المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمل المرأة عن بُعد...هل هو الحل الأمثل؟



أهــل الحـديث
17-05-2013, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



عمل المرأة المسلمة عن بُعد...نقاش





إن عبارة "عمل المرأة عن بُعد" يُقصد بها قدرة المرأة على كسب المال وهي داخل بيتها، فلم تعد تخرج من أول النهار وتعاني المواصلات لتدرك وظيفتها اليومية داخل المكتب لمدة ساعات العمل ثم تنصرف لتعاني مرة أخرى رحلة الإياب إلى بيتها، بل صارت ـ بفضل الله ثم شبكة الإنترنت العالمية ـ تؤدي مهام العمل من داخل بيتها بعيدًا عن رؤية الشارع بالمرة. وهذه صورة انتشرت كثيرًا في المجتمعات الغربية والأوروبية اليوم، وصار لأسلوب العمل عن بُعد مئات مواقع الإنترنت المخصصة لهذا الغرض فقط، سواء للرجال أو للنساء أو "للأمهات العاملات عن بُعد". والفكرة تسربت إلى الدول العربية سريعًا وفي تزايد وانتشار واسع، حسبما نقرأ الإحصاءات على مواقع الإنترنت.

وحقا التوظيف عن بُعد يوفر على الشركات تكاليف توفير مكاتب وأجهزة ولوازم استضافة الموظفين يوميًا فهي صورة نموذجية من صور "تبادل المنفعة"، الموظف (أو الموظفة) يظل في بيته وسط أولاده، ومال صاحب العمل يظل في جيبه فلا داعي لمزيد مكاتب وأجهزة كمبيوتر وتجهيزات وكهرباء وإيجارات...إلخ.

وهي صورة تناسب قطاعًا كبيرًا من الأعمال التي لا تحتاج إلى الالتقاء بالعاملين أو العاملات وجهًا لوجه، ويسهل إنجاز المراد فيها عبر الإنترنت؛ لكن ليست كل قطاعات الأعمال هكذا حتى اليوم، فما زالت المرأة العاملة تخرج للعمل، لكن المشاهد أن عدد اللاتي يفضلن العمل عن بُعد من النساء في تزايد مطرد، والعجيب أن الظاهرة تشمل العاملات المسلمات وغير المسلمات، والمواقع الأجنبية تعج بالأمثلة التي لا نحتاج معها إلى ذكر واستشهاد.

وقد سارع عدد من المشايخ والدعاة إلى المناداة بتطبيق هذه الصورة فورًا على المرأة المسلمة، وتوجيه الدعوة للعمل بهذه الصورة الحديثة كبديل وحل للاختلاط في محل العمل، ورغبة طيبة منهم بحسن نية في عودة المرأة المسلمة إلى بيتها، بعدما طفحت مشكلات الاختلاط وصار نزول المرأة للعمل حتمًا واقعًا قد يستحيل تغييره في نظرهم، فلابد من التدرج، وبدلا من أن ننادي بتوقف النساء عن العمل، ندعوهن أولا إلى العمل من البيت.

قبل المسارعة بتكوين رأي حول المرأة عن بُعد، وحول هذا الشكل الجديد من أشكال العمل الذي لم تعهده البشرية قبل عصر الإنترنت، جدير بنا الرجوع قليلا إلى صور عمل المرأة في بيتها في الماضي القريب، ثم نقارن بين الصورتين بموضوعية، ليتصف كلامنا بالإنصاف والعدل بإذن الله تعالى، دون تشديد ولا تساهل مذموم.
لم تحظ المرأة في الماضي بما حظينا به اليوم من تقنيات وحاسوب وإنترنت، ولهذا سمعنا وقرأنا أن من أمثلة عمل النساء المعتادة في الماضي التطريز والغزل والحياكة وجمع القطن والمحصول في الحقول الزراعية. أما اليوم فإن العمل عن بُعد لا يٌقصد به هذه الأشكال مطلقا، وإنما يُقصد به العمل أمام شاشة الحاسوب عبر شبكة الإنترنت، إما في التجارة بالبيع والشراء وإما في الإجارة كموظف أو موظفة وإما بشكل آخر من أشكال العمل المتنوعة عبر الإنترنت التي تطل عليها بجديد كل يوم. فطبيعة العصر الحالي أنه عصر الإنترنت حيث يلتف الاقتصاد ويدور حول شاشة حاسوب.
كانت حاجة المرأة العاملة في الماضي ـ غالبًا ـ تدفعها دفعًا للعمل، فهو ليس عملا من باب الكماليات كاليوم، بل كانت كما نقرأ في تاريخ الأمم المسلمة وغير المسلمة تلجأ للعمل للحاجة إلى سد قوتها هي وأولادها وزوجها الفقير أو المريض (أو تكون أرملة مات زوجها). أما النساء أصحاب رؤوس الأموال فكن يستأجرن الرجال الأمناء لإدارة أعمالهن، دون احتكاك المرأة بنفسها سوق العمل.

أما اليوم فحاجة المرأة المتعلمة إلى المال في عصر الإنترنت ليست كحاجة امرأة الأمس، فليست غالب النساء اليوم بحاجة إلى قوت اليوم أو سد جوع الأطفال كي تذهب الأم الأرملة مثلا إلى شراء كمبيوتر واتصالا بالإنترنت كي تباشر العمل عن بُعد لتحصل على رغيف خبز يقيها وأولادها الهلاك جوعًا! وصحيح هو علاج أخف ضررًا من خروج المرأة ومزاحمة الرجال، لكنه علاج له آثار جانبية ينبغي قراءتها جيدًا لأخذ الحذر منها!

وفي مهن النساء في الماضي كان الحياء متوافرًا، فالمرأة العاملة إما داخل جدران بيتها وإما في الحقل وسط نظيراتها من النساء والصغار أو يساعدن محارمهن. أما في عصر الإنترنت فالتواصل بين المرأة العاملة عبر شاشة الحاسوب والأطراف الخارجية من مديرين في وظيفة أو غيرهم مما يتطلبه العمل صار لا بد منه.

وإذا انقطع اتصال الإنترنت ـ وهذا يحدث ويتكرر ـ فسوف يبادر المدير بالاتصال بالموظفة ليتابع العمل، وإما أن يكون الزوج بالبيت فيرد هو أولا ثم يسأل من المتصل؟ فيرد المدير: الشركة نريد فلانة لو سمحت؟ فيقول الزوج: ثوان سوف أناديها لك؟! ثم يذهب لينادي زوجته: المدير على الهاتف! وإما ألا يكون الزوج بالبيت فيحادث المدير المرأة مباشرة ويحدث اختلاط عبر الهاتف، وفي رسالة آداب الهاتف ذكر الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تحت عنوان "المرأة والهاتف" كلامًا جيدًا.
علاوة على أن هناك اجتماعات وجهًا لوجه كل مدة لا بد أن تعقد بمقر الشركة وبالتالي ستخرج "المرأة العاملة عن بُعد" إلى ما فرت منه في البداية ولو كان قليلا. وهناك اتصالات صوتية يومية عبر برامج المراسلة الفورية (الشات)، وقد تقدمت هذه البرامج فصارت بالصورة الواضحة جدًا كأن محدثك يجلس على بعد متر واحد أمامك، وكثير من النساء لا يتحرجن من وضع صورهن.

فكيف نقول أن الأم العاملة في البيت عن بُعد ستنجح في تربية أبنائها ورعاية حق زوجها؟ هذا نادر جدًا. وهذا فضلا عن أنها إذا أدت الأمانة في تربية الولد وحق الزوج، فسوف تقصر في أداء أمانة العمل والتركيز فيه، في عصر لا يعطي أصحاب العمل الموظفين والموظفات أجورهم وأجورهن إلا بعد أداء مقابل معلوم ومقيس كمّا وكيفا.
إننا بتشجيعنا عمل المرأة عن بُعد، نشجع ـ دون أن نشعر بحسن نية ـ على زيادة العمالة النسائية خارج البيت وداخل البيت؟ وبالتالي يأخذن عددًا أكبر من مقاعد العمل التي يفترض أن هناك رجالا عاطلين يفتشون عنها في زمن انتشار البطالة.
إن هذه الصورة قد رسخت عمل المرأة بكل أسف إلى حد كبير، وأعطت النساء مبررًا لبقاء مزاولة أعمال الرجال وهن داخل البيوت بزعم أنهن نجحن في الجمع بين الفضيلتين: تربية الأبناء ورعاية حق الأزواج، وتحقيق ذاتها في مواصلة العمل.
ولا ننكر وجود نماذج قليلة من الأخوات المسلمات اللاتي يعملن من البيت (لهن حاجة في العمل) نجحن في تجنب سلبيات العمل بهذه الصورة، لكن للأسف غالب النساء اليوم أمام شاشات الكمبيوتر في عصر الإنترنت يعجزن عن تحقيق هذه المعادلة الصعبة. فإن التركيز في العمل مع وضع إناء الطهي على النار يعني القصور في أحد الأمرين، إما أن تعمل على ملف الشغل وبالها في المطبخ مع حلة الطعام، وإما أن تركز على ملفات المدير الذي سوف يحاسبها وتنسى الطعام فيرجع الزوج ليأكل طعامًا أحرقته المرأة العاملة عن بٌعد.


فهل انتهى الاختلاط بلا رجعة في أسلوب عمل المرأة عن بُعد؟ هل هذا الأسلوب هو أمان المرأة المنشود "عن بُعد"؟ ويتفاخر الزوج المسكين بأنه زوجته تعمل وهي في البيت؟ ومعلوم أن الكلام العام المطلق شيء والكلام الذي يناسب كل حالة واقعية على حدة شيء آخر، فلا يصح تعميم الأحكام وإطلاق القول بإن العمل عن بُعد هو سبيل المؤمنين والمؤمنات الأمثل لحل مشكلة عمل المرأة.

إن صورة البيت الأقرب إلى بيت الأسرة المؤمنة هو الذي ترى فيه الأم لا تكاد تجد وقتا بعد القيام بشئون البيت ورعاية زوجها وابنها، لا تكاد تجد وقتًا لانشغالها بما خلقها الله تعالى له، وإذا وجدت المسلمة الصالحة الوقت صرفته فيما هو أجدى لبيتها وأمتها وطاعة ربها عز وجل، هذه مسؤولية المرأة المسلمة وعملها الأساسي المنشود.
إذن الأمة المسلمة المنشودة هي التي عرف كل فرد فيها وظيفته الأساسية، ولم تنشغل بالسعي وراء المال وفتنة الكماليات التي لا داعي لها، والتبذير والسرف فيما يضر ولا ينفع، ويسرق عمر الإنسان الذي هو رأس ماله الحقيقي.

والله أعلم.