المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد الماسية من الرحلة المقدسية الحلقة الثالثة(2)



أهــل الحـديث
26-04-2013, 03:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



خرجنا من الخليل عبر بلدة (دورا) ـ التي نالها من التنمية بسبب بعض المتنفذين فيها ما لا لم ينل غيرها، من بلدات وقرى الخليل، مما لا يخفى على عين ملاحظ ـ حتى دخلنا مخيم (الفوار) من الجهة الغربية؛ جهة البرج الصهيوني ـ حيث المدخل الذي يتحكم به الصهاينة عند الحاجة ـ مخترقين (الفوار) من غربها إلى شرقها حتى وصلنا المقبرة، والتي أذكر انني شاركت وأنا ابن نحو ثماني سنوات، أثناء إحدى زيارتنا لبيت جدتي، وخالتي، وعمتي، بدفن امرأة من نساء المخيم، قيل وقتها إنها قتلت فيما يسمى اليوم بـ (جريمة شرف)، والتي لم يحضر جنازتها ودفنها إلا عدد قليل جدا من الرجال، وبعض الأولاد ممن كانوا في مثل سني وقتها أو نحو ذلك، وقد ذكرت لإخواني المرافقين ذلك الحدث، ونحن نمر بجانب المقبرة، مسترجعا ذكرياتي التي لا تنفك الوالدة ـ حفظها الله ـ تذكرني بها ـ مؤنبة معاتبة ـ حين أنشغل عنها، بسبب انشغالها عليَّ حينها، وأنا مشغول عنها بتشييع جنازة!!.


وصلنا (الريحية) في طريقنا إلى (السموع)، وأنا أعلم ـ من خلال الوصف والحديث الكثير مع بعض إخواني وأحبتي في الله من أهل (السموع) ممن أنا بصدد زيارتهم في الله الآن ـ أنه لا بد من المرور ـ بعد (الفوار) ـ بـ(الريحية)، ثم (يطا)، للوصول إلى (السموع)، مما اضطرنا أن نسأل بعض العابرين من أهل (الريحية)، فسألنا شابا من شبابها المباركين ـ إن شاء الله ـ عن الطريق إلى (السموع) من طريق (يطا)، فأجابنا بلهجته (القيسية) ـ نسبة إلى (القَيْسيين)، سكان جبل الخليل ـ المميزة المعروفة لدينا نحن أهل جنوب فلسطين:
امشوا دغري حتى تصيروا في راس الكَتِّة، بعد الكَتِّة بتمشوا شمال دغري لَيَطَا ومن هناك ابتسألوا.
يعني:
تسيرون في طريق مستقيم حتى تصلوا رأس منحدر في الطريق، بعد انتهاء المنحدر تنعطفون يساراً، ثم تواصلون السير المستقيم حتى بلدة (يطا) ـ بين (الريحية)، و(السموع) ـ وفي (يطا) تسألون من يرشدكم إلى طريق (السموع).
أَعْجَبَتْ لهجةُ الشاب (الريحي) وعبارته عن المنحدر بـ(الكَتِّة) إخواني المرافقين، فضحكوا منها ورددوها، مما حدا بي أن أضعها ضمن عنوان هذا اليوم من رحلتي الماسية وفوائدها، تمييزا للعنوان، وإضحاكاً مشروعاً لإخواننا ـ خاصة ـ وقرائنا عامة، وتعريفاً لغير الناطقين (بالفلسطينية
القيسية) بلهجة بلادنا المباركة.
مررنا ببعض نواحي بلدة (يطا)، ورأينا بعض المحاجر التي تشتهر بها، وكذلك الكثير من السيارات (المغنومة!!) من الصهاينة المحتلين في تلك النواحي سواء ما كان منها صالح للسير، أو شبه صالح، أو ما صار قطعاً احتياطية لإصلاح المعطوب أو ما سيعطب منها.
وصلنا (السموع) مع صلاة الظهر، ودخلنا مسجدا من مساجدها يكاد أن يكون هو الأول من مساجد (السموع) من جهة (يطا)، وأدركنا بعض الصلاة مع الإمام، ثم أتممنا ما فاتنا، وسألنا الإمام عن بعض المُستهدفين من الزيارة فلم يعرفهم، مما اضطررنا لسؤال غيره، أكثر من مرة حتى وصلنا إلى هدفنا، وفي إحدى هذه المرات، كان المسؤول سريع الكلام في الإجابة مقبلا على السائق ـ وهو عين السائل ـ وكان أثناء إجابته يتناثر اللعاب من فمه بكثرة وغزارة في وجه السائق، مما دفع السائق لاختصار الكلام قبل تمام الإجابة والانصراف عن المسؤول بسرعة معللا سرعة انطلاقه قبل تمام الإجابة قائلا:
ملا وجهي تفافَة!!
يعني:
ملأ وجهي بصاقا!!
مما أضحكني حينها، وحال كتابة هذه الكلمات، حتى توقفت عن الكتابة أكثر من مرة، وأنا أستحضر ذلك الموقف المضحك المبكي، حيث ينعدم أو يقل أدب الخطاب والكلام بين المتخاطبين والمتكلمين، وأقصد بذلك المسؤول المجيب، لا السائل السائق حفظه الله.
بعد أكثر من سؤال وصلنا أحد إخواننا المُستهدفين من الزيارة ـ حفظه الله ـ الأخ (أبو هشام)، وهو أخ حبيب كريم، وصديق عزيز جدا، كان وابن عمه الآخر (مطر) ـ وهو مستهدف بالزيارة أيضاً ـ جيراني وزملائي في (عمان) قبل تقاعدهما وانتقالهما للعيش في مسقط رأسيهما (السموع)؛ موطن آبائهما، وأجدادهما، ووجدنا (مطراً) قد سافر قبلها بيوم إلى (عمان) لحاجة طارئة، فَنَعِمْنَا بزيارة أخي وحبيبي (أبو هشام)، وبعض أبنائه، وأحفاده، والذي حزن وغضب جدا أننا رفضنا المكوث عنده والغداء بسبب ارتباطاتنا في ذلك اليوم في (الخليل) وفي (بيت لحم)، بعد أن ضيفنا ـ حفظه الله ـ بعض الفواكه والمشروبات مشددا على ضرورة العودة لإكرامنا بما هو معروف عنه ـ خصوصاً ـ وعن أهل المنطقة ـ عموما ـ من كرم وجود لا يجهله ويجحده إلا جاهل جاحد.
خرجنا من عند أخينا (أبي هشام) وأخبرت إخواني ورفاق دربي بعد خروجنا بأن والد أخينا الذي زرناه قُتل في معركة السموع التي وقعت يوم13 نوفمبر سنة 1966م، وإنا لنرجو له الشهادة، وذكرت لهم أنني ترجمت لأخينا هذا ـ وهو حتى الان لا يعلم ـ في كتابي المذكور سابقاً:


«إتحاف الأنام بتراجم الأعلام الأيتام»
يسر الله تمام نشره، وإتمامه طباعته وصدوره قريبا إن شاء الله.
ولما قفلنا عائدين أدراجنا نحو مدينة (الخليل) لـ(غزوة ذات الرقاب!!) الموعودين بها، وسألنا أحد الشباب عن أقصر الطرق للعودة إلى مدينة (الخليل) من غير طريق (الفوار)، فأرشدنا ـ جزاه الله خيرا ـ إلى الطريق الالتفافي القريب من بلدة (سيميا) وقال أنه يجب علينا أن نسير فيها (مترين فقط ترابيان) قبل أن نصل إلى طريق (سيميا) المعبد، وهو طريق التفافي سريع، وسرنا في طريق معبد عادي ولكنه موشوم بالحفر، ثم نحو كيلو مترين ـ أو أكثر ـ ترابيات قبل أن نقطع (المترين الترابيين) عند طريق (سيميا)!! مما أعادنا إلى حالة جديدة من الضحك الممتع في تلك المنطقة.
وإذا بنا نعود مرة أخرى بعد هذا الالتفاف من أمام مخيم (الفوار) الغربي لنخترق بلدة (دورا) مرة أخرى نحو غرب مدينة (الخليل).
دخلنا (الخليل) من جهتها الجنوبية الغربية إلى مطعم ـ لا يحضرني اسمه الآن، ونسيت كتابته، ولا أريدكم أن تكتبوه أيضا، حتى لا نعمل له دعاية تجارية في منتدانا ـ فيه شيء من الفخامة، لغزو الرقاب المحشية التي وُعدنا بها من قبل، وكان الطعام ـ بالجملة ـ جيدا جدا، وأكلنا حاجتنا، وَسَمَيْتُ اليوم حين رأيت الرقاب المحشية (غزوة ذات الرقاب) قياسا (كوميدياً) على «غزوة ذات الرقاع»، وليس ذلك استهزاء بسيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، نعوذ بالله من ذلك، ولكن جريا على تسمية بعض المنتسبين لبعض الجهات الدعوية رحلاتهم الدعوية التي يسمونها خروجا في سبيل الله بأسماء بعض الأُكلات التي يكثرون منها أو تكثر عليهم أثناء (خروجهم!!) = رحلاتهم؛ كغزوة ذات الحلاوة، وغزوة ذات الحمام، وغزوة ذات الباذنجان.. إلخ.
ثم أضفت لها عند الكتابة عن يوميات:
«الفوائد الماسية من الرحلة المقدسية»
لفظة (الكتة) فصارت:
(غزوة الكتة وذات الرقاب).
بعد الغداء أراد الأخوة أن يختموها بالحَلوى، لأن في البطن خَلوة لا تملؤها إلا الحلوى ـ على تعبير بعض الطرقيين ـ وكان مقابل مطعم (موقعة ذات الرقاب) مطعم حلوى، ولكن الأستاذ أو اسنينة طلب الذهاب لمطعم حلويات يملكه أحد أقاربي في مدينة (الخليل) ـ ولا أريد، ولا أريدكم، أن تذكروه تجنبا للدعاية التجارية ـ لأنه أطيب، فاشترطت عليهم أن لا نتعرف عليه، ولا نُعَرِّفه بأنفسنا إلا بعد الأكل، ودفع الحساب، حتى لا نحرجه فلا يأخذ منا بدلاً، فوافق الأخوة على ذلك، وكذلك فعلنا، ولكنه لما عرفناه، وعَرَّفناه على أنفسنا، وتبين له قرابتي منه، وصلتي النَسَبِيَّةِ به، أخرج المبلغ الذي استوفاه من صندوق الحساب (الكاش)، وبدأ يغلظ الأيمان، ويحرم على نفسه ما أخذه سابقا، حتى قَبِلَ الأخوة باسترداد المبلغ، بعد أن شدد على دعوتنا، وقبل اعتذارنا بصعوبة عن إجابة دعوته لارتباطاتنا الكثيرة.
ومن المضحكات التي جعلها الأخوة من مضحكات ذلك اليوم، أنني قدمت لقرابتي هاتفي النقال ليكتب لي رقم أحد أبناء عمي المقيمين في القدس، مما جعله يرتجف خوفا حين رآه ـ على تعبير أحدهم ـ مستغربا قدم طراز هاتفي النقال، وجعلوا بعد ذلك هاتفي المسكين الأثري العزيز أضحوكتهم، وموضع نكتتهم وتندرهم الجديدة.
توجهنا من الخليل نحو بيت لحم، وعند كفر عصيون اضطر أخونا السائق الكريم إلى مخالفة السير، والسير بعكس الاتجاه بعض مترات للدخول إلى الطريق السريع، وهي مخالفة سير لا ينبغي لطالب العلم أن يقع فيها.
مررنا بمخيم الدهيشة مرة أخرى، ولم يكن الوقت متسعا لدخوله إلا قليلا بسبب ارتباطنا مع إخوتنا في بيت لحم، على أمل العودة إليه بعد المحاضرة، ولقاء الأخوة في بيت لحم ـ إن شاء الله ـ.
وصلنا مسجد الرباط في المدخل الجنوبي من بيت لحم مع صلاة العصر، ووجدنا عددا من إخواننا السلفيين في المسجد يصلون، وقد أصاب بعض (غزاة ذات الرقاب!!) ميوعة في أنفسهم بسبب دَسَمِ الطعام ـ وخاصة الأرز المطبوخ بالسمن البلدي ـ مما اضطرهم إلى الاستفراغ في حمامات مسجد الرباط، وهو مسجد حديث لم يكن قبل الاحتلال على تلة مشرفة هوائها عليل يهب عليه عبر بيت جالا من جبال فلسطين الغربية وبحرها المتوسط.
أخذني بعض الأخوة (التلاحمة) ـ نسبة إلى بيت لحم ـ إلى مقر الجمعية التي ستكون فيها المحاضرة في بيت لحم، مسقط رأسي، تخنقني العبرة، وتخونني العبارة حين رأيت بعض معالم المدينة التي غبت عنها ستا وأربعين سنة عجاف.
حين جلست إلى الطاولة التي سألقي عنها المحاضرة، حضرني قول قيس بن الملوح (المجنون) صاحب ليلى:
أمر على الديار ديار ليلى** أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار ملكن قلبي** ولكن حبّ من سكن الديارا
فعارضته مقتبسا منه:
أمر على الديار ديار أهلي** أقبل ذا الجدار وذا الجدرارا
وحبُّ ديارِ أهلي ملكنَّ قلبي** كذاك حبُّ من سكن الديارا
وجعلت هذين البيتين عنوانا لمحاضرتي لأهل بلدي، ومسقط رأسي، ومدرج طفولتي وصباي، مستذكرا معنى الأرض المقدسة في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام:
{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}
[المائدة: 21-26]
من بعض ما ذكرته في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، مما يغني عن إعادته هنا.
راجيا من الأخ الحبيب (سمو الأمير!!) أمير جَبَرين الذي صور هذه المحاضرة، أو من الأخوة الفضلاء الذين صوروها أو سجلوها أن يتكرموا بإنزالها، ـ أو رفعها، لا أدري أي التعبيرين أصح ـ وغيرها من المحاضرات كمحاضرتي في مكتبة الأوقاف في (طولكرم)، ولقائي مع الأخوة في الجمعية في (رام الله)، وغير ذلك على:
«منتديات كل السلفيين».
أو على أي موقع آخر كصفحتي في الـ (فيس بوك) أو غيره.
وَجَّهَ لي عدد من الأخوة الحضور ـ وكان عددا طيبا لا بأس به ـ عددا من الأسئلة المكتوبة، أخذتها كلها، ووعدتهم أن أجيب عليها ـ وعلى غيرها من الأسئلة المقدسية جميعا ـ عبر قناة الأثر الفضائية، في أيام السبت التالية لزيارتي لبيت المقدس، وقد فعلت ذلك في أربع حلقات متتاليات أيام السبت؛ ليالي الأحد، التي أعقبت عودتي من بيت المقدس إلى عمان، وقد تواصل معي بعضهم حينها ـ جزاهم الله خيرا ـ مباشرة عبر قناة الأثر، راجيا أن يكون الأخوة السائلين ـ حينها ـ قد شاهدوا تلك الحلقات، وشاهدوا واستمعوا لإجاباتي على أسئلتهم، لأنني كنت أريد أن أربطهم بمشاهدة قناة الأثر من جهة، وأن أغتنم آخر نور النهار لأشاهد ما كان بيتا لنا قبل الاحتلال، والذي وُلدت فيه، وكان مسقط رأسي، والذي يسميه الأخوة المغاربة ـ على ما تعلمته منهم في رحلتي الأخيرة إلى المغرب الأقصى ـ (مكان الازدياد). ولأشاهد عين (أرطاس) التي سرى وسقى ماؤها أول ما سرى وسقى شراييني وأوردتي بعد وجودي في هذه الحياة الدنيا، لأن أهلي كانوا يستقون منها في العادة في تلك الفترة.
أرطاس.. قرية صغيرة وادعة من قرى بيت لحم، تقع جنوب غرب بيت لحم، وجنوب شرق قرية الخضر، وجنوب مخيم الدهيشة، في وادٍ يُسمى باسمها، وتنحدر منه إلى قرية وادي رحال ـ وفيها عدد من إخواننا السلفيين الذين يجمعنا معهم اسم عائلة (زيادة)، ولا أعرف إن كان النسب بعد ذلك يجمعنا أم لا، وقد صحبتُ بعضَهم في بعض رحلات العمرة، وفي بعض الدورات العلمية في عمان، وجمعت لهم شجرة عائلة في موقع (هوية) الفلسطيني حسب ما أعطوني أسماءهم حينها ـ
وفي (أرطاس) أكثر من دير وكنيسة للنصارى، وأهم ما فيها عين ماءها العذبة التي لا تزال تتدفق كما كانت منذ عرفتها قبل عشرات السنين، وكما كانت دوما عبر آلاف السنين على ما يبدو من وجود الكنيسة.
وكنت قد رأيت في المنام وأنا في اليمن في أوائل تسعينيات القرن الميلادي الماضي، أنه قد بني مسجد في (أرطاس) قرب العين، ولما سألت بعض أهل (أرطاس) ـ ممن لقيتهم بعد ذلك ـ أخبروني أنه فعلا بني مسجد قرب العين، فأحببت أن أرى هذا المسجد الذي بُني فعلا كما رأيته في منامي أم لا؟!.
خرجت من المحاضرة مع بعض الأخوة من قرية أرطاس في سيارة أحدهم، متوجهين عبر طريق جديدة، لم تكن قبل الاحتلال، وتمر من شرق مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، (دير المجانين) ـ كما كنا نسميه قبل الاحتلال ـ وعبر جبل (أنطون)، ومن حيث كان مدفع رمضان يعلن عن موعد بدء الإفطار، وموعد انتهاء السحور في شهر رمضان المبارك، حيث كان يحلو لنا الذهاب لمشاهدة ذلك الحدث الهام بالنسبة لنا في حينه، وإذا بجبل (أنطون) غير جبل (أنطون) الذي أعرفه، حيث شيدت فيه مبان للجهات الأمنية الفلسطينية، وجامعة حديثة، مما غير أكثر معالمه التي كنت أعرفها.
انحدرنا من شرق جبل (أنطون) في اتجاه الجنوب الغربي منه نحو أرطاس، وهي مسافة لا تتجاوز (3) كيلو متر حتى وصلنا عين (أرطاس) التي شُيِّدَ عليها بناء حجري نظيف، وبُلطت ساحتها حول العين المتدفقة ليحافظ على تدفق ماءها نظيفا، ورأيت المسجد الذي بُني جنوب شرق العين على جانب الطريق من الجهة الجنوبية، وعلى بعد نحو مائة متر تقريبا من الموقع الذي رأيته قد أقيم فيه في منامي، وبغير الساحة التي رأيتها له في منامي، وأخبرت بعض أهالي (أرطاس) الذين حضروا يستطلعون سبب زياراتي، والذين عرَّفتهم بنفسي من خلال تذكيري لهم ببعض أهالي أرطاس من سكان عمان، الذين أعرفهم ويعرفونهم عن رؤيتي للمسجد، ومكان بنائه في الساحة التي جنوب العين مباشرة، وهي ساحة مزروعة حتى الآن، بين العين، وبين الكنيسة التي جنوب العين أيضا.
ثم انحدرت من الشارع نحو العين، أروي عطشي النفسي منها أكثر مما هو عطشي الحسي، وشربت من مائها الصافي ما يشفي العليل، ويروي الغليل حتى ارتويت، وذكرت للناس ـ فيما ذكرت ـ وقوعي في حوضها في صغري، وما أتذكره مما كان حولها من بيت فيه بعض البقر التي كنا نشتري حليبها.
وقفزت إلى ذهني ـ ولا زالت تقفز إلى ذهني، وأتذكر صورة تلك النظرة الزائغة التي رمقني بها، وَظِلَّ تلك الابتسامة الشاحبة التي خِلْتُها مرسومةً على طرف فم صاحب تلك الأبقار، وتلك الدار التي لا زالت آثارها باقية ـ عفا الله عنا وعنه ـ وقد شمر ـ عن ساقي سرواله الأسود الواسع ـ (قمبازه) الرمادي، والذي دَسَّ طرفيه الأسفَليْن بين خاصرتيه وحزامه الجلدي المشدود على بطنه، معتمرا قلنسوته الصوفية، بعد أن علق عقاله الذي طوى فيه كوفيته وأدخلها فيه، على خشبة كانت مغروسة في الجدار قرب حظيرة بَقَرِهِ الصغيرة، وحين رأيته يخلط الحليب الذي كنا ـ وغيرنا ـ نشتريه منه، وقد رأيته يفعل ذلك، ولا زلت أذكر نظرته المريبة لي أثناء وبعد فعلته الشنعاء من غش اللبن بالماء، وبعد ما كبرتُ، وقرأت في الكتاب المدرسي قصة كَنَّةِ عمر بن الخطاب، والتي صارت جدة عمر بن عبد العزيز لأمه، وهي تحاور أمها وتحذرها من مذق اللبن بالماء، وتقول لها:
«إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن الله رب أمير المؤمنين يرانا».
وهي قصة معروفة مشهورة متداولة، ارتبطت في مخيلتي ـ ولا زالت ـ بتلك الصورة المخزية التي تقفز إلى ذهني كلما تذكرت صورة ذلك الرجل، الذي كان في شك من صحة فعله، حتى أمام طفل صغير مثلي، ولعله كان في شك أيضاً إن كنت أعقل ما يفعل أو لا أعقل.
وكلما قرأت، أو سمعت، أو ذكرت، حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
رواه مسلم (294) وغيره، عن أبي هريرة.
تقفز إلى ذهني صورة الرجل ـ الموصوف سابقا ـ وهو يخلط اللبن بالماء ـ الذي عشقتُ وأعشقُ وأحبُ ـ والذي ـ في ظني ـ أنه لا يقل جودة عن جودة الحليب البقري الصافي، ولكنه الغش الممنوع ـ شرعا ـ وغير المشروع ـ عقلاً ـ هو الذي علق، ولا زال يعلق في ذهني كلما تذكرت، أو ذكرت، أو سمعت تلك النصوص.
صورني أحد الأخوة ـ جزاه الله خيرا ـ عبر عدسة هاتفه النقال، وأنا أشرب من العين، وصور بعض زيارتي لأرطاس، وبعض زيارتي لمخيم الدهيشة بعدها، ثم لكلمتي في مسجد مخيم الدهيشة، ومحاورتي لبعض من صار يسكن ما كان بيتا لنا في المخيم، ومحاولتي زيارة هذا البيت الذي سكنني ولا يزال يسكنني أكثر مما سكنته من قبل، ثم نَشَرَهَا ـ جزاه الله خيرا، مشكورا ماجورا إن شاء الله ـ عبر الشبكة العنكبوتية بعد ذلك.
خرجت من عين (أرطاس)، وأَرَيْتُ الذين كانوا معي، والذين حضروا إلينا من أهل القرية المكان الذي رأيته في منامي، ووصفت لهم المسجد الذي رأيته في منامي أيضا، والذي لا يختلف عن المسجد الذي في الواقع الحالي كثيرا لا من حيث الصفة، ولا من حيث المكان، ولا من حيث الزمان الذي بني فيه.
