تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد الماسية من الرحلة المقدسية الحلقة الرابعة (1)



أهــل الحـديث
10-05-2013, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي أراني ريف فلسطين أيام الربيع.


والصلاة والسلام على نبينا الحبيب الشفيع.


وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، أهل التسبيح والاستغفار في آخر هزيع.


وبعد:


فهذه الحلقة الرابعة من رحلتي المقدسية، وفوائدي الماسية منها بعنوان:


«ربيع فلسطين البديع».


اليوم هو اليوم الرابع في رحلتي المقدسية..الاثنين 29 ربيع الثاني لسنة 1434هـ، الموافق 11 آذار (مارس) لسنة 2013م


استيقظت لصلاة الفجر قبيل وقتها، ووجدت الأخ (أبو صهيب) ـ حفظه الله ـ قد أعد الماء الساخن بالسخان الكهربائي مسبقاً.


توضأت لصلاة الفجر، وأوترت قبل أن نخرج بسيارة الأخ أبي صهيب لصلاة الفجر في مسجد في أعلى البلدة، أظنه مسجد الزهراء.


المسجد كبير وفسيح وحديث، والمصلون لا بأس بعددهم، والإمام دون المستوى الأدنى للإمامة، ولأول مرة منذ سنوات عديدة أصلي الفجر خلف إمام يقنت فيها، قنوتا غير مأثور أيضاً!!


خرجنا من المسجد فتفاجأت بعدد غير قليل من النساء يخرجن من المسجد من مصلى النساء الذي على يسار المسجد، وأثناء السير في طرقات البلدة القريبة من المسجد، رأيت نساء أخريات مع أزواجهن أو محارمهن منصرفات من صلاة الفجر في المساجد جماعة، فسرني ذلك وأفرحني رغم دهشتي وإعجابي الشديدين لهذا التطور الديني الشرعي في قرى فلسطين.


ولأن الليلة المنصرمة كانت الليلة الأولى في حياتي أبيت فيها، وأستيقظ في قرية كبيرة من قرى فلسطين الحبيبة، بل وفي قرية من قرى بيت المقدس أصلاً؛ لأن قرية (بِدّو) التي بت فيها، والتي أتكلم عنها الآن هي في الأصل من قرى بيت المقدس، قبل أن تُنقل إداريا لقرى (رام الله)، والتي كانت بدورها هي وجميع قراها سابقا لواءً من ألوية بيت المقدس.


أخذني الأخ أبو صهيب ـ حفظه الله وجزاه خيرا ـ نحو مداخل ومخارج البلدة واحداً تلو الآخر مبتدئا بطرف البلدة الشمالي الشرقي، وما أن شعر جيش الاحتلال بوجودنا من خلال مصابيح سيارتنا حتى هرع (جيب) الدورية نحونا في الاتجاه المقابل من السياج الأمني الالكتروني، والمراقب ليل نهار (بكاميرات) المراقبة المقربة.


أخبرني بأن أهم ما يميز (بدو) في المنطقة زراعة الزيتون، وقد قرأت أن من بعض أسباب تسميتها (بدو) (بداد) الزيتون فيها ـ جمع (بد) ـ يعني: معاصره الحجرية، ومما يؤكد ذلك المثل الدارج والدعاء المشهور في بلادنا حتى يومنا حين يرفض أحد عملا أو عرضا ما قائلاً:


ما بدي.


أو يطلب شيئا لا يروق للمطلوب منه قائلا:


بدي كذا.


يقولون له: بِدْك بِدْ يُهْرُسْ إعِظَامَكْ.


يعني: تحتاج بد [لوح حجري يستخدم لعصر الزيتون] يسحق عظامك.


أراني الأخ أبو صهيب مغتصبة [مستعمرة] قريبة من (بدو) اسمها (جبعات زئيف) ومعناها بالعربية (مرتفعات الذئب)، وكذلك كل كلمة فيها (جبعات) تعي مرتفعات، وأراني حدا وحاجزاً يصل الضفة المحتلة، بالأراضي المحتلة قبل سنة 1967م مخصصا للمشاة فقط دون السيارات، وأراني بيتا على حدود المغتصبة لأحد المقاومين الأشاوس واسمه (صبري إغْرَيِّبْ)، والذي لم تلن له قناة في مناوشة المحتلين، ولكن ماذا بوسع رجل مهما أوتي من قوة وبأس وشكيمة أن يفعل أمام عدوان واحتلال تباركه وتدعمه دولاً عظمى ـ بزعمهم ـ وأمم متحدة ـ فككها الله، وشتت شملها ـ.


أراني من (بدو) جبلاً في جهة الجنوب الشرقي منها تقريبا يقال له النبي (صمويل)، وهو جبل عال يشرف على منطقة القدس كلها، وليس على مدينة القدس وحدها، وأخبرني أن فيه مكاناً واحدا يستخدمه المسلمون مسجداً، واليهود يستخدمونه كنيساً، تماما كما هو حال المسجد الإبراهيمي في الخليل.


وأخبرني بأنهم في فترة سبقت وجدوا في ذلك الجبل رفاتاً لجنود أردنيين قُتلوا ودفنوا في أحد المواقع، ونسأل الله أن يكون كتب لهم الشهادة في سبيله، مما ذكرني بما قرأته قبل سنوات، مما تناقلته بعض وسائل الإعلام حينها من العثور على جثمان جندي أردني بكامل لباسه وبكامل هيئته لم يتغير، ممن نرجو لهم الشهادة في سبيل الله أيضا، وأظن أن ذلك كان في بلدة (بدو) أو حولها، لأنها كانت قبل نكسة سنة 1967م من خطوط التماس بين العرب واليهود.


أخذني الأخ أبو صهيب بعد ذلك إلى قرية (بيت إجزا) في الشمال الشرقي من قرية (بدو)، ثم نزل بي نحو قرية (بيت دقو) في الشمال الغربي من (بيت إجزا).


وقرية (بيت دقو) مشرفة على واديٍ على يمين الداخل إليها، وسفح على يساره، قد جعل منهما أهلها مدرجات مزروعة بمختلف أنواع الأشجار المثمرة، وخاصة أشجار العنب، والزيتون، حتى لا تكاد تجد شبر أرض ترابي إلا وتجدهم قد زرعوه ببعض هذه الأشجار المثمرة مما أثار إعجابي بهم ومحبتي لهم بسبب محبتهم لأرضهم، وعنايتهم الشديدة بها، رغم أنني لم يسبق لي مقابلة أحد منهم، وهو مما ذكرني بمدرجات اليمن الزراعية في محافظ (إب) المعروفة بخضرتها الدائمة.


ويظهر من بناء المباني القديمة في (بيت دقو) أن أهلها كانوا أهل يسار وثراء، واجتهاد في البناء، وذلك من خلال الأبنية الحجرية الكثيرة، وخاصة مسجدها الذي في وسط البلد، حيث بني من الحجر في كل واجهاته، وكذلك البوابات العالية التي تنم عن دخول وخروج الجمال المحملة بالبضائع، مما ذكرني ببعض ما كان يقال في الأمثلة والغناء الفلسطيني:


«والبِدُّو يِعْمَلْ جَمَّال بِدُّو يعَلِّي البَوَّابِة»


يعني


من أراد أن يكون جَمَّالاً ـ يعمل مع الإبل ـ لا بد أن يعلي بوابة داره لأن الجَمَلَ عالٍ مرتفع يحتاج بوابة عالية لدخوله وخروجه.


أحببت قرية (بيت دقو) وأهلها حبا جما رغم أنني لم أر أحدا منهم، وكذلك أخبرني أبو صهيب أنه يحبهم بسبب جدهم ونشاطهم وعنايتهم بأرضهم مما دفعني لحظتها، وإلى اللحظة أن ادعوَ لهم بصلاح الحال، وسعادة المآل وكذلك لكل من يعمل على العناية بالأرض التي استخلفَنَا الله فيها لنعبدَه ونوحدَه عليها، ونَعْمُرَها بما يرضيه سبحانه، ومن أفضل القربات والعبادات التي نعبد الله من خلالها زراعة هذه الأرض بما ينفع العباد والبلاد، حيث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً


رواه البخاري (6012) وغيره عن أنس بن مالك.


ورواه أحمد غيره عن جابر بن عبد الله، وأبي الدرداء، ومعاذ بن أنس الجهنى، وأم مبشر. نحوه.


وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ


رواه أحمد (13004) وغيره عن أنس بن مالك وصححه شيخنا.


مررنا في طريقنا إلى (بيت دقو) ذهابا وإيابا، ببعض الجدران الأمنية الالكترونية الصهيونية المراقبة (بالكاميرات)، والمجهزة بالرشاشات الآلية التي تعمل بتأثير (الكاميرات) دون الحاجة للمراقبة البشرية، والتي تعمل من بُعْد من خلال التقريب بالعدسات الآلية المكبرة المجهزة بها تلك


(الكاميرات)، وتطلق النار بدون التمييز بمن يمر بها من مخلوقات.


ومررنا في طريقنا أيضا بتجريف على الطرق من أجل إقامة جدار الفصل العنصري الاسمنتي فضلا عن الجدران (الالكترونية)، كل ذلك من أجل ما يسمونه بالأمن الذي لن ينالوه ما داموا على ظلمهم وشركهم وكفرهم.


{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}


[الأنعام: 82]


ومفهوم المخالفة من هذه الآية، أن من ألبس إيمانه بظلم ـ وأعظمه الشرك بالله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه، أو صفاته، او جميعها ـ ليس له أمن لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس هو من المهتدين بل من المغضوب عليهم الضالين.


ومع كل هذه الجدران الاسمنتية، و(الالكترونية)، والمراقبات الآلية، والحواجز، والطرق العسكرية، والتصوير الآلي عن بعد، لا تنفك دوريات جيش الاحتلال الآلية والراجلة من التجوال هنا وهناك، وتقتحم أحيانا القرى والبيوت ليلاً، لتعتقل بعض من التقطت (الكاميرات) الآلية الرقمية الدقيقة صورهم وهم يتجولون هنا وهناك قرب الجدران، أو فعلوا بعض ما يعكر صفو الاحتلال الغاشم من وصول إلى أرضهم لإصلاحها، أو قطافها، أو غير ذلك مما لا بد منه، والذي يعتبره الاحتلال تخريباً، وقد حدثني الأخ أبو صهيب عن بعض هذه الاعتقالات الليلية المبنية على مثل هذا التصوير، ومثل هذه التصرفات العدوانية.


أراني الأخ أبو صهيب في جهة جنوب (بدو) بعض أراضي قرية (بيت سوريك)، وما تشتهر به من أشجار الخوخ والدراق، وبعض المعالم المحيطة بالمنطقة قبل أن نعود مع إشراقة الشمس إلى بيت الأخ أبي صهيب لتناول طعام الإفطار الريفي الفلسطيني.


على مائدة الإفطار سألت الأخ أبا صهيب عن بعض المصطلحات التي قرأت عنها وسمعتها وأعرف معاني بعضها، وأجهل معاني البعض الآخر منها مثل تقسيم المناطق الفلسطينية إلى (أ)، و(ب)، و(ج) فأخبرني أن:


المنطقة (أ) والتي يعبر عنها بالإنجليزية بـ (A) تعني أن هذه المنطقة خاضعة أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية.


المنطقة (ب) والتي يعبر عنها بالإنجليزية بـ (B) تعني أن هذه المنطقة خاضعة أمنيا وإداريا لسلطات الاحتلال الصهيوني.


المنطقة (ج) والتي يُعبر عنها بالإنجليزية بـ (C) تعني أن هذه المنطقة خاضعة أمنيا لسلطات الاحتلال الصهيوني، وإداريا للسلطة الفلسطينية.


