المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنيس الغرباء .



أهــل الحـديث
24-04-2013, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



أنيس الغرباء

بسم الله الرحمن الرحيم

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)) رواه مسلم

(( بدأ الإسلام غريبا ...))

تنشأ الغربة مع كل مخالفة للمألوف والمعهود، وبداية كل شىء يصحبها غربة إن خالفت ما عليه المألوف والمعهود ، والإسلام قد بدأ غريبا ، وليس المقصود هنا الإسلام بمعناه الخاص برسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – فقط ، بل قد يشمل أيضا الإسلام بمعناه العام ، الإسلام الذى جاء به جميع الأنبياء ، والمواجهة التى حدثت بين الأنبياء وأقوامهم خير دليل على غربة الإسلام فى كل زمان .

من هنا ندرك أن كل بداية للدعوة إلى الإسلام يتبعها غربة ، وذلك لا يتم إلا بعد دورة كونية وسننية ،فلا يأتى نبى إلا وقد جاء ليصلح ما أفسده الناس بعد فترة من وقوع الإنحراف ، ، وعندما يقع الإنحراف يبعث الله نبيا يدعو الناس ويصحح لهم تصوراتهم ، فتحدث الغربة للنبى وأتباعه ولما يدعون إليه ، فالإنحراف مرتبط بالغربة ارتباطا قدريا .

وإذا كانت الغربة قد حدثت فى أزمان مختلفة وتكررت فهذا نفهم منه تكرار الإنحراف فى كل زمن ، وهى سنة كونية تتلاءم مع سنة الصراع بين الحق والباطل فى كل زمان ومكان .

ومع وضوح هذه السنة الكونية ، إلا أن النبى – صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بأن الإسلام الذى جاء به بدأ غريبا ، وأنه سيعود غريبا كما بدأ ، والذى نلمحه أن فائدة الإخبار هنا هى فى حقيقتها تتضمن الأمر الشرعى الذى ينبنى عليه العمل ، وليس أدل على ذلك من قول النبى صلى الله عليه وسلم – لعبد الله بن عمر رضى الله عنه :( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) رواه البخارى.
فهذا وإن كان المقصود به غربة كغربة الديار والأوطان ، إلا أنه لا يمنع من بقية معانى الغربة التى أخبر بها النبى صلى الله عليه وسلم أنها ستحدث ، فيكون الأمر الشرعى بالدخول فى مسمى الغرباء وهذا من أعظم الأعمال فى وقت الغربة ، وقت القبض على الجمر .

( وسيعود غريبا كما بدأ ... )

نستطيع القول بأن هذا الإخبار نفسه أخبر به النبى – صلى الله عليه وسلم – فى وقت ظهور للإسلام ، فإن بين بداية افسلام غريبا وعودته غريبا ، وقت ظهور للإسلام ولابد ، حتى يضعف ويرجع غريبا كما بدا ، ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم – اخبر بهذا فى وقت بداية الإسلام لما كان أخبر بصيغة الماضى (بد أ الإسلام غريبا .. ) ففى وقت الإخبار كانت الغربة قد مضت ، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم - : ( وسيعود غريبا ..) فهذا إخبار عن مستقبل ، وما بين الماضى والمستقبل كان وقت ظهور للإسلام .

ومن عودة الإسلام غريبا كما بدأ ، تعود معه أحداث وصراعات كالتى كانت قبل ظهوره ، فمن بداية الدعوة إلى الدخول فى الإسلام، الواحد بعد الواحد من كل قبيلة ، وكان المستجيب خائفا ، إلى الأذى والقتل وهجرة الأوطان والاستضعاف فى الأرض والتشريد ، فعودة الغربة عودة لأحداثها فى الأزمنة الغابرة .

( فطوبى للغرباء )

(نعم مالهم) ، أو ( فرح وقرة عين ) ، أو (حسنى لهم) ، أو (الجنة) ، أو (شجرة فى الجنة)، فكلها محتملة كما قال النووى فى شرح مسلم .

وأيا كان نوع هذا الجزاء ، فهذا أمر شرعى لإظهار الإسلام ، بل وكل شعيرة من شعائر الإسلام قد عادت غريبة ، ولو لم يكن هذا أمرا شرعيا لما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم –الجزاء الذى يلقاه الغرباء .

وقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم- الغرباء بعدة صفات ، وردت فى عدة روايات ، وكلها لا يخرج عن معنى اظهار الدين وشعائره ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ) رواه أحمد، والنزاع من القبائل هم الذين هجروا أوطانهم لله ، وهم القلة القليلة ، فلا تجد فى كل قبيلة إلا الواحد أو الإثنان .

وهؤلاء وإن كانوا قلة قليلة ، فلا يعنى أن هذا هو الضابط للدخول فى مسمى الغرباء ، فقد تكون فئة من أهل البدع قليلة أيضا وقد جاءت بما يخالف المألوف والمعهود ، فلا يدخل هؤلاء فى مسمى الغرباء ، وإن هم ظنوا ذلك ، والذى يحدد هذا الأمر هو قول النبى صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي) رواه الترمذى، فهذه الرواية تقيد معنى الغربة وأهلها بالسنة ن فالنبى صلى الله عليه وسلم يعرف الغرباء بـ(الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي) ، فيتبين من هذا أن الإصلاح لا يكون إلا بالسنة .

ويتأكد الأمر بالدخول فى مسمى الغرباء ، وإظهار الدين أو بعض شعائره إذا رجع غريبا ، قول النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر : ( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) رواه البخارى .

والأمر الشرعى هنا قد تحدد بإصلاح الإفساد بإظهار سنة النبى صلى الله عليه وسلم ، وتعليمها للناس ، وهذا الأمر يناسب قاعدة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وهو على مراتب وبحسب الاستطاعة ، بشرط الا يتعدى عدم الإنكار حد القلب ، وهذا فى حد ذاته يقسم لنا الغرباء إلى قسمين : قسم يغير ويصلح ما أفسده الناس ، وهذا يناسبه الإصلاح باليد واللسان ، وقسم يصلح نفسه عند فساد الناس ، وهذا يناسبه إنكاره بقلبه ولا أقل من ذلك .

والحمد لله رب العالمين