المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهج الطبري في صفات الباري بين أهل السنة والأشاعرة !!!



أهــل الحـديث
09-05-2013, 02:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته وبعد ..
فكثيراً ما يشغب علينا البعض ويدّعي أن إمام المفسرين ابن جرير الطبري من جملة المأولين للصفات حتى إن البعض من حمقهم ينسبه إلى الأشعرية وقد كان رحمه الله قبل أن يكون الأشعري أشعرياً ،فقد مات رحمه الله في عام 310 هـ والأشعري إنما تاب من اعتزاله إما على رأس الثلاثمائة وإما في العام الذي توفي فيه الطبري رحمه الله ،حيث اختلف في ولادته هل كان 260 هـ أم كانت في 270 هـ ،وقد قضى رحمه الله في الاعتزال أربعين سنة ،واحتجوا على دعواهم ببعض عبارات له في تفسيره يوردها رحمه الله على سبيل الإلزام ومناقشة الشبه والأقوال ،وفي سياق ذكر وجوه التفسير للألفاظ ودلالتها وقول القائلين بها ومناقشتها والترجيح بينها ، فاشتبهت عليهم بعض المواضع مما ناقش فيها الطبري رحمه الله أهل البدع بطريقتهم الكلامية ، ومع ذلك فقد كتب رحمه الله كتابه المعروف بالتبصير في معالم الدين وخصصه لذكر عقيدته ، فكفانا رحمه الله تتبع هؤلاء في رد شبههم، وسد أبواب تقولهم عليه بظنونهم ،وقد عرض فيه عقيدته ومذهبه الذي لا يخرج عن منهج السلف رضوان الله عليهم أحمعين ، وها أنا أعرض من أقواله ما يبين ذلك باختصار والله الموفق والمستعان :
- قال رحمه الله في كتابه التبصير :
( ولله تعالى ذكره أسماءٌ وصفاتٌ جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته...
وذلك نحو إخبار الله تعالى ذكره إيانا أنه سميعٌ بصيرٌ، وأن له يدين لقوله: "بل يداه مبسوطتان" . وأن له يميناً لقوله : "والسموات مطويات بيمينه" . وأن وله وجهاً لقوله: "كل شيء هالك إلا وجهه" ، وقوله: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" . وأن له قدماً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حتى يضع الرب قدمه فيها)) . يعني جهنم.
وأنه يضحك إلى عبده المؤمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله: ((إنه لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه) . ( وأنه يهبط كل ليلةٍ وينزل إلى السماء الدنيا ) لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر الدجال فقال: ((إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)) . وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، كما يرون الشمس ليس دونها غيايةٌ، وكما يرون القمر ليلة البدر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم. وأن له أصابع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن .) ا.هـ
وقال : (فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه؛فنقول: يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرقٍ في أذنٍ، ولا جارحةٍ كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصرٍ لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارحٌ لهم.وله يدان ويمينٌ وأصابع، وليست جارحةً، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير.ووجهٌ لا كجوارح الخلق التي من لحم ودم.ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. ولا نقول: إن ذلك كشر عن أسنان.ويهبط كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا.
فمن أنكر شيئاً مما قلنا من ذلك، قلنا له: إن الله تعالى ذكره يقول في كتابه: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً" . وقال: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام". وقال: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" )ا.هـ
- ثم قال رحمه الله :
( فإن هذه المعاني التي وصفت، ونظائرها، مما وصف الله عز وجل بها نفسه، أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم مما لا تدرك حقيقة علمه بالفكر والروية. ولا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه.
أ- فإن كان الخبر الوارد بذلك خبراً تقوم به الحجة مقام المشاهدة والسماع، وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته في الشهادة عليه بأن ذلك جاء به الخبر، نحو شهادته على حقيقة ما عاين وسمع.
ب- وإن كان الخبر الوارد خبراً لا يقطع مجيئه العذر، ولا يزيل الشك غير أن ناقله من أهل الصدق والعدالة، وجب على سامعه تصديقه في خبره في الشهادة عليه بأن ما أخبره به كما أخبره، كقولنا في أخبار الآحاد العدول، وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته )
فالإمام الطبري رحمه الله قد ذكر جملة من الصفات يمثل بها عن غيرها مما يدل دلالة قاطعة أن طريقته في إثبات هذه الصفات هو نفس طريقته في إثبات غيرها.
- فقد أثبت رحمه الله هنا الكثير من الصفات التي يزعم البعض أنها حوادث لا تقوم بالباري كالنزول والإتيان والمجيء ،وأثبت الصفات التي يسميها البعض تجسيماً كاليد والأصابع والوجه والقدم وغيرها ،وأثبت الصفات التي يسميها البعض تغيراً وحدوثاً وتأثراً بالمخلوق كالضحك وهي من جنس ما ورد من صفات العجب والغضب والرضى والملل وغيرها ...
- فأبان رحمه الله أن منهجه قائم على إثبات جميع ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات ، وساقها على وتيرة واحدة في الإثبات،وليس هذا فحسب بل انظر رحمك الله إلى كلام هذا الإمام حيث يقول رحمه الله :
( فإن قال لنا قائلٌ :فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله -عز وجل- ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: الصواب من هذا القول عندنا، أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه -جل ثناؤه- فقال: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
وهذا الكلام من الطبري رحمه الله مهم جداً !!!
- حيث أنه أبطل بهذا الكلام الصريح ما يردده الأشاعرة في القديم والحديث من أن إثبات الصفات لله تبارك وتعالى على حقائقها عين التشبيه والتجسيم ! لأن الحقيقة – على زعمهم - في ألفاظ الكتاب والسنة هي ما يدل عليه اللفظ من معاني عند المخلوق فاليد على الحقيقة هي الجارحة والوجه كذلك وهكذا في سائر الصفات إلا ما يثبتونه هم من الصفات السبعة وغيرها - وهذا أصل تناقضهم – فإذا أثبتنا اليد صفة حقيقية لله سبحانه قالوا هذا تشبيه لأن هذه الألفاظ لا تستعمل على الحقيقة إلا في ما يقوم بالمخلوق ،وإنما تستعمل في حق الله مجازاً وهذا لا شك أنه باطل لغة وشرعاً !!!
- والطبري قد نسف هذا الكلام نسفاً كما هو واضح !!!
- والشاهد أن قول الإمام الطبري رحمه الله " نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه" يبطل كل ذكروه ...
- والمفاجأة ليست فيما سبق بل فيما يأتي من كلام الطبري رحمه الله حيث أنه بعد ذكره جميع ما يسميه البعض متشابهاً وهي الصفات التي مر ذكرها ويوجبون فيها التأويل ويحيلون حملها على ظاهرها كاليد والوجه والعين والقدم والأصابع والمجيء واللإتيان والنزول وغير ذلك قال :
( فإن قال لنا منهم قائلٌ : فما أنت قائلٌ في معنى ذلك ؟
قيل له : معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا -جل جلاله- يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلةٍ، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره؛ بل نقول: أمره نازلٌ إليها كل لحظةٍ وساعةٍ وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين مادامت موجودةً. ولا تخلو ساعةٌ من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقتٍ، ما دامت موجودةً باقيةً.
وكالذي قلنا في هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عز وجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه.) ا.هـ
فهذه من أعظم القواعد التي أصلها الطبري رحمه الله وهو قوله في معان الأسماء والصفات :
" ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان "
فهذه القواعد من إمام المفسرين العالم بالمحكم والمتشابه تبطل جميع ما دعاوى هؤلاء ، ويتلخص لنا من منهجه رحمه الله :
1- أن منهج الطبري رحمه الله هو الإثبات لجميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة .
2- إفادة الصفة من خبر الواحد العدل .
3- إثبات حقائق الصفات ونفي التشبيه عنها .
4- إثبات جميع الصفات على ظاهرها الذي يدل عليه ظاهر الخبر دون تفريق بينها .
وهذا هو منهج السلف رضوان الله عليهم أجمعين
- بقي لى أن أشير إلى صنيعه رحمه الله في نفيه للجوارح كما في قوله : (وله يدان ويمينٌ وأصابع، وليست جارحةً، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير.ووجهٌ لا كجوارح الخلق التي من لحم ودم.ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. ولا نقول: إن ذلك كشر عن أسنان.) ...
فإن هذا النفي وإن كان هو صحيحا في نفسه على الحقيقة إلا أنه ليس من منهج السلف نفي ذلك ولأنه يوهم أن النص يفيد بوضعه هذه المعاني المنفية ،فيلزم حين الإثبات نفيها، وهذا غير صحيح !!فإن النصوص لا تفيد ذلك حيث جاءتنصوص الصفات مقيده بالإضافة إلى الباري سبحانه على وجه الاختصاص به ،وهذا يمنع أن يفهم منها غير ذلك ،ولكن العلماء يذكرون هذا النفي هذا في مقامين :
الأول : قيام الموجب لذكره - الخارج عن دلالة اللفظ - من اعتقاد البعض حقيقة التشبيه فيبين له أن هذه الصفات ليست كصفات المخلوقين لأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو الشميع البصير .
والثاني : في سياق معارضة من ينفون هذه الصفات أو يأولونها بدعوى التشبيه وأنها تفيد معنى هذه الجوارج ،فيقال لهم الواجب إثباتها على ظاهرها مع اعتقاد أنها ليست كصفات المخلوقين لأنه سبحانه ليس كمثله شيء .
- أما عند تقرير العقيدة فلا يلزم نفي ذلك مطلقاً ،وقد قال سفيان بن عيينة رحمه الله عن هذه النصوص " قراءتها تفسيرها " يعني أنها من البيان والوضوح بحيث لا تحتاج إلى تفسير فهي تدل بنفسها على المعنى المراد منها ،فدلالة النصوص على ظاهرها تفيد إثبات الصفات على ما يليق به سبحانه ، وليس في دلالة ألفاظها ما يدل على التشبيه أو التمثيل .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما