المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحم الله الشوكاني



أهــل الحـديث
18-04-2013, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


كل عاقل يعلم أنه لو صرح عالم من علماء الإسلام المجتهدين في مدينة من مدائن الإسلام في أي محل كان بأن التقليد بدعة محرمة لا يجوز الاستمرار عليه ولا الاعتداد به لقام عليه أكثر أهلها إن لم يقم عليه كلهم وأنزلوا به الإهانة والإضرار بماله وبدنه وعرضه بما لا يليق بمن هو دونه إذا سلم من القتل على يد أول جاهل من هؤلاء المقلدة ومن يعضدهم من جهله الملوك والأجناد فإن طبائع الجاهلين بعلم الشريعة متقاربة وهم لكلام من يجانسهم في الجهل أقبل من كلام من يخالفهم في ذلك من أهل العلم ولهذا طبقت هذه البدعة جميع البلاد الإسلامية وصارت شاملة لكل فرد من أفراد المسلمين فالجاهل يعتقد أن الدين ما زال هكذا ولن يزال إلى الحشر ولا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وهكذا من كان من المشتغلين بعلم التقليد فإنه كالجاهل بل أقبح منه لأنه يضم إلى جهله وإصراره على بدعة التقليد وتحسينها في عيون أهل الجهل الازدراء بالعلماء المحققين والعارفين بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ويصول عليهم ويجول وينسبهم إلى الابتداع ومخالفة الأئمة والتنقص

بشأنهم فيسمع ذلك منهم الملوك ومن يتصرف بالنيابة عنهم من أعوانهم فيصدقونه ويذعنون لقوله إذ هو مجانس لهم في كونه جاهلا وإن كان يعرف مسائل قلد فيها غيره لا يدري أهو حق أم باطل لا سيما إذا كان قاضيا أو مفتيا فإن العامي لا ينظر إلى أهل العلم بعين مميزة بين من هو عالم على الحقيقة ومن هو جاهل وبين من هو مقصر ومن هو كامل لأنه لا يعرف الفضل لأهل الفضيل إلا أهله وأما الجاهل فإنه يستدل على العلم بالمناصب والقرب من الملوك واجتماع المدرسين من المقلدين وتحرير الفتاوى للمتخاصمين وهذه الأمور إنما يقوم بها رؤوس هؤلاء المقلدة في الغالب كما يعلم ذلك كل عالم بأحوال الناس في قديم الزمن وحديثه وهذا يعرفه الإنسان بالمشاهدة لأهل عصره وبمطالعة كتب التاريخ الحاكية لما كان عليه من قبله وأما العلماء المحققون المجتهدون فالغالب على أكثرهم الخمول لأنه لما كثر التفاوت بينهم وبين أهل الجهل كانوا متقاعدين لا يرغب هذا في هذا ولا هذا في هذا ومنزلة الفقيه من السفيه كمنزلة السفيه من الفقيه فهذا زاهد في حق هذا وهذا أزهد منه فيه ومما يدعو العلماء إلى مهاجرة أكابر العلماء ومقاطعتهم إنهم يجدونهم غير راغبين في علم التقليد الذي هو رأس مال فقهائهم وعلمائهم والمفتين منهم بل يجدونهم مشتغلين بعلوم الاجتهاد وهي عند هؤلاء المقلدة

ليست من العلوم النافعة بل العلوم النافعة عندهم هي التي يتعجلون نفعها بقبض جرايات التدريس وأجرة الفتاوى ومقررات القضاء ومع هذا فمن كان من هؤلاء المقلدة متمكنا من تدريسهم في علم التقليد إذا درسهم في مسجد من المساجد أو في مدرسة من المدارس اجتمع عليه منهم جمع جم يقارب المائة أو يجاوزها من قوم قد ترشحوا للقضاء والفتيا وطمعوا في نيل الرياسة الدنيوية أو أرادوا حفظ ما قد ناله سلفهم من الرياسة وبقاء مناصبهم والمحافظة على التمسك بها كما كان عليه أسلافهم فهم لهذا المقصد يلبسون الثياب الرفيعة ويديرون على رؤسهم عمائم كالروابي فإذا نظر العامي أو السلطان أو بعض أعوانه إلى تلك الحلقة البهيمية المشتملة على العدد الكثير والملبوس الشهير والدفاتر الضخمة لم يبق عنده شك أن شيخ تلك الحلقة ومدرسها أعلم الناس فيقبل قوله في كل أمر يتعلق بالدين ويؤهله لكل مشكلة ويرجو منه من القيام بالشريعة ما لا يرجوه من العالم على الحقيقة المبرز في علم الكتاب والسنة وسائر العلوم التي يتوقف فهم المعلمين عليها ولا سيما غالب المبرزين من العلماء وتحت ذيول الخمول إذا درسوا في علم بين علوم الاجتهاد فلا يجتمع عليهم في الغالب إلا الرجل والرجلان والثلاثة لأن البالغين من الطلبة إلى هذه الرتبة المستعدين لعلم الاجتهاد هم أقل

قليل لأنه لا يرغب في علم الاجتهاد إلا من أخلص النية وطلب العلم لله عز و جل ورغب عن المناصب الدنيوية وربط نفسه برباط الزهد وألجم نفسه بلجام القنوع فلينظر العاقل أين يكون محل هذا العالم على التحقيق عند أهل الدنيا إذا شاهدوه في زاوية من زوايا المسجد وقد قعد بين يديه رجل أو رجلان من محل ذلك المقلد الذي اجتمع عليه المقلدون فإنهم ربما يعتقدون أنه كواحد من تلامذة المقلد أو يقصر عنه لما يشاهدون من الأوصاف التي قدمنا ذكرها ومع هذا فإنهم لا يقفون على فتوى من الفتاوى أو سجل من السجلات إلا وهو بخط أهل التقليد ومنسوب إليهم فيزدادون لهم بذلك تعظيما ويقدمونهم على علماء الاجتهاد في كل اصدار وإيراد فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد والحال هذه بشيء يخالف ما يعتقده المقلدة قاموا عليه قومه جاهلية ووافقهم على ذلك أهل الدنيا وأرباب السلطان فإذا قدروا على الإضرار به في بدنه وماله فعلوا ذلك وهم بفعلهم مشكورون عند أبناء جنسهم من العامة والمقلدة لأنهم قاموا بنصرة الدين بزعمهم وذبوا عن الأئمة المتبوعين وعن مذاهبهم التي قد اعتقدها أتباعهم فيكون لهم بهذه الأفعال التي هي عين الجهل والضلال من الجاه والرفعة عند أبناء جنسهم ما لم يكن في حساب

وأما ذلك العالم المحقق المتكلم بالصواب فبالأحرى أن لا ينجو من شرهم ويسلم من ضرهم وأما عرضه فيصير عرضه للشتم والتبديع والتجهيل والتضليل فمن ذا ترى ينصب نفسه للانكار على هذه البدعة ويقوم في الناس بتبطيل هذه الشنعة مع كون الدنيا مؤثرة وحب الشرف والمال يميل بالقلوب على كل حال فانظر إليها أيها المنصف بعين الإنصاف هل يعد سكوت علماء الاجتهاد على إنكار بدعة التقليد مع هذه الأمور موافقة لأهلها على جوارها كلا والله فأنه سكوت تقية لا سكوت موافقة مرضية ولكنهم مع سكوتهم عن التظاهر بذلك لا يتركون بيان ما أخذ الله عليهم بيانه فتارة يصرحون بذلك في مؤلفاتهم وتارة يلوحون به وكثير منهم يكتم ما يصرح به من تحريم التقليد إلى ما بعد موته كما روى الأرتوي عن شيخه الإمام ابن دقيق العيد أنه طلب منه ورقة وكتبها في مرض موته وجعلها تحت فراشه فلما مات أخرجوها فإذا هي في تحريم التقليد مطلقا ومنهم من يوضح ذلك لمن يثق به من أهل العلم ولا يزالون متوارثين لذلك فيما بينهم طبقة بعد طبقة يوضحه السلف للخلف ويبلغه الكامل للمقصر وأن انحجب ذلك عن أهل التقليد فهو غير محتجب عن غيرهم وقد رأينا في زماننا مشايخنا

المشتغلين بعلوم الاجتهاد فلم نجد فيهم واحدا منهم يقول أن التقليد صواب ومنهم من صرح بانكار التقليد من أصله وإن كان في كثير من المسائل التي يعتقدها المقلدون فوقع بينه وبين أهل عصره قلاقل وزلازل ونالهم من الامتحان ما فيه توفير أجورهم وهكذا حال أهل سائر الديار في جميع الاعصار
وبالجملة فهذا أمر يشاهده كل أحد في زمنه فإنا لم نسمع بأن أهل مدينة من المدائن الإسلامية أجمعوا أمرهم على ترك التقليد وإتباع الكتاب والسنة لا في هذا العصر ولا فيما تقدمه من العصور بعد ظهور المذاهب بل أهل البلاد الإسلامية أجمع أكتع مطبقون على التقليد ومن كان منهم منتسبا إلى العلم فهو إما أن يكون غلب عليه معرفة ما هو مقلد فيه وهذا عند أهل التحقيق ليس من أهل العلم وإما أن يكون قد اشتغل ببعض علوم الاجتهاد ولم يتأهل للنظر فوقف تحت ربقة التقليد ضرورة لا اختيارا وإما أن يكون عالما مبرزا جامعا لعلوم الاجتهاد فهذا الذي يجب عليه أن يتكلم بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم إلا لمسوغ شرعي وأما من لم يكن منتسبا إلى العلم فهو إما عامي صرف لا يعرف التقليد ولا

غيره وإنما ينتمي إلى الإسلام جملة ويفعل كما يفعله أهل بلده في صلاته وسائر عباداته ومعاملاته فهذا قد أراح نفسه من محنة التعصب التي يقع فيها المقلدون وكفى الله أهل العلم شره فهو لا وازع له من نفسه يحمله على التعصب عليهم بل ربما نفخ فيه بعض شياطين المقلدة وسعى إليه بعلماء الاجتهاد فحمله على أن يجهل عليهم بما يوبقه في حياته وبعد مماته