المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بوحٌ مبعثر



عميد اتحادي
25-04-2013, 06:50 PM
لطالما كنتُ أضمد الجراحات بذكر حبيبة ليس لها وجود وكنتُ أُخيلِ نفسي أنّ ريقها يمطر على شفتاي ويمنحني شعور نشوان ينتشلني من هوة الويلات ويحلق بي إلى نعيم الوهم وفي الحقيقة لم يكن المطر إلا دموعٌ ضالة فقدت ملوحتها, والألم تجاوز هذا المنطق بمسافات.

لطالما بحثتُ عن معنى السعادة ونبشتُ الحقائق ومع كل حقيقة تنفجر ألف رزية تزهق روحي وتجرح قلبي وتساءلتُ أهكذا يكون المخلوق البائس أن لا يكون هناك ما يتأمل الفرح منه.

قبل ثلاثة أعوام علمني البين كيف أفكر ومذ ذلك الحين لم يتوقّف السيل الهابط من عيني وفاجعة وراء فاجعة حتّى بتّ أخافُ من الحياة نفسها أكثر من الموت ولم أتذكر أني فعلت شيئاً غير الهروب من كوارث الأيام رغم أني أحرصُ كثيراً وأحسبُ ألف حساب مع كل خطوة لكي لا أصادف غراب في الطريق يعرقل السير ولكني يأست وأكتفيت من الحزن ولا فائدة من كل هذا الحذر وفوق رأسي خبزاً تأكل الغربان منه وأعجبُ أني مازلتُ أرتعش من الخوف وأجهشُ باكياً وأحمل حقيبة دبلوماسية تسرق نظرات الحالمين وهم يعتقدون أنّ في جوفها ثروة هائلة بينما لا أحمل فيها إلا إحتياجات أشياء تأتي غير متوقعة؛ -ثوبٌ يليق بالفرح- ليس أنّ الفرح سوف يأتي ولكنه أملٌ كاذب أحتاج إليه, -وجلبابُ الحداد- لعل هناك أحد يموت أو يرحل مادام قلبي صالة مطار وذاكرتي ضريح الأطياف , -وكفنُ أبيض- بمقاس الحياة .

قلتُ : أني سوفَ أجدُ الصعلوك الكاذب الذي أبتكر مصطلح السعادة ربما يكون لديه أكسير السعادة لذا كان متفائلاً هكذا؛ وقررت أنْ آتي بالأكسير وألقيه على وجه البائسين مثلي فيرتدون بصيرا وحالما وجدت المبتكر رأيته مجنوناً غارقاً في الظلام يهذي بالسعادة فطوعت نفسي لمشاطرة البكاء معه شفقة وخيبة .

أتدرون يا رفاق!
أعتقد أن عمي -رحمه الله- كان يمني نفسه بالموت بينما هو يكابد العناء مذ نعومة أظفاره حتى وجد ضوءاً فأحكم سيطرته وأصبح تاجراً وحقق ما يفوق أحلامه وغدا رفيقاً جيداً للحياة, وذات ليلة من العام الماض في مثل هذا الشهر أراد أنْ يحتفل فأخذ إبنه معه في سيارته واتجها إلى منزل إبنته الكبرى وعندما وصلا قال لابنه : "روح جيب أختك, تعالوا بسرعة لا تتأخروا" , وعندما عاد الإبن والأبنة وجدوه ميتاً في السيارة بنوبة قلبية .
في تلك الليلة بكيتُ كثيراً, وضحكتُ كثيراً أيضاً, وأقول في نفسي "يالها من مزحة عرجاء عندما أراد الموت لم يمت, وعندما أراد العيش لم يعش, إنها مأساة ولا أدري لماذا أضحك؟ ولماذا أبكي ؟ "

ليس آخر الفاجعة ولكنه أخير النص توسلٌ إليكم يا أصدقاء أدعوا لجدتي لعل نداءاتكم الطاهرة تنقذني من شعور الفقد ولو لمرة واحدة .. دمتم بالصحة والعافية


سحابْ