المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات إيمانية مع سورة من كلام رب البرية - الزلزلة -



أهــل الحـديث
25-04-2013, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها .


وقفات إيمانية مع سورة من كلام رب البرية
- الزلزلة -
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين،أنزله جل وعلا على سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،شهد به سبحانه على صدق رسالة خاتم النبيين، وكذب به أعدائه الحاقدين،وخُتمت به الكتب السابقة، وتَكفل جل جلاله بحفظه من التحريف والتغيير والتبديل،قال تعالى:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[ الحجر :9]
يقول الشيخ السعدي – رحمه الله-:" أي :في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم،وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله،واستودعه فيها ثم في قلوب أمته،وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين". تفسير السعدي (ص 429)
إن هذا القرآن العظيم هو الصراط المستقيم والمنهج القويم،والنور المبين للمسلمين،فمن طلب العزة في غيره أصابه الذُل، ومن بحث عن الرفعة في غيره ، وضعه الله جل وعلا،ومن اهتدى بغير هديه ضل، قال صلى الله عليه وسلم:" إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي...".رواه الحاكم في المستدرك(1/172) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-وصححه العلامة الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع (2937)
لقد أحببت أيها الكرام أن أقف معكم في هذا المقال على معاني سورة كريمة جليلة، قليلة الحروف، حيث عدد آياتها ثمان لكنها عظيمة المعاني، هي سورة مدنية، اشتملت على العظات والعبر،والترغيب والترهيب والتذكير بيوم الوعيد،وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقرأ بها أحيانا ويرددها في ركعتي الفجر،فعن معاذ بن عبد الله الجهني أَنَّ رجلا من جُهَيْنَةَ أخبره أَنَّهُ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الصُّبْحِ (إذا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ) في الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، فلا أَدْرِي أَنَسِيَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ قَرَأَ ذلك عَمْدًا".رواه أبو داود (816)وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
قال الإمام ابن رجب-رحمه الله-"ونص أحمد على أنه جائز في الفرض من غير كراهة". فتح الباري لابن رجب(4/469)
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: "وأما قراءة سورة واحدة في الركعتين معا، فقلما كان يفعله". زاد المعاد (1/267)
قد أخبرنا الرب جل وعلا في آيات هذه السورة الكريمة أن الأرض ستتزلزل وتضطرب ، ولهذا سميت بسورة الزلزلة،قال سبحانه: (إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة:1]
قال ابن عباس –رضي الله عنهما- :"أي: تحركت من أسفلها ". تفسير ابن كثير (4/540)
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:" يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة،وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج،حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم،فتندك جبالها وتسوى تلالها وتكون قاعا صفصفا لا عوج فيه ولا أمت".تفسير السعدي(ص932)
فتُخرج الأرض بعد ذلك ما كان في باطنها من الأموات و الكنوز،قال تعالى: ( وأخرجت الأرض أثقالها) [ الزلزلة:2]
قال الإمام البغوي-رحمه الله-:" أي:موتاها وكنوزها فتلقيها على ظهرها ".تفسير البغوي ( 4/ 515)
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"يعني ألقت ما فيها من الموتى، قاله غير واحد من السلف وهذه كقوله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم )[ الحج:1] ،وكقوله:( وإذا الأرض مدت(3) وألقت ما فيها وتخلت) [الانشقاق: 3-4]".تفسير ابن كثير ( 4 /540)
جاء عند الإمام مسلم –رحمه الله- في صحيحه (1013) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تقيء الأرض أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ من الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فيقول: في هذا قَتَلْتُ! وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فيقول:في هذا قَطَعْتُ رَحِمِي! وَيَجِيءُ السَّارِقُ فيقول: في هذا قُطِعَتْ يَدِي!، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فلا يَأْخُذُونَ منه شيئا".
قال ابن الجوزي –رحمه الله- :" أي تُخرج الكنوز المدفونة فيها، قال ابن السكيت: الفلذ لا يكون إلا للبعير،وهو قطعة من كبده ،وفلذة واحدة،وجمعها فلذ وأفلاذ:وهي القطع المقطوعة طولا،وسمي ما في باطن الأرض كبدا تشبيها بالكبد الذي في بطن البعير،وكذلك قوله تقيء،وقيئها:إخراجها ، و( الأسطوان):العمود، والأساطين : الأعمدة ،ويحتمل أن يكون هذا قبيل القيامة وهم في شغل،ويحتمل أن يكون في القيامة".كشف المشكل(3/571)
وقال الإمام النووي –رحمه الله-:"ومعنى الحديث التشبيه أي تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، و (الأسطوان) بضم الهمزة والطاء وهو جمع أسطوانة وهي السارية والعمود وشبهه بالأسطوان لعظمه وكثرته".الشرح على صحيح مسلم ( 7 / 98)
فعندئذ يتساءل المخلوق الضعيف بعد أن أصابته الدهشة!ونزلت به الحيرة!ما الذي جرى للأرض؟! لماذا اهتزت ؟!ما الذي يحدث ؟!، قال تعالى:( وقال الإنسان مالها ) [ الزلزلة:3]
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-:"أي استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها أي:تقلبت الحال، فصارت متحركة مضطربة،قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه،ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين وحينئذ استنكر الناس أمرها".تفسير ابن كثير(4/540)
ولقد وقع الخلاف بين العلماء في السائل يومئذ هل هو المؤمن أم كافر أم معا؟
يقول ابن الجوزي –رحمه الله- :"فيه قولان :
أحدهما: أنه اسم جنس يعم الكافر والمؤمن وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة، لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة، فسأل بعضهم بعضا حتى أيقنوا.
والثاني: أنه الكافر خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها والكافر جاحد لها، لأنه لا يؤمن بالبعث، فلذلك يسأل".زاد المسير ( 9/ 203)
فتحدثهم بعد أن أمرها خالقها سبحانه عما قدموا عليها من أعمال مهما كان حجمها، خير كانت أو شرا، ،قال تعالى:(يومئذ تحدث أخبارها (4)بأنك ربك أوحى الله) [ الزلزلة:4-5]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" أي : تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم، ذلك (بأن ربك أوحى لها )،أي : وأمرها أن تخبر بما عمل عليها،فلا تعصي لأمره". تفسير السعدي ( ص932)
فبعد ذلك ينصرف الناس أشتاتا متفرقين، من موقف الحساب ليروا ما يجازيهم العزيز الحكيم عليه بحسب ما قدمت أيديهم،قال تعالى:( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم) [ الزلزلة:6]
قال الإمام القرطبي –رحمه الله- :"أي فرقا جمع شت، قيل:عن موقف الحساب فريق يأخذ جهة اليمين إلى الجنة وفريق آخر يأخذ جهة الشمال إلى النار كما قال تعالى :(يومئذ يتفرقون) [الروم:14]، (يومئذ يصدعون) [الروم:43]،وقيل : يرجعون عن الحساب بعد فراغهم من الحساب".تفسير القرطبي( 20 /149)
فيجزى كل عبد على ما قدم مهما كان حجمه،وإن كان مثقال ذرة،قال سبحانه:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة:7-8]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وهذا شامل عام للخير والشر كله،لأنه إذا رأى مثقال الذرة،التي هي أحقر الأشياء ، وجوزي عليها،فما فوق ذلك من باب أولى وأحرى،كما قال تعالى : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) [آل عمران:30]، ( ووجدوا ما عملوا حاضرا) [الكهف:49]، وهذا الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا والترهيب من فعل الشر، ولو حقيرا".تفسير السعدي (ص 932)
روى البخاري في صحيحه (4678) واللفظ له، ومسلم (987) عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ، لِرَجُلٍ أَجْرٌ ،وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الذي له أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لها في مَرْجٍ –الموضع الذي ترعى فيه- أو رَوْضَةٍ، فما أَصَابَتْ في طِيَلِهَا –الحبل الذي يطول للدابة- ذلك من الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ، كان له حَسَنَاتٍ وَلَوْ أنها قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ، كانت آثَارُهَا و َأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ له، وَلَوْ أنها مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كان ذلك حَسَنَاتٍ له، فَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا ولم يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ في رِقَابِهَا، ولا ظُهُورِهَا فَهِيَ له سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا ورياء وَنِوَاءً، فَهِيَ على ذلك وِزْرٌ"، فسئل رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْحُمُرِ؟ قال:" ما أَنْزَلَ الله عَلَيَّ فيها إلا هذه الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)".
قال العيني –رحمه الله- :" قال الخطابي:سئل عن صدقة الحمر وأشار إلى الآية بأنها جامعة لاشتمال اسم الخير على أنواع الطاعات، وجعلها فاذة لخلوها عن بيان ما تحتها من تفصيل أنواعها، وجمعت على انفرادها حكم الحسنات والسيئات المتناولة لكل خير ومعروف، ومعناه: أن من أحسن إليها أو أساء رآه في الآخرة، وقيل : إنما قيل : إنها فاذة إذ ليس مثلها آية أخرى في قلة الألفاظ وكثرة المعاني، لأنها جامعة بين أحكام كل الخيرات والشرور ، وكيفية دلالة الآية على الجواب هي أن سؤالهم أن الحمار له حكم الفرس أم لا ؟ فأجاب : بأنه إن كان لخير فلا بد أن يجزى جزاءه ، ويحصل له الأجر وإلاَّ فبالعكس".عمدة القاري ( 12/216 )
وفي ختام هذه الذكرى،التي أسأل الله أن ينفع بها كاتبها و قارئها،ويجعلها خالصة لوجهه الكريم،وينفعنا بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم أحببت أن أوصي نفسي وإياكم أيها الأفاضل بالعناية و الحرص على كتاب الله جل جلاله، حفظا ومراجعة وتدبرا ،فإنه حياة القلوب وسكينة النفوس ونور الصدور، قال الإمام أحمد بن عبد الرحمن ابن قدامة المقدسي-رحمه الله-: "ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم، وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه". مختصر منهاج القاصدين (ص46)
والحذر كل الحذر أيها الكرام أن يكون هدفنا فقط قراءة حروفه وحفظه، دون الغوص في كنوزه و معانيه ، فقد عاب الله على المنافقين لما أعرضوا عن تدبر كتابه العزيز، فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )[النساء :82]
قال الإمام القرطبي -رحمه الله -: "عاب المنافقين بالإعراض عن التدبر في القرآن و التفكر فيه و في معانيه ". تفسير القرطبي ( 5/290)
وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم،وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾[المائدة :118] فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب". مفتاح دار السعادة ( 1/187)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا لي ولكم أيها الكرام ،أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونورنا صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا ، وأن يجعله حجة لنا لا علينا ، فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي