المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نتواصل - برنامج عملي وفكري في حلقات -



المفكر
09-11-2003, 10:19 PM
كيف نتواصل

++++++++++++++++++++



بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة والأخوات


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنطلاقاً من مبدا تعلمناه وتربى في نفوسنا


و إنطلاقاً من حب الخير للآخرين


إليكم خلاصة دراسة استمرت أسابيع

إليكم هذه الحلقات - التي أسأل الله أن يطرح فيها الفائدة لي ولكم -


والتي فيها أنقل إليكم ما تعلمته (على نفقتي الخاصة)


أنقله إليكم هنا طمعاً في دعواتكم لي في ظهر الغيب

وأداءً لحق العلم الذي علمني إياه ربي.


فإليكم أولى الحلقات و ستأتي الحلقات التالية تباعاً بإذن الله تعالى.


ملاحظة مهمة:

إن كانت هذه الحلقات موجودة في أي موقع آخر فهاذ لا يعني أنني نقلتها أو نسبتها لنفسي

فهذا علم للجميع و قد ينشره الجميع.



بسم الله نبدأ



مقدمة:

إننا ننشد ان نحقق روحا جديدة تفيض بالفكر والابداع

وسلوكا يتحمل المسؤولية في الحوار والتفاهم بعيدا عن


الصراع العنيف


والقطيعة الانعزالية


والاحتكار الاستبدادي.


لابد ان نتحرك لإيجاد حركة اتصال فيما بيننا وبين الآخرين

لنكون قادرين على الفعل والتأثير في عالم اصبح لاغنى فيه عن الحوار والتفاهم

بعد أن قلصت التكنولوجيا كل عوامل البعد المادي والجغرافي

وبقي علينا تحمل المسؤولية في تقريب الأرواح والأفكار والأنفس

ونزع الضغائن والأحقاد

وإطفاء روح الانتقام

وتمكين روح النقد الموضوعي والعلمي وإخماد فورات الجهل.


* * * * * * *

يحفل التاريخ البشري بأحداث مأساوية خلفت تراكمات كبيرة في حدود النفس البشرية الجمعية

حيث شرخت العمق الداخلي

ورسخت ثقافات سلبية لازالت مشتعلة لحد هذا اليوم.

فقد كان محور التاريخ هو تلك الصراعات العنيفة الدامية التي خاضتها المجتمعات والأمم والأفراد

لتفوق الوصف والخيال في وصفها

حتى تقترب إلى مرحلة الجنون،

فالتاريخ البشري تاريخ مجنون


كتب بالدم


وخط بالسيف

وصحف بالأشلاء وسطر بالمقابر.


هذا الصراع لاشك انه يعبر عن حقيقة مأساوية تصطبغ بها النفس البشرية

وهي ان معظم الأمم والمجتمعات والبشر لا يستطيعون ان يحققوا تعايشا مسالما مع إخوانهم البشر في ظل التوافق والتصالح والعدالة،

مع ان تأملاً فطرياً بسيطاً يجول في خاطر كل إنسان يستغرب من عدم قدرة الإنسان على تحقيق هذا التعايش البسيط الذي استطاعت بعض الحيوانات ان تحققه بغريزتها. - عذراً على هذا اللفظ -


قد يعبر الصراع البشري المستنزف عن صراع على المصالح

أو نزاع على الأرض

أو استغلال للقوي على الضعيف

وهو صراع قد يبرره بأنه صراع تفرضه غريزة حب البقاء

أو قانون البقاء للاصلح،

ولكن الأخطر من ذلك على مر التاريخ هو الصراع الذي تلون بالأيديولوجية

فصبغ معاركه بالمبادئ والقيم لتصبح سيفا يقلم رؤوس المخالفين والمعارضين على مذابح المعابد

فيأكله حلالا طيبا.


وهذا هو أسوء الصراعات البشرية التي تكتنه


بالعنصرية


والعرقية

والقومية

والدينية

والطائفية

فيصبح القتل هو مبدأ بحد ذاته

يجتزئ الآخرين بدون هوادة.


لقد خلفت تلك الحروب المأدلجة ذاكرة سوداء متشائمة في التاريخ

كان آخرها حربين عالميتين

كانت دوافعها عرقية وعنصرية،

وهذه الذاكرة تخاف ان تفتح أوراقها وتتصفح دفائنها

وهي تواجه اخطر أسلحة مدمرة يمكن أن يحملها البشر لتدمير أنفسهم تدميرا مشروعا مبررا.


ان القراءة التاريخية لمعظم الأمم والحضارات تعطينا نتيجة واضحة

وهي ان الأمم التي استطاعت ان تتقدم وتتطور وترتقي سلم الحضارة

هي الأمم التي استطاعت ان توجد حالة التجانس والتعايش والتفاهم

بين مختلف الفئات والقوميات والطوائف

وفي مختلف جوانبها النفسية والاجتماعية والسياسية بحيث كتب لها البقاء التاريخي على مرور الأجيال

لقدرتها على تحقيق الوفاق الإنساني والسلام العام.


والامة الإسلامية التي أنشأها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

شاهد حي لازال يزخر بنماذجه الرائعة.

وهكذا أمة فإنها تستطيع ان تجمع النسيج البشري في إطر متوافقة من أجل البناء المشترك

والحياة السليمة

والعدالة العامة


بعيدا عن الحرب والقتل والعنف.


أما الأمم التي غرقت في صراعاتها وخلافاتها السلبية

فقد تحولت إلى فتات مهمش لا يقوى على تجميع أجزائه حتى تقضي عليه قوانين التاريخ القاسية،

وقد رأينا كيف سقطت الأمم عن عليائها نتيجة لذلك التعصب والتمرد ضد الآخرين

بحيث تتحول حياة تلك الأمة إلى جحيم ملتهب لعدم قدرتها على التفاهم والتعايش.


ان قدرة أي أمة في تحقيق قوتها ورقيها هو في قدرتها على استيعاب الآخرين

وضمهم في مسيرتها وتحقيق الوفاق الجماعي الشامل.


وان عجز أي امة يتبين من نبذها للاخرين وتشتيتها لافرادها

واختيار تقطيع اوصالها لكيانها عندما ترفض مبدأ التوافق.


لان التعامل الإيجابي والمتفهم مع الآخر الفكري أو المذهبي أو الديني أو القومي..

هو العنصر الأساسي في حركة التاريخ المتقدمة نحو المستقبل،

اذ ان حركة الإنسان لا تتكامل عناصرها بشكل عملي إلا بتكامل الجسم الإنساني العام،

فالإنسان لوحده لا يشكل إلا وجودا يمثل وجها واحدا والوجه الآخر هو الإنسان الآخر

الذي يمثل البعد الآخر المكمل للوجود الإنساني.


ان الإطار المنهجي لبحث حركة التاريخ نحو المستقبل يتكامل عندما نخوض بحث مشروعية الآخر نظريا

وواقعيته عمليا.

ذلك ان الحياة الإنسانية قائمة على تحقيق التكامل الاجتماعي المتنامي

عبر التواصل البشري

والانفتاح الفكري

والتلاقح العقلي والعلمي

والتبادل التجاري

والتعايش السياسي،


فمع الانغلاق الإنساني على ذاته

وقوقعته يتخلف عن أهم قواعد التاريخ التقدمي


وهو التواصل والانفتاح.


الآخر قد يكون قريبا جدا مثل الذي يتشارك مع آخرين في عمل أو جماعة أو اتجاه،

وقد يكون بعيداً ولكنه قريب باعتبار آخر

مثل الذي ينتمي إلى جماعة أخرى ولكنه ينتمي إلى نفس المجتمع،


وقد يكون بعيداً حيث ينتمي إلى مجتمع اخر،

وقد يكون ابعد مثل الذي يعيش في إطار أمة أخرى أو دين آخر.


وفي كل الحالات

فان التعامل مع الآخر لا يعتمد على مستوى البعد والقرب

بل ينبع أساسا من السلوك النفسي والاجتماعي للفرد،

فالانغلاق الذاتي للفرد والتربية الثقافية إذا افرزت سلوكا سلبيا

فان التعامل سيكون سلبيا مع كافة المستويات

باعتبار ان السلوك يتشكل من خلال التراكمات النفسية والثقافية والفكرية،

واذا كان إيجابيا فينعكس ذلك على القريب والبعيد بلا استثناء.


لذلك نرى المجتمعات أو الأفراد المتصادمين

ينعكس تعاملهم السلبي مع الآخر في صراعهم حتى مع اقرب الرفاق اليهم في المبدأ والعمل.

فإنكار ورفض الاعتراف هو بحد ذاته سلوك صدامي عام يصدر من خلال

القنوات النفسية

والثقافية

والعقائدية للفرد،


فهكذا فرد يبقى عاجزا عن التفاهم عن أي كائن لانه يبقى تحت سيطرة روحه التصادمية.

وفي الطرف الآخر فان الفرد المتسامح والايجابي نراه قادرا على التواصل مع الآخرين والانفتاح عليهم على كافة المستويات.


حقيقة الآخر وحتميته:

إن معظم تصرفاتنا تدل على أن أسلوب تعاملنا مع الآخر القريب أو البعيد أو الأبعد هو أسلوب إنكاري وتصادمي،

حيث أصبح الانغلاق هو السمة الأساسية في سلوك الأفراد والجماعات


مع قطع خطوط الاتصال والتواصل،

فقد اصبح الآخر في إطارنا النفسي والثقافي والفكري مجرد هامش على وجودنا

لا يشكل أي تأثير إيجابي في حركتنا الذاتية والاجتماعية،

فهل تهميش الآخر هو واقع حقيقي ينبعث من القوانين التاريخية والكونية..؟

أم هو وهم خيالي يختاره المنغلقون لحماية احلامهم الوردية من السقوط أمام الواقع المر

الذي يرفضون تجاوزه..؟


ومهما حاولنا أن نجيب

فان التفكير العقلاني القائم على الموضوعية والتجرد في طرح الأحكام

هو الذي يجيب على هذه التساؤلات

فان الحياة لايمكن ان تقوم بدون وجود الآخر قياما فيزيائيا أو فكريا أو نفسيا أو اجتماعيا

وحينئذ فان تهميشه هو محاولة للتمرد على قانون الحياة.

...........

نواصل معكم في الحلقات المقبلة بإذن الله

طيف الوله
09-11-2003, 10:55 PM
بارك الله فيك وفي علمك ونفع بك من يحتاج للمعرفه مثلي

ماشا الله عليك ساتابع الحلقات المتبقيه لاني فعلا اشعر عند خروجي من مواضيعك اني استفدت كثيرا فالوقت الذي اقضيه بالنت لن يكون عديم الفائده دام فيه اقلام مثل قلمك

كل الشكر لك اخي

مجروحة الزمن
10-11-2003, 10:18 PM
جزاك الله خيرا اخوي

ومشكور علي هذي الحلقات المفيده

وننتظر الباقي من الحلقات

تحياتي لك

المفكر
12-11-2003, 02:01 AM
كيف نتواصل - برنامج عملي وفكري في حلقات - 2

الحتمية التكوينية


++++++++++++++++++++



بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة والأخوات


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نكمل معكم من حيث توقفنا في الحلقة الماضية

*_*_*_*


ينبعث جمال الحياة وإعجاز الباري تعالى من ذلك التنوع والاختلاف في كافة رحاب الكون،

وهذا الاختلاف يدل على آيات الله العظيمة التي تبين قدرته سبحانه وتعالى،

حيث يقول تعالى:

(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)
الروم22

فالتنوع الكوني حتمية قام عليها قانون الكون ولايمكن إنكار ذلك

لان تجاوز هذه الحتمية سوف تنعكس آثاره سلبيا على حياة البشر عامة.


وربما يكون جمال الكون هو في ذلك التنوع والتوازن الرشيق الذي خطته يد القدرة والعظمة.

فبدون التوازن لايمكن تحقيق حياة تتألق بهذا الجمال،

ولكن عندما يتدخل الجهل البشري والنزعة النفعية في ضرب التنوع والاختلاف

يختل التوازن ويذبل الجمال.


ويتمثل التنوع الكوني في الإنسان بشكل خاص في تنوع الإنسان واختلافه شكلا وقالبا وفكرا

حتى لايمكن أن تجد أي تطابق كاملا بين أي إنسان وآخر،

فكل إنسان هو مخلوق مختلف بحد ذاته عن الآخرين،

وقدرته على الاختيار

وحريته في التفكير

هي قمة فرادته واستقلاليته عن الآخرين.


والقرآن الكريم حافل بالآيات التي تبين الاختلاف التكويني في الكون والإنسان،

حيث يقول سبحانه:

(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )
هود 118.

إن الإنسان بطبيعته السوية لديه استعداد وقابلية للتنوع والتغير في حركة دينامية حية

وهذا هو ما أنتج تنوع أشكال الحياة وتباينها

وتنوع أشكال فهم الحياة

وصور التعبير عن الحياة

وتنوع النظر إلى الكون والوجود

ففي التنوع والتعدد والاختلاف حياة الإنسانية وارتقاؤها.


ومع حتمية التنوع تكوينا تبرز حقيقة مهمة

هي أن ما يجمع البشر اكثر مما يفرقهم

فالحياة وحدة مع الاختلاف

وتباين في إطار الوحدة،

لأن التنوع لا يعني التنافر الإنساني المطلق

ولا يعني النفي الوجودي المتبادل


وإنما يعني ضرورة الاعتراف والإيمان بالتعدد والتنوع

ضمانا لسلامة الحركة القائمة على التفاعل بين أشكال متنوعة من الصور والأفكار.


فالتباين ليس عامل هدم

بل هو حافز حركة قائمة على التفاعل المشترك في إطار عقلاني لبناء وحدة إنسانية متفاعلة.

ومع التنوع يمكن تشكيل تعايش منسجم يحافظ على استقلالية الفرد وحقوقه.

...........

نواصل معكم في الحلقات المقبلة بإذن الله

المفكر
13-11-2003, 05:26 AM
الحتمية الاجتماعية

كيف نتواصل - برنامج عملي وفكري في حلقات - 3

++++++++++++++++++++



بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة والأخوات


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نكمل معكم من حيث توقفنا في الحلقة الماضية

*_*_*_*


مع ذلك التباين التكويني والتنوع الإنساني تبرز حتمية التنوع الاجتماعي

فالإنسان يعيش في وحدة إجتماعية تعتمد على التوحد في إطار التكامل بين الحاجات والطاقات المختلفة،

فنحن لا نستطيع أن نكتفي بالحياة

مجرد الحياة

ولا نستطيع أن نواصل وجودنا كبشر دون روح المعاشرة الاجتماعية.

فالمجتمع قام أساسا على التبادل والتعايش بين البشر من أجل التطور والنمو

في إطار التعاون والتكاتف

ولا يمكن للمجتمع أن يقوم إلا في حدود هذه الحتمية

وإلا فانه عندما يلغى استقلال الإنسان وحريته ورأيه

يفقد مبررات تشكيله

فيجبره على الاندماج في المجتمع اندماجا اكراهيا

فتنتفي حينئذ الغايات المبدئية من تشكيل المجتمع وتكامليته التفاعلية.


ومع عدم الاعتراف بالآخر

يتوقف المجتمع عن مسيرته التكاملية والتصاعدية

بافتقاده لروح التنوع والتفاعل بين أجزاء المجتمع.

يقول تعالى في كتابه الحكيم:

(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم
فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )
المائدة48.


إن الحاجة الأساسية للفرد في المجتمع هي معرفة نفسه وطاقته وجوهره

وذلك عبر:

معرفة الآخر

والتعامل

والتكامل معه حتى يستطيع أن يكتشف نفسه،

فالناس اجتماعيون

ويعملون في علاقات مع بعضهم البعض

وفي مواجهة أناس آخرين يتعلم الإنسان ويتعايش تأسيسا على حياة اجتماعية مشتركة،

وهذا التعلم إنما يجري فيما بين الناس

وليس في داخلهم


ولكي نتعلم كيف نعيش حياة اجتماعية سليمة

لابد من الوصول إلى فهم الآخرين.


يقول بعض الحكماء:

نصف رأيك مع أخيك وإذا بان منك أخوك بان شطرك وإذا اعتل خليلك فقد اعتل نصفك.


ويقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه:

الناس صنفان:

إما أخ لك في الدين

أو نظير لك في الخلق،

يفرط منهم الزلل

وتعرض لهم العلل

ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ،

فاعطهم من عفوك وصفحك

مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.


...........

نواصل معكم في الحلقات المقبلة بإذن الله

الرئيسة
13-11-2003, 02:23 PM
جزاك الله خير