خرجنا من موقع عين (أرطاس) في اتجاه (بِرَكِ سليمان القانوني) الثلاث غربها، حتى وصلنا البركة العليا، وهي الأولى ثم انحدرنا من عندها نحو الوسطى حيث وقفت وشرحت للحاضرين باختصار بعض ما أعرفه من تاريخها، وأن السلطان العثماني سليمان القانوني بناها سنة 943هـ، وليس النبي سليمان بن داود عليهما السلام، كما كان يُشاع.
انطلقنا من عند البِرَكِ نحو مخيم (الدهيشة) من السفح الخالي الذي كان فاصلا بين جنوب المخيم وشمال (أرطاس)، والذي كنا نرعى فيه ماشيتنا قبل الاحتلال، والذي صار الآن عامرا بالبنيان، ومررنا فيه بمسجد حمزة بن عبد المطلب ـ إن لم أكن أخطأت في اسم المسجد الآن ـ لندرك صلاة المغرب في أول مسجد سجدت فيه لله رب العالمين قبل نحو ثمان وأربعين سنة من الآن، مسجد مخيم الدهيشة الذي كان ولا زال بجوار ما كان بيتنا.
دخلنا مخيم (الدهيشة) من جهته الجنوبية الشرقية (الفوقى)؛ لنخترق شوارع المخيم التي صارت ضيقة، والتي تسكن مخيلتي شبرا.. شبرا، وقيراطا.. قيراطا، مع بداية أذان المغرب، حتى وصلنا المسجد مع نهاية الأذان تقريبا، ودخلنا المسجد من نفس مُدخله الذي أعرفه تماما، والذي سال على درجاته ـ التي كانت تؤدي إليه قبل توسعته، والتي صارت تؤدي الآن إلى حماماته وأماكن الوضوء فيه ـ دمُ ذقني حين سقطت من بين يدي إحدى اخواتي وأنا صغير، فانشقت ذقني مما استدعى نقلي للمستشفى حينها، وخياطة الجرح الغائر في ذقني والتي يستره الآن شعر لحيتي.
دخلنا المسجد الحبيب العزيز على قلبي، وسلمت على الأخ الفاضل إمام المسجد، وَعَرَّفْتُهُ على نفسي، فقدمني ـ جزاه الله خيرا ـ للصلاة بالناس، فكانت فرصة ذهبية ـ بل ماسية ـ مناسبة، لمخاطبة الناس بما يعرفون ليعرفني بعد ذلك من كان يعرفنا قبل الاحتلال.
صليت بالناس المغرب، وعند الانصراف من الصلاة رأيت بعض إخواني الذين تركتهم في بيت لحم بعد المحاضرة قد وافوا معنا صلاة المغرب، وبعد انصرافي من الصلاة خاطبت الناس، وعَرَّفْتَهُم ببعض نعم الله علينا وعليهم، ثم عَرَّفْتَهُم على نفسي، وعلى والدي، وبعض أهلي، ببعض ما كانوا يعرفونا به، فعرفني بعضهم، ولم يعرفني من لم يكن من أهل المخيم قبل الاحتلال.
صافحت وعانقت من عرفني ومن لم يعرفني، واستأذنتهم بعد أن دعوني وشددوا في دعوتي هذه الليلة، أو غدا، واعتذرت لهم بكثرة مشاغلي، واستأذنت بعض من كان له علاقة بمن اشترى بيتنا من عمتي أم محمود ـ رحمها الله ـ أن يرافقني لزيارة مسقط رأسي، وما كان بيتنا، قبل الاحتلال، وقد رافقني الأخ أبو ثائر أحد زملائي في المدرسة الابتدائية ـ جزاه الله خيرا ـ واستأذن من بعض الشباب من أقاربه الذين اشتروا بيتنا السابق، وجعلوا من بعض غرف بيتنا السابق (سوبر ماركت)، أن يأذنوا لي بدخول البيت للتعرف على باقي أجزائه الداخلية، واخذ صورة لما كان غرفة والدتي مسقط رأسي، فاعتذروا بحجة عدم وجود أحد من أهل البيت، فقبلنا عذرهم وإن كان البيت عامرا في الحقيقة مما كان يخرج منه من أصوات الصغار، ويظهر من تحركاتهم، وخرجنا من (السوبر ماركت) ندور حول البيت من الشارع الشمالي للبيت، حيث رأيت باقي المحلات التجارية التي كانت لوالدي على الشارع الرئيسي محلات تجارية كما كانت، وإن اختلفت أنواع المهن التي فيها، ورأيت مكان حظيرة الغنم والبقر خاصتنا قد تحولت إلى دُكانين كبيرين أحدهما مفتوح ويمارس مهنة التنجيد، والآخر مغلق، وكأنه يمارس مهنة أخرى، ورأيت الباب الرئيسي في الشارع الشمالي الذي كنا نصعد منه إلى باحة البيت الرئيسية من جانب غرفة والدي والضيوف كما كانت صفتها قبل الاحتلال، وطلبت من بعض مُرَافِقِيَّ تصويري على باب البيت من الخارج، وتذكرت عمل والدي الدؤوب في تجهيز الطوب الاسمنتي بيديه لبناء هذه المحلات بيديه أيضا، وتذكرت كم عانت أمي وزوجة أبي وباقي أخواتي في نقل الرمل والحصباء من بعض المقالع نواحي قرية (الخضر) على رؤوسهن، ونقل الماء من عين (أرطاس) على رؤوسهن أيضا من أجل العمل في كبس الطوب، وأعمال البناء وغيرها من أعمال شاقة يطول ذكرها، مُلَخَّصُها وصف المعاناة والمشاق التي عايشناها وعشناها في بناء هذه المحلات، وهذا البيت الساكن فينا رغم عدم سكننا فيه، وذكرت في نفسي بأسىً ما بعده أسى، حين حُرمت من دخول مسقط رأسي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً»
رواه البخاري (3058) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
فقلت لنفسي:
«وهل تركت لنا عمتي أم محمود ـ رحمها الله ـ منزلاً؟!».
تعرفت على بيوت بعض الجيران ممن كانوا حولنا، أو لصقنا، وتذكرت بعض معالم الحارة والشارع الذي كنا فيه، وتوقف بعض الشبان يتساءلون عن سبب التجمع، وكان الجواب الذي أعجبني وتفاءلت به:
«الشيخ عائد من العائدين يتذكر بيتهم، وحارتهم». أو نحو هذا الكلام.
خرجنا من مخيم الدهيشة من باب المسجد باتجاه مدرستي التي درست فيها الصفوف الثلاثة الأولى، والتي تعلمت قراءة أول كلمة فيها وأنا في الأول الابتدائي، والتي كانت مكتوبة في كل ركن من المدرسة، وعلى كل سبورة:
(عائدون)
مدرستي التي لا زالت على نحو حالها قبل الاحتلال، مستذكرا موقع مركز توزيع المؤن، وبعض المقاهي التي كانت بينه وبين الشارع العام، وموقع مطحنة الحبوب التي كانت خلف مركز توزيع المؤن، وعيادة وكالة الغوث التي كانت مشهورة بطبيبها (الجعار)، وموقع المطعم العام الذي كانت تديره وتشرف عليه وكالة الغوث قرب دار أبو منصور الذي كان مديرا للمخيم فترة من الزمن ثم لغيره من المخيمات الأخرى.
غادرت مخيم (الدهيشة)؛ مسقط رأسي، وأنا أكاد أستذكر كل قيراط، وكل فتر، وكل شبر فيه.. دخلنا (بيت لحم) وطلبت من الأخ أبو صهيب المرور من أمام كنيسة المهد وساحتها ومن بعض شوارع المدينة القديمة التي لا تزال معالمها الرئيسية على ما كانت عليه قبل الاحتلال، وطلبت منه النزول إلى (بيت جالا) من أمام مستشفى عالية بنت الحسين في (بيت لحم)، وكم سرني سماع الأذان من مآذن مدينة (بيت جالا) التي كانت قبل الاحتلال تفتقر إلى المساجد، ودرنا من غرب (بيت جالا) إلى شرقها مرورا بالملعب الذي كان متنفسا لشباب منطقة (بيت لحم) قبل الاحتلال، والذي لا زال على حاله لولا بعض السياج عليه، وخرجنا من بيت جالا نبحث عن مسجد على الطريق نصلي العشاء فيه حتى وصلنا إلى مسجد واسع حديث في (بيت ساحور) قامت بإنشائه امرأة محسنة ـ على ما تثبته لوحة رخامية تعريفية بالمسجد على بابه ـ مما حملني على حمد الله كثيرا، أن يسر في هذه المدن التي كادت أن تكون حكرا على نصارى فلسطين سكنا للمسلمين الذين بنوا المساجد وصار الأذان يصدح فيها كل وقت صلاة.
خرجنا من (بيت ساحور) بعد صلاة العشاء، والأخ أبو صهيب يفكر ويتمنى أن يبني مسجدا يتقرب ببنائه إلى الله، بعدما رأى المسجد الذي صلينا فيه العشاء.. خرجنا إلى نفس الطريق التي سلكناها صباحا، والتي وصفتها سابقا، حتى وصلنا حاجز (حزما) مرة أخرى، متوجهين هذه المرة يمينا نحو (رام الله)، لا نحو (القدس!!) التي يُحظر على إخواننا من أهل الضفة الفلسطينية المحتلة، والواقعة اسميا تحت سلطة السلطة الفلسطينية الصورية..
سرنا في طريق (رام الله) من طريق (جبع) ـ وهي أصلا من قرى (القدس) ـ ومرورا بحاجزها المعروف لدى الفلسطينيين..
و(جبع) اسم لثلاثة قرى في فلسطين تحمل نفس الاسم؛ هذه إحداها في منطقة رام الله، والأخرى في منطقة جنين، ومنها زميلنا سميح حمدان؛ أبو يزيد، والثالثة في منطقة حيفا، وفيها فرع من عشيرتنا يقال لهم (آل أبو زيادة) متفرعين من فرع عشيرتنا في (أم الزينات) القريبة منها، وأكثرهم خرجوا مع الجيش العراقي عند انسحابه من شمال فلسطين سنة 1948م، ـ كالكثيرين غيرهم من اهالي شمال فلسطين ـ وكانوا يعيشون في حي البلديات في بغداد قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، وَفَقَدَ بعضُهم حياته في حوادث التطهير العِرْقي الفارسي الصفوي الرافضي الصدري وغيره من تيارات الرفض والتشيع الشنيع الخبيث في سنوات ما بعد الاحتلال.
مررنا بعد (جبع) بموقع لمعسكر قديم للتموين كان تابعا للجيش الأردني قبل الاحتلال، ثم دخلنا إلى (الرام) حيث أنزلنا الأخوين شاكر العالم، وأمير جبرين، ثم توجهنا نحو قلنديا مصطدمين بالجدار العازل والذي لولاه لصرنا في (بدو) وهي وجهتنا خلال دقائق معدودة، ولكن الجدار فرض علينا الالتفاف حتى وصلنا (كفر عقب) والتي يسهل الصهاينة على الفلسطينيين في القدس الانتقال إليها من خلال تبسيط إجراءات ترخيص البناء والرسوم والضرائب لتفريغ القدس من سكانها، ثم إلى (أم الشرايط)، ثم (رافات) ـ وهما اثنتان هذه الجنوبية، وأخرى شمالية غير بعيدة عنها بين (الزاوية)، و (دير بلوط) ـ ثم دخلنا (بير نبالا)، وتذكرت الشباب الذين اختطفوا جنديا صهيونيا لمبادلته بأسرى فلسطينيين من ضمنهم ـ حينها ـ الشيخ أحمد ياسين ـ رحمه الله ـ والذين تم تصفيتهم في (بير نبالا) ـ وهي غير (بيت نبالا) المحتلة منذ سنة 1948م ـ وهي من أعمال مدينة (اللد)، ثم اتجهنا إلى (الجديرة) و(الجيب) ولما اقتربنا من وجهتنا (بدو) مررنا من نفق حديث يخترق أسفل الجدار والأراضي العربية فوقه إلى قرية (بدو).
حدثني الأخ أبو صهيب أثناء مسيرنا عن حادث سيارة مريع وقع لسيارة تابعة لجمعية نور الهدى الفلسطينية، قبل شهور، كانت تقل أطفالاً وطلاباً ومعلمتهم، وذهب ضحية الحادث خمسة قتلى من الأطفال، إضافة لمعلمتهم ـ رحمها الله ـ.
وصلنا قرية (بدو)، وهي قرية أخي أبي صهيب ـ حفظه الله ـ حيث استقبلنا ابنه صهيب، وإخوانه الكرام، وابنتان صغيرتان من بناته، وخاصة (سديل) الأمورة، وأصر على تقديم العشاء الطيب الذي كانت أعدته وجهزته زوجته الفاضلة أم صهيب أثناء طريقنا بعد الرام، وقدمته (بيتزا) ساخنة مغرية لولا ما سبق من تخمة في (غزوة ذات الرقاب) المذكورة.
ألان الأخ أبو صهيب لي الفراش بعدما أطاب لي الطعام، وأويت إلى فراشي ناعساً مرهقا من جولة استغرقت جنوب الضفة الغربية كله، واستمرت من قبيل الفجر حتى ساعة متأخرة بعد العشاء، ونمت نوما هانئا مريحا في أول قرية فلسطينية هادئة في حياتي، بعد أن حدثني أخي أبو صهيب عن ظروف اعتقاله عند الصهاينة في مرحلة من المراحل الصعبة في حياته.
وقبل أن أودعكم في الحلقة الرابعة من حلقات
«الفوائد الماسية من الرحلة المقدسية»
أسوق لكم بعض أهم الفوائد الماسية المقتنصة، والمقتبسة من هذه الحلقة
«غزوة الكَتَّةِ!! وذات الرقاب»

مع أدلتها الشرعية ـ إن حضرتني ـ ما أمكنني إلى ذلك سبيلا.