المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفات العبد الصادق.. كلام لابن القيّم أكثر من رائع



أهــل الحـديث
20-04-2013, 06:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



صفات العبد الصادق.. كلام لابن القيّم أكثر من رائع


ليس كلُّ مَن أدَّعَى العبودية صادقاً، ولا مَن زعم محبَّة الحقِّ مُحقّاً في زعمِهِ، فالعبدُ الصادق له صفات وأوصاف، فهدفه معروف ومُبتغاهُ واضح.
قال ابن القيِّم رحمه الله: (وصاحبُ التَّعبد المطْلق ليس له غرضٌ في تَعَبدٍ بعينِهِ يُؤثَرُ على غيره؛ بل غَرضهُ تَتبّعُ مرضاة الله تعالى أين كانت، فمدارُ تعبّده عليها، فهو لا يَزالُ مُتنقلاً في منازل العبودية، كلَّما رُفعت له منزلة؛ عمل على سيره إليها واشتغل بها؛ حتَّى تلوحَ له منزلة أُخرى، فهذا دأبه في السّير؛ حتّى ينتهي سيره.
فإنْ رأيتَ العلماء رأيتَهُ معهم، وإنْ رأيتَ العُبّاد رأيتَهُ معهم، وإنْ رأيتَ المجاهدين رأيتَهُ معهم، وإنْ رأيتَ الذَّاكرين رأيتَهُ معهم، وإنْ رأيتَ المتصدِّقينَ المحسنينَ رأيتَهُ معهم، وإنْ رأيتَ أَربابَ الجمعية وعُكوف القلب على الله رأيتَهُ معهم.
فهذا هو العبدُ المطْلَق الذي لم تملكه الرُّسوم، ولم تقيّده القيود، ولم يكن عمله على مُرادِ نَفْسِهِ وما فيه لذّاتها وراحتها من العبادات، بل هو على مُراد ربِّه؛ ولو كانت راحةُ نَفْسِهِ ولذّتها في سواه.
فهذا هو المتحقّق بإيِّاك نعبد وإيِّاك نستعين حقًّا، القائم بهما صدقاً.
ملبسهُ ما تهيّأ، ومأكله ما تيسّر، واشتغالُه بما أُمر به في كلِّ وقت بوقته، ومجلسهُ حيث انتهى ووجده خالياً، لا تملكه إشارةٌ، ولا يتعبّده قيدٌ، ولا يستولي عليه رسمٌ، حُرٌّ مجرّدٌ.
دائرٌ مع الأمر حيث دارَ، يَدين بدين الأمر أنَّى توجهت ركائبُه، ويدور معه حيث استقلت مضاربه، يأنسُ به كلُّ مُحقّ، ويستوحش منه كلّ مُبْطل، كالغيث؛ حيث وقعَ نفعَ، وكالنّخلة؛ لا يسقط ورقها،وكلّها منفعةٌ؛ حتى شوكها، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا أُنتهكت محارم الله.
فهو لله وبالله ومع الله، قد صحبَ اللهَ بلا خَلْق، وصحب النَّاسَ بلا نَفْس؛ بل إذا كان مع الله عزلَ الخلائق من البين وتخلّى عنهم، وإذا كان مع خلْقه عَزَلَ نَفْسَه من الوسط وتخلّى عنها.
فواهاً له ما أَغربَه بين النَّاس، وما أشدَّ وحشتَه منهم، وما أَعظمَ أُنسه بالله وفرحه به، وطمأنينته وسكونه إليه!! والله المستعان وعليه التكلان!). [بدائع التفسير].