تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بيان اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية



أهــل الحـديث
13-04-2013, 10:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية
قال تعالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [ يوسف 106 ]
قال الطبري " وإيمانهم بالله هو قولهم : الله خالقنا ورازقنا ومميتنا ومحيينا ، وإشراكهم هو جعلهم لله شريكا في عبادته ودعائه ، فلا يخلصون له في الطلب منه وحده ، وبنحو هذا قال أهل التأويل " ثم روى مثل ذلك عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وعامر وقتادة وعطاء وجمع .قال قتادة " لا تسأل أحدا من المشركين من ربك ؟ إلا ويقول ربي الله وهو يشرك في ذلك " وقال " الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم ثم يشركون بعد ذلك " وقال ابن زيد " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربه وخالقه ورازقه وهو يشرك به . . . ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك : المشركون كانوا يقولون هذا " (فسير الطبري 13 / 50-51 الدر المنثور 4 / 120 للسيوطي .) .
وقال الإمام البغوي :
" فكان إيمانهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض ؟ قالوا الله ، وإذا قيل لهم من ينزل المطر ؟ قالوا الله ، ثم مع ذلك يعبدون الأصنام ويشركون ،." ثم ذكر قول ابن عباس وعطاء ، ويأتي .

وقال الإمام القرطبي ت : 671 في تفسيره (9 / 272)
"نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها ، وهم يعبدون الأوثان ، قاله الحسن ومجاهد وعامر والشعبي وأكثر المفسرين
وقال عكرمة : هو قوله ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أندادا ....
وقال عطاء : هذا في الدعاء ، وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء . بيانه ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) الآية ، وفي آية أخرى ( وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ).
وقيل معناها : أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة فإذا أنجاهم قال قائلهم : لولا فلان ما نجونا ، ولولا الكلب لدخل علينا اللص ،ؤ قلت : وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ." انتهى

وقال ابن كثير:(( فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى )) التفسير (2/544) سورة إبراهيم آية 12
وقال الإمام الطبري عند قوله تعالى:
 وَإِذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار [الزمر8]. قال الطبري « كانت العرب تقر بوحدانية الله غير أنها كانت تشرك به في عبادته» (تفسير الطبري 1/128).
وقال الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله ألا وهم مشركون )) قال ابن عباس من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم : من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال، قالوا الله وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك
وفي صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا لبيك لا شريك لك. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
(( قد قد )) أي حسب حسب لا تزيدوا على هذا )) سورة يوسف آية (106) (3/512) وقال الحافظ ابن حجر (( وقال عكرمة في قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) قال يسألهم من خلقهم و من خلق السموات و ألأرض؟ فيقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره )) وذكر نحوه عن ابن عباس كما مر معنا سابقاً.الفتح (13/49) باب قوله تعالى (( فلا تجعلوا الله أنداداً )) وراجع تفسير ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) الزخرف (87)
وهذا الإيمان الذي أقرت به غالب الأمم أطلق عليه العلماء توحيد الربوبية : وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير .
وإيمانهم بالربوبية فقط لا يكفي لذلك لم يدخلهم في الإسلام .
والتوحيد الذي نازع فيه المشركون الرسل هو توحيد الألوهية : وهو إفراد الله بالعبادة .
وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله. قال تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))
قال الإمام ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس و القمر ليقولن الله فأنى يؤفكون)) آية ( 61 )
((يقول تعالى مقرراً أنه لا إله إلا هو لأن المشركين الذين يعبدون غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السموات والأرض و الشمس والقمر وتسخير الليل والنهار وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم .... فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المنفرد بتدبيرها فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته،وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالإعتراف بتوحيد الربوبية وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما يقولوا في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك)).

وقال الرازي في ( 1/111) في تفسير قوله تعالى ( فلا تجعلوا لله أندادا ) البقرة :
( " المسألة الأولى : اعلم انه ليس في العالم أحد يثبت لله شريكا يساويه في الوجود والقدرة والعلم والحكمة ، وهذا مما لم يوجد الى الآن . لكن الثنوية يثبتون الهين أحدهما حليم يفعل الخير ، والثاني سفيه يفعل الشر . وأما اتخاذ معبود سوى الله تعالى ، ففي الذاهبين إلى ذلك كثرة ) ( 1/ 112 )
وقال الإمام الرازي في تفسيره (17/70 )
" ثم بين تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسيقولون انه الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على ان المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به ، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام أنها تقربنا إلى الله زلفى ، وأنهم شفعاؤنا عند الله ، وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ،ؤ" انتهى

