المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التنفير من خوض غمار التكفير .. لسماحةالشيخ صالح بن حميد ـ إمام و خطيب المسجد الحرام



ابن غالب
12-11-2003, 10:26 PM
خطبة الجمعة في المسجد الحرام - بمكة المكرمة

- بتاريخ: 22- 7-1424هـ -

لفضيلة الشيخ صالح بن حميد -حفظه الله -



الحمد للهِ؛ الحمد لله إليه تصيرُ الأمور، وبيده تصريفُ الدُّهور، أحمدُه -

سبحانه- وأشكرُه، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانُه، ووسِعَ المذنبين عفوُهُ

وغفرانُهُ.

وأشهدُ أَنْ لا إله إلا الله -وحده لا شريك له-، عظُم شأنُه وعزّ سلطانُه.

وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه؛ المبعوثُ للثقلين -الجِنَّة

والناسِ-، والمُبَرّأُ مِن العيوبِ والأدناس؛ صلى اللهُ وسلّم وبارك عليه عددَ

النفوسِ والأنفاس، وعلى آلهِ المطهَّرين مِن الأرجاس، وأصحابهِ البَرَرة

الأكياس، والتابعين وَمَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين -وسلّم تسليماً

كثيرًا-.

أمّا بعد:

فأُوصيكم ـ أيّها النّاسُ ـ ونفسي - بتقوى اللهِ -عزّ وجلّ-؛ فاتّقوا اللهَ -

رحمكم الله-، فلباسُ التّقوى جُنّةٌ يتحصّن بها المتحصِّنون، وخشيةُ اللهِ

عُروةٌ وُثْقى يتمسّك بها المتمسِّكون، وأداءُ الفرائضِ واجتنابُ المحرّمات

وسيلةٌ مُثلى يتوسّل بها المتوسّلون.

أيّها المسلمون: مَن تأمَّل مقاصدَ الشّرعِ في العباداتِ والمعاملاتِ،

والآدابِ والأخلاقِ، والأوامِر والنّواهي: تبيّن له مقصدٌ كبيرٌ وغايةٌ عُظمى؛

تلكم هي جمعُ الكلِمة، وغرسُ المحبّة، وزرعُ الأُلفة، ونشرُ المودّة بين

أفرادِ الأُمّة، والحثّ على التناصُر والتعاون، والبُعدُ عن أسباب العداوة

والبغضاء، وما يحمِل على الكراهة والشّحناء، وما يثير الأحقادَ وضَغائن

القلوب، والتّحذيرُ الشديد مِن الطّعن في المسلمين، وعيبِهم، وهمزِهم،

ولمزهِم، وإبداءِ عوراتِهم، وتتبُّع عثَراتِهم، والتّشهير بهم، وإساءةِ الظنِّ

بهم، والاتهام ببدعةٍ، أو كفر، أو فسوقٍ، أو نفاق، أو ظلمٍ، أو جهل.

جمعُ الكلمَة ـ أيّها المسلمون ـ سبيلهُ إقامةُ شرعِ اللهِ، وإظهارُ شعارِ

الإسلام وشعائرِه، والتّعاونُ على البرّ والتقوى، والأمرُ بالمعروف والنّهي

عن المنكر، والنصحُ المُشفِق لكلّ مسلم، ولا تكون قوّةُ أهلِ الإسلام،

ونفاذُ كلمتهم، وشدّةُ منَعَتهم: إلاّ بتناصُرهم وتآزُرهم.

أيّها الإخوة في الله: إنَّ متغيِّراتِ العصرِ، ومضلاّتِ الفتَن، وتكالبَ الأعداء،

وتداعيَ الأكَلَةِ: تدعو المسلمَ الغيورَ على أمّتِه -النّاصحَ لإخوانِه- أن يربَأ

بنفسهِ أن يكونَ مِعْوَلاً في يدِ أعدائه -مِن حيث يدري أو لا يدري!-؛ يقعُ

في إخوانه المسلمين، فيَشتم هذا، ويُشهِّر بهذا، ويتنقّصُ هذا، ويحتقِر

هذا، ويكفِّر، ويبدِّع، بل قد يسلَم منه الكافرُ والمشرك، ولا يسلم منه

أخوه المسلم!

عبادَ اللهِ: هذه ـ حفظكم اللهُ ـ وَقفةٌ عِند فتنة خطيرةٍ، بدأت تُطِلّ برأسها

في بعض المجتمعاتِ والفئاتِ، ينبغي أن يتنادَى أهلُ العِلم والإيمانِ

والفضلِ والصّلاحِ والدّين والغَيْرةِ إلى مُقاومتِها والتّحذير منها؛ حذّر منها

السّلفُ -رحمهم الله-، وبيّنوا خطرَها، وعَوَارها؛ إنّها مسأَلةُ تكفير المسلمِ

لأخيه المسلم، والمجازفةُ بالحكم على المسلم بخروجه مِن ملّةِ

الإسلام، وعَدِّهِ مِن أهلِ الكفرِ والشّرك، والقطعُ والجزمُ بأنّه خالدٌ مخلّدٌ

في النّار -عياذًا بالله-، ولا حولَ ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.

مسألةُ التّكفير مِن المسائل الكبار، والقضايا العِظام؛ لها آثارُها العظيمة،

فلا يحلّ لمسلم أن يُقدِم عليها إلا ببرهانٍ عنده من الله، ودليلٍ هو في

دلالتهِ أوضحُ من الشّمس في رابعة النّهار.

لقد نبّه أهلُ العلم -سَلَفًا وخَلَفًا- إلى خطورةِ هذه المسألة، وعِظَم

شأنِها، وما يترتّب عليها من آثارٍ وتَبِعات في الدّنيا وفي الآخرة، يقولُ

شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-: «اِعلَمْ أنّ مسائلَ التّكفيرِ

والتّفسيقِ هي من مسائلِ الأسماء والأحكام؛ الّتي يتعلّق بها الوعدُ

والوعيد في الدّار الآخرة، وتتعلّق بها الموالاةُ والمعاداةُ، والقتلُ والعِصمةُ -

وغير ذلك- في دار الدّنيا؛ فإنّ الله -سبحانه- أوجَب الجنّة للمؤمنين،

وحرّم الجنّة على الكافرين، وهذه: الأحكام الكلّية في كلّ وقت وفي كلّ

مكان».

وقال ابنُ الوزير: «وكم بينَ إخراج عوامّ فِرَق الإسلام -أجمَعين وجماهير

العُلمَاء المنتسِبين إلى الإسلام- إخراجهم من الملّة الإسلاميّة، وتكثير

العدوّ بهم -وبين إدخالِهم في الإسلام، ونُصرتِه بهم، وتكثير أهلِه، وتقوية

أمره.

فلا يحلُّ الجُهدُ في التفرقَةِ بتكلُّف التّكفِير لهم بالأدلّة المعارَضةِ بما هو

أقوى منها، أو مثلِها: ممّا يجمَعُ الكلمةَ، ويقوّي الإسلامَ، ويحقِن الدماءَ،

ويُسكّن الدّهماء».

قال: «وقد عُوقِبت الخوارجُ أَشدَّ العقوبةِ، وذُمَّت أقبحَ الذمّ على تكفيرهم

لعُصاةِ المسلمين، فلا يأمنُ المكفِّرُ أن يقعَ في مثلِ ذنبهم، وهذا خطرٌ


في الدّين جليلٌ، فينبغي شدّةُ الاحترازِ فيه».

ويقولُ الشيخُ عبدُاللهِ بن محمد بن عبد الوهّاب -رحمه الله-: «وبالجُملةِ؛

فيجِبُ على مَن نصح نفسَه أن لا يَتكلّمَ في هذه المسألة إلاّ بعلمٍ

وبرهانٍ مِن الله، ولْيحذَر من إخراجِ رجلٍ مِن الإسلام بمجرّد فهمِه

واستحسانِ عقلِه، فإنّ إخراجَ رجلٍ من الإسلام مِن أعظمِ أُمور الدّين».

ويقول الإمامُ الشوكانيّ: «اعلَم أنّ الحُكمَ على الرّجلِ المسلمِ بخروجهِ

من دين الإسلام ودُخولهِ في الكُفر لا ينبغي لمسلمٍ يُؤمن باللهِ واليومِ

الآخرِ أن يقومَ عليه إلاّ ببُرهانٍ أوضحَ مِن الشّمسِ في رابعة النّهار؛ فإنّه

قد ثبتَ في الأحاديثِ الصّحيحةِ -المرويّةِ عن طريق جماعةٍ من الصّحابة -

رضوان الله عليهم- عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، أنّه قال: «من

قال لأخيه: يا كافرُ، فقد بَاء بها أحدُهما» ، وفي لفظٍ: «مَن دعا رجلاً

بالكفر -أو قال: عدوّ الله- وليس كذلك إلا حارَ عليه» ، أي: رجَع عليه،

وفي حديثٍ آخر: «من رمَى مؤمِنًا، بكفرٍ فهو كقتلِه» ».

ويقولُ ابنُ دقيقِ العيد -رحمه الله- مُعلِّقًا على هذه الأحاديث: «وهذا

وعيدٌ عظيمٌ لمن كفّر أحدًا من المسلمين وليسَ هو كذلك».

وقال: «وهي ورطةٌ عظيمةٌ وقَع فيها خلقٌ من العُلماء اختلفوا في

العقائدِ، وحكَموا بكفرِ بعضِهم بعضًا».

أيّها المسلمون:

الكفرُ حكمٌ شرعيّ، والكافرُ هو مَن كفّره اللهُ -تعالى- ورسولُه -صلى الله

عليه وسلم-؛ فليس الكفرُ حقًّا لأحدٍ من النّاس، بل هو حقُّ لله وحدَه؛

يُوَضّح ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: «فلهذا كان أهلُ

العلم والسنّة لا يُكفّرون مَن خالفَهم -وإن كان ذلك المخالفُ يكفِّرهم-؛

لأنّ الكفرَ حكمٌ شرعيّ؛ فليس للإنسانِ أن يعاقبَ بمثله، كمَن كَذَبَ

عليك: ليس لك أن تكذِب عليه؛ لأنّ الكذبَ حرامٌ -لحقّ الله -تعالى-،

وكذلك التكفيرُ حقّ لله؛ فلا يُكفَّرُ إلاّ مَن كفّره الله ورسوله».

قال: «والخوارجُ المارقون الذين أمَر النبيّ بقتالهم، قاتلَهم عليّ -رضي

الله عنه- وأئمّةُ الدّينِ مِن الصّحابة والتابعين، وقد ثبَت ضلالُهم ـ أي:

الخوارج ـ بالنصّ والإجماع، ولم يكفِّرهم أحدٌ من الأئمّة، وإنّما قاتلوهم

لِبَغْيِِهم، فكيف بالطّوائفِ المختلفين الذين اشتَبَه عليهم الحقُّ في

مسائلَ غلِط فيها مَن هو أعلمُ منهم؛ فلا يحلّ لإحدى هذه الطوائفِ أن

تُكفِّر الأخرى، ولا تستحلَّ دمَها ولا مالها».

قال: «وتكفيرُ الجهميّة مشهورٌ عند السلف والأئمّة، لكنْ ما كانوا يكفِّرون

أعيانَهم، فإنّ الذي يدعو إلى القولِ أعظمُ من الذي يقول به، والذي

يُعاقِب مخالفَه أعظمُ مِن الذي يدعو -فقط-، والذي يُكفِّر مخالفَه أعظمُ

من الذي يعاقِبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاةُ الأمور يقولون بقول

الجهمية: إنّ القرآنَ مخلوق، وإنّ الله لا يُرى في الآخرة، ويَدْعُون الناسَ

إلى ذلك، ويمتحِنونهم، ويعاقبونهم إذا لم يُجيبوهم، ويُكفِّرون مَن لم

يجِبهم . . .، مع هذا كلِّه: ترحّم عليهم الإمامُ أحمدُ، واستغفر لهم؛

لعِلمه بأنه لم يُبِيّن لهم أنّهم مُكذِّبون للرسول، ولا جاحدون لِما جاء به،

ولكنْ تأوّلوا فأخطؤوا وقلّدوا من قال لهم ذلك».

بل قال شيخُ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله-: «إنّ الإمامَ أحمد صلّى

خلفَ الجهميّة الذين دعَوا إلى قَولِهم، وامتحَنوا النّاس، وعاقبوا مَن لم

يُوافِقهم بالعقوبات الغليظة، لم يُكفّرهم أحمد وأمثالُه، بل كان يعتقدُ

إيمانَهم وإمامتَهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمامَ بهم، والصلاةَ خلفهم،

والحجّ، والغزوَ معهم، والمنعَ من الخروج عليهم، ما يراه هو وأمثالُه مِن

الأئمّة، ويُنكرون ما أحدثوا من القولِ الباطل الذي هو كفرٌ عظيمٌ -وإن لم

يعلموا هم أنّه كفر-، وكان يُنكِره ويجاهِدُهم على ردّه بحسَب الإمكان،

فيجمَعُ بين طاعة اللهِ ورسولهِ في إظهار السنّة والدّين، وإنكار بدعِ

الجهميّة المُلحِدين، وبين رِعاية حُقوقِ المؤمنين من الأئمّة والأمّة -وإن

كانوا جهّالاً مبتدعين، وظلمةً فاسقين-». انتهى كلامه -رحمه الله-.

إذا كان الأمرُ كذلك ـ أيّها المسلمون ـ فينبغي أن يُعلمَ أنّ الإيمانَ والكفرَ

محلُّهما القلب، ولا يطّلع على ما في القُلوبِ إلا الله، وفي التنزيلِ:

{مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن

مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

[النحل:106].

فالكافِر ـ عياذًا بالله ـ هو من شرَح صدرًا بالكفر، فلا بُدَّ من شرحِ الصّدر

بالكفر، وطمأنينةِ القلبِ به، وسُكون النّفس إليه؛ فلا اعتبارَ بما يقعُ

من طوارقِ عقائدِ الشرّ -لا سيّما مع الجهل، وعدم الجزم بمخالفتها

لطريق الإسلام-، ولا اعتبارَ بصدور مكفِّرٍ لم يُرد به فاعلُه الخروجَ مِن

الإسلام إلى ملّة الكفرِ، ولا اعتبارَ بلفظٍ تلفّظ بِه المسلمُ يدلّ على الكفر

وهو لا يعتقِد معناه، وإن كانت هذه -كلّها- أمورًا منكرةً محرّمةً ممنوعةً

يجِب الإنكارُ على صاحبِها، والتحذيرُ منها، وبَيانُ الحقّ فيها، ولكنّها لا

توجبُ الحكمَ والجزمَ بكفر صاحبها.

وبعد -أيّها المسلمون-؛ ففي مسألة التّكفير زلَّت أقدامٌ ما كان لها أن

تزلّ، وضلّت أفهامٌ ما كان لها أن تضلّ، وخاضت ألسنةٌ وأقلامٌ بغير علمٍ

ولا برهان؛ فينبغي الحذرُ من ذلك كلِّه، والسّلامةُ لا يعدِلها شيءٌ، كما

ينبغي الحرصُ على جمعِ كلمة المسلمين، فحين تحصُلُ الفُرْقَةُ والنُّفْرةُ

وشَتَاتُ الكلمةِ يستبدُّ كلُّ ذي رأي برأيه، ويدّعي كلٌّ الكمالَ لنفسه،

ويُعجِبُ كلَّ سالكٍ مسلكُه، ويحصُر الحقَّ والغَيرةَ في نفسهِ وفئتِه؛

فيحتقرُ إخوانَه، ويزدري مسلكَهم، ويثير الغُبارَ من حولِهم؛ وحينئذٍ: تتنافرُ

القلوبُ، ويقع التهاجُرُ والتقاطُعُ، وتضعُفُ الدّعوةُ إلى الله، وتقلّ منفعةُ

العِلم، ولا يقعُ القَبُولُ للتّوجيهِ والإرشادِ، ويتغلغلُ الأعداءُ. ولَعَمْرو اللهِ إنّ

هذه لهي بُغيةُ الأعداءِ، فلا حولَ ولا قوّة إلا بالله...

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى

إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ

كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا

تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:94].

نَفَعني اللهُ وإيّاكم بالقرآنِ العظيمِ، وبهدي محمّد -صلى الله عليه وسلم-،

وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب

وخطيئة، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.

ابن غالب
12-11-2003, 10:28 PM
الخُطبةُ الثانية:

الحمّد لله فالقِ الإصباح، أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه على نِعَمٍ تتوالى

وتتجدّد في المساء وفي الصباح.

وأشهدُ أن لا إله إلا الله -وحده لا شريكَ له-.

وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه؛ أغنى نورُ رسالته عن

كلِّ مِصباح، صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتّابعين

وَمَن تبِعهم بإحسانٍ فَسَلَك سبيلَ الفلاح.

أمّا بعد -أيّها المسلمون- عندما تتقرَّرُ خطورةُ التّكفيرِ، وعِظمُ شأنه،

وشدّةُ القول فيه: فإنّ ذلك لا يعني التساهُلَ، وتمييعَ القضايا، وإغلاقَ

بابِ الردّة -عياذًا بالله-، والحكمَ بالإيمان لمن ظهَر كفرُه بالدليل والبرهان،

وانشرَح صدرُه بالكفر والطّغيان، ولكنّ المقصودَ: بيانُ خطرِ المسألة،

والحذرُ من الجرأةِ في اقتحام أبوابِها؛ حتّى قال بعضُ أهل العلم: إنّك لو

مِتَّ ولم تقُلْ في فِرعونَ شيئًا لم يُؤاخِذْك اللهُ بذلك يومَ القيامة!

فالتكفيرُ ـ رحمكم اللهُ ـ عندَ أهلِ العلم- خطيرٌ؛ له شروطٌ وموانع: بيّنها

أهلُ العلم؛ فقد يكون الرّجلُ لم تبلُغه النصوصُ الموجِبةُ لمعرفة الحقّ،

وقد تكون عنده ولكنّها لم تثبُت عنده، أو لم يتمكّن مِن فهمها، وقد

تَعْرِضُ له شبهاتٌ يَعْذُره اللهُ بها؛ فمَن كان مِن المؤمنين مجتهدًا في

طلبِ الحقّ؛ وأخطأ: فإنّ اللهَ يغفِرُ له خطأه -كائنًا ما كان-، سواءٌ من

المسائل النظريّة أو العمليّة، هذا الذي عليه أصحابُ رسولِ اللهِ،

وجماهيرُ أئمّة الإسلام.

وأهلُ العلم قد يحكُمون على الأمرِ بأنّه كفر، ولا يحكُمون بأنّ كلَّ من وقع

منه خارجٌ مِن الملّة؛ لأنّ شرطَ ذلك أن لا يكونَ له عُذرٌ مقبولٌ.

ألا فاتّقوا الله -رحمكم اللهُ-، واحفَظوا ألسنتَكم، ولا يستجرِيَنّكم الشيطان،

واجتمِعوا على الحقّ، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ

وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ} [المائدة:2].

ثم صلّوا وسلّموا على نبيّ الرّحمة والهدى؛ فقد أمركم بذلك المولى -

جلّ وعلا-؛ فقال قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا

الَّذِينَ امَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك نبيّنا محمّد صاحبِ الوجه

الأنور، والجبين الأزهر، والخُلق الأكمل، وعلى آله الطيّبين الطاهرين...

المصدر :


khotab.net

أبوعبدالرحمن
12-11-2003, 10:57 PM
ابن غالب

حياك الله اخوي

وجزاك الله خيراً على مانقلت لنا

الرئيسة
13-11-2003, 01:58 PM
جزاك الله خير الجزاء على هذه الخطبة الرائعة

فبارك الله فيك وفي قائلها الشيخ ابن حميد

ونتمنى منك أن تكتب بما هو رائع

وأثابك الله وجعله في ميزان حسانتك

مجروحة الزمن
14-11-2003, 02:14 AM
جزاك الله خيرا اخي

واسال الله ان يجعلها في ميزان حسناتك

تحياتي لك

المفكر
14-11-2003, 06:32 AM
جزاك الله خيرا

واسال الله ان يجعلها في ميزان حسناتك

أمل عبدالعزيز
18-11-2003, 04:06 AM
نفعك الله بماسطرت يمينك يابن غالب.......
وجزاك الله خيراً........

وحفظ لنا أمتنا وحماها من الزيغ والهوى والضلال.............

ابن غالب
21-11-2003, 10:33 PM
أشكر الجميع على مرورهم ..

وجزاكم الله خيرا ..

أسير الدليل