المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة إلى من يتكسّبون بالعِلم الشرعي



الاهلي الراقي
03-05-2013, 06:20 PM
المصدر : شبكة طريق السنة


الشيخ عبدالعزيز السلمان ( رحمه الله )


عن الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين الرشيد فأتاني، فخرجت مسرعًا، فقلت: يا أمير

المؤمنين، لو أرسلت إليّ أتيتك، فقال: ويحك

https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQT2zyLMVIW51HCIX0Fq6tMtC-ug9NBkE5WtuPMa5K2zLc_9fkTZQ


قدْ حَاكَ في نفسي شيء، فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة.

فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعًا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي أتيتك، فقال له: خذ لما جئناك له

رحمك الله.

فحدثه ساعة ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم، فقال: أبا عباس اقض دينه، فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلاً أسأله.

فقلت له: هاهنا عبدالرزاق بن همام، قال: امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين.

فخرج مسرعًا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي أتيتك، قال: خذ لما جئناك له.

فحادثه ساعة، ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم، قال: أبا عباس، اقض دينه، فلما خرجنا قال: ما أغنى صاحبك شيئًا انظر لي رجلاً أسأله.

قلت: هاهنا الفُضَيْلُ بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها، فقال: اقرع الباب، فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير

المؤمنين، فقال: مالي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أما عليك طاعة! أليس قد روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس للمؤمن أن يُذل نفسه» فنزل ففتح الباب، ثم

ارتقى إلى الغرفة فأطفأ المصباح ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت.

فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كفَّ هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله عز وجل.

فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله، فقال: إن عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبدالله، ومحمد بن كعب

القرظي ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتُليت بهذا البلاء فأشيروا عليَّ، فعدَّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة.

فقال له سالم بن عبدالله: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله فصُم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت.

وقال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبًا وأوسطهم أخًا وأصغرهم عندك ولدًا فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك.

وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله عز وجل فأحبَّ للمسلمين ما تُحبّ لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مُت إذا شئت.

وإني أقول لك: إني أخاف عليك أشدّ الخوف يوم تزل فيه الأقدام، فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا؟

فبكى هارون بكاء شديدًا حتى غُشي عليه، فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابنْ أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفُق به أنا ثم أفاق، فقال له: زدْني رحمك الله.

فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبدالعزيز شكا إليه، فكتب إليه عمر: يا أخي، أذكّرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن يُنصرف بك من عند

الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء.

قال: فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبدالعزيز، فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية أبدًا حتى ألقى الله عز وجل.

قال: فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم قال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا

رسول الله، أمرني على إمارة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا فافعل».

فبكى هارون بكاء شديدًا، وقال له: زدني رحمك الله، فقال: يا حَسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار

فافعل، وإياك أن تصبح وتُمسي وفي قلبك غشٌ لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح لهم غاشًا لم يرحْ رائحة الجنة».

فبكى هارون، وقال له: عليك دَيْن؟ قال: نعم دَين لربي يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي، قال: إنما أعني ديْن العباد
.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمر ربي أن أوحّده وأطيع أمره، فقال عزّ وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ


الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ).

فقال له: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادتك، فقال: سبحان الله أنه أدُلُّكَ على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك.

ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما ضربا على الباب، قال هارون: أبا عباس إذا دَلَلْتَني على رجل فدُلّني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين.

فدخلت عليه امرأة من نسائه، فقال: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قومٍ كان لهم بعير يأكلون من كسْبه

فلما كبرِ نْحَروه فأكلُوا لحمه.

فلمَا سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا

نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: يا هذا قد أتعبت الشيخَ منذ الليلة فانصرف رحمك الله، فانصرف، تأمل يا أخي، هل يُوجَد في زَمَنِنِا مَن يَردُ حُطَامَ الدنيا إذا عُرضَ عليه

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بَلِّغْ يا أخي من يأكلون بالكتُب الدينية باسم تحقيق ونشرٍ، وقل لهم قال الله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ).



اعْلَمْ بأنَّ طَريْقَ الحَق مُنْفَردٌ
لا يَطلبُونَ ولا تُطلَبْ مَسَاعِيهُم
والناسُ في غَفْلةٍ عَمَّا له قَصَدُوْا
والسَّالِكُونَ طَرِيْقَ الحَق أفْرَادُ
فَهُمُ على مَهَل يمشوُنَ قُصَّادُ
فَجُلُهُم عن طريقِ الحَقِّ رُقَّادُ

والله أعلم، وصل الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
____________________
من كتاب [ إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية ]