المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة الخاطر - 1/ الإسكندريّة تشتكي



أهــل الحـديث
17-05-2013, 02:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



((ترجمة الخاطر))

الحمد لله حقَّ حَمْده، والصّلاة والسّلام على مَن لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
القارىء الكريم! هذه خواطري أبثُّها إليك، وأنثرها بين يديك، أرجو بها تفريج الخاطر، وتفريح النَّاظر. بثثتها دُربةً للبيان، ومشاركةً للخُلَّان.
أسأل الله تعالى أنْ تأنس بها فلا تستوحش، وأنْ تنبسط لها فلا تنقبض. واعلم أنّ الطَّبْع قد يورَث بالتكلُّف، كما أنّ الملَكَة قد تورَث بمزاولة الصَّنعة.


(الخاطرة الأولى)
(خِيْرَ اللهُمَّ اجْعَلُهْ خِيْر (1))
(الإسكندريّة تشتكي)

قال لي صاحبي:
تمثَّلَت لي الإسكندريَّة كامرأة شَهْلَة (2) كَهْلَة، مُثْقَلَة واهِنَة؛ حَنياء (3) الظَّهر، غضيضة الطَّرف، مكسورة، مكسوفة (4)، تَشُوب وتَروب (5)، عليها هِدْم مُرَدَّم (6)، وفي صدرها أزيز كأزيز المِرْجَل، قد تَرك الدَّمعُ بها دُماعا (7)، وأصاب الحزنُ منها موقعا.
تمثَّلت بَقِعَة (8)، وَجِلَة، عَجِلة، مُثّاقلة، تَروم قصدًا فتخيب سعيا، تعْقد أمرًا فتقعُد دَهرا، تَرفَع وضيعا، وتَضع رفيعا، كان الجعظريّ الجوّاظ (9) لا يُساكنها، فصار في معاطفها.
زاغ البصر، وراغ الفِكر. سكتت الإسكندريّة، ثم سكتت، فتأوَّهَت، وأنَّت؛ بَثَّت أحزانا، وأبدت أشجانا، وقالت:
ما هذا الذي صِرْتُ إليه؟!
أعروس الأمس أضحت خبرا؟!
أقِبلة العلم، ومنارة الفِكر (10)، أمست ذِكْرا؟!
فلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسا، ولا تسمَّع إلّا رِكْزا؟!
قد صِرْتُ خبرا، واستحلت أثرا؟!
أنا الإسكندريَّة إذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيمًا وخيرًا وبِرًّا ..
أنا الإسكندريَّة في مَوْكِب التّاريخ كُنتُ وكنتُ (11)، حتى صِرتُ إلى ما إليه صِرت ..
أنا الإسكندريَّة المصونة في ثوب طُهر؛ حييّة بهيّة، مليحة نظيفة؛ كيف طُفْتَ، كيف جُلْتَ / كيف صِرتُ؟!
فقلت: لصاحبي:
لا تجزع، واصبر؛ فإنّك - بإذْن الله عزّ وجلّ - رائيها حيث أردت، وواجدها حيث فقدْت.
وفي الوَحْيَين عِظَات وعِبَر، وآيات وحِكَم؛ من رَغِبَ إليهما هُدِي، ومَن فَزِغ إليهما وُقِي، ومَن رَغِب عنهما ضَلّ، ومَن فَزِع إلى غيرهما زَلّ، وسُنَّة الابتلاء ماضية، والاستدراج باقية؛ لِيَهْلِكَ مَن هَلك عن بيِّنة، ويحيا مَن حَيَّ عن بيِّنة.
وصلِّ اللهمّ على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

___________
(1) مَثَلٌ عامِّيٌ يَستفتِح به القاصُّ رؤياه، والغرض منه بثّ التفاؤل وتثبيت الفؤاد.
(2) الشَّهْلَة: العجوز.
(3) حنياء: أي: حدباء.
(4) مكسوفة: مِن (كَسَفَ)، أصل يدل على تغيُّر في حال الشيء إلى ما لا يُحب، وعلى قطع شيء من شيء. ويقال: رجل كاسف الوجه، إذا كان عابسا. وهو كاسف البال، أي سيئ الحال.
(5) تَشُوب وتَروب: تُخطئ وتُصيب؛ مَثَل؛ وأصله في اللّبن يُخلَط بالماء تارة، ويترك صريحًا أخرى.
(6) هِدْم مُرَدَّم: ثياب بالية مُرَقَّعة.
(7) دُماعا: بالضَّم، كغراب، وهو أثر الدَّمع في الوجه.
(8) بَقِعَة: أرض بَقِعَة: نَبْتها متقطِّع، كناية عن تفاوت حال أهلها.
(9) الجعظريّ الجوّاظ: الجعظريّ: الفظُّ الغليظ. والجَوَّاظ: الفاجِر.
(10) (11) وهذا أمر أشهر مِن أنْ يُعَرَّف به، أو يُكشَف عنه، أو يُدَلّ عليه. وفي مكانة الإسكندريَّة مؤلَّفات مستقلَّة.
تنبيه: نُسِبَ للأُسيوطي: "رسالة في فضل ثغر الإسكندرية"، ولا تصحّ نسبتها إليه، ونُسِبَت في برنامج "جوامع الكلم" إلى أبي عمرو ابن الصَّلاح، بعنوان "أحاديث في فضل الإسكندرية وعسقلان"، ولا تصح هذه النسبة كذلك،
والصّواب أنّ هذه الرسالة لابن أبي إسحاق الفقيه المعروف بابن الصبّاغ، وقد ذكره ابن حجر في "المعجم المفهرس" بعنوان " فضائل الإسكندرية". وفي هذه الرِّسالة أباطيل في فضل الإسكندرية. والله أعلم.
***