المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إياك و التبذير أيها المسلم !



أهــل الحـديث
05-05-2013, 10:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أ يها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبدالله حمزة النايلي (وفقه الله) ، نفعنا الله وإياكم بها .



إياك و التبذير أيها المسلم !

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما يجب على العبد المسلم تجاه نعم الله جل جلاله عليه التي لا تعد ولا تحصى، كنعمة المال أن يقوم بشكرها وذلك باستغلالها فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، وعليه أن يحذر من وضعها في غير موضعها كاستعمال المال في فعل المنكرات أو نشر المحرمات، وليحذر كذلك أيضا من تبذيره وإسرافه ومن البخل به والتعلق به، فلا إفراط ولا تفريط ولا انحراف به عن الوجه المشروع،قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وانحراف الإنسان في ماله وذلك بأحد أمرين:إما أن ينفقه في الباطل، الذي لا يجدي عليه نفعا،بل لا يناله منه إلا الضرر المحض،وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله وإخراجها للصد عن سبيل الله،وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات".تفسير السعدي(ص 336)
أيها الأحبة الكرام إننا سنقف يوم القيامة أمام خالقنا جل وعلا ويسألنا عن كل أعمالنا صغيرة كانت أو كبيرة، فعن أبي برزة الأسلمي-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ، عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ،وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أبلاه".رواه الترمذي (2417) وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله-.
أيها الأفاضل إن مما يُحزن كل مؤمن غيور على دينه محب لجميع إخوانه المسلمين ما يراه ويسمعه من الأمراض التي حلت بخير الأمم،أدت بها إلى التشتت والضعف وتسلط الأعداء عليها، ومن أخطر هذه الأمراض وأفتكها، تركهم الرجوع إلى كتاب الله جل وعلا و ابتعادهم عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى انتشار البدع والمحدثات والشهوات بينهم وغير ذلك من المنكرات،ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الأمراض التي فشت وانتشرت بين بعض أفراد أمة الحبيب خاصة بين أغنيائها وقد حذرنا منها صلى الله عليه وسلم تضييع المال فيما لا يعود نفعه لا في أمور الدين ولا في الدنيا، فعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال:قال رسول صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وقال وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ". رواه البخاري (5630) ومسلم (593) و اللفظ له.
قال ابن الجوزي –رحمه الله- :" وأما إضاعة المال فيكون من وجوه أمهاتها أربعة:أحدهما:أن يتركه من غير حفظ له فيضيع والثاني : أن يتلفه إما بتركه إذا كان طعاما حتى يفسد ، أو يرميه إن كان يسيرا كبرا عن تناول القليل ، أو بأن يرضى بالغبن ، أو بأن ينفق في البناء واللباس والمطعم ما هو إسراف .
والثالث : أن ينفقه في المعاصي ، فهذا تضييع من حيث المعنى .
والرابع : أن يسلم مال نفسه إلى الخائن ،أو مال اليتيم إليه إذا بلغ مع علمه بتبذيره".كشف مشكل الصحيحين(4/ 102)
ويقول الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله-:"كره وحرم ليس بينهما فرق؛لأن الكراهة في لسان الشارع معناها التحريم...، وأما إضاعة المال فهو بذله في غير فائدة لا دينية ولا دنيوية؛ لأن هذا أيضاً إضاعة له لأن الله تعالى قال: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) [النساء: 5] ، فالمال قيام للناس؛ تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله الإنسان في غير ذلك فهذا إضاعة له، وأقبح من ذلك أن يبذله في محرم، فيرتكب في هذا محظورين:
المحظور الأول: إضاعة المال.
والمحظور الثاني: ارتكاب المحرم.
فالأموال يجب أن يحافظ عليها الإنسان، وألا يضعها وألا يبذلها إلا فيما فيه مصلحة له دينية أو دنيوية". شرح رياض الصالحين (3/211- 213)
إن ما نراه ونسمعه من مجاوزة الاعتدال في المأكل و المشرب و الملبس و المركب وغير ذلك من أمور الدنيا الفانية اليوم من بعض الأفراد ليحزن منه ،حتى أصبح مآل كثير من الأطعمة إلى النفايات والقمامات ،وإخوانهم في كثير من البلدان الإسلامية لا يجدون ما يأكلونه ولا يشربونه ولا يلبسونه،والله المستعان.
إن التبذير أيها الكرام هو معصية للمنان و طاعة للشيطان الذي هو عدو للرحمن ، قال تعالى : ( إن المبذرين كانوا إخوانا الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا) [ الإسراء :27]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"وقوله ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ): أي :في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته، ولهذا قال ( وكان الشيطان لربه كفورا ): أي: جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته ".تفسير ابن كثير( 3 /38)
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير،والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها، ويمدح عليه ، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) [الفرقان:67] ".تفسير السعدي (ص 456)
أيها المضيع لمالك في غير وجه حق، اعلم هداك الله أن التبذير هو من أسباب محق البركات وزوال النعم والخيرات، لأنك لم تشكر الباري سبحانه بوضع مالك مكانه الصحيح،فعليك وفقك الله أن تتوب إلى الله جل جلاله وتحافظ وتشكر نعمة الله عليك و تستغلها فيما يعود نفعه عليك في الدنيا والآخرة ، وتجانب المبذرين الجاهلين.
قال أبو حيان الأندلسي –رحمه الله- :"ونهى تعالى عن التبذير وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها،فنهي الله تعالى عن النفقة في غير وجوه البر وما يقرب منه تعالى". تفسير البحر المحيط(6 / 27)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا وإياكم أيها الأحبة التوسط و القصد في أمورنا كلها ويوفقنا لكل ما كان لنا فيه النجاح والفلاح،ويجنبنا التبذير والإسراف والبخل و يبعدنا عن كل ما كان فيه الخسران والحرمان، فهو سبحانه الرحمن وعلى عباده هو المنان.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي