المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشّيخ محمّد حياة السِّنْدِي المدنيّ بين مذهبِ السُّنَّة وتَأْثِيرِ النَّشْأَة



أهــل الحـديث
28-04-2013, 02:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الشّيخ محمّد حياة السِّنْدِي المدنيّ بين مذهبِ السُّنَّة وتَأْثِيرِ النَّشْأَة
الشيخ الباحث سمير سمراد الجزائري



قد وقفتُ على سُطورٍ كتبها (بعضُهم)(!)، يُظهر فيها الشّماتةَ بأهل العقيدة السَّلفيَّة، ويُشْهِرُ الاِنتصارَ عليهم؛ بإذاعةِ كونِِ الشّيخ المحدِّث الشّهير (محمّد حياة بن إبراهيم السِّندي)(ت:1163هـ) مِن أنصار العقيدة الأشعريّة الماتُريديَّة ومُقرِّرِي التّوحيد على الطّريقة الكلاميَّة، كتب ذلك تحت عنوان: «الحافظ المحدِّث الأشعريّ محمّد حياة السِّنديّ»![وحجّتُهم رسالته: «شرح مقدِّمة في العقائد»، والمقدِّمة تأليفُ أحدِ مُعاصريه وهي: اختصارٌ لأمِّ البراهين للسَّنوسي]، وكتب(آخرون) أيضًا يقرِّرُون أنَّهُ من أَهْلِ الإِذعان للصُّوفيّة والمتكلِّمين بالحقائق العرفانية(؟)[وحُجّتهم رسالتاه: «شرح الحكم العطائية»، و«شرح الحكم الحداديَّة»، كتبهما بلسانٍ صوفيٍّ، وكذا رسالة أو فتوى يتأوَّلُ فيها لابن عربي الحاتمي كلامَهُ في وحدة الوُجود –واللهُ أعلمُ بصحَّةِ ذلك؟-].


والّذي حملهم على ذلك ما وجدوه مِن عنايةِ أهل الحديث والسَّلفيين بمؤلّفات الشّيخ محمّد حياة والاِهتمام بكتاباته، والَّتي لاَحَتْ لهم عن فضلِ صاحبها وإنصافِهِ وتجرُّدِهِ للحقّ ولو في مخالفةِ ما عليه الجماهير، وأكثرُ ما برز ذلك: في حَرْبِهِ للتّقليد والعَصَبيَّة المذهبيَّة، وانتصاره للعمل بالحديث ومُتابعة الدَّليل، وما احتوته رسالتُهُ اللَّطيفة: «تُحفة الأنام في العمل بحديث النَّبيِّ عليه السَّلام» شاهدٌ على ذلك.
ولم يكُن مُجَرَّدُ التقاء الشّيخ الإمام المجدِّد محمّد بن عبد الوهاب بالشّيخ محمّد حياة في مدينةِ الرّسول (صلى الله عليه وسلم) وأخذِهِ عنهُ، بالَّذي يُشْهِرُ بِهِ، وإنَّما الّذي أَشْهَرَهُ وأَشْهَرَ فَضْلَهُ عند الموحِّدِين وأهل الاِتّباع السَّلفيِّين ما تقدَّم ذِكْرُهُ أوّلاً، وزادَهُ فضلاً ثانيًا: بَصَرُهُ بالتّوحيد الخالص وإنكارُهُ أباطيل الشِّرك ومُنكراتِهِ الّتي صيَّرَتْهَا الجماهيرُ حقًّا ومعروفًا؛ فقد نقل المؤرِّخ النّجديّ عثمان ابن بشر في «عنوان المجد في تاريخ نجد»(1/36) عمَّن: «حكى أنَّ الشّيخ محمّد[ابن عبد الوهّاب] وقف يومًا عند الحُجرة النَّبويّة عند أُناسٍ يدعون ويستغيثون عند قبرِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وسلم) فرآه محمّد حياة فأتى إلى الشّيخ، وقال ما تقول؟ قال: إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»اهـ.
ولم يكن موقفُ الشّيخ محمّد حياة هذا موقفَ اليائس مِن رجوعِ النّاس إلى هداياتِ التّوحيد، لا يُحَرِّكُ ساكِنًا لإنكار المنكر الَّذي عَمَّ ضَرَرُهُ، وانتشر في الآفاق شَرَرُه، وإن كُنَّا لم نَسمع لهُ بمواقف صريحة في مُواجهة النّاس أو لم يُنقل إلينا إنكارُهُ المعلَنُ فيهم، كالَّذي طَارَ في الآفاق عن دعوة المجدِّدِ الإمام، إلاَّ أنّه قد كتب في الموضوع كتابةً –تَفِي (إن شاء الله) بشيءٍ مِن واجب البيان الَّذي أوجبه اللهُ تعالى على أهل العلم- وإن لم نَقِفْ على فُصُولِ مُحتواها فعُنوانُها مُنْبِئٌ عن معناها ودالٌّ على غايتها ومَرْمَاهَا، قال عبد الحيّ الحسني في «نزهة الخواطر» في ذكر تآليفه: «ورسالةٌ في إبطال الضَّرائح»، ولعلَّ موضوعها قريبٌ مِن الّذي كتبه الشّيخُ صنع الله بن صنع الله الحلبي الحنفي المكي في رسالته: «سيف الله على من كذب على أولياء الله».
أرجعُ إلى مُقَرِّرِي أشعريَّةِ وصُوفيَّةِ الشّيخ محمّد حياة، الّذين طَارُوا فرحًا بما وقفوا عليه، وأرادوا أن يَفْجَؤُوا به أهل التّوحيد والاِتّباع، ويُناصروا أهلَ الشِّرك والاِبتداع، فنشروا في النّاسِ بعضًا من رسائل الشّيخ تُثْبِتُ بزعمهم أنْ لا حَظَّ للسَّلفيِّين فيه، وأنَّ مذهب السُّنَّة هو مذهبُ الأشعريَّة الصُّوفيَّة كما قرَّرَهُ الشّيخُ (!) وجرى عليه في بعض رسائله[المُشارِ إليها]، ليَعُدُّوا ذلكَ انتصارًا لعقائد أهل السُّنّة والجماعة - يعنون بهم الأشعريّة الصُّوفيَّة- على عقائد المبتدِعة -يعنون بهم السَّلفيِّين ويقولون-لَمْزًا: الوهَّابيِّين-، ويجعلُونَهُ ظهورًا للحقِّ على الباطل؟
ألا خاب ظنُّهُم وحبطَ سعيُهُم، وهيهات هيهاتَ أن يَفْجَأَنَا ذلك، أو يغيظنا ما هنالك، فمذهبُ أهلِ السُّنّة والحديث والاِتّباعِ للسَّلَف قام على الحُجَج والبيِّنَات، وهُم إنّما يَعرفون الحقَّ بدلائله، كما قال عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه): «إِنَّ الحقَّ لا يُعْرَفُ بالرِّجال، اعْرِف الحقّ تَعْرِف أَهْلَهُ»، وإنَّما يُناظرون بالأدلّة لا بأقوال الرِّجال، قال ابن الجوزيّ: «التَّقليدُ للأكابر أَفْسَدَ العقائد، ولا يَنبغي أن يُنَاظَرَ بأسماء الرِّجال، إنّما يَنبغي أن يُتْبَعَ الدّليل؛ فإنّ أحمد بن حنبل أَخَذَ في الجَدِّ بقولِ زيد بنِ ثابت وخالف أبا بكر الصّدّيق (رضي الله عنهم)»اهـ[1].


نعم، نفرحُ بأن يكون للسُّنّة والعقيدة السَّلفيّة أنصارٌ في الأقطار والأمصار، وفي كلِّ قرنٍ مِن القرون وعصرٍ مِن الأعصار، ونَأْسَفُ أن تَزِلَّ بالنّاسِ الأقدام –ولا سيَّما أهلُ العلم منهم-وأن تخفى عليهم الحقائق ولا يُميّزوا الصّحيح مِن سَيِّء الأفهام، ونُحبّ أن تَكثر جنود الحقِّ، لنَسْتَكْثِرَ بهم على جنود الباطل، وأعظمُ ذلك أن يَرجع عالمٌ إلى الحقِّ بعد باطلٍ كانَ عليه، وينصرَ السُّنّةَ بعد بدعةٍ كان يُقرِّرُها ويُنافحُ عنها، وأن يخرجَ مُوَحِّدٌ مِن بيئة الشِّرك ومَنْبَتِ الضّلالة، ويظهرَ صاحبُ سُنَّةٍ في مجمع البدعة وقَاعِ الجهالة، فإذا لم يَتَأَتَّ هذا الّذي نرجوه، ونفرح له ونغتبِطُ بِهِ، وصار أَمْرُ السُّنَّةِ إلى غُربةٍ، وانحسر أنصارها في قِلَّةٍ، فلا يَضِيرُنَا ذلك، وقد قالَ ابنُ مسعود: «الجماعةُ ما وافقَ الحقَّ ولوْ كُنْتَ وَحْدَكَ».
خطُورَةُ الزَّمان الأخير:
إنَّ العصر الأخير الّذي مَرَّ بالأمة الإسلاميّة -أعني: عصر الدّولة العثمانيّة- شهد تراكماتٍ كثيرة أَثْقَلَت كاهلَ الأُمَّة وأَضْعَفَتْهَا وبَدَّدَتْ قُوَّتَهَا وفَرَّقَتْ جماعتها، وبدَّلَت دينها وثَلَمَتْهُ وصَدَّعَتْهُ، «وقد أَعْيَتْ الطَّبيبَ المُدَاوِيَا»، وفي مقدِّمة تلكم التّراكمات: بدعُ العقائد وأعظمها الشِّرك والخُرافة والتّعطيل، وبدعُ السُّلوك وأعظمها سلاسل الطُّرقيّة ورُسوم الصُّوفيَّة، نَشَأَ على هذه الحال أجيال وأجيال، وتوارثها أقوام عن أقوام، لا يعرفون دينًا غيرها، ولا يسلكون مسلكًا سواها، يُوالون مَن والاها، ويُعادون مَن عاداها، وقلَّما تجد في ذلك العصر من يَسْلَمُ لك مِن واحدةٍ مِن تلكم الآفات إن لم نقل لا يَسْلَمُ منها جميعِها، ولكن إذا شاء الله أَمْرًا هَيَّأَ له أسبابه، وأَحْيَا مَوَاتَه، وأنار للقلوبِ حقَّهُ وصوابَه.


لم ينفرد ابن عبد الوهّاب بمذهبِ التّوحيدِ والسُّنَّة:
لم يكن الحقُّ الّذي هدى اللهُ تعالى إليه المجدِّدَ الإمامَ شيئًا لم يعرفه غيرُهُ، أو لم يسبقهُ إليه مَن قبله، وإن كان للإمام فَضْلُ تشهيرِ الحَقِّ وتَثْبِيتِهِ والمناضلة عنه بالحجّة والبرهان والسَّيف والسِّنان، وقدَّمنا -قريبًا-شاهدَين على ذلك: (صنع الله المكي) و(حياة السِّندي المدني)، وهُما أقرب إليه-زمانًا- من غيرهما.
هذا في توحيد العبادة وإفراد المعبود، وأمّا في تخليص توحيد الأسماء والصِّفات مِن شوائب التّعطيل والتَّحريف -الّذي يُسمُّونه تأويلاً-، فالمجدِّدُ الإمامُ أَحْكَمَ هذا الباب وناضل عنه، وأقام حُجَجَ الحقِّ عليه، بما اكتسبهُ من القوّة والبرهان بالاِنكباب على كتبِ شيخي الإسلام ابن تيميّة وابن القيّم، فَلَكَمْ أَزَالاَ عن حائرٍ الشُّبهةَ، ولَكَمْ عَرَّفَا مِنْ تَائِهٍ طريق السُّنَّة وأوضحا له سبيلَ المحجَّة، وكم شُفِيَ على أيديهما مِن الشّكِّ مِنْ سقيم، وعُوفي مِن مريضٍ بالشبهة ومِنْ عليل، فللهِ دَرُّهما.

محمّد حياة السِّنديّ وتأثُّرُهُ بمشايخه:
لا ندري بأيِّ شيءٍ كان تأثُّرُ الشّيخ محمّد حياة فيما ذهب إليه من تجريد التّوحيد للمعبود، وإنكار عبادة الضَّرائح وقبور الأنبياء والصُّلحاء؟؛ وهو الحقُّ الّذي اهتزَّت له الجزيرة العربيّة في منتصف القرن الثّاني عشر للهجرة بدعوة المجدِّدِ الإمامِ. فهل تلقَّى ذلكَ عن أحدٍ من مشايخه؟ أمْ كانَ تأثُّرُهُ في ذلك تأثُّرًا مباشرًا؛ بنصوص الوحي، وآيات وأحاديث توحيد العبادة، ولا يَصِلُ الرجلُ إلى هذه المرتبة إلاَّ إذا استقلَّ في تفكيرِه، ونبذَ التّقليدَ، ونَفَرَ مِن أن يُقلِّدَ دينَهُ الرِّجال.
والّذي يبدُو:
1 ـ أنَّهُ تأثَّر بِـ: الشّاه وليّ الدّين أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلويّ (1114هـ-1176هـ)، وبتلاميذه وأولاده ومدرستِهِ.


مَنْ هُوَ الشاه وليّ الدين أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلويّ؟:
هو أبرز شيوخ ّ(محمد حياة) وأشهرهم[2]: صاحبُ كتاب «حجّة الله البالغة» وغيرها من المؤلّفات، وهو في زمانه: إمام الحنفيَّة، وقد كان على نهج أهل الحديث، قامعًا للتَّعصّب محاربًا للتّقليد، وله في ذلك رسالة: «عقد الجيد في أحكام الاِجتهاد والتّقليد»، قال عنه صدّيق خان وعن أولاده: «وقد نفع الله بهم وبعلومهم كثيرًا من عباده المؤمنين، ونفى بسعيهم المشكور من فتن الإشراك والبدع ومحدثات الأمور في الدين ما ليس بخافٍ على أحدٍ من العالمين، فهؤلاء الكرام قد رجحوا السنة على غيرها...»اهـ[3]، وإذا أَرَدتَ الوقوف على جهوده في ذلك، انظر الدّراسة القيِّمة الّتي أعدَّها العلاَّمة الشّمس الأفغاني (رحمه الله) عن «جهود علماء الحنفيَّة في إبطال عقائد القبوريَّة»، وقد كان يُثني على شيخ الإسلام ابن تيميَّة، ويعترفُ بإمامتِهِ وبلائه في الذَّبِّ عن عقيدة أهل السنَّة والحديث؛ كما في رسائله: «التّفهيمات الإلهيَّة»[4].
أقام الدّهلويُّ عامين كاملين بالحرمين (من1143هـ إلى1145هـ)[5]، وأثناء هذه الإقامة اطَّلَعَ على مؤلفات الشيخين ابن تيمية وابن القيِّم، وأدرك نصرتهما لعقيدة السَّلف والسُّنَّة وجهادهما في الذَّبِّ عنها[6].
والدّهلويُّ وإن كان أخذ في التَّصوُّف وأثنى على كلام أربابه في الحقائق الوجدانيَّة-كما سمَّاها هُوَ؟ قيَّد ذلك بما لم يُصادِمْ نَصَّ كتاب أو سنة أو إجماع[7]، وإعمالاً منهُ للقاعدة السَّلفيَّة: لا نعتقد إلاَّ ما ثَبَتَ بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، أَنْكَرَ دعاوى القُطبانية والغوثانيَّة وخرافة الخضر، وعدَّها من العقائد الباطلة، وأبطل كذلك الكشف الذي يعتمدُه الصوفيَّة ويجعلونه دليلاً شرعيًّا[8].


مؤاخذاتٌ على تصوُّف الدّهلوي:
مِن مؤلّفات الدّهلويّ: «القول الجميل في بيان سواء السّبيل»، أجاز فيه البيعة لمشايخ الصُّوفيَّة[9]، ولهُ كتاب: «الاِنتباه في سلاسل الأولياء»، وفيه مدحُهُ لأحمد السّرهنديّ الّذي لقَّبهُ بالشّيخ المُجدِّد، والّذي عنهُ انتشرت النّقشبنديّة في بلاد العجم والعرب[10]. وقد أشار صاحبُ كتاب: «الطّريقة النقشبنديَّة بين ماضيها وحاضرها» إلى التَّسامح الّذي كان من بعض السَّلفيِّين وأهل الحديث مع شيوخ التَّصوُّف أو قُلْ: حُسْن الظنِّ بهم، ولم ينج هؤلاء من تلكم التّأثيرات لِمَا كان سائدًا في زمانهم مِن تعظيم أولئك الشُّيوخ واعتقاد الولاية فيهم.
وقد أشار أيضًا إلى تحريفات أهل البدع وتشويهاتهم لكُتُب الدّهلوي، مِن حذف كلامه الّذي يُبطلُ كثيرًا مِن أوضاع أهل الطُّرُق، أو دسِّ كلامٍ ليس لهُ في إقرار تلك الأوضاع المبتدَعَة[11] .


جُهُودُ الدّهلويّ في إبطال بدع الطُّرُق:
ـ كان الدَّهلويُّ موفَّقًا إلى حدٍّ كبير في إبطال كثير من البدع الطُّرقيَّة، وهو الذي ارتبطَ بها من صغرِهِ؛ فقد نقل صديق خان في «التّاج المكلَّل»(ص:521-522) -وقد سُئل[12]عن رابطة الطّريقة النّقشبنديَّة- كلامًا للدَّهلويّ في إنكارِها، قال: «أمّا مسألة الرابطة، فلا يخفى على شريف علمكم أنّها من البدع المنكَرة. وقد صرَّح بالنهي عنها الشيخ أحمد وليّ الله المحدّث الدهلويّ إمام هذه الطبقة وزعيمها، ومسند وقته ومجدِّدِ عصره وفرد الملّة المحمدية وحكيمها في كتابه «القول الجميل في بيان سواء السَّبيل»، وهذه عبارته:...»فذَكَرَهُ[13].
ويظهرُ ممَّا تقدَّمَ أنَّ الدهلويَّ أنكر بعضًا من أوضاع الطرق وأقرَّ بعضًا آخرَ منها واستحسنَهُ، ومع تحرُّرِهِ واحتكامه إلى السُّنَّة والكتاب، وحربه للمتصوِّفة الضالين المضلِّين، ظلَّ مُشيدًا بالطُّرُق ورجالِها، مدافعًا عن التَّصوُّف وأهله-فيما يراه حقًّا!-، مُستمسكًا بطريقته المُجَدِّديَّة النّقشبنديَّة - فيما يبدُو!-(مُتَأوِّلاً) لها، ولناشرها ببلاد الهند: أحمد السّرهنديّ[14]، وعلى كلِّ حالٍ فقد أبطل كثيرًا من البدع وفنَّد كثيرًا من الدَّعاوى، وكان مقرِّرًا للتوحيد الخالص محاربًا للشرك ودعاء غير الله، مناصرًا لابن تيميَّة، مناصرًا للعقيدة السَّلفيَّة في أبواب الصِّفات، عفا الله عنَّا وعنهُ.

أرجعُ فأقولُ:
قد يكون الشّيخ (محمّد حياة) أخذ عن الدّهلويّ وهو ببلاد السِّند والهند، كما أخذَ عن تلميذِ المذكور:
2ـ محمّد معين بن محمد أمين التّتويّ السّنديّ (ت:1161هـ)[15]، وهذا الأخير هو الّذي كتب إلى شيخه الدّهلويّ يستفسرُ منه عمَّا يُقال عن شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ ويُعترضُ به عليه، فألَّف لهُ رسالةً في الذَّبِّ عن ابن تيميَّةَ[16].

وبعد هجرة (محمّد حياة) إلى الحجاز: تتلمذ على الشّيخ:
3 ـ الشّيخ أبي الحسن السِّندي؛ محمّد بن عبد الهادي، صاحبُ الحواشي على الكتب السِّتَّة، وهو وإن قيل فيه: «المحدِّث الحافظ»، إلاَّ أنَّه كان على طريقة أهل زمانه في الاِنخراط في إحدى الطُّرُق الصّوفيَّة؛ قال المؤرِّخ الجَبَرْتِي في «تاريخه» في ترجمة (أحدهم): «لقَّنه الشيخ أبو الحسن السِّندي طريق السَّادة النّقشبنديَّة»اهـ.
وإذا كان الشّيخ محمّد حياة قد لازم أبا الحسن المذكور فلا يبعُدُ أنّه كان على طريقته، وقد
قال الجبرتي في «تاريخه» في ترجمة عبد الرّحمن السّقّاف باعلوي (ت:1124هـ) نزيل المدينة، وكان تلقّى الطّريقة النّقشبنديَّة بالهند: «وممّن أخذ عليه بها - أي: بالمدينة- الطّريقة الشّيخ محمّد حياة السِّنديّ بإشارة بعض الصّالحين»اهـ.

ـ ومِن أبرز الشُّيوخ الّذين تلقّى عنهم (محمّد حياة) العلم وأجازوهُ خاصَّةً:
4 ـ الشّيخ عبد الله بن سالم البصريّ المكّي الشافعيّ (ت:1134هـ)، وهو على جلالته وانتهاء رئاسة العلم إليه في البلد الأمين[17]، وكونُهُ محدِّثًا عارفًا بالآثار، خادمًا للسُّنَّة، كما يشهد بذلك شرحُهُ على البخاري المسمّى: «ضياء السّالك»، وشرحه الآخر على التّرمذيّ، إلاَّ أنَّهُ كان أشعريًّا- كما صرَّح بذلك عن نفسِهِ- في مقدمة كتابه «الإمداد بمعرفة علوّ الإسناد»، وفيه أهمّ شيوخه وأسانيده إلى الكتب، ومنها كتب (التَّصوُّف)[18]، وقد سلكه -أي: التَّصوُّف- من جماعةٍ من أربابِهِ[19]

5 ـ الشّيخ حسن بن علي العجيمي المكّي الحنفي(ت:1113هـ)، وهو وإن قيل فيه: «محدِّث الحجاز»[20]، وقيل: إنَّهُ كان من علماء الحديث و يتّبع السُّنّة ولو خالفت مذهبه، ويعملُ بالدليل ولا يرى التّقليد[21] ، إلاَّ أنَّهُ لم يختلف عن أهل زمانه، فكان طُرُقيًّا مُتَصَوِّفًا، وهو صاحب الرّسالة التي استوعب فيها جميع الطُّرُق الصُّوفيَّة وكيفيّة اتّصاله بها ولقائه أهلها[22].

6 ـ الشّيخ أبو طاهر محمّد بن إبراهيم الكردي المدنيّ (ت:1145هـ)، وهو أيضًا من شيوخ الدّهلويّ، أخذ الحديث عن حسن العجيمي (المتقدّم الذّكر)، وكان مُتصوِّفًا؛ لبس الخِرقة الصّوفيّة مِن أبيه[23].

وختامُ الكلام عن تأثُّر الشّيخ (محمّد حياة) بأشياخه وبالسَّائدِ في زمانه، أن نقولَ:
«بالنِّسبةِ لعقيدته لم يتخلَّص -(محمّد حياة)- مِن تأثير الجوّ العلميّ السَّائد في عصره، وما تَلَقَّاه مِن شيوخه، وما كان مُنتشِرًا آنذاك وهو العقيدة الأشعريَّة [الماتريديَّة، والتَّربيةُ الصُّوفيَّة والنِّسبُ الطُّرقيَّة] وقد قيل: «النَّاسُ أَشْبَهُ بزمانهم مِنْهُ بآبائهم»...»[24].

مذهبُ الشّيخ (محمّد حياة) في الاِعتقاد:
أمَّا موقف الشّيخ (محمّد حياة) مِن توحيد السَّلَف في الأسماء والصِّفات وتقرير عقائد الإيمان فلا يتجلَّى بوضوح ولا يظهرُ ببيان، إلاَّ بالوقوف على كتاباته في هذا الموضوع.
ولا أدري كيفَ قال (الدّكتور مشعل المطيري) في تحقيق إحدى رسائل الشّيخ تحت عنوان: «عقيدته»: «كان الشّيخ محمَّد حياة-رحمه الله- على منهج السَّلَف الصّالح في ردِّ البدع والمحدثات وأعمال أهل الشِّرك، حَسَنَ المعتقد، داعٍ للرُّجوع إلى الوحيين الشّريفين»اهـ؟[25]
ومعلومٌ أنّ مواقفَ الرّجل في إنكار القُبوريَّة وإبطال الضّرائحيَّة لا يستلزمُ منها أن يكون في عقائد الإيمان على مذهب السَّلف إلاَّ ببيانٍ صريحٍ ومقالٍ في ذلك فصيح، وشواهدُ ذلك مبثوثة في الدراسة القيِّمة التي كتبها العلاَّمة الشّمس الأفغاني (رحمه الله) بعنوان: «جهود علماء الحنفيَّة»، فقد نبَّهَ مرارًا على أنّ كثيرًا ممن يَنْقلُ عنهم إنكارَ القُبوريّة، هُم أشاعرة ماتُريديَّة، وأصحاب سلاسل طُرقيَّة؛ نَقشبنديَّة وغيرها، لا تُرضى عقائدهم في بقيَّة مسائل الإيمان وأصول الدِّين والسلوك.
كان الشّيخ محمّد حياة حنفيًّا، وتلقّى على شيوخ الأحناف، والغالب على هؤلاء في ذلك العصر وقبله بأزمان خَلْطُ مسائل الإيمان بعقائد التَّجهُّم والإرجاء والاعتزال، وسلوك مسالك المتكلِّمين كغيرهم من أتباع المذاهب الأخرى، ولم يسلم إلاَّ جماعةٌ مِن الحنابلة تمسَّكوا بما كان عليه الإمام أحمد وأصحابه مِن المتقدِّمين من لزوم طريقة السَّلَف ومُنافرة طرائق الكلام سواءٌ أصول المعتزلة الجهميّة أو الأشعريَّة الكلاَّبيَّة أو الماتريديَّة، حتَّى صار مَن يتمذهبُ بمذهب السَّلَفِ ويُجانبُ الكلامَ يُنْسَبُ حنبليًّا؟ ولم يَنْجُ مِنَ الأحناف مِنْ مسالك الجهميَّة وتوابعها من الأشعرية والماتريديَّة، إلاَّ من نهلَ من كتاباتِ شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم وغيرهما من السلفيِّين، وكتاباتِ أئمَّة السَّلف من المتقدِّمين.

وإذْ كان الشّيخ محمّد حياة حنفيًّا، فلا مناصَ مِن أن تترك تلك البيئة الّتي عاش فيها أَثَرَهَا فيه وفي منهج اعتقاده، وأن يُساير في ذلك طرائق أشياخه وطريقةَ التّعليم التي أُخذَ بها في أوَّلِ أمره، ويصعب جدًّا التّخلُّص من ذلكَ والاِنتقالُ إلى مذهب السَّلَف والطّريقة السَّلفيَّة، لاعتباراتٍ عدَّة،
منها:
ـ مُجَارَاةُ أهلِ الزّمان في طرائق تعليمهم وأساليب تقريراتهم.
ـ ما يرسخ في عقله مِن تلكم المناهج والطّرائق ويرى فيها حقًّا أو لا يفهمُ منها خلافًا للصّواب واعتقادِ السُّنّة والكتاب.
ـ حسن الظّنّ بأولئك الأشياخ والمؤلِّفين منهم في العقائد، أنّهم ينصرون الحقّ ويُنافحون عن السُّنَّة ومذهب السَّلف.
ـ شبهاتٌ ومَثَارَاتٌ عَلِقَتْ بالأذهان لا تَدَعُ صاحبها حتّى تحرفه عن مذهب السَّلف إلى مذهب الخَلَف.
ـ تهيُّب الإقدام على مخالفة تقارير العلماء والأئمّة-الّذين تأثَّروا بالمذاهب الكلاميَّة في زمانه وقبل زمانه- لعقائد الإيمان، فقد صار الإتيان بخلاف ما أتوا به سبيلاً للطّعن بعقيدة صاحبه والتّشنيع عليه ورميه بالبدعة والتّجسيم أو الاِعتزال أو الرّفض.

علماءُ فُضلاَء اهتدَوْا إلى مذهب السَّلَف – على نِسَبٍ متفاوِتة-:
لم يكن الشّيخ محمّد حياة بِدْعًا من أهل العلم في الاِنصباغ بصبغةِ بيئتِهِ والتّأثّر بعوامل نشأته:
ـ فهذا الشّيخ صنع الله (ت:1120هـ) في كتابه «سيف الله على من كذب على أولياء الله»، الّذي أَبْطَلَ به كثيرًا مِن بدعِ وعقائد المقابريّة -وقد استحسنَ بعض بدع المقابريّة كالتّبرّك بالدّعاء عند قبور الصّالحين، وإن كان أبطل دعاءهم والاِستمداد منهم واعتبره شركًا. انظر: (ص:41و48)، بدرتْ منهُ زلاَّتٍ في مسائل الإيمان، فتراه يؤوِّل صفة اليد، وينحو مَنْحَى الأشعريّة والماتريديَّة، يحسبُ ذلك مذهب أئمّة السَّلَف الأعلام، يقول: «فكلّ شيءٍ ورد عليكَ مما فيه اشتباهٌ، فرُدَّهُ إلى المحكم بتأويلٍ صحيحٍ غيرِ مضادٍّ للحقِّ الصريح؟ كقوله جل ذكره: ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ أي: قدرته فوق قدرتهم؛ إذِ المراد من اليد القدرةُ؛ لأنه تعالى لا يشبه شيئًا، ولا يشبهُهُ شيءٌ. وهذا طريقُ الأئمّةِ..»(ص:23-24)، وعن أوّل واجبٍ على المكلَّف نرى تأثُّرًا واضحًا بالمذاهب الكلاميّة، فيقول: «هذا، وإنّه أجمع أهل الحقِّ على أنّ النّظرَ في معرفة الله تعالى أوّلُ فرضٍ على المكلّف: عقلاً وشرعًا»(ص:71-72)، وفي تعريف الإيمان كذلك، يقول: «إنّه تصديقٌ وإقرار»(ص:73)، وأنّ «العمل شرط لكماله لا شَطْرٌ منه»(ص:87).
والظّاهر أنّه أُتِي مِن قلّة معرفته وخبرتِه بمذهب السَّلَف، كما قرَّر ذلك ابن تيميَّة عن غيره، بل ومن قلّة معرفته وخبرته بمذهب أئمّة المذاهب المتَّبعة، ومنهم إمامُهُ الّذي ينتسبُ إليه.
ومِن عبارات (صنع الله الحنفي): «إنّ أرباب المذاهب الأربعة هُم أهل الاِتّباع بلا نزاع، ودينهم هو القويم، واعتقادهم هو السّليم، وطريقهم هو المستقيم، وهم على ما كان عليه النّبيُّ المختار، وأصحابه الأخيار، ومن بعدهم من التّابعين والسَّلَف الصّالحين»(ص:19-20)، وقد ألحق بأئمّة السَّلَف وأهل الاِتّباع لهم: علماء الكلام!(ص:81)، كما يظهر أنّه تأثَّرَ بما درسه من كتب الكلام (ص:78)، وهو وإن كان نقل عن ابن تيميَّة في موضعين من رسالته، في موضوع كشف الغيب، وكرامات الأولياء وما يُحْسَبُ كرامةً للأدعياء؛ مرَّةً باسمه الصريح (ص: 65)، ومرَّةً بقوله: «قال تقيّ الدّين الحرَّاني»(ص:63)، فيظهرُ أنه لم يتأتَّ له دراسة كتب ابن تيميَّة، ولو كان ذلكَ لتبيَّن له مذهبُ السَّلَف وطريقُ أئمّة المذاهب على حقيقته وعرف بُعْدَ مذاهبِ المتكلّمين عنهُ.
ورسالةُ السِّنديّ: «شرح مقدّمة في العقائد»، أَشْبَهُ ما تكونُ بما كتبه (صنع الله) في آخر رسالته «سيف الله...»(ص:92-95)، وقد قال الشّيخ ابن فوزان في تقديمه للطّبعة المحقّقة من الرّسالة الأخيرة، بعد أن أشاد بموضوعها وثناء أئمّة الدّعوة عليها واستشهادهم بعباراتها، قالَ عن عمل المحقِّق: «واستدرك على المؤلِّف بعض الأخطاء التي وقع فيها- وهي قليلةٌ بحمد لله- لا تقلِّلُ من قيمة الكتاب»اهـ(ص:6).
ـ وهذا الشّيخ صدّيق حسن خان القنَّوْجِي البخاري(1248هـ-1307هـ)، كان على مذهب الأشعريَّة، كما يشهد بذلك تفسيره «فتح البيان»، وقد سخَّر الله له بعض أعلام نجد من تلاميذ الإمام المجدِّد وأنصار دعوته السّلفيَّة، فبذل له النُّصح -بعد أن أشاد بفضله وبعدم تعمُّدِهِ مخالفة مذهب السَّلَف وإحسانه الظّنَّ بمذهب المتكلّمين- وأعظمُ ذلك أن وجَّهَهُ إلى قراءة كتب ابن تيميَّة ككتاب العقل والنّقل، وكتب ابن القيِّم كالنُّونيَّة، وعدم الاِعتماد على أقوال المتكلِّمين[26]، وقد قَبِلَ (صديق خان) النّصيحة وانكبَّ على كتب الشّيخين وغيرها من كُتُب السَّلَف، وصار مِن أنصار العقيدة السَّلفيَّة، ومن المنافرين للطَّرائق الكلاميَّة والمنفِّرِين عنها.
وهُنا أشيرُ إلى أنَّ أعظم أسباب هدايته –بعد توفيق الله تعالى- هو تحرُّرُه من التّقليد واستقلالُهُ وأخذُهُ بالحقِّ متى تَبَيَّنَ لهُ.
ـ وهذا الشّيخ سلطان المعصومي الخجندي (1297هـ- 1380هـ) الّذي كان يُعَرِّفُ بنفسه في كتبه الأولى بقوله (سنة1326هـ): «الحنفيُّ مذهبًا، الماتُريديُّ معتقدًا، النّقشبنديُّ المجدِّديُّ مَشْرَبًا»اهـ[27]، قد نبذ التّقليد والعَصَبيَّة المذهبيَّة أوّلاً، وخاض حروبًا مع المقلِّدين، وكان من ثمار هذا التّحوُّل أنه وهو على مذهبه القديم الّذي عبَّر عنه بالكلمات الّتي ذكرناها، كان يُنكر إسراج القبور وضرائح الأولياء في المواسم(ص:73) وتجصيصها والبناء عليها(ص:75)، وينكر أذكار المتصوِّفة الغنائيَّة (ص:74)، ويُنكر دعوى تصرّف الأولياء في الكون، ويُبطل النّذور إليهم(ص:76-77)، -كالّذي تقدّم عن صنع الله الحنفي-، وأنكر -وهو ببلاد الشّام(سنة1322هـ أو1324هـ) - على شُيوخ المولويّة الرَّقَصة، وأنكر على الرِّفاعيَّة البَطَائِحِيَّة[28]
والشّيخ محمّد سلطان كان قد سافر إلى الحجاز في عهد الأتراك العُثمانيِّين (سنة1322هـ) أو(1324هـ) للمرّة الأولى وأقام بها عدَّة أشهر، وأخذ عن علمائها العلوم، كما أخذ عن بعضهم الطّريقة النّقشبنديَّة والقادريَّة[29]، وفي سفارته إلى مصر والشّام لقي بعض الأعلام ومنهم الشّيخ رشيد رضا، واشترك في مجلّة «المنار»، واشترى جميع أعدادها، وما طُبع من مؤلّفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيّم، وقد بلغ مقدار ما اشتراه من الكتب ألف كتاب سوى الرّسائل والمجلاّت، ثمّ قفل راجعًا إلى موطنه[30]، حيثُ أسَّسَ هناك مدرسةً، وانهمك في مطالعة كتب الشّيخين وابن عبد البرّ رحمهم الله، فظهر له الحقُّ[31]، وصفَّى عقله مِن كثيرٍ من العُلوم الضّارَّة كعلم الكلام والمنطق والفلسفة، الّتي درس كتبها وأوغل فيها في أوّل الطّلب[32]، وجعل يَزِنُ الأمور والمسائل بميزان الكتاب والسُّنّة، ويتطلَّبُ مذهبَ السَّلَف في ذلك كلِّهِ، و قد تمَّت هدايته (رحمه الله)، وثَارَ على «الطَّرائق المتنوّعة مِن الصُّوفيّة الخرافيّة: كالنّقشبنديَّة والقادريَّة والسّهرورديَّة والشّاذليَّة والتِّيجانيَّة وغيرهم»[33].
وصار المعصوميُّ يكتبُ عن نفسِه؛ فيقول –كما في آخر رسالته: «حكم الله الواحد الصّمد...» (ص:73)-: «حرّره الفقير إلى ألطاف مولاه القدير: أبو عبد الكريم محمّد سلطان المعصوميّ الخجنديّ الحنفيّ السَّلفيّ....سنة1353هـ...»اهـ.
وقد نبَّهَ المعصومي إلى أمرٍ مهمٍّ، وهو يُقيم الحجج على (المقلِّدين المتأخّرين)، فيما يتعلّق بمسائل الصّفات الإلهيَّة، وهو أنّ بعض المتأخّرين يخترع مسائل، ويبتدع مذاهب، وينسبها إلى الإمام، «فيظنّ مَن يأتي بعده أنّها قول الإمام أو مُدّعيه، والحال أنّه مخالفٌ لما قاله الإمام وقرَّره، وهو بريءٌ ممّا نُسب إليه»، ثمّ مثَّلَ بأمثلة، منها: «أنَّ المراد من يد الله قدرته، أو أنّه تعالى في كلّ مكان بذاته، وليس على العرش استوى. وبهذا وأمثاله قد انشقّت عصا المسلمين، وتفرَّقت جماعتهم وجمعيّتهم»، وذَكَرَ ما آل إليه الأمرُ مِن تكفيرِ وتضليلِ وتبديعِ بعضِهِم بعضًا[34].
والمقصودُ أنَّ مِن أسباب جهل كثيرٍ من المتأخّرين بمذهب السَّلَف وبمذهب أئمّتِهِم أربابِ المذاهب المتَّبَعة، هو جريانُهُم على التّقليد في نِسبةِ مذاهب المتكلِّمين وعباراتهم إلى أولئك الأئمّة! ولو عرفوا حقيقةً مذهبَ أئمّتهم في أصول الدِّين وتقريرِ العقائد، ومُباينَتَهُ لمسالكِ أرباب الكلام، لكانوا يتمسَّكُون به وينفرون مما خالفه.
وقد أَبَانَ هذا بوضوحٍ: أنَّ الفسادَ الّذي أصاب أهل ذلك الزّمان في عقائدهم وفي عباداتهم، إنَّما سبَّبَهُ التَّقليدُ ومُسايرَةُ المألوف والمعهود والمُتَوَارَثُ من غير تمحيص ولا تمييز.

ـ وهذا الشّيخ محمّد المكّي بن عزُّوز التّونسيّ -الجزائريّ الأصل- (1270هـ-1334هـ)، كان لا يعرفُ التّوحيد ولا السُّنَّة، ويُجيزُ الاِستغاثةَ بالأموات، ويطعنُ بالوهَّابِيِّين؟ ثمّ صار من أنصار السَّلفيِّين، وفي دمشق كان يسأل عن مؤلّفات الشّيخين ابن تيميّة وابن القيِّم، فمنهما عرف حقيقة مذهب السَّلَف وازداد بصيرةً بالحقِّ الّذي حُجِبَ عَنْهُ زمانًا بما أُحيط به من الصَّدِّ وما كان يرى من التَّهْوِيلِ على من يَقرأ كتب صدّيق خان وغيرِهِ، وهو الّذي يقولُ:«أمَّا تصانيف ابن تيميّة وابن القيّم فَوَاللهِ ما نظرتُ فيها سطرًا لنُفْرَةِ قلوبنا منها ومن جهل شيئًا عاداه»، ويقولُ: «فلمّا ارتحلت إلى المشرق سنة1316هـ واطّلعتُ على كتب أهل هذا الشّأن باستغراق الوقت لا وَاشِي ولا رقيب وأمعنت النَّظَرَ بدون تعصُّبٍ فتح الله على القلب بقبول الحقيقة وعرفت سوء الغشاوة الّتي كانت على بصري وتدرَّجْتُ في هذا الأمر حتّى صارت كتب الشّوكانيّ وصدّيق خان وشروح «بلوغ المرام» وما والاها أراها مِن أعزِّ ما يُطالَع. أمَّا كتب الشّيخين ابن تيميّة وابن القيّم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم»، وبعد أن ذكر منهج السَّلَف في أخذ العلم العملي، قال: «وأمّا [العلم] الاِعتقاديّ فهو معذورٌ في الاِبتداء في كتب المتكلِّمين[35]ثمّ يترقَّى بطريقة السَّلَف ولا تُؤخذ حقيقتهما إلاَّ مِن كتب شيخ الإسلام ابن تيميّة وصاحبه ...الشّمس ابن القيّم فيعتقد ما هناك بأدلّةٍ متينة وإيمانٍ راسخ فيُصبح من الفرقة النّاجية الّتي عرفها النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بأنّهم على ما كان عليه المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه»اهـ[36]
وكتب سنة (1330هـ) وهو يذكُرُ ردَّهُ على بعض العلماء في كلامٍ من مسائل الأُصول: «...فَأَبْطَلْتُهُ بالنَّقل عن إمَامَيْ الفَنِّ شيخ الإسلام ابن تيميّة وابن القيّم تصريحاً لأنّهماالمرجعُ في تجريد التّوحيد وبيان ما هو شرك وما ليس بشرك»[37].
وقد بقيت عنده علائقُ ورواسبُ مِن التَّصوُّف والإشادة بأربابه وببعض أهل الطُّرق، استمرَّت معهُ ولم يتخلَّص منها-ليس هنا مجال الوقوف عندها-.

ـ وهذا الشّيخ محمّد رشيد رضا (1291هـ- 1354هـ) الّذي كان صُوفيًّا طُرُقيًّا (شاذليًّا فَـ(نَقْشَبَنْدِيًّا)، ثمَّ ترك أوراد الشّاذليَّة والنّقشبنديَّة، وصار يُنكر أعمال الطُّرقيِّين، وقد أنكر على أهل الطّريقة المولوية رقصَهم وصياحَهم، وقال لشيخه: (حُسين الجسر) لما كلَّمه في ما يأتيه القومُ من أعمالٍ مخالفةٍ للشّرع: «اقنعني بما تقول بالدّليل ليصير عقيدةً لي أرجع إلى قولك»[38]، وهكذا تخلَّصَ شيئًا فشيئًا مِن التّأويلات الأشعريَّة والصُّوفيَّة وغيرها من البدع، إلى أن تحقَّقَ بمذهبالسَّلَف وصار أكبرَ مَن ينافح عنه ويَنشرُ في الناس كُتُبَهُ، ومَنْ مثلُ رشيد في التَّقصِّي وسعة الاِطّلاع؟ ثمّ مع هذا يقولُ: «...وأمَّا تأويلات المتكلِّمِين المخالفة للسَّلَف فلا يَسْلَمُ منها أحدٌ اعتمد في طلبه لعلوم الدِّين على كتب العقائد الرّائجة في مصر وأكثر الأمصار وكذا أكثر كتب التّفسير وشروح الأحاديث الّتي ألّفت بعد خير القرون...على أنّ تأويلاتهم للنُّصوص قلَّما يَدْحَضُهَا إلاَّ كتب المحقِّقين الّذين جمعوا بين المعقول والمنقول، وكان أقواهم حجَّةً شيخَا الإسلام ابن تيميَّة وابن القيِّم فأنا أشهدُ على نفسي أننّي لم يطمئنَّ قلبي لمذهب السَّلَف إلاَّ بقراءة كتبهما...»اهـ.[39]

ـ والشّيخ جمال الدّين القاسميّ الدّمشقيّ (1283هـ-1332هـ)، وقد نشأ نشأةً صُوفيّةً أشعريَّةً خالصةً، درج في ذلك على طريقةِ كثيرٍ مِن شيوخ عصره، يَسير بسيرهم، ويأخذ بمنهجهم، وقد كتب سنة (1306هـ) مُعرِّفًا بنفسه في أحد تآليفه: «...محمّد جمال الدّين أبي الفرج القاسميّ الأشعريّ الدّمشقيّ النّقشبنديّ الخالديّ الشّافعيّ»اهـ[40]، وقد ثار أوّلاً على التّقليد وحارب العَصَبيَّة المذهبيّة وأخذ بالاِجتهاد (بمعنى: النّظر والاِستدلال والأخذ بالأقوى دليلاً)، وخاض حروبًا مع المقلِّدِين الجامدين، وأخذ يُطالع كتب الشّيخين ابن تيميّة وابن القيّم ويَنهل مِن علومهما، وينشر كتبهما، مُدافعةً ومُغالبةً لمن كان يسمِّيهم: «الجهميِّين» و«القبوريِّين»[41]. ومع ذلك كان فيه تسامحٌ وحسن ظنٍّ بأربابِ التّصوّف وإشاراتهم وأهلِ الطُّرُق في تنظيماتهم وترتيباتهم -ليس هنا مجال الوقوف عندها-.

كلمةٌ مُنْصِفَةٌ عن عُلَماء الأَحْنَاف:
قال أحد الدّكاترة المختصّين في العقيدة: «أبو حنيفة - رحمة الله - كان على السُّنَّة في الجملة، وما خالف فيه أهل السُّنّة في مسألة الإيمان وميله للإرجاء زَلَّةٌ معروفةٌ ومردودةٌ عند السَّلَف، لكنّه لما اشتهر عنه الإمامة في الدِّين عُرِفَ لَهُ قَدْرُهُ ... وكذلك أصحاب أبي حنيفة - الأوائل منهم - كانوا على السُّنَّة ، كأبي يوسف ومحمّد بن الحسن وزفر وإبراهيم بن طهمان وحفصُ بن غياث القاضي .
ومِن الحنفيّة الّذين على مذهب أهل السّنّة والجماعة في الجملة:...[وذكر أسماءَهُمْ، ومنهم: صدّيق خان والمعصومي]وبعض هؤلاء الأحناف قد يَمِيلُون إلى مذهب المرجئة في الإيمان، وعند بعضهم شيءٌ من الزَلاَّت، ولكنّهم على نهج السُّنَّة في سائر الأصول في الجملة على تفاوتٍ بينهم»اهـ[42].


والخلاصةُ أنّ الشّيخ محمّد حياة لم يخرج عن الطّريقة السّائدة والتّوجّه الطّاغي على أهلِ ذاك الزَّمان، لكن سَمَا بهِ العلم واطّراح التّقليد ورُوح اتّباع السُّنَّة وطرح البِدعة، سَما بهِ ذلك إلى أن يتخلَّصَ من أَسْرِ (بعضِ) تلكم المألوفات، والاِنفكاكِ من أغلالِ (بعضِ) تلكم المعهُودات، ظهرَ في مواقفَ لهُ وفي بعض التّصرّفات، ظهرت في تأليفاتِهِ كما ظهرت في تلاميذِهِ وتلاميذِ تلاميذِهِ وفي الطَّبقات التَّاليات، لأنَّ تحكيمَ الدَّليل وردّ ما لم يَجْرِ عليهِ فعلُ السَّلفِ الصَّالح، لابُدَّ وأن يَؤُولَ إلى إنكارِ كثيرٍ من الأوضاع والجهالات، وتركِ غيرِ قليلٍ من مخترعاتِ الطّرائق وباطلِ الاعتقادات.
ومبدؤُنا الّذي إليه نَرجعُ ونحتَكِمُ: ما قال ابن الجوزيّ: «التَّقليدُ للأكابر أَفْسَدَ العقائد، ولا يَنبغي أن يُنَاظَرَ بأسماء الرِّجال، إنّما يَنبغي أن يُتْبَعَ الدّليل...».



[1] - نقله عنه ابن مفلح في «الفروع» (11/116و118-ط.الرسالة).


[2] - ذَكَرَهُ في شيوخه: د. مشعل المطيري، مقّدمة تحقيق «الإنصاف في أسباب الاِختلاف»(ص:8-9).


[3] - «الحِطّة بذكر الصِّحاح السّتّة».


[4] - وقد نقل كلامه الشيخ نعمان الألوسي في «محاكمة الأحمدين»(ص:59-60 )، وصدِّيق خان في «الاِنتقاد الرّجيح» (ص:61-62).


[5] - مقدّمة تحقيق «الاِنتقاد الرّجيح»(ص:27).


[6] - المصدر السابق، (ص:27-28).


[7] - المصدر السابق(ص:60).


[8] - كما في رسائل «التّفهيمات»، ونقَلَهُ الشّيخ نعمان الألوسي في «محاكمة الأحمدين»(ص:124).


[9] - انظر: «الطّريقة النقشبنديَّة بين ماضيها وحاضرها» للشيخ فريد الدين آيدن (ص:45-46)


[10] - انظر: «الطّريقة النقشبنديَّة بين ماضيها وحاضرها» للشّيخ فريد الدين آيدن(ص: 244-المكتبة الشاملة). أقولُ: لا مجالَ للتَّشكيكِ في نسبة هذا الكتاب له –كما في المصدر المذكور-، فقد ذكرهُ في مؤلّفاتِهِ صديق خان في «أبجد العلوم»(ص:708)، كما ذكر أنه اشتغل من الصِّغر «بأشغال المشايخ النّقشبنديَّة، ولبس خرقة الصُّوفيّة»، بل إنّ صدّيق خان نفسَهُ أثنى على السّرهنديّ (ص:698-699)، ودافع عنهُ وصوَّبَ مَنْ تأوَّلَ لهُ، كما فعلَ من قبلُ الدّهلويّ في رسائل «التّفهيمات». انظر: «الاِنتقاد الرّجيح» لصدّيق خان(ص:62)


[11] - «الطّريقة النقشبنديَّة بين ماضيها وحاضرها»(ص:303)


[12] - السّائل هو الشّيخ نعمان الألوسي صاحب «محاكمة الأحمدين»، وهو مُوحِّدٌ سلفيُّ المعتقد، على طريقة ابن تيميَّة في أبواب الاِعتقاد ومن المناضلين عنهُ، لكنَّهُ يعتقدُ في شيوخ النّقشبنديَّة!–كما هو ظاهرٌ من نصِّ سؤالِه!، ووالده محمود الألوسي المفسِّر صاحب «روح المعاني» على جهوده في إبطال القُبوريّة ضمَّ إلى تفسيره كلامَ أهلِ الإشارة! يعني بهم الصوفيَّة.


[13] - «الطّريقة النقشبنديَّة بين ماضيها وحاضرها»(ص:302)،وهذه العبارة حَذَفَهَا أَحَدُ الكُتبيِّين الأتراك من المخرِّفين مع مسخٍ وتشويهٍ لكتاب الدّهلوي المذكور. انظر(ص:303).


[14] - نقل صدّيق خان في «الاِنتقاد الرّجيح» (ص:37) عنهُ قولَهُ في أوّل كتابه «التّفهيمات» ما يدلُّ على إشادته بطريقته «المجدِّدِيَّة»، وعرَّفهُ بقوله: «الحنفيُّ مذهبًا، والنقشبنديُّ طريقةً، والسُّنِّيُّ اتِّباعًا»(؟)، وانظر إشادته بابن تيميَّة والسرهندي معًا في المصدر السّابق، (ص:62).


[15] - مقدّمة تحقيق «تحفةالأنام»(ص:22).


[16] - «الاِنتقاد الرّجيح» (ص:61-هامش)، و«ترجمة الدّهلويّ» للسّيالكوتيّ.


[17] - هامش(23) من مقدّمة تحقيق «تحفة الأنام» للشّيخ صلاح الدين مقبول.


[18] - «من أعلام المحدّثين بالحرمين الشّريفين: الإمام عبد الله بن سالم البصري المكي: إمام أهل الحديث بالمسجد الحرام» بقلم العربي الدائز الفرياطي (ص:94و95و160).


[19] - انظر: «المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر» لعبد الله مرداد، اختصره العامودي وآخر)(ص:290-291).


[20] - انظر: «المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر» لعبد الله مرداد، اختصره العامودي وآخر (ص:167).


[21] - هامش(23) من مقدّمة تحقيق «تحفة الأنام» للشّيخ صلاح الدّين مقبول، و«أبجد العلوم» لصدّيق خان(ص:664).


[22] - «فهرس الفهارس» للكتّاني(رقم:132)، و«المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر» لعبد الله مرداد، اختصره العامودي وآخر (ص:170)


[23] - «أبجد العلوم» لصدّيق خان(ص:664)


[24] - اقتباسٌ عن كتاب: «من أعلام المحدِّثين بالحرمين الشّريفين: الإمام عبد الله بن سالم البصريّ المكّيّ: إمام أهل الحديث بالمسجد الحرام» بقلم العربي الدائز الفرياطي (ص:94)


[25] - مقدّمة تحقيق «الإيقاف على سبب الاِختلاف»(ص:8).


[26] - مقدّمة تحقيق رسالة «قطف الثّمر» للدكتور عاصم القريوتي(ص:18-27)


[27] - «العقود الدّرّيّة السّلْطَانية...»(ص:16)


[28] - انظر: مقدّمة تحقيق «هدية السّلطان»(ص:13).


[29] - مقدّمة تحقيق «العقود الدّرّيّة السّلطانيّة»(ص:8)


[30] - مقدّمة تحقيق «هديّة السّلطان»(ص:13)


[31] - المصدر السابق


[32] - (ص:10و13)


[33] - من كلام المعصوميّ في: «هديّة السّلطان»(ص:125)، تعليقًا على عبارة لابن القيّم في «إغاثة اللّهفان من مصائد الشّيطان»


[34] - «هديّة السّلطان»(ص:60-62)


[35] - لعلَّه يقصدُ مَن ابتُلي في زمانه الأوّل بدراسة كتب المتكلِّمين!


[36] - انظر مقال «الشّيخ المكّي بن عزوز واهتداؤه إلى السَّلَفيَّة»، مجلّة «الإصلاح»، العدد()، (ص: ).


[37] - مِن رسالةٍ بخطِّ الشّيخ المكّي بن عزوز للسّيّد محمّد بن جعفر الكتاني صاحب «الرّسالة المستطرفة»، نشرها الدكتور محمد بن عزوز في كتابه: «المحدّث الكبير العلاّمة السّيّد محمّد بن جعفر الكتاني الحسني الفاسي»(2/603-609)، ونشرها (بعضهم) على شبكة «النت»


[38] - انظر: «آثار ابنباديس»(3/85-87)


[39] - مجلّة«المنار»، ج9، 14 ذي القعدة1352هـ/فبراير1933م، (ص:680).


[40] - «جمال الدّين القاسميّ» للدّكتور نزار أباظة(ص:304)


[41] - انظر: «الرّسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي»(ص:94و101و123)

[42] - «حراسة العقيدة» للدكتور ناصر العقل، (ص156-158)