المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرشاد اللبيب إلى مقصود عتاب الله للحبيب



أهــل الحـديث
10-05-2013, 09:11 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إرشاد اللبيب

إلى

مقصود عتاب الله للحبيب

هل يقصد بعتاب الله في القرآن الذم؟
قال صاحب (جوامع الكلم 1 / 18):
المعروف عند سائر الناس في معنى العتاب، " أن الشخص إذا عاتب آخر ، والسيدإذا عاتب عبده ، فإنه في تلك الحال واجد عليه أو مريد لعقوبته ، لأجلمخالفته لما أمره به أو نهاه عنه ، لأنه عاص له ، قادم على مخالفة أمره ،وأما عتاب الله عز وجل فإنه ليس من هذا القبيل ؛ لأن أنبياءه لا يقدمون علىمخالفته ، وإن ما يقع منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ليس مما نهى الله عنهنهى تحريم ليقال كيف يرجحون داعي الطبيعة البشرية على داعي أمر الله وداعيالطبيعة البشرية النفس الأمارة بالسوء ، وداعي أمر الله هو العقل . وأصحابالعقول الكاملة لا يطيعون قرين الشيطان . وإنما هو نهى تنزيه وإرشاد " .
وفيه أيضا:
" فتلك العتابات دالة على عظم شأنهم ، وجلالة قدرهم عنده لعظيماعتنائه عز وجل بهم ، فإنه قد يعاتبهم ويلومهم على ما ليس بذنب ، وإنما هوتكميل على تكميل ، وتنزيه لهم عن ملابسة مالا يليق بمقامهم عنده " انتهى
وعمومافالعتاب في القرآن لا يقصد به الذم فالسهو والخطأ غير المقصود واقع منالنبي (على تفصيل في ذلك) فإن الأنبياء معصومون لا يتعمدون الخطأ باتفاقأهل السنة سلفيي العقيدة والمنهج.
(إنالغلاة والمفوضة - لعنهم الله - ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلميقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاةفريضة كما أن التبليغ فريضة… وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلمكسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق، فلايتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو. وكان شيخنا محمد بنالحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلىالله عليه وآله وسلم). انتهى
عتاب الله لنبيه دليل على عصمة القرآن وانه من عند الله اذ لو كان من عند محمد لمدح نفسه وما عاتب نفسه
ولو كان يكتم وحيا لكتم مثل هذه اللآيات
وعتاب الله لنبيه لا ينافى عصمته ولكنه دليل على رفعته ومكانته عند ربه ولكن العتاب من باب حسنات الأبرار سيآت المقربين
فآدم نسى وأكل من الشجرة قال الله
فنسى ولم نجد له عزما
ومع ذالك سماها الله معصية فقال
وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
وهناك أيضا أوجه أخر ستأتى
يقول د. بدر عبد الحميد هميسه في مبحث له:
لقدحاول المستشرقون البحث في القرآن والتنقيب عن الآيات التي ورد فيها عتابالنبي صلى الله عليه وسلم، ليتخذوها وسيلة للطعن والتخطيء,وإظهار أن النبيعليه الصلاة والسلام لم يكن على صواب، وأن أخلاقه لم تكن مثالية، وإلا لماورد هذا العتاب في القرآن , ولكنهم على عكس ذلك أثبتوا بادعائهم أن :


1- القرآن منزل من عند اللهوأنه قد وصل إلينا كما أنزل، وأن القرآن لو كان كلام بشر ما كان يحتويعتابا لرسول الله، فالبشر من عاداتهم لا يتقبلون النقد ويدعون الكمال، ومامن منهج بشري يلوم فيه صاحبه نفسه أو يعاتبها، بل كل منهج وضعه بشر يحاولأن يوهم نفسه والناس بأنه هو الكمال المطلق.
وأن القرآن الكريم لم يحدث فيه تبديل ولا تغيير، ولو حدث ذلك لحذفت منه هذه الآيات التي تتضمن العتاب أو على الأقل حرفت.

فقدعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال له : \" وَلَا تَقُولَنَّلِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُوَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّيلِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) سورة الكهف .

وكانسبب ذلك أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ ، وَعن أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وعن َذِيالْقَرْنَيْنِ ، فَقَالَ لَهُمْ : سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا ، وَلَمْ يَقُلْإِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَعَاتَبَهُ رَبُّهُ بِعَدَمِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِإِلَيْهِ ، وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ ,ثُمَّ عَلَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِالْأَدَبَ مَعَهُ ، فِي قَوْلِهِ : ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّيفَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) ثُمَّ قَالَلِنَبِيِّهِ : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) يَعْنِي إِنْ قُلْتَسَأَفْعَلُ كَذَا غَدًا ، ثُمَّ نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ ، أَيْ قُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَيْ لِتَتَدَارَكَ بِذَلِكَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِالَّذِي فَاتَكَ عِنْدَ وَقْتِهِ ، بِسَبَبِ النِّسْيَانِ ، وَتَخْرُجَمِنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تَقُولَنَّلِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .الشنقيطي : أضواء البيان 7/266.
وأيضاًعتاب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم حينما أذن لبعض المنافقينبالتخلف عن غزوة تبوك ، فعاتبه ربه بقوله : \" عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَأَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَالْكَاذِبِينَ (43) سورة التوبة .

وكذاعتابه الشديد له حينما قال له : \"يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُغَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْوَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّالنَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِوَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍفَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَالْعَلِيمُ الْخَبِيرُ \". سورة التحريم 1-3.
السببأنه كان صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشةوحفصة أن تقولا له إذا دخل عليهما إنا نجد منك ريح مغافير فحرم النبي صلىالله عليه وسلم العسل على نفسه فأنزل الله هذه الآيات. تفسير ابن كثير 8/161, تفسير القرطبي 10/312 , فتح القدير للشوكاني 5/348 صحيح البخاري (5431).
فلو كان القرآن قد حرف أو بدل – وحاشاه – لما بقيت فيه هذه الآيات البينات الناصعات , التي تؤكد صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .2- أثبتوا صدق أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ الرسالة، وإلا لأخفى هذه الآيات وما استطاع أحد من البشر أن يعرف إذا كانت أنزلت أم لا.

فاللهتعالى قال في محكم تنزيله : \"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَبِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْلِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَغَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَأَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِوَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِجَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَعَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِاللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًافَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًافَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُاللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْيُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْشَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَمَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) سورة النساء .

قالابنُ عبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقالُلَهُ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ؛ سَرَقَ دِرْعاً مِنْ جَارٍ لَهُ يقالُ لَهُ : قتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، وَكَانَتِ الدِّرْعِ فِي غِرَارَةٍوَجِرَابٍ فِيْهِ دَقِيْقٌ ، فَانْتَثَرَ الدَّقِيْقُ مِنَ الْمَكَانِالَّّذِي سَرَقَهُ إلَى بَاب مَنْزِلِهِ ، فَفُطِنَ بهِ أنَّهُ هُوَالسَّارِقُ ؛ فَمَضَى بالدِّرْعِ إلَى يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُالسَّمِينِ فَأَوْدَعَهُ إيَّاهَا ، فَالْتُمِسَتِ الدَّرْعُ عِنْدَطُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ ، فَحَلَفَ لَهُمْ مَا أخَذهَا وَلاَلَهُ عِلْمٌ ، فَقَالَ أصْحَابُ الدِّرْعِ : لَقَدْ أدْلَجَ عَلَيْنَاوَأخَذهَا ، وَطَلَبْنَا أثَرَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَهُ ، وَلَقِيْنَاالدَّقِيْقَ مُنْتَثِراً ، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُواْ أثَرَالدَّقِيْقِ حَتَّى انْتَهَوا إلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ وَطَلَبُوهُ ،فَقَالَ : دَفَعَهَا إلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ، وَشَهِدَ لَهُ نَاسٌمِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذلِكَ ، فَقَالَ قَوْمُ طُعْمَةَ : انْطَلِقُواْإلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكَلِّمُهُ فِي صَاحِبنَانُعذُرُهُ وَنَتَجَاوَزُ عَنْهُ ، فَإنَّ صَاحِبَنَا بَرِيْءٌ مَعْذُورٌ. فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُواْ أهْلَ لِسَانٍوَبَيَانٍ ، فَسَأَلُوهُ أنْ يَعْذُرَهُ عِنْدَ النَّاسِ ؛ فَهَمَّ رَسُولُاللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَعْذُرَهُ وَيُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ ،فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ.
انظر :تفسير الطبري 9/182 , تفسير الرازي 5/369 , تفسير ابن كثير 2/405.

فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم غير أمين على الوحي – وحاشاه – لأخفي هذه الآيات التي فيها لوم شديد له .

ومثالهأيضاً ما روى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان قد أوحى إليه : أن زيدايطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها ، فلما تشكى زيد للنبي صلّىاللّه عليه وسلّم من خلق زينب وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها قالرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على جهة الأدب والوصية : \" اتّق اللّهفي قولك هذا وأمسك عليك زوجك\ .
وقدكان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلق زينب ،وأنه ستكون زوجة له ، و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا ويخشى منمقولة الناس ، أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه ، فعاتبه ربه على ذلك قولالله تعالى : \" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِوَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَوَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَوَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًازَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيأَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُاللَّهِ مَفْعُولًا (37) سورة الأحزاب . انظر : جامع البيان للطبري (22/11) و تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/489) ، و انظر البخاري ( برقم 4787) .
3-كما أنهم لم يفهموا أن العتاب أو العتب دليل وجود الود بينك وبين الشخص الذي تلومه, وعلى قدر الود يكون اللوم، فان كان اللوم عظيما كان هناك مكان للوم ولوعلى شيء صغير، وإذا كان الود بسيطا لا يكون اللوم إلا على أشياء كبيرة .
وأنالعتاب جاء ليوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمثل والأوفق والأرفقوالأحسن من السياسات والقرارات، عندما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مايكون خلاف الأولى.
كماجاء في قوله سبحانه :\" عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُالذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَاتَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) سورة عبس .
فهذهالحادثة نزلت في عبد الله بن أم مكتوم الأعمى الفقير؛ الذي أعرض عنهالرسول عليه الصلاة و السلام لانشغاله مع كبراء قريش، لعلهم يسلمون ويسلممعهم من يتبعهم، وهذا الفعل لم يقصد به النبي صلى الله عليه وسلم أي انحيازطبقي بين الغني أو الفقير، ولكنه ظن أن الغني سيكون مؤثرا في الدعوة إنأسلم أكثر من الأعمى الفقير، ونزلت الآية تعاتب الرسول عليه الصلاة والسلام عتابا رقيقا حتى أن الله تعالى لم يوجه الخطاب مباشرة لرسوله الكريمتلطفا ورحمة به ،وإنما جاء بصيغة المجهول (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ثم بعدهاجاء ضمير المخاطب (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) وهذا من حب اللهتعالى لرسوله ولطفه به، لأنه يعلم أنه لم يعرض عن الأعمى تكبرا، وإنما حرصهالشديد على إسلام صناديد قريش وزعمائها ما هو إلا عزة للإسلام و المسلمين .
فعاتبالله تعالى رسوله قائلا يا محمد لما تترك السهل وتدخل الصعب، إن الله غنيعن هؤلاء جميعا فلا تضيق على نفسك وتحملها المشقة لتهدي من يرفض قلبهالهداية , قال تعالى : \" فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) سورة الكهف , وقولهتعالى : \" فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَعَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) سورة فاطر.

وقولهقال الله تعالى : \" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْلِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) سورة غافر .
أي : اطلب من ربك المغفرة لذنبك بأن تفعل الأسباب التي تحصل بها المغفرة : منالدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح ، وفعل الحسنات الماحية ، وترك الذنوب ،والعفو عن الخلق والإحسان إليهم.تفسير السعدي 35.
فالاستغفارهو طلب المغفرة وهو مرتبط بالتسبيح ،ويعتبر الاستغفار من الذنوب، والتسبيحبالعشي والإبكار، من مكملات العبادة والطاعة والقرب من الله تعالى. وطلبالرحمة والمغفرة من الله مطلوب من كل مؤمن مهما بلغت درجة إيمانه، ومكملللعمل الصالح مهما كان هذا العمل الصالح مقبولا عند الله. والرسول عليهالصلاة والسلام كان يحرص على أن يؤدي ما يجب على أمته أن تقتدي به، حتى ولوكان هذا العمل قد أعفاه الله منه، والله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبهوما تأخر, ولكنه مع ذلك كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة ويقوم الليلويصلي حتى تتورم قدماه الشريفتان وتسأله عائشة رضي الله عنها في عجب: يارسول الله ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول الرسول عليهأفضل الصلاة: أفلا أكون عبدا شكورا.
ومن ذلك أيضًا مارواه مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى في بدرقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَاتَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّاللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْفِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْيَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلممَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِمَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّافَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَعُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَعُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا فَهَوِيَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَمَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ يَارَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَفَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُلِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْكِيلِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْعُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍقَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللَّهُعَزَّ وَجَلَّ : \" مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّىيُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُالْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِسَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) سورة الأنفال . أخرجه أحمد1/30(208) و\"مسلم\"5/156 و157(4609 و4610).
فقد عاتبه الله تعالى على ترك الأولى وهو قتل هؤلاء الأسرى من كفار قريش الذين لا يرجى منهم الخير .
يقول الشيخ عماد الشربيني في مقالة له:
وأما قوله تعالى : فى أسارى بدر : { ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدونعرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم } (الأنفال:67)
فليس فىهذه الآية الكريمة وما بعدها إلزام ذنب لرسول الله صلى الله عليه وسلم،لتصديرها بجملة "ما كان لنبى" وهذا الأسلوب المكون من "كان" المنفية بـ "ما" الآتى بعدها لام الجحود، تأكيداً لتقوية النفى فيها قد ورد فى القرآنالكريم، وكلام العرب على وجهين، كما قال المفسرون، وأهل المعانى
الوجه الأول :
النفى كما هو ظاهر أسلوبهاكقولهتعالى { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } (النمل:60) وقوله : { وما كان اللهليضيع إيمانكم } (البقرة:143) وهذا هو الأصل فى معنى هذا الأسلوب،لأن توكيد فعل الكون بلام الجحود هو "أبلغ لفظ يستعمل فى النفى من كتاب [أسرار التكرار فى القرآن لمحمود بن حمزة الكرمانى ص99]
ومعناه انصباب النفى على ما قبل اللام وما بعدها نفياً مطلقاً "يشمل جميع الحالات المعنوية التى يتضمنها الكلام"
من كتاب [النحو الوافى لعباس حسن 4/299]
... ويفيد هذاالتركيب معنى زائداً على نفى مجرد الفعل، وهو نفى التهيؤ للفعل المنفى عنهوإرادته والصلاحية له، كما أوضح ذلك أبو حيان وغيره من كتاب [البحر المحيط 1/426، وينظر : مغنى اللبيب لابن هشام 1/211]
... ولا شك أن نفىالتهيئة والإرادة للفعل أبلغ من نفى الفعل، لأن نفى الفعل لا يستلزم نفىإرادته، ونفى التهيئة والصلاح والإرادة للفعل تستلزم نفى الفعل، فلذلك كانالنفى مع لام الجحود أبلغ" من كتاب البحر المحيط 1/426 .
... أما الوجه الثانى :
من وجهي استعمال هذا الأسلوب فى القرآن الكريم، فهوالنهى الضمنى عن أن يقع متعلق الخبر، كقوله تعالى : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } (الأحزاب:53
... وقد جعل منه بعضالعلماء آية بحثنا هذا { ما كان لنبى أن يكون له أسرى } الآية 67 الأنفال. : البحر المحيط 4/518، وروح المعانى للألوسى
ومعنى الآيةعلى الوجه الأول : أن الله عز وجل يبرئ نبيه صلى الله عليه وسلم، وينزهساحته عن أن يكون له تهيئة وقصد فى أخذ الأسرى، وإنهاء المعركة قبل الإثخانفى الأرض.
... والمعنى على الوجه الثانى :
نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون له أسرى قبل الإثخان فى الأرض، والمبالغة فى إضعاف قوة العدو، ولا يستلزم هذا النهى وقوع المنهى عنه من المخاطب، لجواز أن يكون وقوع المنهى عنه، كان ممن له صلة تبعية بالمخاطب،
ويؤيد هذا أن "التنكير – أى تنكير نبى فى قوله "ما كان لنبى" إبهاماً فى كون النفى لم يتوجه عليه معيناً
تلطفاًبه صلى الله عليه وسلم، وإشارة إلى أن هذا سنة من سنن الله تعالى معأنبيائه وبياناً لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم متوجه القصد، إلى أن يكونله أسرى قبل الإثخان فى العدو، وإكثار القتل، والجراح فيه، وعلى ذلك يكونالخطاب – فى ظاهره – موجهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا التلطفالذى يبرئ سماحته صلى الله عليه وسلم مما يوجب العتاب، ويكون الخطاب - فىحقيقته - موجهاً إلى الذين أسرعوا فى إنهاء المعركة، وأخذ الغنائم والأسرىبمجرد ظهور طلائع النصر، ولم يصبروا حتى يكثروا القتل فى العدو كسراًلشوكته. وقد نزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن إرادة شئ من الدنيابتوجيه الكلام بطريق الإفراد فى أول الكلام فى قوله "ما كان لنبى" الذىأخرج مخرج الغيبة، مع أن المقصود به هو النبى صلى الله عليه وسلم، إلىالجمع فى قوله : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } الذى قصد به بعضالصحابة، ممن تجرد غرضه لعرض الدنيا وحده، والاستكثار منها، وليس المرادبهذا النبى صلى الله عليه وسلم ولا علية أصحابه رضى الله عنهم
(الشفا 2/159، والمواهب اللدنية وشرحها 9/46، 47
... وهذايدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يدر بخلده، أن ينهى المعركة قبلالإثخان فى العدو ليأخذ الأسرى، ويغنم أصحابه المغانم، ويؤكده ما رواه ابنإسحاق فى سيرته : "ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول اللهصلى الله عليه وسلم فى العريشهو : كل ما يستظل به. النهاية فى غريب الحديث 3/187 . وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذىفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوحشاً السيف فى نفر من الأنصار، يحرسونرسول الله صلى الله عليه وسلم، يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله صلىالله عليه وسلم فى وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له رسولالله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال : أجل،والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخانفى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال" أخرجه ابن إسحاق فى السيرة النبوية لابن هشام، 2/290 نص رقم 753، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية 3/284 نقلاً عن ابن إسحاق.
... وهذا يدل على أنالنبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سعد بن معاذ ما رأى فى وجهه منكراهية ما يصنع القوم، فاستفسره عن ذلك، فقال له : "والله لكأنك يا سعدتكره ما يصنع القوم؟" فقال سعد : أجل يا رسول الله، وعلل سعد ذلك بأن هذهأول وقعة فى الإسلام نصر الله فيها المسلمين على أعدائهم من المشركين، فكانالإثخان فى القتل أحب إليه من استبقاء الرجال.
وفيه دلالة على أنالمعاتب عليه عدم الإثخان فى القتل، والإسراع إلى الغنيمة، لا أخذ الفداء،لأن سعداً أبان عن رأيه قبل الاستشارة فى أخذ الفداء، وهذا كالصريح فى أنأخذ الفداء من الأسرى لا عتاب عليه، وقد بين الله تعالى هذا بقوله { لولاكتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } (الأنفال:68) فإنه تعالىلعظيم فضله، وبالغ رحمته، منع عذابه العظيم عن المؤمنين المجاهدين يوم بدر،الذى استحقوه بما مالت إليه أنفسهم من الإسراع فى جميع الغنائم، قبل إكثارالقتل فى عدوهم.
... وهذه الآيةالكريمة : { ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض } (الأنفال:67)كما هو ظاهر منها لا تمنع الأسر، وأخذ الفداء نهائياً، ولكنها تقرر أنهمالا يكونان إلا بعد الإثخان فى الأرض بظهور المسلمين على أعدائهم.
... وهى لا تتنافىمع آية سورة محمد { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهمفشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء } (محمد:4) فلا زيادة فى حكم هذهالآية، على آية الأنفال، لأن كلتا الآيتين متوافقتان "فإن كلتيهما تدلانعلى أنه لابد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء"التفسير الكبير للرازى 15/202 . فلا نسخ إذن كمايزعم البعض.+-
... ولكن بعضالصحابة رضى الله عنهم حين اشتغلوا بجمع الغنائم قدموا عرض الدنيا علىالآخرة فخالفوا ما أراده الله تعالى لهم من عظيم الظهور وقوة الشوكة.
... أما الكتابالمذكور فى قوله تعالى : { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذابعظيم } فقد أدى إبهامه إلى اختلاف العلماء فيه على أقوال كثيرة أوصلهاالشوكانىإلى ستة أقوال، لعل أرجحها وأقربها إلى المعقول، وأولاهابالقبول هو : ألا يعذب الله أحداً إلا بعد أن يقدم إليه أمراً أو نهياًفيخالف ما قدمه الله إليه(
فتح القدير 2/325، 326 .
... والمعنى : لولاأنه سبق منى أن لا أعذب أحداً إلا بعد النهى لعذبتكم على ما أخذتم منالفداء. إذ لو كان منهياً عنه محرماً لاستحقوا بمخالفته العذاب، فالمرادبالكتاب : حكم الله الذى كتبه وقدره، وهذا التفسير ينفى أن يكون أمر فداءالأسارى معصية لعدم النهى
ينظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/34، وروح المعانى للألوسى 10/ 34، والبحر المحيط لأبى حيان 4/519 .
... وفى الآية بيانلما كان مسطوراً فى غيبه تعالى من إحلال الغنيمة، وتطييبها لعبادة المؤمنينمن هذه الأمة، وهذا كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياءفكأنه قال : "ما كان أخذ الفداء لنبى غيرك" وهو ما أكده صلى الله عليه وسلمبقوله : "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى، أحلت لى الغنائم،ولم تحل لأحد قبلى – الحديث" أخرجهالبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلاة، باب قول النبى صلى الله عليه وسلمجعلت لى الأرض مسجد وطهوراً 1/634 رقم 438، ومسلم (بشرح النووى) كتابالمساجد، 3/5 رقم 521 من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه.
... فقال الله تعالىتطيباً لنفوس أولئك المجاهدين { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا اللهإن الله غفور رحيم } (الأنفال:69) وهذا كله ينفى الذنب والمعصية، لأن منفعل ما أحل الله لم يعص الشفا 2/159، 160 .
... أماما روى فى أسباب نزول آيات بحثنا، من مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلمأصحابه فى أمر أسرى بدر، واختياره صلى الله عليه وسلم لرأى أبى بكر ومنمعه القائلين بقبول الفداء، من الأسرى تقوية لجيش المسلمين على الكفاربالفداء، ورجاء أن يهديهم الله تعالى للإسلام أو أن يخرج من أصلابهم بعدوقعة بدر من يؤمن بالله، ويهتدى بهداه، ثم بكاءه صلى الله عليه وسلم وصاحبهأبى بكر شفقة لأجل ما عرض عليه صلى الله عليه وسلم من عذاب أصحابه لأخذهمالفداء، ونزول الآيات بذلك ينظر الحديث فى صحيح مسلم (بشرح النووى) كتاب الجهاد، باب الإمداد بالملائكة 6/327 رقم 1763 من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.
فليس فى ذلك ما يفيد أصلاً بأن النبى صلىالله عليه وسلم أشار بأخذ الفداء، وإنما شاور أصحابه، فأشارت الكثرة منهمبأخذ الفداء، وهم الذين عوتبوا بقوله تعالى : { تريدون عرض الدنيا واللهيريد الآخرة } (الأنفال:67) فلما خرج إليهم بعد المشاورة قال لهم : { أنتمعالة، فلا يبقين أحد إلا بفداء أو ضربة عنق } أخرجه أحمد فى مسنده 1/383، والحاكم فى المستدرك 3/24 رقم 4304 وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذهبى، وعزاه الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/87 إلى أحمدوأبى يعلى والطبرانى وقال : وفيه أبو عبيده ولم يسمع من أبيه ولكن رجالهثقات أهـ، من حديث ابن مسعود رضى الله عنه.
... وهذه المشاورةمأمور بها النبى صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك صريح حديث على بن أبىطالب رضى الله عنه قال : جاء جبريل عليه السلام يوم بدر إلى النبى صلى اللهعليه وسلم، فقال : "خير أصحابك فى الأسرى إن شاءوا فى القتل، وإن شاءوا فىالفداء، على أن يقتل منهم فى العام المقبل مثلهم، فقالوا : الفداء ويقتلمنا"
أخرجهالنسائى فى سننه الكبرى، كتاب السير، باب قتل الأسرى 5/200 رقم 8662،والترمذى فى سننه كتاب السير، باب ما جاء فى قتل الأسارى والفداء 4/114 رقم 1567 وقال : حديث حسن غريب، وعن أبى عبيدة مرسلاً فى الطبقات الكبرى لابنسعد2/14 .
... ومن هنا يظهر جلياً أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يختر أخذ الفداء ولا حبذه،بدليل ما رواه البخارى من قوله صلى الله عليه وسلم فى أسارى بدر : "لو كانالمطعم بن عدى حياً، ثم كلمنى فى هؤلاء النتنى(2) لتركتهم له" أخرجهالبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فرض الخمس، باب ما من النبى صلى الله عليهوسلم على الأسارى من غير أن يخمس 6/280 رقم 3139، وفى كتاب المغازى 7/375رقم 4024 من حديث جبير بن مطعم رضى الله عنه.
... وهذا يدل على أن لا عتاب على أخذ الفداء لعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك الأسرى، وإطلاقهم بدون فداء، فيما لو كان المطعم بن عدى حياً، وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.
...كما يؤخذ أيضاًمن حديث تخيير جبريل فى أمر الأسرى، أن أخذ الفداء، لا عتاب عليه، إذ لوكان أخذ الفداء موضع مؤاخذة، ما جاء جبريل عليه السلام بالتخيير بينه، وبينالقتل، لأنه لا يخير بين جائز مطلق، وبين مؤاخذ عليه. وبالتالى فهم لميفعلوا إلا ما أذن لهم فيه، لكن بعض الصحابة مال إلى أضعف الوجهين، فى حينكان الأصلح غيره من الإثخان فى القتل، فعوتبوا على ذلك، وتبين لهم ضعفاختيارهم، وتصويب اختيار غيرهم، وكلهم غير عصاة ولا مذنبين( الشفا 2/160، وينظر : جامع البيان عن تأويل آى القرآن لابن جرير 6/289 .
... ويؤيد أنه لا عتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أخذ الفداء، أنهصلى الله عليه وسلم سبق أن فادى الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بنالمغيرة اللذين أسرتهما سرية عبد الله بن جحش الأسدى رضى الله عنه حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثمانية من المهاجرين – إلىوادى نخلة بين مكة والطائف لرصد عير قريش – وذلك قبل غزوة بدر الكبرى بأكثرمن شهرين،فالتقوا بهم فى آخر يوم من رجب، من السنةالثانية من الهجرة، فغنموا العير، واقتادوا معهم الأسيرين إلى المدينة،فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وقال أهل الكفر : استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وأكثروا فى ذلك، فرد الله عليهم قولهمفأنزل : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيلالله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبرمن القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتددمنكم عن دينه فيمت وهوكافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئكأصحاب النار هم فيها خالدون" الآية 217 البقرة.
فقبل رسول الله صلىالله عليه وسلم العير والأسيرين، وأخذ الغنيمة، وهى أول غنيمة غنمها أصحابرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الإسلام" السيرة النبوية لابن هشام2/255-259 نص رقم 705-709، ودلائل النبوةللبيهقى3/17-19، والدرر فى اختصار المغازى والسير لابن عبدالبر ص99،100،وتاريخ الطبرى2/410-413 . ولم يعاتب الله تعالى أحداًعلى شئ من ذلك، فلو كان الفداء ممنوعاً لعتب(ينظر: الشفا2/160،161، وشرح الزرقانى على المواهب9/49،50 .
وعلى ذلك فلا عتابلسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء الأسرى يوم بدر لعدم العتابعلى أخذه، وأخذ الغنيمة، فيما سبق هذه الغزوة أولاً، هذا بالإضافة إلى أناختيار أخذ الفداء يوم بدر، وقع من الصحابة رضى الله عنهم كما فى حديثتخيير جبريل عليه السلام.
على أن بعض الأئمةمن الذين يرون أن فى الآية عتاباً، أخذاً بظاهر رواية مسلم المشارإليها يراجع: ص155 . رجحوا رأى الصديق رضى الله عنه بأخذ الفداء.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد اختلف السلف فى أىالرأيين كان أصوب؟ فقال بعضهم: كان رأى أبى بكر لأنه وافق ما قدر الله فىنفس الأمر، ولم استقر الأمر عليه، ولدخول كثير منهم فى الإسلام، إما بنفسه،وإما بذريته التى ولدت له بعد الوقعة، ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب،كما ثبت ذلك عن الله تعالى فى حق من كتب له الرحمة"
فتح البارى7/377 رقم4022. قالوا: وأما بكاءالنبى صلى الله عليه وسلم، فإنما كان شفقة لنزول العذاب، لمن أراد بذلك عرضالدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وغيره منعليَّة أصحابه (زاد المعاد لابن قيم الجوزية3/111 .أ.هـ. والله أعلم.


(حوار بين عالم مسلم ومستشرق غربي)

ـ المستشرق الغربي: أيها العالم الجليل ومما ورد أيضاً عن أصحاب السير أنه: (لماكان يوم بدر جيء بالأسرى، فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهمبلعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله كذبوك وأخرجوكوقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: انظروا وادياً كثيرالحطب فأضرمه عليهم ناراً. فقال العباس وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك. فدخلالنبي ولم يرد عليهم شيئاً، فقال أناس يأخذ بقول أبو بكر وقال أناس يأخذبقول عمر. فخرج رسول الله فقال: إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين مناللبن، وأن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة. مثلك يا أبا بكرمثل إبراهيم عليه السلام، إذ قال: "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنكغفور رحيم"، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام، إذ قال: "إن تعذبهمفإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، ومثلك يا عمر كمثلموسى، إذ قال: "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتىيروا العذاب الأليم"، ومثلك يا عمر كمثل نوح، إذ قال: "رب لا تذر على الأرضمن الكافرين دياراً". ثم قال: أنتم عالة (أي فقراء) في حاجة إلى مالالفداء، فلا ينفلتن أحد من الأسرى إلا بفداء أو ضرب عنق).فأنزل الله تعالى في سورة الأنفال: {مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِتُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌحَكِيمٌ}سورة الأنفال (67).

فبحسب هذه الرواية يتبين صواب عمر وخطأ الرسول بقبول الفداء، فجاءت الآية منبهة الرسول إلى خطئه وموافقة لعمر. فما تأويلكم؟

ـ العالم المسلم:يا أخي الكريم بنظرةواحدة إلى هذه الرواية التي وردت فيها هذه القصة في كتب السيرة يتبين لناعدم صحتها، فبحسب سياقها يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنعمر رضي الله عنه في شدته كمثل موسى ونوح عليهما السلام. ورسل الله هم أرأفالناس بالناس وأرحمهم بهم، وما دعاء سيدنا موسى على آل فرعون إلا حباً بهموحرصاً عليهم وعلى ردهم إلى طريق الحق كما كنا بينا أن نوحاً عليه السلاملم يدع على قومه لشدة قلبه وقسوته عليهم إنما دعا عليهم رحمة بهم وذلك منبعد أن أخبره الله تعالى بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن هنالك دعاعليهم، وذلك لأن الكافر كلما طال عمره ازداد بغياً وظلماً وبالتالي ازدادفي الآخرة شقاوة وتعاسة. وهكذا ما اختار الله تعالى لتأدية رسالاته نبياًإلا وكان رحيماً شفوقاً، تلك هي سنة الله في الرسل جميعاً يجتبي إليه منالناس ألينهم قلباً وأكثرهم بالخلق رأفة ورحمة.

ـ المستشرق الغربي:حقاً هذا كلام منطقيجميل يظهر كمال وحقيقة الأنبياء الكرام صفوة الخلق واصطفاء الحق، ورجائيبيان التأويل الحق لأسرى بدر من كتاب الله عن أسرى وقعة بدر الكبرى؟!

ـ العالم المسلم:يا أخي الباحث عنالحقيقة المجردة عن التبعية والانحياز إن مسرى الآيات وظاهر نصها لا يفيدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه في هذا الأمر أبداً وهذهالقصة لم تتعرض إليها الآيات بشيء، إذن فهي دجل بدجل قصة حبكوها طعناًبرسول الله صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء. والذي نلاحظه في هذا الحديثالمدسوس أنهم استهتروا بسيدنا موسى وسيدنا نوح، إذ لم يوردوا لفظ "عليهماالسلام" بل أوردوه بحق سيدنا إبراهيم وسيدنا عيسى فقط، فهم يفرقون بين رسلالله، والله تعالى يقول عن المؤمنين قولهم{لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}سورة البقرة (285). صدق الله العظيم وكذب رواة هذا الحديث المختلق... فطالما فرقوا بين رسله تعالى فهم ليسوا بمؤمنين قطعاً.

والذي يُفهم من الآيات أن الله تعالى أراد أن يضع لنا قواعد ثابتة ويشرعلنا أصولاً نعتمد عليها دوماً في أخذ الأسرى في الجهاد، فهو تعالى يبين لناأنه لا يؤخذ أسير ولا يفتدى إلا بعد إضعاف شكيمة العدو وكسر شوكته كما بينلنا تعالى بسورة محمد الآية (4). {فَإِذالَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَاأَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّافِدَاء}:لأن أخذ الأسير والإبقاء عليه وفداءه ثم عودته إلى قومهوملته وهي ما تزال قوية الجانب يكون سبباً في تقوية كفة العدو وتعزيزها،وحيث أن جماعة من أصحاب الرسول في غزوة بدر كانوا يتحاشون القتل في المعركةليأخذوا الأسرى وينالوا منهم الفداء ولذلك أنزل الله تعالى الآيات تشريعاًوبياناً فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}سورة الأنفال (67).

وكلمة{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ}إنما تبينسنة ثابتة درج عليها الأنبياء جميعاً، فالله تعالى إنما يبين لك معرفةأنبيائه العالية بأصول الجهاد، الجهاد الذي يضعف شوكة الكفر والضلال ويقويجانب الحق والإيمان، فهؤلاء الأنبياء ما كان لهم أي لم يسبق أن صدر منهم فييوم من الأيام أن أسروا من عدوهم أسرى قبل أن يثخنوا في الأرض، أي قبل أنيكسروا شوكة الكفر ويضعفوا شكيمته. وإذا كانت هذه سنة درج عليها الأنبياءجميعاً فهل يتصور أن يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة لسنةالأنبياء من قبله وهو إمامهم!

نقول وبعد نفي الله تعالى ذلك عن أنبيائه الكرام حوَّل الخطاب إلى أصحابالرسول مبيناً لهم مخالفتهم لقاعدة من قواعد الجهاد، قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}:وصيغة الجمع التي ورد بها هذا البيان تبين لك أن هذا الخطاب ليس لرسولالله صلى الله عليه وسلم إنما هو خطاب لأصحابه، وقد بين الله تعالى لهمأنهم إنما أرادوا بعملهم أخذ الفداء بوقعة بدر والإسلام لم يصبح قوياً بعدوهو ما عناه تعالى بكلمة{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}، أي والله يريد لكم ثواب الآخرة، إذ بالنصر الذي تحرزون تنالون القرب والزلفى من خالقكم في الآخرة، ثم أنّبهم تعالى بقوله لهم: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ}:بمنحكم النصر بقوله تعالى في سورة الأنفال (7): {إ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:أي لولا إرادته تعالى بأن النصر سيكون لكم لمسكم: أي لنالكم بأخذكم الأسرىعذاب أي شدة وبلاء عظيم بتأليب هؤلاء الأسرى قومهم بعد وقعة بدر الكبرىوتحريضهم على قتالكم. {فَكُلُواْ}:الآن بعد حنين حيث قويت شوكة الإسلام وأصبحتم ظاهرين في الأرض فأثخنتموهم. {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}سورة الأنفال (69).

ثم حوَّل الله تعالى الخطاب إلى رسوله ليخاطب صلى الله عليه وسلم أسرى حنين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِنيَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّاأُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}سورة الأنفال (70).

ثم حذر الله تعالى هؤلاء الأسرى فقال: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة الأنفال (71).

وهذه الآيات أنزلت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان هوازن وثقيف في حنين.

فما قولك بعد ما سمعت تأويل الأمين الحق الصحيح للآيات الواردة بهذا الخصوص؟

ـ المستشرق الغربي:إذاً الآية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}:أراد الله بها أن يضع لنا قواعد ثابتة ويشرع لنا أصولاً نعتمد عليها دوماًفي أخذ الأسرى في الجهاد، فهو تعالى يبين لنا أنه لا يؤخذ الأسير ولايفتدى إلا بعد إضعاف شكيمة العدو وكسر شوكته لأن أخذ الأسير والإبقاء عليهوفداءه، ثم عودته إلى قومه وملته وهي ما تزال قوية الجانب يكون سبباً فيتقوية كفة العدو وتعزيزها كما فهمت منكم. إذن فرسول الله ما حاد عن سنةالنبيين من قبله إنما بعض صحابته حادوا على حسب كلام الله في كتابه الكريم. هذا وكلمة{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} وكلمة{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}والخطاب بصيغة الجمع إنما هو عتاب لمن أسروا يوم بدر لا عتاباً لرسول اللهوإلا لورد العتاب بصيغة المفرد وهذا لم يحدث وما أورده المفسرون لا أصل لهبالقرآن.

ـ العالم المسلم:نعم الآيات تبين الوقائعالتي وقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف المشرع للناس جميعاًوأوردهاتعالى لنا لنحتذي حذو رسوله الكريم ونأخذ بما بينه بمثل هذهالمواقف من تشريع يعمل بها المؤمنون في جهادهم ويطبقون أحكامها في حروبهموكل هذه التأويلات والقصص المقحمة والتي يزعمونها سبباً في نزول الآياتباطلة لا أصل لها.
ـــــــــــــــــــــــــ ـ
إنتها
منقول بتصرف يسير