المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ



أهــل الحـديث
04-05-2013, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ [سورة النساء - الآية 171].

((ينهى تعالى أهلَ الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثيرٌ في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه مِن حيز النبوة إلى أنْ اتخذوه إلهاً مِن دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه، فادَّعوا فيهم العصمة واتَّبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقاً أو باطلاً، أو ضلالاً أو رشاداً، أو صحيحاً أو كذباً؛ ولهذا قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سورة التوبة - الآية 31]، وروى الإمام أحمد عن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم عليه السلام فإنما أنا عبد الله ورسوله" [مُسنَد أحمد (1/90)]، وقال علي بن المديني: هذا صحيح مُسنَد. ورواه البخاري [ح3445].
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك: أنَّ رجلاً قال: يا محمد , يا سيدنا وابن سيدنا, وخيرنا وابن خيرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس, عليكم بقولكم, ولا يستهوينكم الشيطان, أنا محمد بن عبد الله, عبد الله ورسوله, والله ما أحب أنْ ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)).

وقوله: ﴿وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ﴾ أي لا تفتروا عليه ولا تجعلوا له صاحبةً وولداً – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – وتنزه وتقدس وتوحد في سؤدده وكبريائه وعظمته – فلا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي إنما هو عبد مِن عباد الله وخَلق مِن خلقه، قال له: كُن فكان، ورسول مِن رسله، وكلمته ألقاها إلى مريم...
وروى البخاري [ح3435] عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن شهدَ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأنَّ عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه، والجنةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، أدخله اللهُ الجنةَ على ما كان مِن العملِ". ورواه مسلم [28].
فقوله في الآية والحديث: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ كقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [سورة الجاثية – الآية 13] أي مِن خلقه ومِن عنده، وليست "مِن" للتبعيض كما تقوله النصارى – عليهم لعائن الله المتتابعة – بل هي لابتداء الغاية، كما في الآية الأخرى.
وقد قال مجاهد في قوله ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي ورسول منه. وقال غيره: ومحبة منه. والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق مِن روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله، في قوله: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ﴾ [سورة هود – الآية 64]، وفي قوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [سورة الحج – الآية 26]، وكما ورد في الحديث الصحيح "فأدخل على ربي في داره" أضافها إضافة تشريف، وهذا كله مِن قبيل واحد ونمط واحد.

وقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ أي فصدِّقوا بأنَّ الله واحد أحد، لا ولد له ولا صاحبة، واعلموا وتيقنوا بأنَّ عيسى عبد الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ أي لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.


[عُمدة التفسير عن الحافظ بن كثير: مختصر تفسير القرآن العظيم لابن كثير – العلامة المحقق أحمد شاكر]