وسألته عن الخارطة الهيكلية والتجزئة التي حدثت لهذه المناطق على أي أساس بنيت ورسمت، ولم يكن عنده كبير علم بذلك.


وأما ما يتعلق بالعلاقة الرسمية الأردنية الفلسطينية قبل فك الارتباط المشؤوم وبعده فقد تبين لي بالسؤال والاستفسار والبحث والتدقيق أنه بعد فك الارتباط لا يوجد آلية واضحة منضبطة مطردة للتعامل الرسمي مع المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، والذي صار بعضهم فلسطينيا، وبقي بعضهم ـ في البيت الواحد ـ أردنياً.


فهمت من الأخ أبو صهيب ـ بعد سؤاله طبعاً ـ أن من يحمل الكرت الأخضر، فبإمكانه حمل جواز سفر أردني مؤقت، وحمل الهوية الفلسطينية الدائمة، ويمكنه حمل جواز سفر السلطة الفلسطينية، وحمل جواز السفر الفلسطيني أيسر من حمل جواز السفر الأردني المؤقت.


وأما الكرت الأصفر فبإمكان حامله حمل الجنسية الأردنية الدائمة، والهوية الأردنية الدائمة ذوات الرقم الوطني، وحمل الهوية الفلسطينية أيضا.


بعد الإفطار خرجنا لاستئناف جولتنا التي بدأناها فجرا وبعد الصلاة وقبل الإفطار، حيث بدأ الناس يخرجون إلى أعمالهم، والطلاب إلى مدارسهم، وبدأت الشوارع تعج بالحياة الفلسطينية النشطة الدؤوبة.


توجهنا نحو جنوب غرب (بدو)، حيث كان خط المواجهة قبل نكسة سنة 1967م بين الجيش الأردني والجيش الصهيوني.


ثم نحو (قَطَنَةَ) غرب (بدو)، ومنها رأينا مستعمرة (الرادار) التي أقامها الصهاينة على موقع (رادار) كان للجيش الأردني قبل نكسة 1967م، وأخبرني الأخ أبو صهيب أن هذا الموقع وتلك المستعمرة يشرفان غربا على بلدة (أبو غوش) التي تقع في أسفل الوادي غربا على طريق يافا.


أخبرني أخي أبو صهيب أن غرب (بدو) بلدة (سلبيت) وأنها كانت تكون مشتى لأهل (بدو) أيام الشتاء قبل النكبة سنة 1948م، وأن لأهالي (بدو) فيها حقوق تاريخية رغم احتلالها سنة النكبة 1948م.


أراني الأخ أبو صهيب معالم قرية (بيت سوريك) جنوب (بدو)، وهي التي تفصل (بدو) عن بلدة (قالونيا) جنوبا في اتجاه القدس الشريف.


دخلنا البلدة بعد جولتنا في جنوبها وغربها، وقبل ذلك ـ بعد صلاة الفجر ـ في شمالها، ومررنا على مسجد عبد الله بن جابر، وهو مسجد كبير أخبرني الأخ أبو صهيب أنه كلف نحو ثلاثة (ملايين دولار أمريكي) تبرع بها كلها أهل (بدو) الكرام المقيمون داخلها، والمقيمون خارجها.


مررنا على دوار وسط (بدو) تقريبا، ولفت نظري أسماء اثنا عشر رجلا ممن نحسبهم عند الله شهداء إن شاء الله من أبناء القرية كُتبت أسماؤهم وسط ذاك الدوار.


ثم توجهنا مرة أخرى شرق البلد، حيث البلدة القديمة حيث العقود القديمة بما فيها عقود جد الأخ (أبو صهيب)، وأراني بيتا قديما مطلاً على البلدة الجديدة أخبرني أنه كان في أول قدومه إلى البلدة أوائل تسعينات القرن الماضي يسكنه قبل أن يستقر أهله ووالداه في البلدة، وأخذني على مكان مشرف على السهل الساحلي الفلسطيني حيث الأراضي المحتلة أثناء وبعد نكبة سنة 1948م، وكذلك ما حول بلدة (بدو) من جميع الجهات.


ثم توجهنا شرقا نحو (بيت اكسا) عبر نقطة تفتيش (الالكترونية) مشرفة على منطقة (بدو) وما حولها، وتتحكم في الطرق المؤدية إليها عبر السياج (الالكتروني) الأمني.


و(بيت اكسا) من أجمل قرى فلسطين، حيث تشرف من جهتها الجنوبية على القدس الغربية وطريق يافا وبلدة (لفتا) المهجرة، وبعض مقابر يهود غرب القدس، وقد أعجبتني مدرسة بنات (بيت اكسا) بموقعها المشرف على القدس وهدوء المكان الذي تتربع فيه.


ورأيت في (بيت اكسا) ـ وهم أخوال الأخ (أبو صهيب) حيث لم أسمع في خطابه معهم وخطابهم معه إلا لفظة (خالي) وهي عادة العرب في تخويل أهل الأم وابنها عكسا بعكس من الزمن الأول، وما رحلة والدة النبي آمنة بنت وهب به صغيرا إلى (يثرب) المدينة النبوية ـ فيما بعد ـ لزيارة اخواله بني النجار إلا دليلا واضحا على عناية العرب (بالمخولة) ـ قاعة بناها أحد بني عجاج الكسواني، وسبيل ماء بناه آخر من نفس العشيرة منافسة لقريبه فيما يبدو على عمل الخير، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وأخبرني الأخ أبو صهيب ببعض مناقب هؤلاء الفضلاء في خدمة بلدتهم وأهلها بكثير من المساعدات والهبات.


خرجنا من (بيت اكسا) مخترقين (بدو) نحو (جديرا)، و(بير نبالا)، و(الجيب)، و(قلنديا)، و(رفات)، و(الماصيون)، و(أم الشرايط)، حتى وصلنا مقر المركز العلمي في سطح (مرحبا)، و(أم الشرايط).


التقينا في مقر المركز العلمي ببعض العاملين فيه من أهل الضفة الغربية والقدس الشريف ـ حيث يسهل عليهم الوصول هناك بعكس أهل الضفة الغربية التي يصعب جدا عليهم الوصول إلى القدس ـ وتذاكرنا بوجوب الاحتساب في وجوه العمل الخيري، والحرص على تعليم الناس الخير، وقد لفت انتباهي نظافة وترتيب المكان والعمارة التي يقع فيها مقر المركز، والمنطقة كلها حديثة البنيان، والعمل فيها قائم على قدم وساق كما يقال.


خرجنا من مقر المركز العلمي نحو مدينة (البيرة) مرورا (بالشَرَفَةِ) وبعدها مقر الهلال الأحمر الفلسطيني حيث البعثة الطبية الأردنية، حتى وصلنا دوار (الأمعري)، ومنه المدخل إلى مخيم (الأمعري)، الذي سماه المناضلون من أهله (قلعة الشهيد ياسر عرفات).


دخلنا (البيرة) ومررنا بمسجد العين الذي تتنازع اسمه بعض التيارات الاسلامية في المدينة حتى وصلنا منطقة (البيرة) الصناعية متوجهين نحو دوار (بيت إيل) حيث انتشرت قوات الحرس!! على طول الطريق لحماية موكب رئيس السلطة الفلسطينية من شعبه الصابر المناضل!!


بعد دوار (بيت إيل) رأيت بواقي المستشفى العسكري الأردني الذي كان في تلك المنطقة قبل نكسة 1967م، وكأنه تحول إلى مركز صيانة سيارات ومعدات، ثم دوار المهجرين في طريقنا عبر (بيت إيل) نحو (الجلزون) ومخيمها شمال (رام الله).


انحدرنا شمالا نحو (عين سينيا) مرورا ببلدة (دوار القرع) تمييزا لها عن (دورا الخليل)، حيث التقينا بالأخ أبي عبد الله الطيبي الذي رافقنا بعد ذلك إلى نابلس وطولكرم، وحيث رأينا قصر آل الحسيني القديم المهجور داخل البلدة، وبيت فيصل الحسيني ـ رحمه الله ـ المتواضع في سفح جبل جنوب البلدة، وشربنا من ماء (عين سينيا) التي تدل آثارها على عمق تاريخنا في تلك البلاد، وأخبروني عن (عين يبرود) جنوب عين سينيا والتي سنمر عليها عند العودة لأننا سلكنا طريقا ترابة تشق حديثا.


مررنا (بوادي الحرامية) ومثلث (عيون الحرامية) حيث قام شاب سلوادي بعين صقر ماسية، وسبابة مجاهد ذهبية، ونفس هادئة أبية، من قرية سلواد القريبة من المكان قبل أكثر من احدى عشرة سنة، وحينها لم يكن بلغ من العمر اثنان وعشرون عاما، وبتاريخ 2/3/2002م، وببندقية بريطانية قديمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية ـ أو ربما الحرب العالمية الأولى ـ من طراز (m1) باصطياد أكثر من حفنتين من جنود الصهاينة المحتلين؛ أحد عشر جنديا ومستوطنا، وأصاب عشرة آخرين بأربع وعشرين طلقة فقط، حين انفجرت بندقيته بين يديه، مما اضطره للانسحاب إلى بلدته بهدوء وسلام.


استمرت بنا الطريق نحو نابلس، حيث مررنا بخربة (أبو فلاح) عن بعد ثم بمثلث قرية (سنجل)، والمؤدي إلى (جلجليا)، ثم تركنا (ترمسعيا) على يميننا شمال (سنجل) تنعم بجهود أبنائها الذين أحسنوا بناءها، وزينوا مدخلها بأشجار النخيل، حتى مررنا على (قريوت) عن بعد أيضا، وحاذينا مغتصبة (شيللو)، ومقبرة (عيلي).


ولما وصلنا (اللبن الشرقي)، وطريقها المؤدية إلى (عمورية) تذكرت ما كنا ندرسه ونقرأه في الابتدائية عن قصة سائق الحافلة الفلسطيني (أبو محمد) الذي كان مُكْرَهَاً بحكم مهنته أن ينقل جنودا بريطانيين زمن الانتداب البريطاني المشؤوم على فلسطين قبل نكبتها على أيديهم وأيدي الصهاينة سنة 1948م، وإبان الثورات الفلسطينية المتتالية في الثلاثينيات من القرن الماضي، إلى مواقع الاشتباكات في تلك الجبال، ولما وصل بالجنود المدد للمحتلين في حافلته إلى (اللبن الشرقي)، وسمع أصوات الرصاص المتبادل بينهم وبين الثوار الفلسطينيين تُرَدد صداها، وتكشف عن هولها وشدتها صدى تلك الجبال الأبية الشامخة، وكان ولده محمد بين أولئك الثوار، أدار عجلة القيادة التي بين يديه نحو تلك الوديان السحيقة ليهلك من في الحافلة من أولئك الجنود المحتلين الغاصبين، ولينصر الثوار والمجاهدين والذين سبقه لنصرتهم ولده محمد الذي هتف باسمه وهو يوجه حافلته نحو الوادي السحيق، والذي تمنيت لو أنه وجه هتافه وصيحته بالتكبير متوجها إلى رب العالمين ورب ابنه محمد الثائر المجاهد.


واصلنا طريقنا عبر بلادنا الخضراء، وجبالنا الأبية مرورا (بالساوية) يساراً، و(قبلان) يمينا ـ بعيدا نوعا ما ـ و(يتما) يمينا أيضا، مرورا بمفرق (تفوح)، عبر طريق نابلس القديم، لنصل إلى دوار (زعترة) المؤدي إلى (بيتا) والحسبة المركزية.


وصلنا دوار (حوارة) المؤدي يميناً إلى طريق وادي (الباذان)، ومناطق نابلس الشرقية، (فطوباس) و(الجفتلك) والأغوار.


وقبل أن ندخل مدينة نابلس (جبل النار) نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه إلى الحلقة الرابعة (2) من الرحلة المقدسية وفوائدها الماسية التي اقتبست من حلقتها الرابعة (1) ما يلي:


1ـ أكرموا الضيف ما استطعتم ولو بالماء الساخن فإنه من علامات الإيمان، وهو إكرام لأنفسكم في الحقيقة.


من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه


رواه البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ


2ـ أوتروا ولو بركعة في آخر الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم.


فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ


رواه البخاري وغيره عن ابْنِ عُمَرَ


3ـ احرصوا على التزام السنة خاصة إن كنتم أئمة مساجد، فإنكم مسؤولون عن صلاة من خلفكم.


الإِمَامُ ضَامِنٌ، فَإِنْ أَحْسَنَ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءَ، يَعْنِي، فَعَلَيْهِ، وَلاَ عَلَيْهِمْ


رواه ابن ماجه عن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ. وصححه شيخنا


4ـ افرحوا بأي التزام شرعي، فالفرح بفضل ورحمته مشروع.


{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}


[يونس: 58]


5 ـ لا تفرحوا بخروج النساء إلى الصلاة في المساجد ولو إلى صلاة الصبح فبيوتهن خير لهن لو كنتم تعلمون.


لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات


رواه أبو داود عن ابن عمر وصححه شيخنا.


6ـ تعرف على بلادك ما استطعت من أهلها فهم أعرف الناس بها.


7ـ تعلم من لغة قومك ولهجة أهلك وأمثالهم ما تعرف به لغتك، فاللغة معرفة تراكمية.


8ـ قاوم المحتلين بما تستطيع ولو بالصبر على الأذى، فليس للمحتلين دواء أنجع من الصبر.


9ـ احذر الصلاة في مكان يتخذه الكفار عيدا، وخالفهم حتى في الصلاة.


عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:


فَصُومُوهُ أَنْتُم


رواه البخاري.


10ـ احرص أن تكون شهيدا في سبيل الله فالشهادة في سبيل الله من أعظم المراتب، والله يجتبي من خلقه من يشاء من عباده المخلصين ويجعلهم لمن بعدهم آية، ولا شك بشهادة من قاتل عن ثرى فلسطين مخلصاً وجهه لله.


11ـ احرص أن تكون آثارك تدل على خيرك لا على شرك.


12ـ اغرس خيرا تُبقي خيرا وتُذْكَرُ بخير.


«غَرسوا فأكلنا، ونَغْرِسُ فيأكلون»


13ـ لا تشرك بالله شيئا ولا تظلم نفسك ولا خلق الله تنل أمن الدنيا وأمن الآخرة.


14ـ تعلم من المصطلحات ما تفهم من خلاله ما يدور حولك فأظن أن ذلك من العلم النافع أيضا.


15ـ احرص على الوحدة الوطنية الشرعية فنحن أمة التوحيد أمة واحدة ويجب أن تبقى أمة واحدة على التوحيد، ندعو إلى كلمة التوحيد، لا إلى توحيد الكلمة كيفما اتفق فحسب.


16ـ ابدأ يومك مبكرا ما استطعت فقد بورك لأمتنا في بكورها كما سبق.


17ـ ساهم في بناء المساجد فهي صدقات جارية.


18ـ ترحم على شهداء الأمة عموما فأمتنا أمة الشهادة، من لم يمت بالسيف والقتل، فالطاعون والمبطون، والنفساء وصاحب الهدم، والغريق والحريق، والمرابط والمهاجر، ومن مات دون نفسه، أو ماله، أو عرضه، فكلهم شهداء.


عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:


مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟


قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. قَالَ:


إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ


قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:


مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ


قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ:


وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ


رواه مسلم.


19ـ كن خفيفا لطيفا وعش وحدك ولا تزعج الآخرين ما استطعت.


20ـ ساهم ونافس في أعمال الخير، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا.


21ـ تذكر العاملين لخير هذه الأمة وحقها ونصرتها، فهم كثيرون ومستمرون ولن ينقطعوا ما دام في الدنيا خير وشر، وحق وباطل.