المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نِعَمُ الله جل جلاله بين الشكور لها والكفور!



أهــل الحـديث
28-04-2013, 08:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله) ، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


نِعَمُ الله جل جلاله بين الشكور لها والكفور!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن نعم الله جل جلاله التي أكرم بها عباده قد تنوعت وتعددت، ولا يمكن لأي مخلوق مهما كان أن يحصيها،ولا يحصرها، قال تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم(18)والله يعلم ما تسرون وما تعلنون)[النحل :18-19]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"(وإن تعدوا نعمة الله):عددا مجردا عن الشكر(لا تحصوها):فضلا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات من جميع أصناف النعم،مما يعرف العباد،ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم،فأكثر من أن تحصى،(إن الله لغفور رحيم):يرضى منكم باليسير من الشكر،مع إنعامه الكثير،وكما أن رحمته واسعة،وجوده عميم،ومغفرته شاملة للعباد،فعلمه محيط بهم".تفسير السعدي(ص437)
أيها الأحبة الكرام لقد أخبرنا ربنا سبحانه المنان أن دوام هذه النعم وزيادتها يكون بالشكر والإيمان ،لا بجحودها والعصيان،قال تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[إبراهيم :7]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"(لئن شكرتم لأزيدنكم)أي:لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها(ولئن كفرتم) أي:كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها(إن عذابي لشديد):وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها".تفسير ابن كثير (2/524)
قال الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-:"وبهذه المناسبة إن على كل مسلم أفراداً وجماعات،أن يقابلوا نعم الله بالشكر،وأن يشكروها بالطاعة والعبادة للَّه،وأن يحذروا كفران النعم".أضواء البيان (9/112)
لكن شكرها لا يكون فقط باللسان! كما يظن بعض الجهال!، بل لابد أن يكون كذلك بالقلب والأركان، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"وكذلك حقيقته في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا وعلى قلبه: شهودا ومحبة وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة، والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور،وحبه له،واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها،وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها،فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة،وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور".مدارج السالكين (2/244)
أيها الأفاضل الكرام لقد توسعت علينا الدنيا الفانية في هذا الزمان مقارنة بمن سبقنا من الأهل و الأصحاب والإخوان ، فكثرت أسباب الراحة وزادت وسائل الاطمئنان، فانقسم الناس تجاه هذه النعم قسمان:
قسم شكروا عليها رب البريات، فاستعملوها في الطاعات واستعانوا بها على الخيرات .
وآخرون جحدوها واستغلوها في ارتكاب المعاصي والتجرؤ على المحرمات! فأغضبوا رب الأرض والسموات.
وهؤلاء تناسوا! أن عاقبة جحد النعم وخيمة وأخطارها جسيمة،وأنه متى بُدل الشكران بالكفران وانتهكت محارم المنان ، كان ذلك نذير شؤم وخسران على أهل العصيان،إذا لم يسارعوا بالتوبة والاستغفار من الرحمن،قال تعالى:(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)[ النحل :112]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وهذه القرية هي:مكة المشرفة،التي كانت آمنة مطمئنة،لا يهاج فيها أحد،وتحترمها الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد فيها قاتل أبيه وأخيه فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم والنعرة العربية، فحصل لها في مكة من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع ، كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر ،ولكن يسر الله لها الرزق،يأتيها من كل مكان،فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه،يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه،وكفروا بنعمة الله عليهم،فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه،وألبسهم (لباس الجوع) الذي هو ضد الرغد، (والخوف) الذي هو ضد الأمن،وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم،وعدم شكرهم".تفسير السعدي(ص 451)
إن الناظر من أهل التقوى في حال المسلمين اليوم في كثير من البلدان– إلا من رحم الرحمن- ليرى أن المحرمات من البدع و المنكرات أصبحت ظاهرة بينهم للعيان،وأن كثيرا منهم أصبح عندهم تساهل ومجاهرة بالعصيان! حتى صاروا من جنود الشيطان!يستعملهم في نشر الفساد ومضايقة أهل الصلاح والإيمان، والله المستعان.
إننا والله أيها الكرام لنخشى أن يكون ما نحن فيه من الأمان في الأوطان والسعة في الرزق والصحة في الأبدان بعد انتشار الفجور بيننا وكثرة العصيان ما هو إلا نوع من الاستدراج الذي حذر منه رسول العزيز العلام،حيث قال عليه الصلاة والسلام:"إذا رَأَيْتَ اللَّهَ يعطي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا على مَعَاصِيهِ ما يُحِبُّ فَإِنَّمَا هو اسْتِدْرَاجٌ".رواه الإمام أحمد في المسند (4/145)من حديث عقبة بن عامر-رضي الله عنه-,وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (413)
الاستدراج الذي انخدع به من كان قبلنا! فغرتهم الأماني وأعجبتهم أنفسهم ،فأخذهم رب العزة جل وعلا بذنوبهم ،فتركهم لنا عبرة وعظة!،قال سبحانه:(فلما نَسُوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أَبْوَابَ كل شيء حتى إذا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فإذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام :44]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"(فلما نسوا ما ذكروا به ) أي :أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء): أي :فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم عياذا بالله من مكره ولهذا قال: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا):أي : من الأموال والأولاد والأرزاق ( أخذناهم بغتة)أي:على غفلة ( فإذا هم مبلسون ) أي :آيسون من كل خير".تفسير ابن كثير (2/133)
أيها الأفاضل إن مما يجب علينا أن نعلمه أن نفع شكرنا لربنا جل وعلا على أي شيء أنعم به علينا هو راجع إلينا وحدنا، وذلك ليزيدنا سبحانه من فضله ويبارك لنا فيما رزقنا، لا له سبحانه وتعالى ، لأنه جل وعلا هو المتكرم علينا والغني عنا،قال تعالى:(ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد)[ لقمان :12]
قال الإمام الشوكاني –رحمه الله- :"(ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه): لأن نفع ذلك راجع إليه وفائدته حاصلة له، إذ به تستبقى النعمة وبسببه يستجلب المزيد لها من الله سبحانه، ( ومن كفر فإن الله غني حميد ): أي:من جعل كفر النعم مكان شكرها، فإن الله غنى عن شكره غير محتاج إليه، حميد مستحق للحمد من خلقه لإنعامه عليهم بنعمه التي لا يحاط بقدرها ولا يحصر عددها، وإن لم يحمده أحد من خلقه، فإن كل موجود ناطق بحمده بلسان الحال".فتح القدير (4/237)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين و الذاكرين له في كل وقت وحين، فهو سبحانه المتفضل على عباده أجمعين، وهو إله الأولين والآخرين وولي الصالحين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي