المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [تفريغ] شرح كتاب المحصول في أصول الفقه للعلامة ابن العربي المالكي لمعالي الشيخ سعد الشثري [1]



أهــل الحـديث
28-04-2013, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


فهذا المجلس الأول من تفريغي لشرح معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشرثي حفظه الله لكتاب المحصول في أصول الفقه للعلامة ابن العربي المعافري المالكي.


كنت قد فرغت الشرح كاملا منذ شهور، وبدأت في تنسيقه كاملا، ووصلت إلى الشريط السادس في التنسيق، ولكن خملت الهمة للأسف أسأل الله تعالى ربي يغفر لي.


وقد أرسلته لموقع الشيخ الرسمي، ولكن بسبب ضياع بريدي الالكتروني انقطع اتصالي بهم، ولكن أعدت الاتصال بهم ببريدي الثاني لكن دون جدوى.
وبعد محاولات أرسلت الشرح للأخ الفاضل سالم الجزائري، المعروف بجودة التفريغ عسى أن يخرج على يديه الشرح بأحسن حلة وأبهى صورة.
ولكن لطول المدة وأنا أعرف أن التنسيق يتطلب مدة أكبر من التفريغ، أقول لطول المدة، رجحت أن أبدأ في نشر الشرح تباعا على مجالس، ليعم النفع به.
وأنا أرجو من إخواني القائمين على موقع الشيخ أن يتواصلوا معي إن أرادوا لأرسل لهم التفريغ كاملا، فإن شرح الشيخ نفيس، مليء بالفوائد، حقيق بالخروج إلى دنيا المطبوعات، ليستفيد منه طلبة العلم.
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون، ويثقل به موازين حسناتي، ويجزي الشيخ عني وعن طلبة العلم خير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.



وأدعكم مع المجلس الأول، وأرجو من الإخوة الأفاضل أن يتعاونوا معي في تصحيح الأخطاء.








شرح



كتاب المحصول



في



أصول الفقه



للعلامة القاضي



أبي بكر بن العربي المعافري المالكي






شرح معالي الشيخ الدكتور :



سعد بن ناصر الشثري





فرغه :



أبو عبد الأعلى حاتم بن محمد المغربي






)المجلس الأول(



[الحمد لله ])[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn1)( والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:

فنتناول في هذه الدورة المباركة بإذن الله عزوجل كتاب المحصول للفقيه المالكي العلامة الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي .
هذا الكتاب كتاب المحصول من أخصر المؤلفات في علم الأصول وأجمعها، فهو يحتوي على قواعد الفهم و الاستنباط ويحتوي على التفريق بين ما هو دليل ويصح الاستدلال به وما لا يصح. والكتاب يحتوي على مقاصد شرعية متعددة .

كتاب المحصول أحد كتب فقهاء المالكية في علم الأصول ، والمالكية لهم أصول يخالفون بها بقية الأئمة من مثل إجماع أهل المدينة )[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn2)(، لكنهم في الغالب يوافقون بقية علماء الشريعة من فقهاء المذاهب الأخرى في أكثر مباحث علم الأصول ، فليس عندهم شيء كثير يخالفون به بقية المذاهب ، وإنما المخالفة في مسائل جزئية سيأتي التنبيه عليها في محله .

و علم أصول الفقه من العلوم المهمة التي لها ثمرات عديدة:

* من هذه الثمرات أنه يمكن الإنسان من التفريق بين ما يصح أن يكون دليلا وبين ما لا يصح ، مثال ذلك : نجد أن بعض الناس يستدل لإثبات أحكام شرعية على رؤى منامية لبعض الناس ، هل الرؤى المنامية دليل أو لا ؟ أين نجد هذه المسألة ؟ في علم الأصول .
نجد أن بعض الناس يستدل بما ورد في الكتب السابقة سواء التوراة أو الإنجيل )[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn3)( ، هل هذا دليل صحيح أو ليس كذلك ؟
نجد أن بعض المفتين يفتي بناء على ما ينقدح في ذهنه من المعاني ، هل هذا دليل صحيح أو ليس بدليل صحيح ؟ نبحثه في هذا العلم علم الأصول .

* الفائدة الثانية من فوائد علم الأصول : القدرة على فهم النصوص الشرعية كتابا وسنة ؛ فإذا أردنا أن نفهم القرآن أن نفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن الفهم ليس اعتباطيا ، بحيث يكون كل شخص مؤهلا لاستخراج الأحكام من الأدلة ، وإنما المؤهل هم من عرف هذا العلم علم الأصول ، الذين فهموا قواعد الاستنباط ، ولذلك قال تعالى : -(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)- [النساء/83] يعني الذين يتمكنون من استخراج الأحكام من الأدلة .

* و الفائدة الثالثة من فوائد تعلم هذا العلم: معرفة الإنسان لقدر نفسه، بحيث ينظر في مقدار نفسه هل هو مؤهل لاستخراج الأحكام من الأدلة مباشرة أو يجب عليه سؤال العلماء ؟
وإذا كان ممن يجب عليه سؤال العلماء كيف يفرق بين أولئك المفتين ؟ نحن نشاهد في القنوات التلفزيونية أشخاصا عديدين يُفتون من مشارق الأرض ومغاربها ، كيف نفرق بين المؤهل للفتيا وبين من لا يتأهل لها ؟ من الذي يجوز أن نأخذ بقوله وفتياه ومن الذي لا يجوز ؟ هذا مما يبحث في هذا العلم .
ثم إذا حصل اختلاف بين الفقهاء فأفتى مفتٍ بجواز وآخر بتحريم وثالث بوجوب في مسألة واحدة فماذا نعمل ؟ وما هي الطريقة الشرعية التي تخرجنا مما نحن فيه ؟ هذا يبحث في علم الأصول .

* من فوائد تعلم هذا العلم أيضا القدرة على الحجاج والحوار ، وفي مثل عصرنا الحاضر فُتِحت مجالات للمناقشة والحوار عديدة سواء كانت القنوات التلفزيونية والبرامج الحوارية ، أو كانت المناظرات أو كانت المواقع والمنتديات التي يكون فيها مناقشة وحوار ، أين نعرف قواعد الحوار وكيفية الإجابة عن حجج المخالفين وكل هذا يبحث في هذا العلم .

* كذلك من فوائد تعلم هذا العلم أيضا : القدرة على فهم كلام الناس ، والقدرة على فهم الوصايا والوثائق والصكوك والأنظمة ، كل هذا نجده في هذا العلم علم أصول الفقه ، ولذلك فهو علم جدير بالعناية ، وعلم يجب على الإنسان المتأهل للفتيا أن يبحثه وأن يستوعبه وأن يتمكن من تطبيقه على النصوص الشرعية.

هذا العلم علم أصول الفقه هو من فروض الكفايات على عموم الناس ، لكنه بالنسبة للمأهل للفتيا من فروض الأعيان يتعين عليه ، ولا يجوز لإنسان أن يفتي أو يقضي حتى يكون عارفا بهذا العلم قادرا على تطبيقه على النصوص الشرعية ، وجمهور علماء الشريعة على أن البلد الذي لا يوجد فيه عارف بهذا العلم يجب على المسلمين أن يهاجروا منه ؛ لأنهم يحتاجون إلى من يفتيهم ويبين لهم حكم الشرع في مسائلهم )[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn4)( ، ولا يتمكن من ذلك إلا الفقيه ، ولا يكون المرء فقيها إلا بمعرفة هذا العلم ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
لكن هذه المسألة قد يقال : في مثل عصرنا الحاضر بوجود وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة التي تمكن المستفتي من عرض مسألته في يومه على المفتين الموثوقين يخف وطئها .

ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نقرأ في هذا الكتاب ، نعم .

***************









بسم الله الرحمن الرحيم



وصلى الله على محمد وآله وسلم

قال الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي رحمه الله:
القول في أصول الفقه : أما الفقه فهو معرفة الأحكام الشرعية ، وأما أصوله فهي أدلته ،وقد قيل معرفة أحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية وهي تكملة للأول وقريب منه .
فأما الدليل فهو : الموصل بصحيح النظر إلى المدلول .
وأفعال المكلفين هي حركاتهم التي يتعلق بها التكاليف من الأوامر والنواهي وهي على خمسة أضرب :
واجب وفي مقابلته محظور ، ومندوب وفي مقابلته مكروه ،وواسطة بينهما وهو المباح ، واختلف فيه هل هو من الشرع أم لا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
فأما الواجب فقال بعض علمائنا هو الذي في فعله ثواب وفي تركه عقاب وزاد بعضهم من حيث هو ترك له ، والمحظور عكسه وهو الذي في فعله عقاب وفي تركه ثواب ، والمندوب هو الذي في فعله ثواب وليس في تركه عقاب ، والمكروه هو الذي في تركه ثواب وليس في فعله عقاب ، والمباح هو الذي يستوي تركه وفعله وكذلك قيل في هذه الحدود كلها من حيث هو ترك له .
وهذه الحدود كلها باطلة ؛ والصحيح : أن الواجب هو الذي يذم تاركه والمحظور هو الذي يذم فاعله والمندوب هو الذي يحمد فاعله ولا يذم تاركه والمكروه عكسه والمباح هو ما ليس له متعلق في الشرع على قول وقيل ما وقع عليه العفو ما أذن فيه وتحقيق ذلك وبيانه يأتي إن شاء الله تعالى .
والأحكام ليست من التكليف ولا من صفات الأفعال وإنما الحكم هو قول الله سبحانه ودليله الذي نصبه علما على الفعل أو التكليف وهذه الكلمة التي صدرنا بها هي على رسم الحدود .
فأما الحد فاختلف العلماء فيه على قولين :
فمنهم من يجعله القول المفسر ، ومنهم من يجعله حقيقة الشيء وخاصيته التي تتميز بها من عن غيره .
فأما الحكم فليس بصفة للأفعال وإنما هو عبارة عن خطاب الله فيها كما أن النبوة ليست بصفة للنبي وإنما هي عبارة عن مطالعة الله تعالى له بالغيب واتخاذه واسطة بينه وبين خلقه.
وأما المكلف وهو البالغ المتدارك العقل ، والبلوغ يكون بوجهين أحدهما السن والثاني الاحتلام وهذا يبين في بابه من فروع الفقه إن شاء الله تعالى .
وأما المتدارك العقل فهو المميز الذي لا يطرقه في عقله خلل من ضد يطرأ عليه خلا الذهول والنسيان ،فأما العقل فقد اختلف الناس فيه واضطربوا فيه اضطرابا شديداً والصحيح إنه العلم وهو مذهب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه فرق عنده بين قولنا عقلت الشيء وبين قولنا علمت وذلك مستقصى في الحدود إن شاء الله تعالى.
وأما العلم فقد تباين الناس فيه مع إنه أصل كل قول ومنتهى كل مطلب وقيدنا فيه عشرين عبارة أمثلها قول القاضي رحمه الله معرفة المعلوم على ما هو به وهذا لفظ يأباه النحاة لأن المعرفة عندهم خلاف العلم إذ المعرفة عندهم علم واحد والعلم لا يكون إلا معرفتين وهذا المعنى يستقصى في الحدود إن شاء الله ، والصحيح أن العلم لا يقتنص بشبكة الحد وإنما يتوصل إليه على سبيل الرسم المقرب للمعنى .


الشرح

ما ذكره المؤلف هنا مقدمة في التعريف ببعض المصطلحات التي يذكرها علماء الأصول، حيث ذكر عددا من الكلمات التي يكثر تداولها عند الفقهاء، وبين معنى كل لفظ منها.

اللفظة الأولى: لفظة الفقه: والفقه في اللغة هو الفهم كما قال تعالى:-(وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)- [الإسراء/44] أي لا تفهمونه ولا تعرفونه.

و الفقه في الاصطلاح عرَّفه المؤلف بأنه معرفة الأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية هي خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء - أي الطلب - أو التخيير أو الوضع.
وهذا التعريف معرفة الأحكام الشرعية هو أحد المصطلحات في تعريف الفقه، فإن لفظة الفقه للعلماء فيها مناهج متعددة:

1- المنهج الأول : أن الفقه هو معرفة أحكام الشريعة كلها ، ولذلك قال الإمام أبو حنيفة : "الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها")[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn5)( ، وهذا الاستعمال هو الاستعمال الشرعي للفظة الفقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:{من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين} )[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn6)(، وفي مثل قول الله عز وجل : -(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)- [التوبة/122] .
المنهج الثاني[ الأول] وهو ظاهر كلام المؤلف، بحيث أن مصطلح الفقه في الاستعمال الشرعي يشمل فهم القرآن، فهم السنة، يشمل العقائد، يشمل الفروع وغير ذلك من علوم الشريعة، كلها في الاصطلاح الشرعي تسمى فقها.

2- الاصطلاح الثاني في كلمة الفقه : هو معرفة الأحكام العملية ، بحيث ما كان من الأحكام عمليا فإنه يقال له فقه ، وما كان عقديا فإنه يقال له معتقد أو عقيدة ، وهذا هو الاصطلاح الذي سار عليه المؤلفون ، فإنهم يذكرون في كتب الفروع أحكام الأعمال ويسمونها كتب الفقه ، بينما هناك كتب المعتقد كتب العقيدة كتب التوحيد يراد بها أحكام ما في القلوب والعقائد .

3- الاصطلاح الثالث في كلمة الفقه هو أن يراد بالفقه الأحكام الظنية التي ليس فيها دليل قاطع، فيقسمون أحكام الشريعة إلى:
- أحكام قطعية بحيث يجزم بخطأ المخالف وينقض حكم القاضي إذا خالف الدليل فيها.
- وإلى قسم آخر هو الأحكام الظنية ويسمونها الفقه.
وهذا الاصطلاح ليس اصطلاحا مشهورا ، سار عليه الرازي وتبعه جماعات بعده .
4- الرابع أن يراد بالفقه القدرة على فهم الأدلة، فيقال للقادر على فهم الأدلة فقيه ولو لم يحصِّل جميع المسائل الشرعية، الأحكام الشرعية.

بأيها نسير من هذه المصطلحات ؟ نقول: نحمل - خاصة في المصطلحات - كل أناسٍ بما يصطلحون عليه، فإذا مرت بنا هذه الكلمة كلمة الفقه فينبغي أن نعرف من السياق في أي المصطلحات، وما هو المصطلح المراد منها.


قال المؤلف : وأما أصوله فهي أدلته .
إذن هذا هو الكلمة الثانية التي نحتاج إلى تعريفها ، تعريف كلمة أصول الفقه ، والمراد بأصول الفقه أدلته ، سواء قلنا الفقه هو الأحكام الشرعية عموما ، أو قلنا : الفقه هو الأحكام القطعية ، أو قلنا : الفقه هو الأحكام العملية ، على أي من المصطلحات السابقة .

والأصل مرة يطلق على:
- الدليل، ولذلك يقال : أصل وجوب الصلاة الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى : -(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)- [البقرة/43] إلى غير ذلك .
- وقد يطلق الأصل ويراد به القاعدة المستمرة، كما نقول الأصل براءة الذمة، إذن هذه هي القاعدة المستمرة.
- ومرة يطلق الأصل ويراد به المُقَاسُ عليه في باب القياس، فإن القياس مبني على أربعة أركان: أصل، وفرع، وحكم، وعلة، وسيأتي الكلام فيها.
- كذلك يطلق الأصل ويراد ما يتم استصحابه والسير عليه، هذا يسمى أصل.


قال المؤلف : وقد قيل : معرفة أحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية ، أي أن هذا تعريف آخر من تعريفات كلمة الفقه ، وهذا أحد المصطلحات السابقة وأحد الاصطلاحات السابقة ، حيث قصره على الأفعال ورأى أن الأمور العقدية خارجة منه .
وقوله هنا : دون العقلية ، هذا مبني على رأي طائفة من المتكلمين الذين يرون أن العقائد لا تُبْنَى على الأدلة الشرعية ، وإنما تُبْنَى على الأدلة العقلية ، وهذا القول قول خاطئ ؛ ووجه بطلانه وخطئه أمور :

* الأمر الأول : أن الأدلة الشرعية قد جاءت بأحكام عقدية ، فالقول بأنه يعتمد على العقل يؤدي إلى إلغاء دلالة النصوص ويؤدي إلى إبطال بعض الأدلة الشرعية .
ومثال ذلك قوله تعالى : -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ)- [النساء/136] الآية ، -(آَمِنُوا)- حكم عقدي بإيجاب الإيمان ، فلو قلنا بأن الأحكام العقدية لا تأخذ من الأدلة لأدى ذلك إلى إلغاء هذه النصوص الشرعية .
* الوجه الثاني: أن الأحكام العقدية أهم من الأحكام العملية؛ ومن البعيد أن يترك النبي صلى الله عليه وسلمالأحكام المهمة و هي العقدية ويتفرغ لبيان ما هو أقل أهمية وهو أحكام الأفعال.
* و يدل على ذلك وجه ثالث وهو: أن الشريعة كاملة كما قال تعالى: -(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)- [النحل/89] أي مبينا لجميع الأحكام، وهذا يشمل بعمومه العقائد.
* و يدل على ذلك رابعا: أن العقول متفاوتة، ولا يمكن أن تحيلنا الشريعة على ما هو متفاوت، فعقل فلان يخالف عقل فلان، و الناس في أمورهم العقلية يتفاوتون فيها.


قال المؤلف: وهي تكملة للأول، يعني أن هذا التعريف الثاني تكملة للتعريف الأول عندما قال: معرفة الأحكام الشرعية وقريب منه.
لما قلنا أن الأصول - أصول الفقه - هي أدلته احتجنا إلى تعريف الدليل، وهذا هو المصطلح الثالث الذي نحتاج إلى تعريفه "الدليل".
قال في تعريف الدليل: هو الموصل بصحيح النظر إلى المدلول، الدليل في اللغة قد يطلق على العلامة التي يحصل بها المعرفة، وقد تطلق على ناصب هذه العلامة، وقد تطلق على المرشد.
مثال هذا: إذا كنت في الصحراء وهناك علامات تستدل بها، هذه تسمى في اللغة أدلة. الذي وضع هذه العلامات أيضا يقال له دليل لأنه دَلَّكَ بوضعِ هذه العلامات. و هكذا أيضا الشخص الذي أرشدك وقال: انتبه لهذه العلامات وسِرْ معها، وأخذ يقودك بيده، يقال له أيضا في اللغة: دليل.
وأما في الاصطلاح فإن العلماء لهم منهجان في تفسير الدليل:
- المنهج الأول هو: أن الدليل هو المُوصل إلى المدلول وإلى المطلوب بصحيح النظر فيه، فالدليل ما يُتَوَصَّلُ بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، هذا يقال له دليل، ويشمل الأدلة العقلية والأدلة الحسية والأدلة الشرعية كلها يقال لها دليل.
- المنهج الثاني في تفسير كلمة الدليل: قصرُهُ على ما هو قطعي؛ بحيث يقسمون ما يحصل به الإرشاد إلى نوعين:
1-[القسم الأول])[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn7)( أدلة وهي ما كان قطعيا، فيقولون في الدليل هو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب قطعي، أو إلى العلم بمطلوب خبري.
2- و القسم الثاني: الذي يُتَوَّصَلُ به إلى مطلوب ظني، يقولون هذا لا نسميه دليلا ويسمونه أمارة.
وجمهور الأصوليين على المنهج الأول الذي يجعل الدليل يشمل ما هو مظنون وما هو مقطوع به ، وذلك لأن هذا الاصطلاح هو الموافق للغة ، ثم إن أكثر الأصوليين يسيرون عليه وأكثر علماء الشريعة يسيرون عليه ، وسيرنا على ما ساء عليه أكثر علماء الشريعة أولى وأحسن .

في تعريف الفقه قلنا هناك معرفة أحكام أفعال المكلفين، فنحتاج إلى تعريف كلمة أفعال المكلفين، وهذه هي الكلمة الرابعة "أفعال المكلفين".
فقال المؤلف : أفعال المكلفين هي حركاتهم التي يتعلق بها التكليف من الأوامر والنواهي ، سواء كانت حركات للجوارح الظاهرة أو حركات للجوارح الباطنة ، ولذلك النية هذه يتعلق بها أحكام وهي من الأمور الباطنة .
الأحكام الشرعية تقسم إلى قسمين :
*[القسم الأول] : أحكام وضعية وهي: ضبط شيء بشيء، هذا يسمى حكم وضعي، ليس المراد به أنه قد وضعه البشر لا، هذا حكم إله، لكنه جاء بوضع شيء مرتبطا بآخر. مثال ذلك: قال تعالى : -(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)- [الإسراء/78] يعني يجب على العبد أن يؤدي صلاة الظهر متى زالت الشمس ، فزوال الشمس سبب في إيجاب صلاة الظهر ، هذا حكم وضعي ، وجوب صلاة الظهر هذا حكم تكليفي . كون الفعل صحيحا أو فاسدا هذا أثر ، الحكم التكليفي ربط الشارع بين الحكم التكليفي وبين الصحة أو البطلان وهذا حكم وضعي.
* القسم الثاني : الأحكام التكليفية ، والمراد بالأحكام التكليفية : خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أي بالطلب أو بالتخيير ، وينقسم إلى خمسة أقسام،الأصوليون يقولون : وجوب وتحريم وندب وكراهة وإباحة . والفقهاء يقولون: واجب ومحرم ومندوب ومكروه و مباح.
لماذا اختلفوا ؟ لأن الحكم عند الأصوليين هو ذات الخطاب الشرعي، فقوله:-(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)- [البقرة/43] هذا هو عين الحكم عند الأصوليين فهو إيجاب. بينما الحكم عند الفقهاء هو أثر الخطاب، قوله:-(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)- [البقرة/43] أنتج أن الصلاة واجبة، فيكون الحكم عند الفقهاء هو الواجب، والمؤلف قد سار على طريقة الفقهاء لا على طريقة الأصوليين فقال: واجب وفي مقابلته محظور، ومندوب وفي مقابلته مكروه، وواسطة بينهم وهو المباح .
وقع الاختلاف في المباح هل هو حكم شرعي أو حكم عقلي ؟ وسنأتي إن شاء الله لبيان هذه المسألة، فإن الجمهور يقولون المباح حكم شرعي لأن المباح هو ما أذن الشارع في فعله وتركه فينسب إلى الشارع لأنه هو الذي أذن به. بينما بعض المعتزلة يقولون هو حكم عقلي؛ لأن الإباحة ثابتة قبل ورود الشرع إذ الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع أنها على الإباحة، فالمباح بقي على الحكم العقلي السابق للشرع فيكون مباحا.
وسيأتي أن مبنى هذه المسألة قول خاطئ في محله ؛ لأنه لا يوجد هناك زمن قبل ورود الشرع ، فمنذ خلق الله آدم أمره ونهاه، وبالتالي لا يوجد هناك زمن قبل ورود الشرع، فلا يقال بأن الإباحة قبل ورود الشرع مستفادة من العقل ، لأنه أصلا لا يوجد وقت قبل ورود الشرع .


قال المؤلف في تعريف الواجب: هو الذي في فعله ثواب، وفي تركه عقاب. مثال الواجب ؟ إيش ؟ الصلاة ، خطأ لأن الصلاة [أنواع])[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn8)( صلاة الليل مندوبة .
آه ؟ صلاة الظهر، وجوب الزكاة، هذا واجب من فعله فإنه يثاب، لكن بشرط أن يكون معه نية ، لابد أن ينوي التقرب لله .
وفي تركه عقاب : إذا تركه قاصدا الترك وتركه تركا مطلقا ، لكن لو نسيه فليس عليه عقاب ، ولذلك زاد بعضهم كلمة : وفي تركه عقاب من حيث هو تَرْكٌ له ، لكن من تركه نسيانا لا يعاقب لأنه تركه لا من حيث كون الترك .
والمحظور عكس الواجب وهو الذي في فعله عقاب وفي تركه ثواب، مثال ذلك : شرب الخمر ، في فعله عقاب وفي تركه ثواب لمن نوى به التقرب لله عزوجل .
الحكم الثالث المندوب وهو الذي في فعله ثواب وليس في تركه عقاب ، مثال ذلك : صلاة الليل ، وسنة الفجر من فعلها ناويا التقرب لله فإنه يثاب ، ومن تركه فإنه لا يعاقب ، من ترك هذه الأمور فإنه لا يعاقب.
و أما المكروه فهو الذي في تركه ثواب وليس في ففعله عقاب، مثاله: الشرب قائما، من تركه تقربا لله فإنه يثاب، ومن فعله فإنه لا يعاقب.
قال: والمباح هو الذي يستوي تركه وفعله، مثال ذلك: أكل التفاح فهذا مباح يستوي تركه وفعله.

هذه الحدود زيد فيها عند بعضهم من حيث هو ترك له لأن من ترك المباح أو فعل المباح بنية أخرى كما لو أكل التفاح ينوي تقربا لله أن يتقوى على طاعته أُجِرَ، لكن هنا بقيد آخر فانقلب الحكم.

قال المؤلف: وهذه الحدود كلها باطلة ، ما معنى كلمة الحدود ؟ التعريفات ، هذه التعريفات كلها أبطلها المؤلف ، لماذا أبطلها المؤلف ؟
1- يمكن أن يكون الإبطال لكون التواضع الخاص ليس منحكما في هذه الأمور ، فقد يفعل الإنسان الواجب فلا يثاب عليه إما لعدم النية أو لحصول الرد ، أو للإتيان بمُبطل بعده لأن هناك أمور تحبط العمل كما قال تعالى :-(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)- [الحجرات/2].
2- الأمر الثاني حتى في العقاب قد يعفو الله جل وعلا ، فيرتفع العقاب ، وقد يحصل من العبد توبة فيرتفع العقاب، ثم إن هذه التعريفات ليس تعريفا للحكم في ذاته ، وإنما هي نتائج له ، الثواب والعقاب هذه نتيجة ، نحن نريد أن نعرف الواجب في نفسه ما هو الواجب ؟ وبالتالي فهذه التعريفات كلها مدخولة .

قال المؤلف : والصحيح أن الواجب هو الذي يذم تاركه ، ما قال يعاقب وإنما قال يذم ؛ لأن الله جل وعلا قد يعفو ، فأتى المؤلف بهذه الكلمة ردا على المعتزلة الذين يقولون : بأن فاعل الحرام يعاقب مطلقا، لكن نحن نقول: قد يعفو الله جل وعلا ، وقد يشفع النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد أنه يشفع في أهل الكبائر ، ولذلك يقال يذم ولا نجزم بالعقوبة ، قال : يذم تاركه ، لإبعاد كلمة في فعله ثواب وفي تركه عقاب .والمحظور هو الذي يذم فاعله ، والمندوب هو الذي يحمد فاعله ولا يذم تاركه .

وهذه التعريفات التي ارتضاها المؤلف فيها ما فيها ؛ لأنه تعريفات بالأثر والنتيجة ، ومن هنا ينبغي أن يقال : الواجب ما طلبه الشارع طبلا جازما ، والوجوب هو الطلب الجازم من الشارع بفعل من الأفعال كما هي طريقة الأصوليين ، وهكذا في بقية الأحكام ، فالمباح هو ما أذن الشارع في فعله وتركه ، والإباحة هي إذن الشارع في فعلٍ وفي تركه .


قال المؤلف : والأحكام ليست من التكليف ، الحكم خطاب الشارع كما تقدم لذلك الحكم ليس هو ذات التكليف وإنما هو أمر مغاير له عند المؤلف ، وبالتالي ليست الأحكام هي صفات الأفعال ، لأن خطاب الشارع صفة لله وليست صفة للمكلف ، وإنما الحكم يتعلق بالمكلف وبفعل المكلف .
المؤلف هنا سار في الأول على طريقة الفقهاء في جعل الحكم هو الأثر ، ثم هنا جعل الحكم هو ذات الخطاب ، فينبغي به أن يسير على طريقة واحدة ، لو قلنا الحكم هو أثر الخطاب ، أثر الخطاب صفة من صفات أفعال المكلفين ، الصلاة واجبة ؛ الصلاة واجبة فهي صفة ، فكونه واجبا هذا صفة من صفات فعل المكلف ، هذا لو سرنا على طريقة الفقهاء كما سار المؤلف أولا . لكن هنا سار على طريقة الأصوليين فقال : الحكم هو قول الله ، هذه طريقة الأصوليين ، فالأحكام على طريقة الأصوليين صفة لله عزوجل ، وأما الأحكام على طريقة الفقهاء فهي صفات لأفعال المكلفين .

قال : والأحكام ليست من التكليف ولا من صفات الأفعال ، وإنما الحكم هو قول الله سبحانه ودليل الذي نصبه علنا على الفعل أو الترك . هذه الكلمة التي صدرنا بها هي على رسم الحدود: ما المراد بـ"الحدود" ؟ التعريفات، الحدود معناها التعريفات.
يقول : طيب ما هو الحد ، إذن نحتاج إلى تعريف كلمة الحد ، مر معنا الفقه والأصول والدليل وأفعال المكلفين و الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح .
الكلمة العاشرة التي نريد أن نفسرها هنا كلمة "الحد"، ما معنى كلمة الحد ؟
قال : الناس يتفاوتون ويختلفون على طريقتين في الحد :
- منهم من يجعل الحد هو القول المُفَسِّر يعني الكلام الذي نشرح به المُعَرَّف ، نقول مثلا : اللاقط آلة حديدية مصنوعة من اجل التقاط الصوت وإرساله للمكبرات . الكلام الذي تكلمت به هو العريف والحد على المنهج الأول .
- المنهج الثاني يقول : الحد هو حقيقة الشيء ، فحد المايكروفون هو هذه الآلة بنفسها ، وخاصيته التي يتميز بها عن غيره من الأشياء ، إذن هذان منهجان في تفسير كلمة الحد .
و الصواب هو القول الأول لأنه هو الذي سار عليه جمهور الأصوليين وجمهور العلماء حتى من علماء بقية العلوم.

قال : فأما الحكم فليس بصفة للأفعال وإنما هو عبارة عن خطاب الله ، تقدم معنا أن هذا على طريقة إيش ؟ الأصوليين وليس على طريقة الفقهاء .
كلمة "عبارة" في التعريفات هذه في الأصل منهج أشعري ؛ لأن العبارة في اللغة شيء يُتَجاوَز به عن غيره، يقال : عَبَرَ يعني انتقل من مكان إلى مكان ، فمن ثَمَّ العبارة هو الذي ينتقل به من مكان إلى مكان، لكن في التعريفات المعرف هو عينه حقيقة التعريف ، فبالتالي ينبغي أن يقال : الحكم هو خطاب الله ، ولا نحتاج إلى كلمة عبارة .
فمن هنا القول بأن الحد هو القول المُفَسِّرُ لقول الشارع، أو أنه هو الحقيقة ؟ نقول حقيقة الأشياء على أنواع ، أي اسم له أربع حقائق :

* حقيقة خارجية [...])[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn9)(موجودة في الخارج.
* و حقيقة لسانية كما أقول: لاقط.
* وحقيقة ذهنية في الذهن .
* وحقيقة في الرسم والكتابة .
كلها يقال لها حقائق ، فعندما نحصر الحقيقة في أحد هذه الأنواع نقع في لَبْسٍ واختلاط ، فإن طائفة يقولون أو يحصرون الحقيقة في الحقيقة الخارجية كما هو ظاهر كلام المؤلف ، وآخرون يجعلون الحقيقة هي الحقيقة الذهنية كما صار عليه طائفة من المعتزلة ، وترتب على ذلك اضطراب في عدد من المسائل ، لكن إذا عرفنا حقيقة الشيء تطلق على الأمور الأربعة : الحقيقة الخارجية ، الحقيقة الذهنية ، والحقيقة اللسانية ، والحقيقة الكتابية فحينئذ نفهم كثيرا من المسائل .

أراد المؤلف أن يستدل لطريقة أصحابه بأن الأحكام ليست صفة للأفعال : وكما أن النبوة ليست بصفة للنبي وإنما هي عبارة عن مطالعة الله تعالى له بالغيب واتخاذه واسطة بينه وبين خلقه . هكذا منهج الأشاعرة )[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn10)(في هذه المسألة ، وهذا نتج من أي شيء ؟ من جعْل أو من حصْر الحقيقة في الحقيقة الخارجية ، لكن إذا قسمنا الحقائق إلى الأنواع الأربعة فحينئذ نقول : النبوة صفة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يُقَل عنه بأنه نبي إلا لما اتصف بهذه الصفة .

و الصفات - على ذلك - ينبغي أن نعرف أنها على ثلاثة أنواع:
-[النوع الأول]: )[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn11)( صفات ذاتية ملازمة للذات ، بحيث لو انتفت الصفة انتفت الاسم ، مثال ذلك : صفة الكرسي أنه على هيئة معينة ، هذه صفة ذاتية ، لو انتفت هذه الصفة انتفى اسم كرسي عنه .
- النوع الثاني من أنواع الصفات : الصفات اللازمة ، الأصل أن تبقى مع الذات لكن قد تنتفي ويبقى الاسم . المِسْنَدَةُ الخلفية للكرسي هذه صفة ملازمة، لو قُدِّر أنها كسرت هذه المسندة، لازم يبقى اسم الكرسي.
- النوع الثالث: الصفات العرضية التي تأتي وتزول، من مثل: ليش لابس طاقية ؟ [الطالب : عادة] هذه إيش ؟ صفة عَرَضِيَّة تأتي وتزول ، إذا جاء في البيت رفع الطاقية ، وإذا جاء يذهب إلى المسجد لبسها ، إذن هذه الصفة ليست ذاتية ، ولا لازمة ، صفة عارضة تأتي وتزول ، ولذلك تعريف كلمة "العَرَض" يعني الذي يأتي ويزول .

بعد ذلك احتاج المؤلف أن يعرف كلمة "المكلف"، المكلف هو الذي وُجِدت فيه صفتان:
1- الصفة الأولى البلوغ.
2- و الصفة الثانية: العقل، فالمجنون ليس بمكلف، والصبي ليس بمكلف.
ثم تكلم المؤلف عن البلوغ و قال : بأن البلوغ يحصل بوجهين :
- أحدهما السن، والجمهور يقولون بأن سن خمسة عشر هو سن البلوغ، كما هو مذهب الشافعي، وأحمد، والحنفية المشهور من مذهبهم سبعة عشر.
- الثاني: الاحتلام، وهو إنزال المني دفقا بلذة.
- وهناك صفة ثالثة أو علامة ثالثة من علامات البلوغ يذكرها الجمهور هي إنبات الشعر الخشن حول القبل.
- وهناك علامة رابعة تستقل بها الأنثى وهي الحيض . وهذا محل بحثه في كتب الفقه ، فقهاء الحنابلة يبحثونه في باب الحَجْرِ .

الصفة الثانية: العقل، المكلف لابد أن يكون عاقلا، فمن ليس بعاقل فليس بمكلف. من هو العاقل أو المتدارك للعقل ؟ قال هو المُمَيِّزُ الذي لا يطرقُهُ بعقله خلل من ضد يطرأ عليه ، من ضد للعقل مثل الجنون، ومثل الإغماء […])[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn12)( ونحو ذلك .
خلا الذهول والنسيان: فإن هذه الصفات تنافي أو تضاد العقل، لكنها مضادة ليست دائمة، ثم هي ليست في كل شيء وإنما في الأمر المذهول عنه والمنسي.
أيضا هناك صفات أخرى مضادة لحال التمييز ولا يقال عنها بأن العقل قد انتفى ، من مثل النوم ، النائم عاقل ولا ميش عاقل ؟ إذا نام العاقل لا ينتفي عنه العقل بذلك . ويخرج بهذا الجنون ، فإنه خلل يطرأ على العقل يضاد حالة التمييز .
طيب المغمى عليه هل يقال عنه عاقل أو ليس بعاقل ؟ اختلفت أنظار أهل العلم في المغمى عليه :
- فطائفة تقول: هو بمثابة المجنون، يعني زال عقله فهو لا يتمكن من الإدراك ولا التمييز.
- و طائفة تقول: نلحقه بالنائم، لأنه يماثله. وهذه أيضا مسألة من مسائل الفقه.
- هناك قول ثالث في المسألة: هو أن الإغماء إذا كان أقل من يوم وليلة فإنه نلحقه بالنوم، وإن
كان أكثر من ذلك ألحقناه بالجنون، وهذا هو منهج الحنفية وهو أقوى الأقوال في المسألة.

يبقى عندنا مصطلحين: المصطلح الأول: "العقل"، المصطلح الثاني: "العلم".
"العقل" ما هو ؟ قال المؤلف: العقل اختلف الناس فيه اختلافا كثيرا واضربوا فيه اضطرابا شديدا.
قال: والصحيح أن العقل هو العلم . وقال : هذا هو مذهب الأشاعرة هو مذهب شيخنا أبي الحسن الأشعري ، مع أنه يفرق بين قولك : عقلت الشيء وبين قولنا : علمت الشيء .
هذا أحد المعاني في تفسير العقل، وهناك مناهج متعددة في تفسير العقل مضطربة، وإذا نظر الإنسان في العقل وجد أن هذه الكلمة تطلق على معانٍ مختلفة، وكل معنى يصلح أن يُعَرَّفَ بتعريف مستقل :
1- الأول: أن يطلق العقل على العقل الغريزي الذي خلقه الله في الإنسان، ويستعد به لقبول
التكاليف، وهو المراد عهنا عند الأصوليين.
2- الثاني: أن يطلق على التجارب والخبرات، فلان عاقل، فلان أعقل من فلان بمعنى انه أكثر خبرة
وتجربة.
3- كذلك يطلق العقل ويراد به: إدراك عواقب الأمور، المدرك لعواقب الأمور يقال عنه عاقل.

فدلنا هذا على أن كلمة لعقل تطلق على معاني مختلفة ، ومن ثّمَّ لا يمكن أن نعرف جميع هذه المعاني بتعريف واحد ، فالقول بأن العقل هو العلم هذا على التعريف الثاني أو على المعنى الثاني فقط ، لا يشمل العقل الغريزي ، فعندما يفسر الأشاعرة العقل بأنه الخبرات أو العلم يكونون قد قصَّروا في مفهوم العقل ، وكذلك عندما يأتي بعض المعتزلة فيفسر العقل بأن الغريزة التي ودعها الله الإنسان ويتهيأ بها للفهم والإدراك ، نقول هذا أيضا تعريف بأحد إطلاقات كلمة العقل .
وهذا تلاحظونه في مسائل عديدة أن الكلمة الواحدة تأتي لها إطلاقات متعددة ، فعندما يأتي فقيه ويحصر هذه الكلمة في أحد المعاني يَزِلُّ ويقع في الخطأ ، أضرب لذلك مثلا : كلمة الإرادة تطلق مرة ويراد بها الإرادة الشرعية -(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)- [البقرة/185] ، وتطلق مرة ويراد بها الإرادة الكونية -(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)- [يس/82] ، عندما يأتي فقيه ويخلط بينهما أو يجعل الإرادة منحصرة في أحد القسمين فيفسر الإرادة بالإرادة الشرعية فقط كما هو قول طائفة من الأشاعرة ، أو يفسر الإرادة بأنها الإرادة الكونية كما يقول بذلك طائفة من المعتزلة يقع في [الخلط] )[13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn13)(، وهذا له أمثلة كثيرة .

المصطلح الأخير مصطلح "العلم"، ما المراد بالعلم ؟ قال المؤلف : اختلفت وأمثلها قول القاضي ، يقصد بالقاضي أبا بكر الباقلاني)[14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn14)( ، قال : العلم هو معرفة المعلوم على ما هو به ، يعني أن يكون التصور بالذهن مطابقا لما هو مطابق في الخارج . وهذا أحد التعريفات أو الإطلاقات لكلمة العلم .

قال المؤلف : وهذا لفظ يأباه النحاة، لأن النحاة يفرقون بين المعرفة بين العلم ، فالمعرفة إدراك الشيء الواحد، مثل ما تدرك تفاحة . وأما العلم فهو إدراك النسبة بين شيئين ، كما لو قلت التفاحة حمراء ، فإدراك النسبة بين الحمرة وبين التفاحة هذا يسمونه علم . المعرفة هي إدراك الشيء لوحده، والعلم هو إدراك النسبة بين شيئين.
وكلمة العلم قال المؤلف : لا يمكن أن تقتنص بشبكة الحد ، يعني لا يمكن أن نقوم بتعريف كلمة العلم ، وإنما يتوصل إليه على سبيل الرسم المقرب للمعنى ، لأن التعريفات على أنواع : منها حدود ، ومنها رسوم ، ومنها تعريفات معنوية أو تعريفات بالمعنى أو باللغة .
على كلٍ - من حيث العلم - العلم إذا نظر الإنسان إلى كلام أهل العلم فيه وجد أنهم يطلقونه على إطلاقات متعددة :

1- أحدها ما ذكره المؤلف هنا، وهو مطابقة التصور لما في الخارج.
2- وثانيها ما ذكره المؤلف هنا عن النحاة بأنه إدراك النسبة بين شيئن ، هذا أيضا يسمى علما .
3- وثالثها : الإدراك الجازم المقطوع به ، سواء كان مطابقا أو غير مطابق ، أهم شيء أنه إيش ؟
جزم به، يسمونه علم فيقول لك: إما أن يعمل بعلم أو بظن غالب ، العلم المراد به الإدراك
الجازم .
4- ومنهم من يطلق العلم على الإدراك الجازم المأخوذ من دليل، فيقول:ما أُخِذَ من الدليل نسميه علما، وما كان إدراكا جازما بغير دليل نسميه اعتقادا.

وهذه إطلاقات لكلمة العلم لكل فريقٍ ومذهبٍ مذهبٌ أو إطلاقٌ يستند عليه ، فإذا أردنا أن نفهم هذه الكلمة عند استعمال أهل العلم لها لابد أن يكون بين أعيننا هذه الإطلاقات ، وننظر في سياق الكلام فنفسر اللفظة لفظة "العلم" بناء على هذه الإطلاقات السابقة بالنظر إلى القرائن المُحْتَفَّةِ بالكلمة .


هنا انتهينا من المقدمة التي قدم بها المؤلف لكتابه المتعلقة بتعريف الحدود ، فينتهي درسنا الأول ونقف خمس دقائق ثم بعد ذلك نأخذ الدرس الثاني إن شاء الله تعالى .
سبحانك اللهم وبحمد نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .


)[1]( - زيادة مني .

)[2]( - قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقطي رحمه الله : وجمهور العلماء لا يحتجون بإجماع أهل المدينة . وحجة الجمهور أنهم بعض الأمة يجوز في حقهم الخطأ ، وحجة مالك أن نقلهم فيما لا مجال للرأي فيه يدل على أن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وإذا فهو نقل متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما تقدم في قوله "إذ ذاك قطعي"...
إلى أن قال: واعلم أن المراد بأهل المدينة الصحابة والتابعون فقط، وإنما جعل مالك اتفاقهم حجة فيما لا مجال فيه للرأي ؛ لأنهم أعرف بالوحي منه ، لمسكنهم محل الوحي.اهـ نقلا من مدارج الصعود إلى مراقي السعود، (ص:294-295) طبعة مكتة الرشد .

)[3]( - وهو ما يطلق عليه الأصوليون شرع من قبلنا .

)[4]( - ينظر في هذه المسألة : المسودة ص: 550، المجموع: 1/94، مذكرة في علم الأصول ص:4 ، نقلا عن القواعد الأصولية والفقهية التي ينبغي للعامي معرفتها لمعالي الشيخ سعد الشثري .

)[5]( - نسبه له بدر الدين محمد الزركشي (المتوفى : 794هـ)في المنثور في القواعد ( ج:1 ، ص:3 )، و أحمد بن محمد الحنفي الحموي (المتوفى : 1098هـ) في غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر .

)[6]( - أخرجه البخاري : كتاب العلم ، باب : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين - حديث:‏71‏ ، ومسلم : كتاب الزكاة ، باب النهي عن المسألة - حديث:‏1785‏ ، ومالك في الموطأ : كتاب القدر، باب جامع ما جاء في أهل القدر - حديث:‏1620‏ كلهم عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

)[7]( - إضافة مني .

)[8]( - زيادة مني لأني لم أفهم كلمة محلها .

)[9]( - كلمة غير مفهومة .

)[10]( - الأشاعرة طائفة من أهل الكلام ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري الإمام المتكلم المعروف ، وهذا اللقب يتصرف عند الإطلاق إلى أولئك الذين اتبعوه في فترة انتسابه إلى ابن كلاب ؛ ولذا نطلق عليهم أحيانا "الأشعرية الكلابية" .
أما قبل ذلك فهو - أي أبو الحسن- فهو معتزلي بل إمام في الاعتزال نحوا من أربعين سنة كما سيأتي ، وبعد توبته من عقيدة الاعتزال وملازمته لابن كلاب فترة من الزمن رجع في آخر أيامه إلى مذهب السلف ؛ فالمنسبون إلى الأشعرية الآن هم أصحاب الطور الثاني . الصفات الإلهية في الكتاب والسنة في ضوء الإثبات والتنزيه ص:132.

)[11]( - أضفت كلمة النوع الأول .

)[12]( - كلمة غير مفهومة .

)[13]( - لم أفهم كلمة واجتهدت في وضع أخرى ، وهي كلمة الخلط مكان التي لم أفهمها .

)[14]( - هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر وكنيته أبو بكر، كان من أكبر علماء الكلام وله كتاب "إعجاز القرآن" وكتب أخرى ، ولد سنة (338) وتوفي سنة (403) .