المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوصفات الإيمانية لدفع المكائد الشيطانية



أهــل الحـديث
16-05-2013, 08:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله ان ينفعنا بها.


الوصفات الإيمانية لدفع المكائد الشيطانية

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد خلق الله جل جلاله العباد أجمعين، وبين لهم ما ينفعهم وحذرهم مما يضرهم في الدارين، ومن أشد ما حذرهم منه، الشيطان اللعين، الذي في نفسه الحقد الدفين،بعد أن فَضل الله عليه من خلقه من طين، فأقسم هذا العدو المبين برب العالمين أن يغوي ويضل الخلق أجمعين .
فأمر خير الناصرين عباده المؤمنين أن يعادوه ويحاربوه في كل وقت وحين، لأنه يريد أن يجرَّ من أطاعه إلى السعير في يوم الدين فقال سبحانه:(إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [فاطر:6]
قال ابن كثير –رحمه الله- :"أي هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به،(إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير): أي: إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين،فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان، وأن يرزقنا اتباع كتابه والاقتفاء بطريق رسوله إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير".تفسير ابن كثير (3/ 548)
أيها الأحبة الكرام إن الشيطان الرجيم بعد أن عرف أنه سيبقى إلى يوم الدين، أقسم بالله العظيم أن يجتهد في إغواء الناس أجمعين إلا من لم يتمكن منه من عباد الله المخلصين، فقال كما أخبرنا عنه أرحم الرحمين:(فبعزتك لأغوينهم أجمعين(82)إلا عبادك منهم المخلصين) [ص:82-83]
قال الإمام الطبري –رحمه الله- :" (فبعزتك): أي: بقدرتك وسلطانك وقهرك ما دونك من خلقك (لأغوينهم أجمعين) يقول: لأضلنَّ بني آدم أجمعين،(إلا عبادك منهم المخلصين)،يقول: إلا من أخلصته منهم لعبادتك، وعصمته من إضلالي، فلم تجعل لي عليه سبيلا، فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه".تفسير الطبري(23/187)
فَاستدرج ذاك اللعين أتباعه وأغوى أصحابه، فضلهم عن الصراط المستقيم ،وجعلهم يكفرون برب البريات،متبعين الشبهات والمحدثات، غارقين في المعاصي والشهوات،بعيدين عن فعل الطاعات والتزود من الخيرات، لأنه قال هذا اللعين لرب العالمين:( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم و لأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ...) [ النساء: 118-119]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" علم اللعين أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله،وأن عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان وإنما سلطانه على من تولاه وآثر طاعته على طاعة مولاه ،وأقسم في موضع آخر ليغوينهم فقال:(لأغوينهم أجمعين (39)إلا عبادك منهم المخلصين)[الحجر :39-40]،فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به،أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله:(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين )[سبأ:20]،وهذا النصيب المفروض الذي أقسم ليتخذنه منهم، ذكر ما يريده بهم وما يقصده لهم بقوله:(ولأضلنهم )أي:عن الصراط المستقيم ضلالا في العلم، وضلالا في العمل، (و لأمنينهم)أي:مع الإضلال،لأمنينهم أن ينالوا ما ناله المهتدون،وهذا هو الغرور بعينه،فلم يقتصر على مجرد إضلالهم حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال،وهذا زيادة شر إلى شرهم،حيث عملوا أعمال أهل النار الموجبة للعقوبة، وحسبوا أنها موجبة للجنة،واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم،فإنهم كما حكى الله عنهم".تفسير السعدي(ص204)
أيها الأفاضل إن مما يجب علينا بعد أن عرفنا عداوة الشيطان للناس أجمعين إلا أهل الصلاح من المؤمنين أن نبذل الأسباب التي تقينا شر هذا اللعين فنكون من المخلصين الذين لن يكون له عليهم سلطان بعون رب العالمين،فال تعالى:(إنه ليس
له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون(99)إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)[ النحل:100]
قال الشنقيطي –رحمه الله- :"ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة:أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله،وأن سلطانه إنما هو على أتباعه الذين يتولَّونه،والذين هم به مشركون".أضواء البيان(2/444)
فعلينا بعد أن نعلم أن الشيطان مهما بلغ مكره ومكر من كان من حزبه ما بلغ، فإنه ضعيف لن يؤثر على أحد إلا بإذن الله جل جلاله،ثم ببذل الوسائل الشرعية المعينة على دفع شره،قال تعالى:(إن كيد الشيطان كان ضعيفا) [النساء:76]
فمن الأسباب التي تقينا من مكره وتدفع عنا بعون الله كيده، أن نتمسك بسلاح تفضل به علينا رب العالمين وهو الدعاء والتضرع لأرحم الراحمين في كل وقت وحين، فنسأل القوي المتين أن يحفظنا من شره ويجعلنا من عباده الصالحين الذين ليس للشيطان عليهم سلطان،فالدعاء بعون الوهاب من أعظم الأسباب لدفع كيد الشيطان والتوفيق إلى الصواب،لكن إذا أردنا من رب البريات إجابة الدعوات، فلا بد علينا من ترك المحرمات والبعد عن المنكرات.
-كثرة قراءة القرآن و ذكر المنان والاستعاذة بالرحمن من الشيطان،قال تعالى:( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) [الأعراف:200]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" فيه الحث على الاستعاذة بالله من الشيطان عند القراءة في الصلاة وخارجها، وعندما ينزع الشيطان العبد ويحس بوساوسه التي تدور على التثبيط عن الخير والترغيب في الشر ، فالاستعاذة بالله منه تدفع شره وكيده".فتح الرحيم الملك العلام (ص 166)
إن ذكر العلام أيها الكرام من أهم الوسائل المعينة على دفع الشيطان ودحر وسوسته، فعلى العبد المؤمن أن يحافظ على قراءة القرآن مع تدبر آياته والتفكر في معانيه ، وعليه أن يحافظ على الأذكار خاصة المقيدة بوقت، كأذكار الصباح و المساء، وأذكار النوم وعند الأكل وبعده، ويذكر ويسبح خالقه ويستغفره في كل وقت وحين، فإن لم يفعل ذلك! وهجر كلام الرحمن! تسلط عليه الشيطان،وجعله في نكد حيران، فأصابه ضيق صدره وحلت به قسوة القلب،قال سبحانه:( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)[ الزخرف:36]
ومن أعظم الآيات تأثيرا على الشيطان أيها الأحبة، قراءة آية الكرسي عند النوم، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال :(وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلت:لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... فذكر الحديث فقال –أي الشيطان-: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آيَةَ الكرسي، لن يزال معك من الله حافظٌ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ"). رواه البخاري (4732)
-ومن أهم الوسائل وأنجح الطرق التي بعون الله يتخلص العبد بها من كيد الشيطان،أن يحرص على فعل الطاعات والازدياد من الخيرات،ويبتعد عن الذنوب والمنكرات مهما كان حجمها، لأن السيئات هي مصدر كل داء،وسبب كل وباء، وهي وبال وحسرة وندامة يوم القيامة، فالمعاصي لذتها يسيرة زينها الشيطان لصاحبها ثم بعد ذلك تتلاشى ويحلُّ مكانها ولابد الآلام والحسرات،والذل والصغار،إذا لم يبادر المذنب بالتوبة من الجبار والندم على ما قدمت يداه من شنار!.
فهذه أيها الأحباب بعض الأسباب التي تعيننا بإذن العزيز الوهاب على دفع مكر الشيطان وتوفقنا لطاعة التواب،فعلينا أن نحرص عليها إذا أردنا رضى رب الأرباب والتوفيق للصواب.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظنا وإياكم بحفظه و يعيذنا من شر الشياطين وشركه، فهو سبحانه أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي