ابن حزم فقال : (( إن الذي يدلس تدليس التسوية ساقط العدالة، رقيق الديانة؛ لأنه سيضيع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: يدخل في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منها )) أهـ .
قُلت : وهذه مُبالغة مِنْ ابن حزم - رحمه الله - فليس مَنْ اتهم بتدليس التسوية ساقطُ العدالة رقيق الديانة في حين أنا نرى الأئمة يثنون على مثل الوليد بن مسلم ويقولون بأنه ثقةٌ ثبتٌ مِنْ الأعلام إلا أنه متهم بتدليس التسوية ، والحق أننا لابد أن ننظر للأمر بعينٍ ناقدةٍ ، وليس مثل الوليد بن مسلم سافط العدلة تماما بل مَنْ كان معروفا بتدليس التسوية فهذا مطعنٌ في عدالته ولا يقتضي اسقاط حديثه بالكلية فكونه ساقط العدالة تماما يقتضي ترك حديثه بالكلية وإن كان تكلم فيه لتدليسه فهذا لا يعني رد حديثه بالكلية كما هو ظاهر كلام ابن حزم - غفر الله له - ! وأعجب من وصفه إياهم بقوله - رقيق الديانة - وهذا وإن كان هذا أردى أنواع التدليس وأقبحها عند المحدثين فإنه ليس بمسلكٍ يسلك في الكلام عمن اتهم فيه .
ولا نعلم أحداً مِنْ الأئمة قديما ولا حديثاً قال بهذا القول والفاصل في المسألة أن لا يقول الراوي المتهم بتدليس التسوية ! حدثنا وإلا صار بذلك كذاباً بل إن الغالب على أمثال تدليس الوليد بن مسلم إذا دلس تسويةً عن الإمام الأوزاعي أن يقول (( قال الأوزاعي )) وليس بصيغةِ حدثنا ! او كأن يوهم الرواي بصيغةٍ توهم السماع وهو أن يقول (( عن )) وهذا لا يجعلها ممن استساغ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنا لا نسلم لابن حزم بقوله هذا .
[ تنبيه ] وهذا النوع مِنْ التدليس قد سماهُ بعد المُتقدمين تجويداً ، وإنظر بذلك لتدريب الراوي وفتح المغيث وشرح ألفية السيوطي أي أنهُ يذكر في جياد أهل الإسناد ، أي أنه جعل ظاهر الإسناد بهذا الفعل المُستقبح جيداً ، وسماه صاحب ظفر الاماني بالتحسين وهو أن يحسن الراوي ظاهر الإسناد بأن يحذف منه الضعيف ويبقى الثقات مِنْ الرواة .
ويشترط في هذا النوع مِنْ التدليس يشترط فيه التحديث والإخبار مِنْ المدلس إلي آخره ولذلك قال العلائي جامع التحصيل (ص94) : (( وهو مذموم جداً من وجوه كثيرة منها أنه غش وتغطية لحال الحديث الضعيف وتلبيس على من أراد الاحتجاج به. ومنها أنه يروي عن شيخه ما لم يتحمله عنه لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف ولم يروه شيخه بدونه ، ومنها أنه يصرف على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما ألحق بشيخه وصمة التدليس إذا تتحقق عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف ثم يوجد ساقط في هذه الرواية فيظن أن شيخه الذي أسقطه ودلس الحديث وليس كذلك )) وعليه فإنه لابد مِنْ أن يصرح المدلس المُتهم بتدليس التسوية مِنْ أول الإسناد إلي أخرهِ ولا ينفع أن يصرح بالتحديث بينهُ وبين شيخه فقط .
[ مثال ] ما أورده ابن أبي حاتم في العلل : (( سمعت أبي -وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع، عن ابن عمر، حديث: "لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه"- قال أبي: هذا الحديث له أمر قل من يفهمه. روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو، كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة لا يهتدى له )) أهـ .
قُلت : وعبيد الله بن عمرو ( ثقة ) ، إسحاق بن أبي فروة ( متروك الحديث ) ، نافع ( ثقة جليل ) فإنظر يا رعاك الله كيف هي عند ابن أبي حاتم ! فسواهُ بقية بن الوليد فجعل ظاهر الإسناد أنه جيدٌ وهذا مما وقع فيه بقية بن الوليد مِنْ التجويد - تدليس التسوية - . والله أعلم .
ومِنْ أكثر مَنْ وقع فيه مِنْ الرواة بقية بن الوليد والوليد بن مسلم ! قال الشيخ الجديع في كتابه النفيس تحرير علوم الحديث (2/956) : (( دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميثمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: (قال عبيد الله بن عمر عن نافع) و (قال مالك عن نافع كذا)، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية و تخلص الواضع من الواسط )) ثُم اعتذر له الإمام ابن حبان - رحمه الله تعالى - المجروحين (1/200) كما نقل الشيخ الجديع .
لاشك في كون تدليس التسوية قادحاً في عدالة الرواة ! وقد اتهم به مَنْ هم بالجلالة والمكانة ما الله تعالى به عليمٌ كالإمام الثوري وكان - قليلاً ما يقع منه - والأعمش وأحسن ما يعتذر لمثل هذين الإمامين أنهما ما كانا يفعلانه إن وقع منهم إلا لمَنْ يعرف عندهم بانه ثقة ، ومَنْ اشتهر به أكثر هما الوليد بن مسلم وبقية ، والإكثارُ مِنْ تدليس التسوية قدحٌ في الراوي إلا أن بعضاً مِنْ الأئمة الكبار قد وقع فيهِ كما أسلفنا وليس بسبب يترك لأجله رواية المُدلس إنما يقوم المرء بجمع طرق الحديث وتخريجه وبذلك يعرف ما إن وقع فيهِ أم لم يقع ، ومثل الثوري ومنه يكاد أن يكون نادرا ومن الأعمش فإنهما فعلاه إجتهادا منهما وعمن هو عندهم ثقةٌ ! ولكن تبقى رواية الوليد بن مسلم والذي اجتمع الناس على أنه معروفٌ بهِ فهل اقتضى ذلك اسقاط عدالته بالكامل ! أم أنه لا يقبل منه ما قد دلس به وما صرح به بالسماع فمقبولٌ بلا خلاف .

يتبع بإذن الله تبارك وتعالى ونسأل الله العلي العظيم التوفيق والسداد .