المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : @@@@@... الرحيل المفاجيء ...@@@@@



المرأة الحديدية
08-09-2006, 03:17 PM
الرحيل المفاجئ


سكون يعم الأرجاء
صمتٌ مهيبٌ
نفسي موحشة تتألم ، غربة بالكاد تبتلعني
أتقوقع في إحدى الزوايا ، عيناي تجولان المكان
تريد التأكيد من وجودك
صدى صوتك يصمُّ أذنيَّ
تتقاطر دموعي ، والفؤاد يدمي
أهرع إلى قلمي لأسطر بعضاً مما يجيش في نفسي
من هول وروع
فإذا بالكلمات قد تاهت ، والأفكار قد تلاشت
إلا من تحركاتك وسكناتك
حديثك يشوقني ، أريد التشبث به ..
رغم الألم لا أريد النسيان ، أريدك أن تتحدث وتتحدث لأسمعك إنك في أعماقي وكنت غافلة عنك ، لم أكن أعلم أنك تملؤني ..!

*********
فقدتُ أبي قرة عيني ، بكيت من شدة آلام
لكن وداعك كان أكثر مرارة وقسوة
أدركت هذا بعد فوات الأوان
أحسست بفراقك قبل أيام من رحيلك المفاجئ وقبل شهور من الوداع المرير ؛ ملأت نفسي أياماً ، تملكت عواطفي التي كانت تجيش بالحزن عليك دون سبب ، ومن حيث لا أدري خبَّرت أمي الغالية عن آلامي الخفية
فسألتني : عن تلك الهواجس
وإن كان قد حدث لك شيء ملموس .. ؟
أجبتها وأنا أحبس الدمع في عيني
أراه تائهاً غير مستقر ، كفراشة يطيب لها التنقل فوق الأزهار بين الأشجار والثمار ، دائم التنقل في البيت من حجرة إلى حجرة لا يستطيع النوم ..!
كان القلق حليفه وحليفي ، حاولت الابتعاد عما يجول في رأسي تناسيت ورحت أخطط لمستقبله ، فرسمت الآمال
قلت : هو النجاح ومن ثم تكون المفاجأة ، ومن بين الأحداث نسيت آلامي وعادت الحياة كما كانت .

********
إلى أن كان يوماً .. ؟!
رأيت فيما يراه النائم ، طائرةٌ صغيرةٌ تحتوي على مقاعد عدّة أجلس فيها وأولادي ، وأخي الأصغر كما هو حالنا
فجأة : توقفت الطائرة وأصبحنا معلقين في الهواء
خِفت السقوط ..!
فُتحت أبواب الطائرة ، خرجت منها لأقف على سور وهمي أبحث عن سبب العطل فيها ؛ لم ألبث حتى وجدت نفسي وأخي الصغير نقف على جناح الطائرة ؛ التي راحت تدور حول نفسها بهدوء وسكينة ، وعلى الرغم من وجود الشمس قريبة منا الهواء بارد والنسمة عطرة ، تمتعنا بأسعد اللحظات
ابتسم ثغره الجميل ، تبادلنا النظرات ، بادرته بقولي متعجبة من قدرته عز وجل : سبحان الله ما أعجب خلقه
ـ انظر أخي.. كم هو كبير حجم الشمس ، انظر إلى لونها وأشعتها الذهبية ، يتراءى لنا من بينها أراضٍ خُضرٍ ، ومساكن ذات أسقف حُمرٍ جميلة ؛ كان منظراً رائعاً ..
وإذ بالطائرة تتمايل ، تقف بالقرب منا طائرة أخرى للمساعدة . لحظات وعاد كل شيء إلى أصله ، الكابتن ينادي عالي الصوت - فليعد كلٌ إلى مكانه
المحركات تعمل ، الضجيج يملأ المكان ، هرول الصغار صعد الجميع وعادت الطائرة لحركاتها الدءوبة المعتادة
ارتاحت النفوس .. فعمَّ الهدوء ..!
حانت مني التفاته إلى الوراء
وإذا بصوتي يسبق هولي ودهشتي
توقف أيها الكابتن .. توقف ..!
إنه أخي إبراهيم ..
مـازال يقف على ذاك السور، يلوّح بيديه يطلب مني المساعدة..!
يجيبني الكابتن وكأنه يغرز سهماً مسموماً في صدري
لا يمكننا العودة إلى الوراء إن ذلك مستحيلاً ..!
وأردد حزينة متألمة ، أرجوك إنه أخي الأصغر
بل هو ابني الأكبر.
لم أكن أعلم أن تلك هي عجلة الزمان التي لا ترد .

*********
استيقظت من نومي ..
عيناي تذرفان دمعاً حارقاً
ولازال صوتي صارخاً في فراغ حياتي
في صدري مؤلماً ..
(أرجوك توقف إنه أخي الأصغر يطلبني للعودة والمساعدة)

أيامٌ مضت وأنا في أسى باطن لا أميزه ، لم أتوقع الفراق لحظةً لتأتي نعمة النسيان وتمحو من ذاكرتي ذاك الحلم ، لم أعد أذكر سوى النجاة وعدم السقوط ، بل هو كل ما يهمني ، اعتقاداً مني أن السقوط في الحلم هو سقوط في الواقع ، وكان عزائي وقتئذ أننا فوق الشمس وليس هناك من جاذبية ؛ فمهما طال زمن الوقوف بنا لم ولن نسقط أبداً .

الأيام تتوالى ولا تتوانى وقبل الرحيل بأيام عدة ، عينايَّ تتشبثان به في ذهابه والإياب ، جلسنا معاً ، تحدثنا عما إن كانت هناك قروض ترد ، أو وُعود تُوَفَى .
في اليوم التالي كنا نشاهد التلفاز وإذا بفكرة قاسية بل هاجس لعين يهمس لي بحتمية الفراق .
ارتبطت الأحداث ببعضها بعضاً ، لتنسيني الفكرة وكأن شيئاً لم يكن ، مر ذلك سريعاً ويليه اليوم الآخر ، وفي تمام الساعة العاشرة مساءً ، أدركت عدم حضوره للمبيت في المنزل تلك الليلة كعادته ، أمضى ليلة مع الأصدقاء في مكتب العمل ، وعند الفجر توجه حيثُ المعهد في جده لحضور الاختبار النهائي للمواد العملية
في التاسعة كان الوقت ضحًى ، استيقظت على صوته منادياً متحدثاً عبر الهاتف ، فرحاً مهللاً بنجاحه ، يخطط لبناء مستقبل قريب ، بدخول عش الزوجية وبداية حياة سعيدة ، من ثم أعطى موعداً في تمام الساعة الرابعة عصراً من ذلك اليوم لتواجده في مكتب العمل بمكة المكرمة ، سمعت القليل الذي ملأ أذنيّ وكياني ، وغصت في نوم عميق ..

*********
جرس الهاتف يصرخ فـي عالمي .. يوقظني .. ؟!
إنه أخي الأكبر يطلبني التوجه حيث الوالدة بمكة لمساندتها ومواساتها بعد أن وقع لأخي الصغير حادث سيارة ؛ جعله يرقد في غرفة العناية الفائقة ، لم يوافني الحزن في تلك اللحظة ، لم يَرِدْ الرحيل على خاطري ، ولم أشعر بفراقه أبداً أبداً .
اضطربت حركتي ، لا أدري ما الذي يجب علي فعله ، كنت وما زلت في غمرة النعاس
أتيه لحظات .. برودةٌ تسري في أو صالي وهدوء يشملني
وكأنه السكون قبل العاصفة ..
أتساءل : كيف ومتى وقع الحادث ، صوته لا يزال يرنُ في أذنيّ ، الآن .. الآن وقبل لحظات يهيأ لي أنه يرقد في حجرته بالمنزل ، مرددّةً ..
فليهدك الله يا إبراهيم ..
لم ألبث وإذ بجرس الهاتف يحملني مهرولة ، مشيعاً لي ذكراه .
*********

صرخة تعمُّ الأرجاء
كلمة ( لا ) يهتز لها المكان ، أرددها صارخة باكية
روع يتملكني ، تسقط سماعة الهاتف من بين يدي
رغم يقيني بالقضاء والقدر
أعيش لحظات في عالم غريب ليس به أرض أو سماء
دوامةٌ من الآلام تعتصرني
أصدق أولا أصدق
الدموع تغمرني ، انهارت قواي
تتضارب الأحداث في رأسي
تمر كشريط سينمائي أمام عينيِّ ، التي لم تعد ترى سواه
حلم الطائر .. الهاجس الذي أخبرني برحيله قبل أيام
صوته الرنان يخترق سمعي قبل لحظات ، فرحاً مهللاً بالنجاح موعده مع الأصدقاء في تمام الرابعة عصراً مؤكداً حضوره
لا .. لا أصدق ، لا يزال صوته يملأ نفسي وكياني
لا .. لا .. رددتها مراراً .. أحاول السكون والخضوع للواقع
ولكن هيهات ..!
من مشاعر متألمة وأحاسيس تستعر ناراً ..
لم أستطع مقاومة ضعفي
غير أن رحمة الإله تُلهمني الصواب
فَغيّرتُ كلمة ( لا).. بالحمد الله
أقولها لاهثة متقطعة النبرات
قلبي يتمزق .. ونارٌ تضرم بداخلي
تحرقني كلما تذكرت أمي وحالها عند سماعها الخبر .
جمعت أشلاء نفسي وصليت لله شكراً ثم ظهراً
تكاثفت عبراتي ، تثاقلت خطواتي ، علا صراخ نفسي
شيء في صدري يكبر ويكبر يكاد أن ينفجر
أصوات مختلفة ، ضجيج يملأ المكان
لكني لا أسمع غير صوته مهللاً فَرِحاً
تخترقي الأقاويل ..؟!
(هو في غرفة العناية الفائقة ) صوت آخر
( لا تقلقي لقد ذهب عَمُكِ لمساندة الوالدة )
أتساءل .. ؟!
وكيف حال أخي إبراهيم
المتحدث يبكي ، ينتحب مردداً ، لقد مات إبراهيم
مات إبراهيم ولم يعد له وجود ..!
لا .. لا ... بل الحمد لله .

*********
كان الوقت ضحىً وفي تمام الحادية عشر وقع له الحادث في مدخل مكة ؛ كان وحيداً غريباً ، حُمِلَ وأودع في أحد المستشفيات ، وبعد البحث والتدقيق ، عُثِرَ على رقم هاتف "مكتب العمل" الذي قام بتشيع ذكراه .
فداؤك عمري أخي ، أدعو الله أن يرحمه وأن يجير أمي في مصيبتها ، أرجوه أن يجعل حالها أفضل من حالي
في الصبر والجلد .
لحظات استقبلني اخوتي ، يشدون من أزري لمواجهة أمي ومواساتها ؛ قلت : لا أستطيع ، لا يمكنني رؤيتها وأنا على هذه الحالة من الروع واليأس والألم ، يأتي صوت شقيقتي مُلِحاً عليَّ للقائها ، مطمئنةً روحي بأن أمي مازالت قوية ، حمدت الله كثيراً ولاقيت الحنون ، والله وحده يعلم كم عانيت لوقف دمع لا يكف وينهمر ، وجدتها أكثر مني صبراً وجلداً ، منهمكة في تجهيز ما يحتاجونه لتنظيف الجثمان
وهي تدعو الله أن يرحمه وتراهُ عريساً في الجنة .

*********
تهيأنا لرؤيته بعد الاستعداد للرحيل
القلوب تصرخ ، تعتصر ألماً والدموع تغالبنا
نحاول التماسك وعدم قول شيء يؤذيه ويعذبه
لساني ذاكرٌ وقلبي متحسّرٌ يتحدث
كم أحبك أخي ، كم يؤلمني فراقك
كتبت عن المرِّ وتحدثت عنه ولم أذق أمرَّ من رحيلك عمري
ليتني أستطيع ضمك إلى صدري
لأطفئ لهيباً من حريق يصعب إخماده
حاولت أن أفعل ، لكن آلامه الجسمية ونزيفه المتواصل حال دون ذلك ، سأتحمل عذاب نفسي لراحتك أخي بل ابني الأكبر قبلته وهمست في أذنيه ( لا إله إلا الله )
كلمة حق عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله آمنين مطمئنين .

*********
أركاني تتهاوى
أحاول مغالبة ضعفي لرؤيته يغادر
إنه الوداع الأخير والنظرة الأخيرة . شّيع جثمانه عصراً .. وعند الصلاة علية يرحمه الله في المسجد الحرام ، رآه رجل قد يكون من أهل العلم
وقال : إن ابنكم هذا ، كان محباً للأطفال رحيماً بهم
لم ينته من مقولته وإذ برجال يحملون جثمان طفل صغير لم يتجاوز بضعة أسابيع وكانت إرادة الله أن يدفن الطفل البريء في نفس قبره ، كان لهذه الحادثة سلوة لنفوسنا جميعاً ، وطمأنة لأرواحنا المتألمة .
واراه التراب في نفس الموعد الذي قد أعطاه للأصدقاء صباحاً مؤكداً تواجده بمكة في تمام الرابعة عصراً ، فليرحمك الله أخي مُتَ غريباً وأني لأرجو الله أن تكون شهيداً … قلت : أخي ومازلت أقول :
إن العين لتدمع .. وإن القلب ليحزن .. وإنَّا لفراقك يا إبراهيم لمحزنين .

أ/ سلوى دمنهوري


المراة الحديدية وقلبها العصفور

ثـــــامر
16-09-2006, 01:04 AM
سلمت اناملك ....

رائعه ...

المرأة الحديدية
16-09-2006, 01:58 AM
سلمت اناملك ....

رائعه ...

وسلم مرورك أخي الكريم

دمت بكل الود

همس البدر
20-09-2006, 01:51 PM
سيدت القلم / سلوى الدمنعوري


حقيقتاً لقد أحزنني ماقرأت

ولكن هو طريقاً جميعنا عليه نسير

انا لله وانا اليه راجعون

ولا حول ولا قوه الا بالله

اللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناتك

*
*
*
صياغة جميله في قمة الروعه والجمال

تحياتي لقلمك الرائع

المرأة الحديدية
21-09-2006, 09:30 AM
سيدت القلم / سلوى الدمنعوري


حقيقتاً لقد أحزنني ماقرأت

ولكن هو طريقاً جميعنا عليه نسير

انا لله وانا اليه راجعون

ولا حول ولا قوه الا بالله

اللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناتك

*
*
*
صياغة جميله في قمة الروعه والجمال

تحياتي لقلمك الرائع

جزاك الله خيراً أخي البدر همس
والجمال هو مرورك العطر
أشكرك يالغالي
لك ودي