المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأسباب المعينات على تحقيق اللذة في الطاعات



أهــل الحـديث
13-05-2013, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


الأسباب المعينات على تحقيق اللذة في الطاعات

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد تذوق من كان قبلنا من الصالحين طعم العبادة فطمأنت قلوبهم عند قيامهم بالطاعات واستراحت نفوسهم عند إتيانهم بالعبادات،فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول لبلال -رضي الله عنه-:"يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها". رواه أبو داود (4985) من حديث رجل من خزاعة، وصححه العلامة الألباني - رحمه الله-.
قال ابن الأثير –رحمه الله-:"أذن بالصلاة نسترح بأدائها من شغل القلب بها".النهاية في غريب الحديث(2/274)
وكان يقول صلى الله عليه وسلم:"وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلَاةِ".رواه النسائي(3940)،وصححه العلامة الألباني-رحمه الله-.
قال الحافظ المناوي-رحمه الله-:"لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهم على مطالعة جلال الله وصفاته فيحصل له من آثار ذلك ما تقر به عينه".فيض القدير(3/348 )
وهذا معاذ بن جبل –رضي الله عنه- يقول لما حضره الموت :" اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار،ولا لغرس الأشجار،ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".حلية الأولياء لأبي نعيم ( 1/239)
وقال أحد السلف –رحمه الله- :"مساكين أهل الدنيا!خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ! قيل : وما أطيب ما فيها؟ قال : محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته".إغاثة اللهفان(1 /72)
ويقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-واصفا شيخ الإسلام ابن تميمة -رحمه الله-:"وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها،ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق،وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا،وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه،وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة".الوابل الصيب (ص 70)
أيها الأحبة الكرام قد حل بكثير منا في هذا الزمان بأن حرمنا اللذة أثناء تعبدنا لله جل جلاله،فالواحد منا يصلي ويصوم ويتصدق ويطلب العلم ويفعل غير ذلك من العبادات لكنه لا يجد في قلبه حلاوة لهذه الطاعات!
كل منا يطرح على نفسه هذا السؤال ؟ أين اللذة في العبادة؟! لماذا لا نشعر بها ؟! ما سبب فقدها وحرمانها ؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور ،يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين،فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول، والقصد : أن السرور بالله وقربه وقرة العين به تبعث على الازدياد من طاعته وتحث على الجد في السير إليه".مدارج السالكين( 2/ 68)
إن لذة الطاعة وطعم العبادة أيها الكرام لا تشترى بالمال،ولا تتحقق بتوفر سبل الراحة في هذه الدنيا الفانية، وإنما يجدها العبد الأواب بتوفيق بالعزيز الوهاب، وسعيه لتحقيق ما يعين على ذلك من الأسباب، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله،وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته،وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه،وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه،وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه،وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا".مدارج السالكين(3/164)
نعم من حقق الأسباب بعد توفيق الرب جل جلاله الوهاب فإنه سيجد في قلبه بعون رب البريات أثرا للعبادات ولذة في القربات.
1- أول هذه الأسباب أيها الأفاضل علينا أن نكثر من دعاء الرب جل جلاله دائما أن يوفقنا لفعل ما يحبه سبحانه ويرضاه ويتكرم علينا بالتلذذ في ذلك، وأن يبعدنا عن كل ما يكرهه ويسخطه ويتفضل علينا ببغض ذلك، لأنه سبحانه هو الذي أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، حيث قال جلَّ و علا:(ادعوني أستجب لكم )[غافر :60]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه،وتكفل لهم بالإِجابة ". تفسير ابن كثير (7/153)
2-ومن أهم هذه الأسباب، الإخلاص في عبادة الله جل جلاله قال شيخ الإسلام-رحمه الله-:"فمن كان مخلصا في أعمال الدين يعملها لله، كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم،كما قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون(62) الذين آمنوا وكانوا يتقون(63)لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم)[يونس:62-64]". مجموع الفتاوى(1/8)
وقال الإمام ابن القيم–رحمه الله- :" الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة،وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك". الفوائد(ص164).
وتحقيق متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا،فإن العبادة لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الرب جل وعلا، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله،ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع،كما قال تعالى:﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا﴾ [الكهف:110]". مجموع الفتاوى(10/234)
3- ومن الأسباب كذلك المهمة ،مجاهدة النفس على فعل الطاعات والتزود من الخيرات حتى وإن وجدت مشقة عند الإتيان بها، فعلينا أن نتحمل ونتذكر ما عند الله سبحانه وتعالى من نعيم مقيم ،و نعلم أن هذا النعيم لا يدرك بالراحة والكسل !، وإنما بالجد والصبر والاجتهاد،قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"المصالح والخيرات واللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب،وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله".مفتاح دار السعادة(2 / 15)
- وأيضا البعد عن المحرمات التي هي سبب كل وباء ومصدر كل شقاء،ومن أقوى الأسباب المانعة من وجود حلاوة الطاعات ولذة العبادات،سئل وهيب بن الورد المكي (ت153هـ) -رحمه الله-: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ -أي بالمعصية-". صيد الخاطر ( ص66).
يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"ومنها أنه يحرم –أي العاصي- حلاوة الطاعة، فإذا فعلها لم يجد أثرها في قلبه من الحلاوة والقوة ومزيد الإيمان والعقل والرغبة في الآخرة،فإن الطاعة تثمر هذه الثمرات ولابد".طريق الهجرتين (ص411)
-وعلينا أن نكثر من ذكر الله جل وعلا قراءة القرآن مع تدبر معانيه في كل وقت وحين،لأن بذكره جل وعلا تنشرح الصدور وتحيا النفوس وتذاب القسوة عن القلوب، قال تعالى:(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[ الرعد:28].
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره-سبحانه-،فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها والأنس به ومعرفته،وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه،من تسبيح ، وتهليل،وتكبير وغير ذلك". تفسير السعدي (ص 417)
فهذه أيها الأحباب أهم الأسباب التي علينا أن نسعى دائما في تحقيقها والصبر عليها إذا أردنا التلذذ بالطاعات وتذوق طعم العبادات التي أمرنا بها رب الأرض والسموات، فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وأن لا يحرمنا اللذات عند إتياننا بالطاعات وحرصنا على الخيرات فهو سبحانه قريب مجيب سميع الدعوات.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي