المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائدالماسية من الرحلة المقدسية الحلقة الثانية



أهــل الحـديث
23-04-2013, 03:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسر لنا في المسجد الأقصى الصلاة.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي أُسرى به ربه في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فاجتباه بذلك واصطفاه.
وعلى آله وصحبه ومن آمن به ووالاه.
وبعد:
فهذه الحلقة الثانية من رحلتي المقدسية، وفوائدي الماسية منها بعنوان:
«في فلسطين الأبية.. ذقت طعم السلفية».
راجيا تعليقاتكم وتوجيهاتكم.
استيقظت مبكرا قبل وقت الفجر بأكثر من ساعة..
اغتسلت لأنني من تَعَبِ الأمس لم أغتسل قبل النوم..
ولأول مرة في حياتي أصلي الليل في بيت المقدس وأوتر فيه قبل خروجي إلى المسجد الأقصى حين الأذان لأداء أول صلاة فجر لي فيه بعد أكثر من نصف قرن من حياتي.
سرت من الفندق الهاشمي باتجاه الجنوب عدة أمتار، ثم انعطفت يسارا (شرقا) في طريق الآلام.
في منتصف طريق الآلام، واليوم يوم (سبت).. صادفت مجموعة كبيرة من النصارى؛ رجالا ونساء.. شيبا ـ الأكثر ـ وشبانا، ومعهم أحد رجال دينهم.. كاهن!.. قسيس!.. خوري!..راهب!.. دليل سياحي!.. لا أدري على باب كنيسة قديمة يشرح لهم، وهم يأخذون الصور التذكارية.
أَفْسَحوا ليَ الطريق أثناء مروري، ولولا حُرمةِ ابتداءهم بالسلام شرعاً،
والمتمثل في الحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» برقم (5789) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
«لاَ تَبْدَأوا الْيَهُودَ، وَلاَالنَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ».
فلولا ذلك الحديث النبوي الشريف لسلمت عليهم، إظهارا لخُلق الإسلام مع من قال فيهم ربنا تبارك وتعالى:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْالَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}


[المائدة: 82]


ولكنني قلت في نفسي: لم ينه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذلك النهي عن ابتدائهم بالسلام، ويأمر بتضييق الطريق عليهم، إلا ويعلم أن في ذلك خيرا كثيرا، أكثر مما قد تحسنه عقولنا وقلوبنا وعواطفنا، ونحن أهل نص وأثر، ولسنا أهل مداراة البشر..
تابعت الانحدار في طريق الآلام وليس فيها غيري من المسلمين حتى وصلت إلى التقاء طريق الآلام بطريق الواد.. قريب من مطعم أبي شكري، وفرن الكعك والخبز القريب، وصادفت بعض اليهود المتشددين والذين يسمونهم عدوانا وظلما (متدينين) ومعهم أطفالهم الذين لا تزيد أعمارهم عن أربع أو خمس سنوات يسوقونهم بهمة ونشاط نحو الحائط الغربي للمسجد الأقصى..
وبعيداعن تجاذبات الأخوين الفاضلين أمجد سلهب، وعزام الأشهب، حول تسمية الحائط الذي يبكي عنده يهود ويرقصون ويصلون؛ حائط البراق، أو حائط المبكى فسأذكره بصفته «الحائط الغربي».
قلت لنفسي نحوما قلته لها، ولمن صادفته يوما في المدينة النبوية قبل ذلك في «الفوائد الثمينة من رحلة مكة والمدينة»:
أيهم أكثر الآن، النائمون أم المتوجهون إلى صلاة الفجر في المسجد الأقصى؟! وإذا كان هؤلاء المغضوب عليهم يسوقون أطفالهم سوقا إلى البكاء والرقص والصلاة التي لن تزيدهم من الله إلا بعدا، فأين شبابنا وأبناءنا في هذه اللحظات نائمون؟
ألسنا أحق بها وأهلها؟! أعني ـ المشيَ إلى الصلاة بأبنائنا!!ـ.
أدركني الأخ أمجد قادما من بيت حنينا ـ حيث يسكن ـ قبل الانعطاف إلى اليسار شرقا نحو باب الناظر.
دخلنا باحة المسجد الأقصى المبارك مُسَلِّمين على حراس الأقصى من المسلمين بصوت مرتفع بعد أن رمينا خلفنا حراس بوابته الخارجية من الصهاينة المحتلين بنظرات شزرة يفهمون ويدركون من خلالها مدى عداوتنا وبغضنا لهم.
سلمناعلى أحد الحراس المسلمين الذي كان جالسا على كرسي يستمع إلى آيات من القرآن من هاتف نقال أو مذياع، فرد السلام، وألان الكلام، وزاد في الترحاب بخلاف غيره من الحراس.
هذا أحد إخواننا السلفيين الذين تركونا بعد الفتنة! وأظنه عرفك!. قالها الأخ أمجد ونحن نَغُذُّ خُطَانَا نحو المسجد.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. إنا لله وإنا إليه راجعون. قلت معلقاً على تعليق الأخ أمجد.
صلينا سنة الفجر بنية تحية المسجد أيضا؛ لضيق الوقت المتبقي لإقامة الصلاة وهو خمس دقائق ـ حسب الساعة الرقمية الجانبية في المسجد الأقصى، وهي سُنَّةٌ حَسَنَةٌ لفتت انتباهي، وأنها ليست في صدر المسجد وقبلته تُشغل المصلين، كأكثر المساجد التي رأيتها في العالم.
صلوا على رسول الله.. صاح المؤذن تنبيهاً لإقامة الصلاة، فأضاع ببدعته هذه نور تلك السُنَّةِ الحَسَنَةِ في صرف الساعة من القبلة. قلت لنفسي.
تقدم إمام فارع الطول ـ بالنسبة لي طبعا ـ يرتدي عباءة بيضاء، وعمامة تبليغية ظاهرة ـ وهو أحسن أئمة المسجد سمتاً وهديا رغم عمامته الحزبية ـ صلى بنا بسورة {ق} في الركعتين، فأضاع بعض الحروف، وبدل بعض الكلمات، مع جمال صوته الذي ينبغي أن يصونه من إسقاطه لبعض الحروف وتبديله لتلك الكلمات.
كنت قدعزمت على مصافحته والتسليم عليه قبل الصلاة، وبعد الصلاة انصرفت همتي عن ذلك لأنني سمعت بعض المصلين يتهامسون عليه وعلى مروءته، وحتى لا يظن بي أحد من إخواننا الكرام الظنونا!!!
تذكرت أثناء الصلاة، وقبلها، وبعدها فضيلة شيخنا الشيخ محمد إبراهيم شقرة (أبو مالك) ـ حفظه الله،وسدده ـ ابن القدس الشريف.. ابن عين كارم المحتلة.. وتذكرت جهوده المباركة في خدمة هذا المسجد عن بُعد حيث كان ـ حفظه الله ـ مديرا للحرم القُدُسي في وزارة الأوقاف الأردنية قبل فك الارتباط بين الضفتين التوأمين، وبعدها ـ فيما أظن ـ سنوات طويلة.
تذكرتُ يوم سألته في مكتبه في الوزارة المذكورة قبل فك الارتباط المشؤوم عن قبوله بتسميته الوظيفية تلك، مع أنه ينكر تسمية الأقصى بالحرم كما سبق وقرأتُ له في بعض رسائله فقال ـ حفظه الله ـ بأدبه الجم المعروف:
وهل أنا الذي سميته هذه التسمية؟! وما كتبتُ الذي قرأته أنتَ إلا ليعلم الجميع ممن يقرأون كلامي إنكاري لهذه التسمية.. فضلا عما تكلمت به للقاصي والداني حول خطأ هذه التسمية. أو نحو هذا الكلام.
تذكرته ـ هدانا الله وإياه وسدده وسددنا إلى أرشد أمرنا ـ وقلت لنفسي:
اظن أنه لايصلح إماماً لهذا المسجد وخطابته والتدريس فيه فضلا عن إدارته أحد مثل شيخنا الشيخ شقرة ـ حفظه الله ـ.
دعوت له من خالص قلبي بعد الصلاة.. وخلالها وفي كل الصلوات بعد ذلك وخارجها كلما تذكرته وتذكرت جهوده ـ حفظه الله ـ في إحياء كثيرا من السنن ومحاربته كثيرا من البدع، وخاصة من مطلع القرن الهجري الخامس عشر وحتى ما بعد وفاة شيخنا الإمام الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ.
تذكرت جهوده المباركة في نصرة شيخنا الإمام الألباني رحمه الله تعالى، ونصرته لكثير من إخواننا طلاب العلم السلفيين، من الأردنيين والمقيمين، وخاصة الفلسطينيين من خارج الأردن كفلسطينيي العراق أيام حكم البعث فيها، والذين حدثوني في اليمن بعد نجاتهم من إعدامات صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي بسبب نصرته لهم، وشفاعاته عند بعثيي صدام لتخليصهم من السجون والإقامات الجبرية وغيرها.
تذكرت شفاعته لكثير من طلاب العلم للدراسة في الجامعات السعودية المختلفة، وحصولهم بعد ذلك على الشهادات العليا في الماجستير والدكتوراة، والوظائف، والعلاج الطبي، وتيسير سبل الزواج، والقروض الحسنة، وتحصيل الإقامات، وغير ذلك من حسنات وصدقات جارية لن يضيعها الله من ميزان حسناته إن شاء الله.
تذكرت ذلك كله، وبحتُ ببعضه لبعض إخواني حينها، وكررته عند مروري قريب القسطل حيث شارك والده ـ على ما فهمت ـ ببعض معاركها أو نجدتها، وحين مررت من وسط عين كارم مسقط رأسه ـ حفظه الله، وشفاه وعافاه ـ ودعوت له ببعض ما يستحقه من خير.
تذكرته وذَكَرْتُهُ، وذكرتُ شيخنا وشيخه الإمام الألباني رحمه الله ودعوت لهما ببعض ما هما أهله وأنا أجلس على كرسي التدريس في محراب المسجد الأقصى متذكرا من سبقهما من الأنبياء والأئمة والعلماء على مر السنين والأيام، وأننا ـ وإن كنا حسنة من حسناتهما ـ فلن يعدما من ورائنا أجراً ـ أُجرنا نحن أم لم نُؤجر ـ على ما قدماه من نصح وتعليم وإرشاد.
تذكرتهما؛ الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ، والشيخ شقرة ـ حفظه الله ـ والصلاة الثانية تقام بعد الأولى وترحمت على الميت منهما، ودعوت للحي عندما تذكرت محاربتهما الشديدة لمثل هذه الصلوات المكررة في المساجد.
خرجنا من المسجد نمشي مسبحين متذاكرين نحو الفندق الهاشمي، حيث تناولنا الإفطار الشهي من كعك القدس القديمة، والبيض المشوي، والزيت البلدي المقدسي، والجبن البلدي، والعسل،والفلافل، و..إلخ، إفطار مقدسي بامتياز!! تستحقه وجوه القارئين والمعلقين!!
خرجنا من الفندق نحو باب العمود قبل أن تستيقظ المدينة (المسبتة!!) وتجولنا في بعض حارات القدس الغربية، وأتينا مقبرة أمان الله، والتي تحوي رفات كثير من الصحابة، والتابعين، والأئمة، والعلماء المسلمين، والتي يحاول الصهاينة السيطرة عليها..
مررناعلى فندق الملك داود الذي دمره الصهاينة في يوليو سنة 1946م على رؤوس صُنَّاعِهِمُ الإنجليز.. في عملية نفذتها جماعةالأرغون (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B1%D8%AC%D9%88%D9%86_(%D9%85%D9%86%D8%B8 %D9%85%D8%A9_%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9) )اليهودية وكانت بقيادةمناحيم بيغين (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D9%85_%D8%A8%D9%8A% D8%BA%D9%8A%D9%86). وأسفر هذا التفجير الإرهابي عن مقتل 91 شخصا، وجرح 45 آخرين.
مررنا على المسكوبية ـ وهي المنسوبة إلى النصارى الأرثوذوكس الروسيين في موسكو، وتذكرت عمي (خليل أبو عاطف) الذي اعتُقِلَ سنة مولدي سنة 1958م فيها، قبل أن يُحَوَّلَ هو ومن معه من شيوعي الضفة الغربية حينها إلى سجن الجفر الصحراوي في محافظة معان، وكثيرا ما سمعت خبر هذا الاعتقال، وذاك التحويل، ثم الإفراج بعد ذلك، في سنين كان الحراك الوطني واليساري والقومي هو السائد في منطقة الشرق الأوسط.
مررناعلى مناطق خطوط التماس أثناء معارك سنة 1948م، ومناطق سقوط بعض تلك الأحياء في يد الصهاينة في تلك الفترة، ووصلنا إلى جبل المكبر جنوب القدس القديمة، والذي منه يمكنك الوصول إلى بيت لحم، حيث يمكن للمشاهد أن يري بوضوح المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة، وحيث يعتقد كثير من الناس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل القدس دخل منه، فلما وقف عليه ورأى المسجد كبر تكبيرا، فَسُمِيَ الجبل بهذا الاسم«جبل المكبر». والله أعلم.
من جبل المكبر تستطيع رؤية كثيرا من معالم المدينة المقدسة، جبل الزيتون.. جبل المطَّلع..الجامعة العبرية.. حي الثوري.. حي سلوان.. وقد أقام الصهاينة على جبل المكبر مَطَلَّةً تطل منها على الوادي جنوب المسجد.
من حسن حظنا، أن وقوفنا هناك كان يوم السبت، حيث لم نر أفرادا من يهود أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة.
ولكن ما يعكر عليَّ هذا الاستطراد في الكتابة أنني أجد على الخريطة أن «جبل المكبر» في الجهة الشمالية من القدس، قرب الجامعة العبرية، وليس كما وصفه لي وأخذني إليه أخي أمجد سلهب، ولذا أرجو من الأخوة القراء، وخاصة أهل القدس، وفلسطين من الخبراء أن يُدْلوا بدلوهم في التعليق من أجل الكتابة بالتحقيق..
نزلنا من «جبل مكبر» أنا والشيخ أمجد سلهب نحو حي الثوري، والذي كنت أظنه حي السوري ـ نسبة إلى سوريا، كشف الله ضر المسلمين فيها ـ بسبب لهجة الشيخ أمجد المقدسية العامية التي تقلب الثاء سيناً، وحين بدأنا بالنزول إليه من جهة القدس الغربية أراني مكانا ومبنىً على زاوية الطريق اليسرى قائلاً: إن والده (عمران سلهب) أخبرهم أنه فقد والده (رمضان سلهب) في هذا المكان في حرب سنة1948م أثناء دفاعهم عن القدس، وهذا آخر مكان رآه فيه قبل أن يختفي أثره كليا بعد ذلك.
نزلنا إلى حي الثوري، وأخبرني أنهم كانوا يملكون في هذه المناطق أرضا ودارا قبل أن يستولي عليها يهود.
رأيت في حي الثوري مسجدا باسم سفيان الثوري، وكذلك مدرسة ابتدائية للبنات باسمه، وعرفت أن الحي سُمي باسمه مما حدا بي للبحث والتنقيب عن رحلة الثوري للشام، وزيارته لبيت المقدس، فلم أجد له مثل تلك الرحلة أو الزيارة، وتذكرت الشيخ سعد الحصين ـ حفظه الله ـ وحرصه دائما أن لا تُسمى المساجد التي كان يَدْعَمُ بناءها في بلاد الشام بأسماء أنبياء، أو صحابة، أو علماء أو غير ذلك من الأشخاص، وضرورة تسميتها بصفات غالبة مسجد: التقوى.. الهدى.. الرحمة.. الخير..البِر.. الإحسان.. إلخ حتى لا تصبح مقامات ومزارات بعد ذلك، كما هو حال مسجد وحي الثوري هذا.
انتقلنا من حي الثوري في طريقنا إلى المسجد الأقصى عبر حي سلوان، وهو قرية صغيرة من قرى جنوب القدس؛ يعني جنوب المسجد الأقصى، ولفت انتباهي المساجد الصغيرة في سفح سلوان الشرقي التي لا تكاد مآذنها تظهر، والأبنية القديمة في السفحين الشرقي والغربي من وادي سلوان، وبعض الأعلام الفلسطينية فيها مما أثار استغراب الشيخ أمجد معي، ونظرنا إلى النفق الذي يحفرونه في أسفل الجبل المؤدي إلى المسجد الأقصى في محيط حوش عين سلوان وتحت المسجد القديم القائم في ذلك الحوش على يمين الصاعد نحو بيت المقدس.
صعدنا إلى المسجد الأقصى من سلوان، وتوقفنا على الطريق المؤدية إلى باب الأسباط، ومقبرة باب الرحمة، أمام مدرسة بنات القدس الابتدائية التابعة (لليونروا) وأمام مكتب (اليونروا) في القدس، وفي قبلة المسجد الأقصى، تحته، وتحت المسجد المرواني، ومسجد عمر، وكان مقابلنا مقبرة كبيرة لليهود استولوا عليها من أراضي الوقف الإسلامي، ليلقوا الله مغتصبين أحياء وميتين.
في سفح الجبل المقابل لباب أسباط، وباب الرحمة كنيسة (الجسمانية) أو (ستنا مريم) المذهبة، ومقابلها مقابر باب الرحمة.
صعدنا إلى باب الأسباط في الحائط الشرقي للمسجد الأقصى، مرورا بين مقابر باب الرحمة في الجانبين، وقد سُوِّرَت المقبرةُ بسور حجري حديث من تبرعات تركية شعبية أو حكومية ـ لا أذكر ـ ولكنني أذكرأن الأخ أمجد أخبرني أن شقيقه؛ الأخ أشرف (أبو حمزة) ـ وهو من وجهاء مدينة القدس المعروفين، وله نشاطات خيرية واجتماعية في جمعيات خيرية عديدة للمحافظة على تراث مدينة القدس القديمة والحديثة على حد سواء، وخاصة تراث المدينة العربي والإسلامي ـكان له دور مميز في إنشاء هذا السور، من خلال مساهمة الأتراك، والمحافظة على مقابر المسلمين فيها، خاصة وأن مقابر آل سلهب والتي تحتوي على رفات والده عمران في أعلاها، وقرب مدخلها عند باب الأسباط.
وصلنا باب الأسباط مع وصول عدد من السائحين، وفلسطينيين من أهلنا في فلسطين المحتلة سنة 1948م، وأكثرهم في العادة يأتون ويشدون الرحال إلى المسجد الأقصى أيام السبت بسبب العطلة الأسبوعية ـ كما أخبرني بذلك أخي أمجد ـ وقد رأيتهم في باقي أيام الأسبوع بعد ذلك كما سأبينه.
لما وقفت على باب مقبرة باب الرحمة، ورأيت أسماء الصحابة؛ عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأسماء بعض الشهداء الذين وُسدوا تراب هذه المقبرة على مر السنين والأعوام، وخاصة شهداء الحروب مع الصهاينة سنة 1948م، وسنة 1967م، وسنوات الانتفاضات العربية في فلسطين اجتاحتني موجة من البكاء ظلت مسيطرة علي حتى رجوع الشيخ أمجد بعد مفارقته لي لإيقاف السيارة.
وقفت على باب المقبرة مُسَلِّمَاً وداعيا للأموات وخاصة الشهداء منهم، ثم دلفت صحبة الشيخ أمجد لزيارة قبر والده وآل سلهب الكرام، قرب الباب الجنوبي للمقبرة، على يسار الداخل، ثم سائر المقبرة، ثم عاودتني موجة البكاء مرة أخرى وأنا أقرأ على شواهد القبور أسماء من مضوا، وقد لفت انتباهي أسماء كثير من العائلات المقدسية خصوصاً، وغيرها من العائلات الفلسطينية والعربية وحتى الأعجمية، مما يوحي بوحدة هذه الأمة في الحياة وبعد الممات، مثل: الأنصاري.. أبو غربية.. الحسيني.. الشاويش..الأيوبي.. العجلوني.. الكركي.. الفلالي المغربي.. مرقصتوه وذريته.. إلخ.
تمنيت ـ بعد أن رأيت قبر الصحابي الجليل ، والنقيب الشهير؛ عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ الملاصق لسور المسجد الشرقي، المرتفع والمسور بالحديد، والمكسو بالحبرة الخضراءـ لو أن القبور المرتفعة هنا تُسوى بالأرض عملا بوصية وتكليف رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم بوصية وتكليف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأبي الهياج الأسدي المتمثل فيما رواه مسلم وغيره (2287) وغيره عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ».
وكم شكرت في قلبي للدعوة السلفية في أرض الحرمين الشريفين، وحماتها من ولاة أمر المسلمين هناك، صنيعَها في تسوية القبور وطمس معالمها في طول البلاد وعرضها، وقارنت بينصنيعهم النبوي، السلفي، المشكور المأجور، وصنيع غيرهم في أكثر الدول الإسلامية ـ إن لم يكن كلها ـ عدا بلاد الحرمين الشريفين وما حولهما في نجد والحجاز..
البلاد التي تحمي مثل هذه القبور، وتشيِّدُها، وتجعل عليها المساجد والقباب والأوقاف وغيرذلك.. تحمي الشرك والضلال باسم الإسلام للأسف الشديد، وتخالف سنة سيد المرسلين، والواجب على كل ولاة الأمور في بلاد المسلمين من علماء بالنصح والبيان.. وأمراء بهدم وتخريب وطمس البنيان لهذه القبور الأوثان، التي يطاف بها، وتُعبد من دون الله، ويدعى المدفونين فيها ـ وربما لا يكون فيها رفات إنسان على الإطلاق؛ كضريح الحسين بن علي، وضريح علي بن أبي طالب، وغيرهما كثير ـ من دون الله، أو ليكونوا وسطاء بين الداعين وبين الله، الذي لا يريد أن يكون بينه وبين عباده أدنى وساطة، وإن كانت فهو الشرك المبطل للإيمان.. والمحبط للأعمال.. الموجب للنيران كما قال الله تعالى مجيبا من سأل عنه سبحانه بغير وساطة:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[البقرة:186]
وأما أولئك الذين يدعون أصحاب القبور، ويقدسونها، ويعظمونها، ويمجدونها وأصحابها، والذين كانوا ولا زالوا للأسف الشديد كثيرون في بلادنا، والذين يقول الله فيهم وفي أمثالهم:
{قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَىالْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
[الأنعام:71]
{حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ}
[الأعراف:37]
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَاعِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
[يونس:18]
والذين صارت تغضب لغضبهم الدول القوية الكبرى، (فأمريكا) العظمى تغضب لتفجير أوثان العسكري في سامراء العراق، وكربلاء والنجف وغيرها، و(فرنسا) تغضب لتدمير القبور في(تمبكتو)؛ (مالي) وغيرها، وتسرق المخطوطات وتتهم المسلمين بحرقها، ويتحرك رئيس (فرنسا)المنتخب شخصيا لزيارة ومناصرة الدراويش والقبوريين، ولقد رأيت في (الهند) الوثنية البقرية كيف يقدس البقريون الوثنيون القبور والقبوريين من المنتسبين للإسلام.. يذبحون المسلمين الأحياء.. ويقدسون المسلمين في قبورهم!! إنه لأمر عجيب غريب.
غادرنامقابر باب الرحمة ونحن ندعو بالمغفرة والرحمة لمن فيها من المسلمين، ونتألم لما فيها من غلو في رفع القبور، وتقديس المقبور، مما يُغضب ويُسخطُ ربنا الملك الغفور، وشربنا من ماء سبيل بارد من ماء القدس الشريف وضع على باب المقبرة، ليس لعطش أصابني شخصيا، ولكن طمعاً في بركة ماء المسجد وما حوله.. ورجاء أن يكتب الله لواقفه وَمُحَبِّسِه أجر سقاية المسلمين.
توجهنا بعد زيارة المقابر والمقبورين زيارة شرعية إلى جبل المطَّلع لزيارة أخ مريض مكلوم.. مريض بالسرطان وصابر عليه، ومكلوم بفقد والده المتوفى قبل يومين دون أن يمكنه من حضور جنازته، نعود مريضاً، ونعزي مصاباً.. وهكذا الخير يتبعه الخير، والطاعة تعقبها طاعة وطاعات.
سلكنا في طريقنا نحو المطَّلع طريق وادي الجوز، والصوانة، فجبل الطور أو جبل الزيتون كما يسمى أيضا، وقد رأيت هناك بعض الخشش والخرابش، وبيوت الخيش، والبراكيات في سفح ذاك الجبل، يمنع المحتلون الغاصبون أهلَها أن يبنوا مكانها شيئا.
زرنا مستشفى المطَّلع، وتذكرت زوجة أبي أم أخي أحمد رحمها الله رحمة واسعة، وكانت نعم الأم الرؤوفة الرؤوم لنا، وكنت ولا زلت أحبها حب الولد لوالدته التي ولدته وأرضعته، وأدعو لها ليل نهار بالمغفرة والرحمة وعلو الدرجات في أعالي الجنات..تذكرت يوم أن كانت مرافقة لابنها؛ أخي أحمد في هذا المستشفى التنصيري (اللوثري) في أواسط الستينات من القرن الماضي بسبب مرض كان في أذنيه.
زرنا المستشفى.. وزرنا أخانا المريض زياد العاروري.. وعزيناه بوالده الذي كان مسؤولا قضائيا في السلطة الفلسطينية، والذي توفي قبل يومين.. فوجدناه نعم العبد.. صابرا محتسبا أوابا.
خرجنا من مستشفى المطَّلع وقد ساءني منظر أراضٍ شاسعة نسبيا تحت المستشفى من الجهة الشمالية الشرقية، بينه وبين الجامعة العبرية، وفوق حاجز حِزْمَةَ مهملة غير مستغلة، لا مبنية ولا معتنى بها لأنها أراض متنازع عليها في عرف اليهود لن تلبث حتى تتحول إلى مستوطنة أو تضم إلى مستوطنة قريبة لتتوسع فيها بما يسميه الصهاينة توسعا طبيعيا.
قبل زيارتنا لمستشفى المطَّلع كنا توجهنا نحو مستشفى المقاصد إلى مكان نسيت اسمه الآن، ولم نصله أصلا بسبب أزمة المواصلات حينها مما عدنا أدراجنا واكتفينا بزيارة مستشفى المطَّلع دون مستشفى المقاصد.
أخبرني أخي أمجد ونحن خارجون من مستشفى المطلع أنهم لا يُفرقون في التعامل مع الناس بين مريض ومريض إلا بحسب الدور فقط، وأخبرني كيف كان هذا المستشفى سببا في شفاء مريضة ـ تخصه ـ من مرض السرطان بسبب سرعة التشخيص وسرعة الاستئصال.
ساءني منظر كثير من الأطفال الذين لا يتجاوزون سن العاشرة ممن أصيبوا بالسرطان ويتلقون العلاج الكيماوي، أويغسلون الكلى، أو غيرها من الأمراض التي تفتك بشعبنا المسكين المجاهد المصابر المكافح.
لما رأيت تاريخ تأسيس المستشفى قبل نحو مائة عام، وكذلك تاريخ تأسيس الجامعة العبرية بالقرب منه فوق مدينة القدس، قلت لأخي أمجد:
سبحان الله كان اليهود والنصارى قبل نحو مائة عام يفكرون ببناء المستشفيات والجامعات دون ـ وقبل ـ أن تكون لهم فيها دولة، ونحن كنا نفكر كيف نقضي على دولتنا؛ دولة الخلافة العثمانية التي كانت تجمعنا بدعوى الحرية والثورة على الفساد والاستبداد، ولا زلنا منذ مائة عام لم ننشئ دولة بدل تلك الدولة، ولم نبنِ مستشفىً ولا جامعة، واستعمرتنا واحتلنا دولة سلمتنا لاحتلال واستعمار دولة أخرى، ثم لسلطة لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا!!.
غادرنا المطلع والطور نحو التلة الفرنسية.. فمستشفى هداسا.. فالعيسوية.. فشعفاط، وفي شعفاط مخيم للاجئين مهجرين من داخل القدس المحتلة..
ونحن متجهون نحو بيت حنينا أراني الأخ أمجد على تلة في بيت حنينا؛ خرابة لا يظهر منها إلا أعمدة اسمنتية وسقف اسمنتي قال إنها قصر للملك حسين بن طلال حين كانت القدس العاصمة الروحية للمملكةالأردنية الهاشمية ـ كما كنا نقرأ في كتاب الاجتماعيات «وطني الصغير» سنة النكسة؛ سنة 1967م ـ وكان فيه خارطة المملكة الأردنية الهاشمية شاملة خارطة فلسطين التاريخية، وفيه ما حفظناه عن ظهر قلب حينها، ولا زلنا نحفظه، وسنبقى نحفظه ونُحَفِّظَه أبناءنا وأحفادنا:
يحدالمملكة الأردنية الهاشمية من الشمال، سوريا ولبنان، ومن الجنوب السعودية وخليج العقبة، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق السعودية والعراق.
وكم كنت ولا زلت أتمنى أن تكون حدود بلادنا كما كانت قبل قرن: من الشمال أوروبا والبحرالأبيض المتوسط، ومن الجنوب الصحراء الكبرى، ومن الشرق المحيط الهادي، ومن الغرب المحيط الأطلسي.
دخلنا بيت حنينا إلى منطقة بيت اخينا أمجد سلهب، وأراني في الطريق بيت أخ من إخواننا ـ هدانا الله وإياه سواءالسبيل ـ قلانا وهجرنا وعادانا دون أن يناصحنا، ودون أن نعرف لماذا كل هذا العداء؟!
رأيت في بيت حنينا بعض الأعلام الفلسطينية، والشعارات الوطنية الثورية فأيقنت أننا شعب لن يموت حقه أبداً، وأنه فينا كثير يطالب!!
توجهنا من بيت حنينا إلى عناتا حيث المدرسة السلفية، وجمعية المركز العلمي، وبيت أخينا علي أبو هنية، وآل أبوهنية الكرام، مرورا بمقام النبي صالح، وحاجز حزمة، ومستوطنة «بسجات زئيف».
وصلناعناتا وهي في الحقيقة حي من أحياء القدس الشرقية، ولكن المحتلين الغاصبين فَصَلوها عن القدس بالجدار العنصري الفاصل العازل، بعد أن التهموا آلاف الدونمات من أراضيها، حتى ذهب بهم الظلم والعدوان أن يقسموا البيت الواحد قسمين قسم في القدس، وقسم خلف الجدار، وتركوا قبة لمقام ولي على جانب الطريق لتبقى وسائل وذرائع الشرك الذي بسببه فقد كثير منا عزته وكرامته ودينه قبل أن نفقد وطننا.
عبر طريق فيه آثار إطارات السيارات المحترقة، وبعض الحجارة والأتربة التي سببت في إغلاقه أمس بسبب المظاهرات والاحتجاجات، وصلنا المدرسة السلفية التابعة لجمعية المركز العلمي بفلسطين، وهي مدرسة أساسية تقوم على قطعة لا بأس بها من الأرض بمحاذاة جدار الفصل العنصري الظالم، مؤلفة من أربع طبقات، وفيها ملعب يناسبها، ومكتبة عامرة بصنوف كتب العلم الشرعي واللغوي وغيرهما.
نزلت إلىساحة المدرسة السلفية الشرقية، واستقبلني إخواني السلفيين، وكثير منهم ـ بل أكثرهم ـ أعرفه قبل هذا اليوم من خلال الدورات ورحلات العمرة السابقة، وشعرت لأول مرة في حياتي أنني وسط أهلي وعشيرتي وعِزوتي، وكان لحفاوة الاستقبال، والعناق بعد فراق أثر في نفسي سكب الدمع من عيوني.. دمع الفرح والشوق واللوعة والحسرة..
الفرح بالسلفية في فلسطين.. وأننا بدأنا مسيرة الإصلاح والتحرير ـ إن شاء الله ـ لأن السلفية تغير النفوس قبل أن تغير أي شيء آخر، ولأن التغيير يبدأ من النفوس كما قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[الرعد:11]
والشوق لإخواني وأحبائي والذين أشعر انه تربطني بهم بعد رابطة الإيمان والإسلام ـ وكفى وأنعم بها من رابطة ـ رابطة الدم والانتماء لهذه الأرض التي نبت منها لحمي، وهذا الماء الذي أجرى دماء شرياني وأوردتي، وهذا الهواء الذي فتق أول ما فتق رئتي ليتخلل خلال روحي.
واللوعة والحسرة على وطن فقدته قبل أكثر من ست وأربعين سنة عجاف، لم يتخللها سوى خمسٌ سِمانٌ حين كنت في اليمن، يتفتح ذهني وعقلي فيها بكتاب الله أتعلمه، وبسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أتشربها، وبمنهج السلف الصالح به وعليه أصبح، وبه وعليه وأمسي، مع علماء أجلاء، وإخوة فضلاء، وبدعوة سلفية نقية أتلقاها وأوديها كما تلقيتها لقوم على فطرة الإسلام، وأصل الإيمان، المتمثل في ما رواه البخاري (4388) ومسلم (191) ـ كلاهما، وغيرهما ـ عن أبي هريرة وغيره:
«..أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
استقبلني أبنائي وإخواني السلفيين في فلسطين فجمعوا الحسنيين، السلفية كمنهج، والفلسطينية كانتماء.. انتماء إلى مهد وأرض الأنبياء.. أرض المعراج والإسراء.. أرض الأقصى المبارك.. أرض المجاهدين الشهداء.. والعلماء الأولياء.. والصلحاء الأتقياء..
استقبلوني استقبالا يليق بهم كطلبة علم.. وجهاد.. ورباط.. وصبر.. ومصابرة.. جزاهم الله عني خير الجزاء.
جلست في المكتبة نحو ساعة آكل لوز بلدة (كفل حارث) من شمال فلسطين الذي أحضره الأخ أبو أشرف وصهره الكريم، وآكل حلوى تشريف سلمى بنت شاكر بن خضر العالِم هذا العالًم، وأحتسي عصيرا من خيرات فلسطين، وأحدثهم من سويداء قلبي وبعفوية وأخوية وحميمية لم أشعر بمثلها طيلة عمري.. أتحدث وتغلبني عبرتي بين الحين والآخر.. أحدثهم عن أمانيَّ وأحلامي.. عن حنيني وأشواقي.. عن تفاهاتي وسفاهاتي.. عن صَبينتي وصباباتي.. حتى شعرت براحة ما بعدها راحة، بعد تلك الراحة التي شعرت بها في ليلتي السابقة جوار الأقصى المبارك.
قمنا من المجلس العربي على الأرض في المكتبة، والذي غص بطلاب العلم السلفيين ـ الذين يريح سمتهم وهديهم العين، وتشرح مناظرهم النفوس، ويفعم اجتماعهم القلب بمختلف مشاعر الحب والاعتزاز ـ.. قمنا ليتكرر مشهد الاستقبال مرة أخرى.. والعناق والسلام والمصافحة لمن لم يسعفني حظ معانقته ومصافحته عند الدخول، ثم خرجنا إلى الطوابق العليا للوضوء والغداء، والصلاة، والمحاضرة الدعوية في قاعة المحاضرات.
زرت بعض مرافق المدرسة، ثم تغديناعلى عادة المدرسة السلفية كل أسبوع، من الطعام الذي يُعده أخونا الشيخ حازم المتخصص في الطبخ جزاه الله خيرا، ثم توضأت، ونزلنا للصلاة في ساحة المدرسة.
قدمني الأخوة الأفاضل للصلاة بهم، فاعتذرت بسبب سفري ونيتي القصر والجمع، فأصروا على أن أصلي بهم وأقصر فيقصر معي من يقصر من أهل المناطق البعيدة، ويجمعون معي، ويُتم الآخرون، ونحيي سنة نبوية سلفية حميدة، ولأنني لبعض هذا وغيره أتيت هذه البلاد المباركة، امتثلت الأمر، وتجشمت عناء الصلاة بهم محققا مقولة الفقهاء والأصوليين:
«جواز إمامة المفضول بالفاضل».
ولا شك ولا ريب عندي بأن جميعهم بلا استثناء أفضل وأكرم إن شاء الله ـ تحقيقا لا تعليقا ـ مني.
بعد الصلاة توجهنا إلى قاعة المحاضرات وهي في الطابق الأرضي الثاني من الجهة الغربية من المدرسة، وقد غصت بإخواننا وقرة أعيننا السلفيين، فتجشمت مرة أخرى ـ بعد تقديم مدير المدرسة فضيلة الشيخ علي بن محمد أبوهنية، وإعلانه عن البرنامج الذي اختاروه لي ـ مخاطبة من هم خير مني، رجالا ونساء ـ في أماكنهن محجوبات يسمعننا ولا نراهن ـ وكان كلامي كعادتي وهي سُنَّةُ أهل الحديث في المناطق التي أزورها أول مرة، فقد بدأتهم بحديث الرحمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص المسلسل بالأولية، ثم بالكلام عن الرحمة الإلهية، والرحمة النبوية، والرحمةالعلمية الدعوية السلفية، وختمته بحديث معاذ بن جبل المسلسل بالمحبة.
بعد المحاضرة استأنفنا الوداع كما بدأنا الاستقبال، والاعتذار عن الدعوات الكثيرة جدا من إخواننا، حتى أكاد أن أقول إنه لم يبق أحدٌ إلا سلم علي وعانقني وصافحني ودعاني.
انطلقنا من عناتا نحو بيت حنينا داخل القدس المحتلة المسورة عبر حاجز حزمة، حيث وجدنا الأخ أشرف سلهب ـ حفظه الله ـ قد سبقنا وترك لنا سيارته السوداء ذات الدفع الرباعي، وكنت لا أدري إلى أين سيأخذونني حتى أفصح لي الأخ أمجد عن وُجهتنا.. إلى يافا.. يافا عروس البحر الأبيض المتوسط كما كنا نسمع دائما.
خرجنا من بيت حنينا باتجاه يافا منطريق باب الواد، وهي الطريق رقم واحد في فلسطين المحتلة.
ما أن بدأنا بالانحدار غربا في طريق باب الواد حتى اخترقنا أراضي لفتا، وطالعتنا دور لفتا، وأكثرها بقيت كما هي منذ النكبة سنة 1948م.
أخبرني الأخوة الأفاضل معي؛ أمجد، وإياد، وأبو ارميلة، والسلفيتي أن ما فوق لفتا، دير ياسين والتي تصادف اليوم 5/4/2013م ذكرى مجزرتها الرهيبة، والتي كانت بداية المجازر.
رأيت نفقاعن اليمين من تحت قرية بيت إكسا، ونفقا على اليسار فوق لفتا وتحت دير ياسين، أما النفق الأيمن وهو قرب مستعمرة (راموت) فأخبرني الأخوة أنه يُجهز لعبور القطارالقادم من الغرب.. من يافا وتل أبيب، مرورا باللد إلى القدس.
وأما النفق الأيسر فأخبرني الأخ برهوم أنه يربط كل المباني الحكومية الصهيونية التي في القدس ليكون مخرج طوارئ آمنا لهم منها.
مررنا بمقابر دير ياسين، ثم بقالونيا، ثم بالقسطل حيث قُتل عبد القادر الحسيني شهيدا ـ إن شاء الله ـ ثم بالرباعي العربي الذي لم يهجر، بيت نقوبا على يمين الطريق، وقد حل مكانها مستعمرة بنفس الاسم، وقد هُجر أهلها إلى عين نقوبا على يسار الطريق، وهما قريبتان جدا ومتجاورتان يفصل بينهما طريق باب الواد رقم (1)، وبجوارها جنوبا في الوادي قرية صوبا، وقرية عين رافا؛ قرية أخونا رمزي برهوم. والقرى السابقة الذكر فيها عدد لا بأس به من إخواننا السلفيين.
وغير بعيد عن تلك القرى تجد قرية أبو غوش، ورغم ما حل بها من فساد وإفساد يهود، إلا أن فيها عدد طيب من إخواننا السلفيين أيضا، ومنهم الطبيب مراد أبو غوش، وقد رافقنا عدد جيد من إخواننا السلفيين في القرى السابقة الذكر إلى شمال فلسطين يوم 1/5/1434هـ.
مررنا بقرية ساريس وما حولها وسنتكلم عنها في رحلتنا يوم الأربعاء إلى الفالوجة إن شاءالله.
أثناء مرورنا من اللطرون وبيت (شيمش) في اتجاه باب الواد شاهدنا المصفحات التي استولى بها (رابين) على القدس الغربية سنة 1948م، وقد تركها هناك في موضعين كما هي، شاهدة على إجرامهم وإجرام (الإنجليز) الملاعين الذين سلَّحوهم وقووهم بها، في حين كانوا يحرمون شعبنا المسكين من أبسط أنواع الأسلحة حتى تبقى القوة غير متكافئة مع الصهاينة.
واصلنا طريقنا من باب الواد ـ والذي لا تزال بعض مبانيه العربية قائمة ـ في اتجاه اللد والرملة، حيث تركنا الرملة على يسارنا، وبدأت معالم مطاراللد وطائراته تظهر لعيوننا، فقلت في نفسي:
فصل يهود بين اللد والرملة بهذاالطريق السريع بعد أن كادت اللد تصل الرملة وهم يشدون ويقولون:
شد يا ابوالعبد شد أربت الرملة عاللد.
لاحظت على الطريق السريع رقم (1) مسرب خاص للسيارات السريعة في حين الأزمات يمر منه المسرعون، والمستعجلون مقابل أجرة محددة.
تذاكر إخواننا سيرة شاب نشيط في القدس اسمه عبد العفو، وأنه صور الجندي الذي أحرقه شباب الأقصى أمس الجمعة، فتذكرت صديق خليلي قديم في أوائل السبعينات كان اسمه عبد العفو، وقد اعتقل مرة وأمره مُعْتَقِلُوهُ المجرمون أن يصلي ركعتين لسيدهم.
دخلنا يافا حيث قابلتنا مقبرتها الإسلامية ابتداء، فتذكرت قصيدة فدوى طوقان التي كانت مقررة معنا في الثالث الإعدادي:
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدور
بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين: يا عينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار
وأنّ القلبُ منسحقاً
وقال القلب: ما فعلت بك الأيام يادار؟
وأين القاطنون هنا؟
وهل جاءتك بعد النأي
هل جاءتك أخبار؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغد الآتي وأين همو
وأين همو؟
ولم ينطق حطام الدار
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو
وصمت الصّمت والهجران
وكان هناك جمع البوم والأشباح
غريب الوجه واليد واللسان وكان
يحوّم في حواشيها
يمدّ أصولها فيها
وكان الآمر الناهي
وكان . . وكان . .
وغصّ القلب بالأحزان.
غص القلب بالأحزان، وترقرقت ـ ولا زالت في عيني الدموع ـ وبهرتني بيوت يافا القديمة التياحتلها يهود واستوطنوها، وكذلك محلاتها ودكاكينها، ومخازنها، والتي لا زالت آثارالحرب ظاهرة وبادية عليها، ولا زال البوم والغربان والأشباح من يهود يحَوِّمُونَفيها، وفي حواشيها.
دخلنا الشارع الرئيسي في يافا والواصل بينها وبين تل الربيع، أو تل الزبيب، والتي يسميها اليهود (تل أبيب)، حتى أتينا المسجد المحمودي الكبير في يافا، قرب الساعة، في الشارع الرئيسي، وهو مؤلفمن عدة رواقات، ومئذنة سامقة مُعَطَّلٌ فيها الأذان منذ سنة 1948م، ورأينا إنشاءات ليهود على بعض أوقاف المسجد من الجهة الشمالية، وأما بوابة المسجد الرئيسية الشرقية، من جهة الساعة والشارع الرئيسي فهي مغلقة، ومفتوحة البوابة الغربية التي في الشارع الخلفي جهة البحر، ورأيت حراس المسجد المرابطين من الحركة الإسلامية في فلسطين ـ جزاهم الله خيرا ـ لا يفارقون الداخلين إلى المسجد حتى يخرجوا منه خوفا من تدنيس الصهاينة للمسجد؛ حتى نحن والذي يظهر من سمتنا وهدينا ولساننا أننا عرب مسلمون لم يفارقوننا لا بأشخاصهم، ولا بعيونهم، حتى خرجنا من المسجد.
خرجنا بعدها إلى شاطئ يافا الذي كان يوما جميلا، والذي دنسه الصهاينة بنجسهم ورجسهم؛ فأظهروا العري والاختلاط وسائر المنكرات، وأتينا مسجد شاطئ البحر، وقد رأينا المرابطين فيه كما رأيناهم في المسجد المحمودي الكبير، وكان بودي أن أغوص في بحر يافا الذي طالما سمعنا عنه وتغنينا به:
بحرك يافا.. بحرك يافا..
خرجنا إلى حي العجمي الشهير، ومررنا بمقر سَرِيَّةِ كشافة النادي الإسلامي، والذي يظهر من مقرهم، ومن مقرالنادي الإسلامي الذي لا زال مقره ومبانيه قائمة حتى اليوم رغم التهويد، والصهينة حرص أهلنا هناك على دينهم وعروبتهم وتراثهم الإسلامي العظيم.
تذكرت فضيلة الشيخ علي الحلبي، وأصوله اليافية بعدالحلبية، وتذكرت شوقه وحنينه الذي صارحني به أكثر من مرة، والذي عبر عنه مرة بتعليقه على بعض ما كتبته عن هذه البلاد المباركة الخالدة على منتديات كل السلفيين، فحاولت الاتصال به عدة مرات من قلب يافا ولم أُفلح، والسبب الذي علمناه بعد يومين أنه كان مسافرا إلى الرياض، وأنه ظهر في اليوم التالي في قناة سعودية مع الشيخ عدنان عرعور.
خرجنا إلى الشاطئ الجنوبي ليافا، حيث مقبرة يافا القديمة، وما تحويه من رُفَاتٍ لآبائنا وأجدادنا ممن عاشوا على هذه الأرض وعمروها سواء من أهلها الأصليين الكنعانيين، أوممن تبعهم من المسلمين الفاتحين، والمجاهدين المحررين على مر الأزمان والعصور.
خرجنا من يافا قبيل المغرب، والقلب يعتصره الألم والحسرة، والعين تجود بما يطفئ اللهيب حينا، وَتَجْمُدُ أحيانا، ولكن الأمل المتجدد في عودتنا القريبة جدا ـ إن شاء الله ـ كان أجود من دموع العين.
بعد خروجنا من يافا نريد العودة إلى القدس اختلف الأخوة في أفضل وأقصر الطرق التي ينبغي أن يسلكوها للعودة إلى القدس، وكان اختلافهم (رحمة) لي على الأقل ـ لا كما يردد العوام، وينسبونه إلى النبي ظلما وزورا ـ
«اختلاف أمتي رحمة».
اختلفوا وكنت أشجع الشيخ أمجد أن يسوق في الطريق المؤدية إلى الجنوب ليقيني أنه بعد بضع كيلو مترات سيتوغل في طريق الجنوب، وسنزور بلدتي الحبيبة (الفالوجة) والتي لا تبعد عن يافا أكثر مما تبعد عن القدس، والتي لا تبعد يافا عن القدس إلا نحوها، فالطريق إليها تشكل مع يافا والقدس مثلث متساوي الأضلاع تقريبا، فالتوغل في الطريق سيما بعد اقناعي الشيخ أمجد عدم التوغل في الطريق الغربي الذي سيوصلنا إلى أسدود رغم رغبتي الجارفة أن أزور كل (ملم) من أرض فلسطين الحبيبة إلا أنني آثرت أن يقود الشيخ أمجد حيث أرشده، ويسير في الطرق التي أعرفها عن طريق جوجل رغم عدم دخولي تلك البلاد قبل ذلك مطلقا إلا عبرالقمر الصناعي، وخرائط غوغل، موقنا أن هذا الطريق سيقودنا حتما للمرور على بلدة زوجتي الحبيبة أم محمد؛ المسمية الكبيرة، في طريقنا إلى الفالوجة، وكذلك كان، فقدأرجعته من طريق رقم (7) الذي تركناه من طريق رقم (3) الذي كنا فيه، ثم عدنا إلى طريق رقم (3) مرة أخرى، عن طريق فرعي يمر بمفرق المسمية لنستلم طريق رقم (3)، ثم طريق رقم (40) الذي أوصلنا بالطريق رقم (35) على مفرق الفالوجة، الخليل، بئرالسبع، المجدل، والمارة من أراضي شمال الفالوجة (الشومرة) في اتجاه المجدل.
سرنا في الطريق رقم (35) الواقع في شمال أرص الفالوجة قبيل دخول وقت المغرب تقريبا، وتحولنا من أمام المطار في أراضي شمال الفالوجة، لندخل في اتجاه البئر الغربي، ثم نخترق وسط الفالوجة مع أذان المغرب مما دفع الأخ أمجد للخروج من الفالوجة بعد المغرب مباشرة مؤثرا السلامة على الندامة!!، ورجعناإلى طريق رقم (35) ثم اتجهنا جنوبا في الطريق رقم (40) مرة أخرى ـ والذي يخترق جزء منه أراضينا الخاصة في الطبال الشمالي ـ متجهين في اتجاه بئر السبع، ورجعنا مرة أخرى منه عند مفرق (جريات جات) الجنوبي الغربي، لنسلك الطريق رقم (40) مرة أخرى للعودة إلى القدس، عبر طريق رقم (3)، الذي تحولنا عنه قرب عمواس للعودة إلى القدس عن طريق رقم (1) بعد أن سار أخونا أمجد في نفس الطريق مسافة بسيطة في اتجاه بيت نوبا، ليحدد اتجاهاته المستقبلية في زياراتنا للفالوجة.
وصلنا القدس دون أن نصلي المغرب والعشاء بسبب انشغالنا بالسفر، ورجعت إلى الفندق لأصلي المغرب والعشاء قصرا للعشاء وجمع تأخير لكليهما بعد أن أخذ التعب مني كل مأخذ، وَعَمَرَتْ الحسرة فؤادي وسكنته، وسيطرت على كياني خاصة بعد زيارة الفالوجة الخاطفة القاهرة!!
وأما «الفوائدالماسية من الرحلة المقدسية» (2) بأدلتها الشرعية فهي:
1ـ استيقظ مبكرا فالاستيقاظ المبكر يريك ـ عمليا وتطبيقيا ـ معنى حديث النبي صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
«يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ».


رواه البخاري (1142)، ومسلم (1855) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.


2ـ اغتسل ناشفا!! أو مبلولاً!! فالاغتسال (الناشف!!) له فوائد كثيرة جدا في بث روح النشاط والحيوية، فلا يمنعنك حبك وحرصك ومواظبتك على الاغتسال (المبلول!!) من المواظبة على الاغتسال (الناشف!!) أحيانا؛ وللسفر والحاجة والضرورة أحكام!!
3ـ تخيرالزمان والمكان المناسب شرعا لعملك الصالح فللمكان والزمان أهميتهما في شعورالمسلم بقيمة أعماله الصالحة، ولا تنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخيربعض الأماكن وبعض الأزمنة دون غيرها يستزيد فيها من الصالحات معلما الأمة ذلك.
4ـ احرص على استخدام الأسماء الشرعية الصحيحة لكل مكان فلأسماء الأماكن مدلولات تخرج عن الشعور بالزمان الذي تعيش فيه.
5ـ لاتُحَسِّنْ إلا ما حَسَّنَهُ الشرعُ، ولا تُقَبِّحْ إلا ما قَبَّحَهُ الشرعُ، فالتحسين والتقبيح العقلي قد يودي بصاحبه إلى الهلاك، ومخالفة الشرع.
6ـ إن ذهبت إلى القدس فاحرص على تذوق كعكها، فهو دعم لصمود هذا التراث المقدسي الفريد.
7ـ مر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، تنجو وتنجيهم من عذاب الله، وتُوَسِّعْ رزقك ورزقهم، وتمتثل أمر الله القائل:
{وَأْمُرْأَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.
[طه: 132]
والقائلُ الآمرُ المُحَذِّرُ المُتَوَعِّدُ:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
[التحريم: 6]
وكن كأبيك إسماعيل عليه الصلاة السلام الذي قال الله فيه:
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}
[مريم: 55]
ولسان حالك ومقالك يردد دعاء أبيك إبراهيم عليه الصلاةالسلام كما أخبر الله تعالى عنه بقوله:
{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}
[إبراهيم: 40]
وتمتثل أمرنبيك محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
«مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا».
رواه أبو داود (494) عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وصححه سيخنا في العديد من كتبه.
«مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
رواه أبو داود (495) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وحسنه وصححه سيخنا في العديد من كتبه.
8ـ احرص على المشي للصلاة وخاصة الفجر في شَبابِك فقد تعجز بعد ذلك فيكتب لك ما كنت تعمله صحيحا مقيما.
«إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْسَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».
رواه البخاري (2996) عن أبي موسى.


وتنعم بالنور التام يوم القيامة، مصداقا لقوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
«بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِيالظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
رواه أبو داود (561)، والترمذي (223) عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، ورواه ابن ماجه (781) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وصححه سيخنا في العديد من كتبه.
9ـ احتسب في نظرتك، والتفاتتك، وحركتك مع عدوك، ولا تنس قول الله تعالى:


{وَلاَيَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ}
[التوبة:120]
10ـ لا تلتفت لفتاوى السياسيين في تحريم زيارة القدس تحت الاحتلال، فزيارتك لها، وصلاتك فيها تغيظ المحتلين، وجهلة السياسيين، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتمرا زائرا بعد صلح الحديبية.
11ـ سلم على إخوانك المسلمين من عرفتهم، ومن لم تعرفهم، تنل محبتهم، وتمتثل أمر نبيك صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
«لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىتُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ».
رواه مسلم (203) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
12ـ كن سلفيا حقيقيا، ولا تُسم من خالفك من المسلمين إلا أخا، مهما حصل، ولو وصل الحد للاقتتال ـ لا قدر الله ـ وكن كما قال الله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
{الحجرات:10}
13ـ وكن كما قال عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، حين سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الْجَمَلِ:
أَمُشْرِكُونَ هُمْ؟
قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا.
قِيلَ:أَمُنَافِقُونَ هُمْ؟
قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَإِلاَّ قَلِيلاً.
قِيلَ: فَمَا هُمْ؟
قَالَ:
«إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا[غفر الله لنا ولهم]. فَقَاتَلْنَاهُمْ وَقَدْ فَاءُوا، وَقَدْ قَبِلْنَا مِنْهُمْ».
رواه ابن أبي شيبة (37763) وغيره عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ
14ـ إذا أصابتك مصيبة فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. إنا لله وإنا إليه راجعون. فإن فيهما خَلَفَاً وَعِوَضاً، كما قال صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين:
«أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هِيَ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ».
رواه البخاري (6620) عَنْ أَبِي مُوسَى.


«مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا».
رواه مسلم (2165) عن أم سلمة.
15ـ احرص على صلاة سنة الفجر في بيتك ـ إن أمكن ـ تُصِبْ سُنَّتَيْنِ، ولا تجمع نية تحية المسجد إلى سنة الفجر، أو غيرها من السنن القبلية مع تحية المسجد أو الوضوء، وصل كل واحدة بنيتها، فإن ضاق بك الوقت ـ حينا أوأحياناً ـ فيمكنك الجمع، وأرجو لك الأجر كاملا؛ لما بَيَّنَاه في الفائدة رقم (8)، ولما روته عَائِشَةُ قَالَتْ:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ».
رواه البخاري (626) عَنْ عائشة.
16ـ أحسن تلاوة القرآن الكريم، وتعلم تجويده وترتيله، وأخرج حروفه من مخارجها، وحقق كلماته، وأحسن الوقف والابتداء، والتغني به، ولا تعتمد على حُسن صوتك وحده، وتذكر وأنت تتلو القرآن قول الله تعالى:
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
[البقرة:121].


وَقَولَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَيَجْهَرُ بِهِ».
رواه البخاري (7527) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

17ـ السمت الحسن، واله َ دْيُ الظاهرُ، مفتاح لقلوب المؤمنين فاحرص عليهما، ولا تنس إصلاح الباطن، فقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«خَصْلَتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، [وَلا] فِقْهٌ فِي دِينٍ».
رواه الترمذي(2684) وغيره، وصححه شيخنا.


18ـ لاتوقر صاحب بدعة، فقد رُوِيَ بأسانيد ضعيفة يُحسن بعضها بعضاً:
«مَنْ مَشَى إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ لِيُوَقِّرَهُ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الإِسْلامِ».
رواه الطبراني في «الكبير» (16614)، وفي «مسند الشاميين» (413)، والشاشي في «المسند» (1326)، وأبو نعيم في «الحلية» (6/97)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (4/162) ـ جميعهم ـ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مرفوعاً، وموقوفا.
وراه الطبراني في «الأوسط» (6772)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (4/159) ـ كلاهماـ عن عائشة مرفوعاً.
وأبونعيم في «الحلية» (5/218) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ مرفوعاً.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (926) عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه.
والبيهقي في الشعب» (9018)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (927 و928) ـ كلاهماـ عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ مرسلا.
وأبو نعيم في «الحلية» (8/103) عن الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ مرسلا.
والفريابي في «القدر» (341) عن أبي إسحاق الهمداني مرسلا.
وابن وضاح في «البدع» (117) عن عروة، عن أبيه، قال: وذكره. والظاهر أن فيه سقط: عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وابن وضاح في «البدع» (115) عن ناشر بن حنيفة الحنفي مرسلا.
وابن الأعرابي في «المعجم» (1909) عن الحسن مرسلا.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (923) عن الأوزاعي مرسلا.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (929) عن محمد بن مسلم مرسلا.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (930) عن ابن عيينة مرسلا.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (931) عن يحيى بن أبي طالب مرسلا.
والهروي في «ذم الكلام وأهله» (932) عن إبراهيم بن أدهم مرسلا.
وضعفه شيخنا في «الضعيفة» (1862) وفي العديد من كتبه.
19ـ تذكر أشياخك، ومن انتفعت منهم علما في خلواتك وجلواتك، وادعُ لهم، واستغفر لهم، واذكرهم بما فيهم من خير.
{رَبَّنَااغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
[الحشر:10]
20ـ لاتُقِمْ جماعةً ثانية أو جماعات أخرى في مسجد صُلي فيه مرة، سيما إن كان مسجدا فاضلا كالمسجد الأقصى، فهو مذهب جمهور أهل العلم، وإن فعلت فهو مذهب مرجوح؛ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ:
«أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا».
فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ. قَالَ وَفِي الْبَابِ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدِيثُ أَبِى سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ قَالُوا:
«لاَبَأْسَ أَنْ يُصَلِّىَ الْقَوْمُ جَمَاعَةً فِى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّىَ فِيهِ جَمَاعَةً».
وَبِهِ يَقُولُ: أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
«يُصَلُّونَ فُرَادَى».
وَبِهِ يَقُولُ: سُفْيَانُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛يَ خْتَارُونَ الصَّلاَةَ فُرَادَى.
رواه الترمذي (220)، وصححه شيخنا.
21ـ تذكر وذكر العالم بجرائم الصهاينة في حقك وفي حق غيرك من المخلوقات، فهم أعداء لكل شيء في هذا الوجود.
22ـ تذكر جرائم الانجليز، فهم أساس كل بلاء أصاب العالم عامة، والمسلمين خاصة، والفلسطينيين أخص من أصابهم بلاء الإنجليز الملاعين.
23ـ تذكر وذكر أن الشيوعية وكل مبدأ هدام، وكل (أيدولوجية) خبيثة مهما ضحى الناس من أجلها مصيرها الفشل، واجعل تضحياتك فيما تجد ذُخْرَه وخيره في الآخرة عند من لا يضيع مثقال حبة من خردل من خير أو شر.
{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
[الإسراء:81]
24ـ لا تقل شيئا لا تعلمه، ولو كانت معلومات عامة، فلئن تسكت عما لا تعلم خير لك من أن تصحح ما أخطأت فيه، وهو داخل في قول الله تعالى:
{وَلاَتَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَكُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
[الإسراء:36]
25ـ تخير أيام العُطل وقلة تواجد الناس لتقضي مآربك المشروعة، فهو أجمع لقلبك، وأريح لفكرك وبدنك، وأسهل لمهمتك.
26ـ ذكرنفسك وأبناءك وأحفادك ومن تعرف بجهاد آبائك واجدادك حتى لا تنسى، ولا يَنْسَوْا حقا جعله الله لهذه الأمة منذ إبراهيم عليه السلام.
«أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ إِبْرَاهِيمُ بِأَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ».
«سِفْرِالتَّكْوِينِ» (12: 7)
«فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ إِبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِالْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ».
«سِفْرِالتَّكْوِينِ» (15: 18)
«وَأُعْطِي لَكَ، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا، وَأَكُونُ إِلَهَهُمْ».
«سِفْرِالتَّكْوِينِ» (17 : 8)
27ـ لا تُسَمِّ المساجدَ بأسماء أشخاص، وَسَمِّهَا بالصفات، فلعلها تشتبه على الناس بمرور الزمن، فتوهم ما لا ينبغي توهمه.
28ـ تعرف ووثق ما يقوم به الصهاينة من تغيير للوقائع على الأرض، ومن تزوير لها ما امكنك، كما هو في سلوان وغيرها.
29 اربط بين أسماء الأماكن في العالم العربي والاسلامي تجد تشابها عجيبا فقد رأيت في رحلتي الحالية إلى المغرب مدينة (سلوان) أيضا.
30ـ لا تغتصب حق أحدٍ حيا كان أو ميتا، واحرص أن تلقى الله وليس في عنقك حق لأحد من خلقه.
31ـ زر قبور المسلمين ما استطعت، وسلم عليهم، وادع الله لهم بالمغفرة والرحمة، فإنها تذكر بالآخرة، ولكن احذر أن تكون قبوريا تدعُ الأموات فتشرك بالله من لا يستجيب لك إلى يوم القيامة.
«كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، وَتُذَكِّرُالآخِرَةَ».


رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ورواه غيره عنه، وعن غيره نحوه وصحه شيخنا.
32ـ احذرأن ترفع قبرا عن الأرض، أكثر من شبر (20سم) أو تجصصه أو تبنيه، أو تزخرفه، فكل ذلك مخالف لشرع الله وسنة محمد عليه السلام.
33ـ أوقف سبيل ماء فإنه من أحسن الأوقاف، وأكثرها نفعا، وأجراً.
34ـ زر أخاك المسلم، وَعُدْ المسلم المريض، وادع له بالشفاء، وعَزِّ المسلم المصاب، فهو من حقه الشرعي عليك.
«حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ».
رواه البخاري (1240) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، ورواه مسلم (5778) عنه بلفظ:
«حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَاعَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ».
35ـ اعمل وشجع على بناء المرافق العامة من مستشفيات، ومدارس، ومعاهد، وجامعات، فهي صدقات جاريات، ولعل الله يصلح بها الأحوال.
36ـ لا تغتر بالدنيا مهما بلغت، حتى ولو صرت ملكا، فالدنيا لم تدم ولن تدوم لمخلوق أبدا.
37ـ اعمل على توحيد الأمة الإسلامية، وادع إلى ذلك قلبا وقالبا، وكن عامل وحدة لا عامل تفريق ما استطعت.
38، سل الله الثبات على الحق ما استطعت، واستعن بعد الله بإخوانك، والزم جماعة المسلمين، ولا تركن إلى فهمك وعلمك، فقد تضل من حيث تظن الهدى، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
«مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ».
رواه أبوداود (547) وغيره عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وصححه شيخنا.


39ـ افرح بإخوانك السلفيين، فهم خير من يُفرح بهم في هذه الحياة الدنيا لأنهم دعاة الحق، وهداة الخلق، ورحمة الله وفضله لعباده.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
[يونس:58]
40ـ حب الوطن من الإيمان ـ ولكنه ليس حديثاً صحيحاً ـ وحبنا لفلسطين نابع من إيماننا بالله أولا، ثم بحقنا الشرعي فيها، ولا حجة لسلفي بالتفريط فيها بأي شكل من الأشكال، ولم ولن يفرط فيها سلفي.
41ـ اعمل على نشر المدارس السلفية، والمراكز العلمية، فخيرها كثير عميم يعم الأمة، وينفعا لبلاد والعباد.
{وَتَعَاوَنُواْعَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
[المائدة:2]
42ـ احرص على تعليم الناس ـ وخاصة إخوانك ـ الخير، وارحل لذلك إن استطعت، فكل المخلوقات تستغفر لك، ولكن بعد تحصيل العلم النافع لذلك، ففاقد الشيء لا يعطيه، وتذكر دائماً.
«إِنَّ اللَّهَ، وَمَلاَئِكَتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ».
رواه الترمذي (2901) وغيره عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ
.
43ـ ارحم الخلق يرحمك الخالق، وهو أول منهج أهل الحديث والدعوة السلفية، وأحبب الخلق في الله يحبك الله، فالجزاء من جنس العمل.
44ـ احرص على عدم العناق عند السفر والفراق، فليس ذلك من سنة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
45ـ تعرف على معالم بلدك ووطنك، فالنكبة ليست نهاية العالم، وفلسطين عائدة إلى حظيرة الإسلام قطعاً، ودولة المسخ الصهيوني إلى زوال.
46ـ تسلح إن استطعت ضمن المسموح به فالتسلح من شرع الله، وليس حراما، ويهود ليسوا أحق منا باعتزازهم بسلاحهم.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}.


[الأنفال:60]


وَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ».
قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
«مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟».
قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ».
رواه البخاري (2899) عن سلمة بن الأكوع.
[B]47ـ لا تترك تحديث نفسك بالجهاد إن لم تستطع الجهاد بسبب السياسات العقيمة، ف
فيه كماأخبر بذلك الصادق المصدوق:
«ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ،فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ».
رواه بو داود (4321) وغيره، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ.
48ـ احرص على بناء المساجد، ووقف الأوقاف لها وعليها، فستبقى لله يحميها ويدفع عنها كل غاصب حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فالله يغار أن تنتهك محارمه، ويُستباح حماه، فللبيت رب يحميه، ومن غصبها وخربها فقد توعده الله بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.


[البقرة:114].


49ـ احذرالخلاف والاختلاف، فالخلاف شر كله ـ كما ثبت عن السلف ـ وإن انتُفع به إلى حين.
«الْخِلاَفُ شَرٌّ».


رواه أبو داود (1960) وغيره عَنْ عَبْدُ اللهِ بن مسعود موقوفا.


50ـ اجمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، تقديما وتأخيراً، واقصرهما، فهي سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وصدقة ربك عليك.
عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ، فَأَنَّى الْقَصْرُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:
«صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتُهُ».
رواه مسلم (1605) وغيره، عَنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ.


وإلى أن نلتقيكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
في
«الفوائدالماسية من الرحلة المقدسية» (3)
غزوة (الكَتَّةِ!!) وذات الرقاب!!
نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.