المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السكوت على انحراف المنحرفين ,كتبها ابو عبد الرحمن عماد بن حسن المصري



أهــل الحـديث
13-05-2013, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السكوت على الانحراف :
والسكوت على الانحراف والمنحرفين ليس سنة من سنن الله الكونية ، حاشا لله ، بل هي سنة الجاهلية الأولى التي رأت كل منكر خالف حتى الفطرة ( من مكونات المجتمع ) الذي تعيش فيه هذه المسوخات المنحرفة ، إلا من كانت فطرته سليمة لم يطرأ عليها العفن ، ولم يدخل قلبه الران ، فهذه الفطرة السليمة هي امتداد لسنة الإصلاح التي كان يدعوا إليها أنبياء الله جميعاً ، وللأسف الشديد تمترس بعض أهل العلم في هذا الزمان ممن طعنوا في السن والعلم خلف جدران العاج وسكتوا على انحرافِ وطيشِ فكرٍ اتسع معه الخرق على الراقع ، وظنوا أن سكوتهم على هذا الانحراف أن شره ليس مستطيراً . واستطار الشرر ، وبدأ المعول الفكري ينشط ونحن نذكر القاعدة ( أميتوا الباطل بعدم ذكره ) وبقينا نجمد على هذه القاعدة ونصفق لها تصفيق الأبله الذي يقنعه فضول الكلام ، والجائع الذي يرضيه بقايا الطعام ، حتى خرج الباطل من قزميته وتطاول على الحق ، بل هذه القاعدة عاطلة باطلة ، فلقد نقضها القرآن ونسفها من أسفلها فقال عز وجل : (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل:64] متحدياً أهل الباطل أن يدللوا على باطلهم ولو بأدنى دليل . بل إن بعض علماءنا ومشايخنا كان ينهوننا الجلوس مع المبتدعة ومناقشتهم حتى استطال المبتدعة وأنشئوا مدارسهم الفكرية في غياب وانحسار أهل الحق .
وهذا الانحسار ساهم فيه ( بحسن نية ) بعض علماءنا معللين ذلك بالخوف من تأثير شبه المبتدعة ، لأن قلوب المؤمنين كالإسفنجة فهي تشرب الشبه ومما يُلقى إليها من البدع وأشباهها .

دور العقل :
ليس هناك عاقل على وجه الأرض يدعي أن العقل محكَّم على ما لا يدركه من مبادئ الشرائع والمعجزات وجوهر المغيبات ، إن مقام العقل مقام عال وفريد مكرَّم من قبل الحق جل وعلا ، فلقد خاطبه بأسمى رسالة ، وأوضح مقالة ، وجعله مناطى التكليف لكل فرائض الإسلام وأحكامه . والنقل هو مجموع تلك النصوص المقدسة عند المسلمين التي جاءتهم عبر الوحي الإلهي ( خاصة كتاب الله ) فهو المعجزة التي تحدى بها العرب وهم أصحاب فصاحة وبيان ( وهو حجة عقلية ) خاطب العقل في فهم آيات الكون والإنسان ، وربطه ربط السبب بالمسبب فالنظر في آيات الكون والإنسان نظرة عقل وفكر وتدبر ثم التوصل بالمقدمة المنطقية وربطها بمقدمة أخرى لنصل بدلالة العقل على وجود الصانع جل في علاه .
قال محمد عبدة( 1): ( لقد تقرر بين المسلمين أن الدين إن جاء بشيء قد يعلوا على الفهم فلا يمكن أن يأتي بما يستحيل عند العقل ) .
إن كتاب الله هو مصدر العقلانية المؤمنة الباعثة على التعرف على ذات الله العلية ، والتسليم المطلق بنصوص الشريعة الغراء ، مع التسليم الكامل المطلق بأن ما كان مسطوراً لا يخالف ما كان منظوراً .
وما أجمل ما قاله الإمام ابن رشد 2: ( فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع ، فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له ، فالحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة ، وهما المصطحبات بالطبع ، المتحابتان بالجوهر والغريزة ) .
وما أجمل ما قاله صاحب ( شرح الطحاوية ) 3 : ( ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام ) .
أما هؤلاء المنبهرون بالمستشرقين ( والذين يعملون معهم ) فلقد نسي هؤلاء ( المستشرقون ) وأتباعهم أن الحضارة الغربية كانت ذا عقل ( خرف ) في القرون الوسطى إذ كانت المدرسة العقلية ملغاة أمام النص الكهنوتي المجرد عن العقل ، بل إن الكنيسة الغربية كانت تقف أمام كل عقل يفكر كما كانوا يحرقون المفكرين ممن كانت لهم وقفات ضد الكنيسة النقلية عديمة العقل والنظر ؛ لأن الإيمان في الديانة الغربية يقام على ما يلقى إليها من إيمان دون إعمال العقل .
لقد كانت معجزات الرسل السابقة مادية ، كان أتباعهم يقفون أمام هذه المعجزات موقف مشلول التفكير الذي ألغى عقله أمام تلك البراهين . عكس المعجزة المحمدية التي جاءت محاكية العقل ناهية له عن سفساف الأمور إلى معاليها ، حتى بلغ النضج العقلي العربي إلى التفوق بآلاف المرات على العقل الأفلاطوني ، والأرسطي ، والأفلاطيني .
لم يعرف المسلمون منذ بزغ فجر الإسلام نصوص الوحي نصوصاً لاهوتية( 4) مجردة من إعمال العقل . بل نصوصه تؤدي بالنتيجة العقلية المدعومة بالنقل لتشكل ثنائيا أخوياً لتوصل إلى معرفة الحق جل وعلا ومعجزاته الكونية .
لقد تعرض الغرب بهجمته الشرعية إلى ما يسمى ( مصدرية القرآن ) معتمدين على شبهة أن القرآن يخالف العقل مما أداهم بالنتيجة إلى مقولتهم الفاسدة أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم وقاد هذه المدرسة ( غوستاف لوبون ) و(منتغمري واط ) وشيخه ( بل ) و (جولدتسهير ) وقالوا : إن القرآن تأثير بالإنجيل والتوراة ، والفقه الإسلامي تأثير بالقانون الروماني الذي كان سانداً في بلاد الشام . وياليتهم استخدموا المنطق العقلي الذي يدعونه لكان أوصلهم للحقائق المذهلة الموصلة إلى أن القرآن كلام الله وليس لجبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فيه إلا التبليغ .
إن الدعوة المقامة حالياً على ألسنة بعض الناشئة الغمر من شبابنا الذين يعملون في حقل السنة ، أن العقل أساس كل شيء ، وهو المقدم على النقل لم تعرفه العصور المفضلة العاقلة عن ربها ، الفاهمة لمعنى العقل في الفهم الصحيح والتلقي الصحيح ، فإنهم أبواق للمستشرقين ظهرت جلياً في نقدهم لمتون السنة من ناحية العقل .
1. ( الأعمال الكاملة ) لمحمد عبدة ( 3 : 301 ) .
.2 ( فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ) ( ص 31 ) .
3. ( شرح العقيدة الطحاوية ) ( 1 : 26 ) .
4. كلمة لاهوت تقال لله كما يقال للإنسان ناسوت ( والمعنى ) المسلمون لا يعرفون نصوص الوحي الإلهي مجردة من العقل كالكنيسة اللاهوتية ، وقال صاحب ( اللسان ) : وأما لاهوت فإن صح أنه من كلام العرب فيكون اشتقاقه من لاه ووزنه فعلوت مثل رفبوت ورَحَمُوت وليس بمقلوب