المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاصمة من قاصمةِ النظم السياسية غير الإسلامية



أهــل الحـديث
14-05-2013, 01:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:

فإن المعترك الفكري في العالم المعاصر يمتلئ بكثير من المصطلحات الوافدة التي تساق إلينا سوقا، وتأخذ نصيبا وافرا من النقاش والجدل والصراع حولها؛ ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وما بين متبصر لحقيقة كل مصطلح وآخر يهرف بما لا يعرف.
وفي ظل الضوضاء الصاخبة التي تصاحب تلك المصطلحات، وتحت تأثير سيل جارف من وسائل التربية والتعليم، والنشر والإعلام، والفكر والثقافة، أصبح كثير من المسلمين مشوشي الفكر مضطربي الرؤية، فهم لا يعلمون عن حقيقة هذه المصطلحات إلا الاسم والشعار، دون تبصر لأبسط أسس هذه المصطلحات، فضلا عن معرفة حقيقة المعترك المقام حولها، ورؤية كل فريق وهدفه؛ فتجد من يعلن حبه للإسلام ودين الإسلام، وهو في ذات الوقت يطالب بتطبيق ما يناقض الإسلام في هذا النظام أو ذاك، وهذه الفكرة أو تلك.
وغزا المجتمع سيل من مصطلحات النظم السياسية غير الإسلامية؛ كالعلمانية، والعلمانية الشاملة، والعلمانية الجزئية، والليبرالية، والديمقراطية، وآليات الديمقراطية، والتكنقراطية، والدكتاتورية، والرأسمالية، والاشتراكية، والدولة الدينية، والدولة المدنية، والمجتمع المدني، والملكية الدستورية.. إلخ.

والحقيقة الجلية هي أن الإغراق في مناقشة تفاصيل تلك المذاهب، لا يناسب الخطاب الجماهيري العام، الذي تشتبه عليه المصطلحات، وتلتبس أمامه الرؤى، فلا يستطيع تبعا لذلك التمييز بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والهدى والضلالة.
وأمام هذا اللبس الواضح في المجتمع، فإن على من حمل هم تبصير الناس بحقائق الدين الجلية أن يعمل جاهدا لإنقاذ عموم المجتمع من مزالق الفكر ومهاوي الضلالة، المتضمنة في تلك المصطلحات.

وهاك عاصمة من قاصمة تلك النظم السياسية غير الإسلامية:
* تبيين موقف تلك المذاهب من تفاصيل وجزئيات نظام الحكم الإسلامي:
إن من الأمور الأساسية التي أدت إلى الاشتباه الحاصل في أذهان الكثيرين هو الإجمال الموهم، والاختصار المخل، وتلمس ما يمكن أن يكون وجه شبه بين جانب من جوانب الحكم في الإسلام، وجانب من جوانب الحكم في تلك النظم غير الإسلامية.
فمثلا عندما يركز المتحدث حديثه عن أهمية العدل في الإسلام، وحرص تلك النظم على العدل في الحكم، يغيب عن ذهنه أنه ما من أمة من الأمم إلا وتتغنى بالعدل، ولكن شتان بين العدل الحق وهو القائم على شرع الله جل وعلا، وما يحسبه البعض عدلا ولكنه في الحقيقة ظلم وإفساد في الأرض؛ لأنه قائم على أسس تخالف شرع الله جل وعلا، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لهَمُ لَا تفُسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [سورة البقرة: 42 44]، قال ابن تيمية: "فَمَنِ اسْتَحَل أَنْ يَحْكُمَ بيَنَ الناسِ بِمَا يرَاهُ هُوَ عَدْلًا مِنْ غَيْرِ اتبَاع لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَهُوَ كَافِر؛ فَإِنهُ مَا مِنْ أُمة إِلا وَهِيَ تَأْمُرُ بِالحُكْمِ بِالْعَدْلِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَدْلُ فِي دِينِهَا مَا رَآهُ أَكَابِرُهُمْ ". [منهاج السنة النبوية: 5-130].
ويدخل في ذلك من يتحدث عن عطف الإسلام بالفقراء ورحمته بهم، ثم يتحدث عن نظرة الاشتراكية للفقراء، وكذلك من يتحدث عن حث الإسلام على العمل والتجارة، ثم يتحدث عن النظرة الرأسمالية للكسب، وكذلك من يتحدث عن الشورى في الإسلام، ثم يتحدث عن الانتخابات في الديمقراطية، وكذلك من يتحدث عن أهمية العلم في الإسلام، ثم يتحدث عن الحكم العلماني أو حكم المتخصصين في التكنقرايطة...إلخ

والواقع أن وقوع نوع من أنواع التشابه بين الإسلام والكفر لا يجوز أن يكون هو الأساس عند الحديث عما يناقض الإسلام؛ فقد يشبه بعض ما في دين الإسلام بعض ما في غيره من الأديان؛ كتلك الأديان التي تؤمن بوجود الله جل وعلا وأنه الخالق الرازق، وتصدق بوجود الملائكة، وتعترف بنبوة كثير من الأنبياء، وتوقن بالبعث بعد الموت، وهكذا.
بل الواجب التركيز على بيان المعتقد الذي تميز به المسلمون عن غيرهم من الكفار، والذي أوجب انقسام البشر إلى مؤمن وكافر؛ كنبوة محمد صلى الله عليه وسلم عند الحديث عن اليهود والنصارى، وختمه للنبوة عند الحديث عن القاديانية والبهائية، وتنزيه الله جل وعلا عن النقص وعن مماثلة خلقه عند الحديث عن مدعي الحلول والاتحاد... إلخ.
لذلك لا ينبغي عند الحديث عن تلك النظم السياسية المخالفة للإسلام أن يكون بطريقة الحديث المجمل عن الجمع والتوفيق بينها وبين الإسلام، بل لا بد من توضيح قضية الانقياد التام للشريعة في مجملها ومفصلها، ولا بد من إبراز قضايا الإسلام التي يتحاشى أدعياء تلك النحل الحديث عنها؛ لتتضح الأمور واضحة جلية؛ كمثل:
- قضية العلاقة بين المسلم والكافر، تلك العلاقة التي اشتمل القرآن الكريم على مئات الآيات القرآنية التي تتحدث عن الله والرب، والإيمان والإسلام، والكفر ومشتقاته؛ ليكون هناك تمايز واضح بين الطرفين، وقيام الحكم في الإسلام على هذه الصورة الواضحة الجلية من التمايز، فلا يسوي الإسلام بين المسلم والكافر في ممارسة السياسة والحكم، ولا في المشورة، ولا في إنشاء دور العبادة، ولا في إظهار ممارسة شعائر العبادة، ولا في الدعوة للأديان، ولا في الحرب والقتال، بل ولا في السلام والتحية، ويضاف إلى ذلك الموقف من الجزية التي يدفعها أهل الكتاب عن يد وهم صاغرون، وتحريم اتخاذهم أخلاء وأوداء.
فارتباط نظام الحكم في الإسلام بقضية أن الإسلام هو الدين الحق وأن ما عداه هو الباطل أمر أوضح من أن يوضح، خلافا لكل النظم السياسية الأخرى التي تحاد هذه النظرة وتعاديها.
- قضية العلاقة بين نظام الحكم في الإسلام وأفراد المجتمع؛ حيث يحدد الإسلام أطرًا تضبط السلوك الشخصي والجماعي، خلافًا لغيره من النظم التي وإن قبلت ببعض الضبط فلا تقبل بالضبط الكامل للإسلام، الذي يترتب عليه فرض الحجاب، وحذر المواد الثقافية التي تحوي مخالفات للإسلام، ومنع الأنشطة الترفيهية التي لا تتفق مع آدابه الكريمة، وازدراء الآلهة الجاهلية، ومنع تعظيمها، وتكسير الأوثان والأصنام، وضبط العادات الاجتماعية، وإقامة عقوبات الحدود الشرعية...إلخ.
- قضية العلاقة بين الإسلام والوطن؛ حيث يبني الإسلام المجتمع المسلم على قيم مرتكزة على الإسلام، لا على الأصل، ولا على مكان النشأة، ولا على العرق، ولا على اللغة، ولا على اللون؛ فكانت للإسلام أحكامه الظاهرة في الولاء والبراء والهجرة والجهاد، خلافا لكل النظم السياسية الأخرى التي تقيم مجتمعها على أسس أخرى اقتصادية، أو قومية، أو وطنية شعوبية...إلخ
- قضية اشترط الإسلام في تولي أمر المسلمين العام شروطا منها: الإسلام، والذكورة، والقرشية، والاجتهاد، وتلك الشروط محل رفض من النظم غير الإسلامية خاصة شرط القرشية وشرط الاجتهاد في الشريعة.

وهكذا فإن تفصيل الأحكام يُبين الحقيقة الواضحة للعلاقة بين الإسلام وتلك النظم الأخرى، ويكشف حقيقة التلبيس الذي يمارسه الكثيرون عند نشر مذاهبهم الباطلة.


كتبه: طلحة المُسَيَّر
مجلة "حُراس الشريعة" – العدد الأول
جمادى الأولى 1434هـ