وقال القرطبي :
" بين أنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الخالق هو الله ، وإذا كان الله هو الخالق فكيف يخوفونك بآلهتهم التي هي مخلوقة لله تعالى ، وأنت رسول الله الذي خلقها وخلق السموات والأرض ...( أو أرادني برحمة ) نعمة ورخاء ( هل هن ممسكات رحمته )
قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا .
وقال غيره : قالوا : لا تدفع شيئا قدره الله ، ولكنها تشفع . فنزلت قل حسبي الله " انتهى.
وقال الإمام البغوي ت:516 في تفسيره :
(فسيقولون الله ) هو الذي يفعل هذه الأشياء (فقل أفلا تتقون ) أفلا تخافون عقابه في شرككم . وقيل : أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار. (فذلكم الله ربكم ) الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم )الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) أي فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به ." اه

وقال القرطبي :
" قوله تعالى ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا ) فأنى يؤفكون ( أي كيف ينقلبون عن عبادته ، وينصرفون عنها ، حتى أشركوا به غيره ، رجاء شفاعتهم له " انتهى
وقال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يوم القيامة {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [وكفرا] تفسير البغوي - (7 / 104)
وقال الإمام النسفي رحمه الله { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الزمر: 3] أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر : 3] مصدر أي تقريباً { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [الزمر : 3] بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر : 3] قيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). تفسير النسفى - (4 / 41)

المشركون يقرون أن معبوداتهم لاتنفع ولاتضر بذاتها
قال الإمام الطبري رحمه الله :"القول في تأويل قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ( 38 ) .
"يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام : من خلق السماوات والأرض ؟ ليقولن : الذي خلقه الله ، فإذا قالوا ذلك ، فقل : أفرأيتم - أيها القوم - هذا الذي تعبدون من دون الله من الأصنام والآلهة ( إن أرادني الله بضر ) يقول : بشدة في معيشتي ، هل هن كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر ؟ ( أو أرادني برحمة ) يقول : إن أرادني برحمة أن يصيبني سعة في معيشتي ، وكثرة مالي ، ورخاء وعافية في بدني ، هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة ؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك ، ودلالة ما ظهر من الكلام عليه . والمعنى : [ ص: 296 ] فإنهم سيقولون لا . فقل : حسبي الله مما سواه من الأشياء كلها ، إياه أعبد ، وإليه أفزع في أموري دون كل شيء سواه ، فإنه الكافي ، وبيده الضر والنفع ، لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، ( عليه يتوكل المتوكلون ) يقول : على الله يتوكل من هو متوكل ، وبه فليثق لا بغيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل" .
وقال الإمام القرطبي رحمه الله :"
"قل أفرأيتم أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا : أفرأيتم إن أرادني الله بضر بشدة وبلاء هل هن كاشفات ضره يعني هذه الأصنام أو أرادني برحمة نعمة ورخاء هل هن ممسكات رحمته قال مقاتل : فسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فسكتوا . وقال غيره : قالوا : لا تدفع شيئا قدره الله ، ولكنها تشفع . فنزلت قل حسبي الله وترك الجواب لدلالة الكلام عليه ، يعني فسيقولون : لا ، أي : لا تكشف ولا تمسك ف " قل " أنت حسبي الله أي : عليه توكلت أي : اعتمدت و عليه يتوكل المتوكلون يعتمد المعتمدون ".
وقال الفخرالرازي في ( 17/86) في تفسير قوله تعالى ( قل من يرزقكم من السماء والارض ... ) يونس
" وهذا يدل على ان المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به ، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام انها تقربهم الى الله زلفى ، وانهم شفعاؤنا عند الله
وكانوا يعلمون ان هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر فعند ذلك قال الرسول عليه السلام (فقل افلا تتقون ) يعني : افلا تتقون ان تجعلوا هذه الاوثان شركاء لله في المعبودية ، مع اعترافكم بأن كل الخيرات في الدنيا والآخرة انما تحصل من رحمة الله واحسانه ، واعترافكم بأن هذه الأوثان لا تنفع ولا تضر ألبتة " انتهى

ثم هنا أمر لا بد من تقريره وإيضاحه وهو أنَّ قول أهل العلم عن المشركين بأنَّهم يعترفون بتوحيد الربوبية ليس المراد به أنَّهم اعترفوا بهذا القسم من التوحيد على التمام والكمال فمشركو العرب مع توحيدهم الله وإقرارهم له سبحانه في ( أصل ) توحيد الربوبية إلاَّ أنهم كانوا واقعين في ( أفراد ) من الشرك فيه فهم يقرون بصفات الربوبية من حيث الجملة لكن قد يقعون في بعض أفراد هذه الصفات فمثلاً إنكارهم للبعث دليل على خلل ونقص في إثباتهم لصفة القدرة المطلقة لله عزوجل على التمام والكمال فهم يثبتون أصل القدرة لله تعالى باعتقادهم أن الله الخالق الرازق المدبر المالك ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وسخر الشمس و القمر وأنه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ... وكل ذلك يستلزم إثبات القدرة لله عز وجل لكن انكروا فرد من أفراد القدرة وهو البعث بعد الموت ولا يلزم ذلك انكارهم للقدرة في الجملة.
ثم إن هذا أيضاً ليس حكماً عاماً مطرداً على جميع المشركين إذ منهم من وجد عنده حتى الشرك في الربوبية، ومنهم من آمن ببعض خصائص الربوبية دون بعض، ومنهم من كان يؤمن إضافة إلى إيمانه بوجود الله الخالق الرازق بالمعاد وبعث الأبدان والحساب، كما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة:
فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكم ... ليخفى فمهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم حساب أو يعجل فينقم
قال ابن كثير وقد أورد هذين البيتين:
"فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة"( تفسير ابن كثير (4/238)).
وقال ابن جرير: "وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ... ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال سلامة بن جندل الطهوي:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم ... وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق" تفسير ابن جرير (1/58).
والشواهد على هذا كثيرة، ومع ذلك فهم مشركون لأنهم يعبدون مع الله غيره.

انظر القول السديد للشيخ عبدالرزاق العباد

اعترافات صوفية
يقول عبد الله بن علوي الحداد توفي (1044-1132هـ) في صفحة [ 199- 202 ] من كتابه الدَّعوة التَّامَّة و التَّذكِرَة العامَّة ( ضمن سلسلة كتب الإمام الحداد 2 ) مانصه :
"ولما كانت العرب قد أعطيت من التمييز، وأُيُّدت من المعقول بما لم يؤيَّد به غيرُها من الأمم لم يصدر عنها الإنكار لوجود الحق سبحانه وتعالى؛ بل أقرت بوجوده، وبكون الخالق لكل شيء والرازق له، كما حكى الله ذلك عنها في غير ما آية من كتابه، مثل قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ الزخرف:87]، وقوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ العنكبوت:61]، وقوله تعالى: { قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [ المؤمنون:84 - 85 ] إلى غير ذلك من الآيات المصرِّحات بما ذكرناه عن مشركي العرب.
ويبين ذلك ما حكى الله عنهم في قوله تعالى أنهم قالوا فيما أشركوا به من دون الله { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر:3] أي أنهم جعلوها وسائل ووسائط، يقصدون بعبادتهم التقرّب إلى الله فأخطأوا في ذلك، ولكنهم أقرُّوا بوجود الحق وبكون الخالق لهم ولكل شيء، وأنهم إنما عبدوا ما عبدوه من الأصنام لتكون وسائل لهم عنده، ومقرِّبات لهم إليه؛ وكانوا - أعني مشركي العرب - يرجعون إلى الله في الشدائد، وكشف المهمات والمصائب، ولا يطلبون ذلك ولا يسألونه إلاّ منه، كما أخبر الله بذلك في كتابه عنهم في مثل قوله تعالى: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء: 67] وقوله تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل: 53] أي تتضرعونَ وَتستغيثون.
ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبعضهم: ( كم لكم من إلهٍ ؟ قال: عشرة. فقال عليه الصلاة والسلام: إلى أيِّهم ترجع عند الشدائد ؟ فقال إلى الله، فقال: ( أسلم يا فلان فإنه ليس لك من إله غير الله) الحديث، وقال عليه الصلاة والسلام لآخر وهو يدُّله على الله: ( هو الذي إذا ضلّت راحلتك وأنت بأرض فلاة فدَعَوْتَهُ ردَّها عليك. وإذا أصابك عامُ سَنة فدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لك وما أحسب أن أحداً يعقل إلاّ وهو متألِّه إلى إله، تقضي عليه بذلك فطرته التي فطره عليها، وتشهد له بربوبيته خِلْقَتُهُ التي خلق عليها، أصاب في ذلك من أصاب، وأخطأ من أخطأ وما من إله إلا الله العزيز الحكيم".
الدَّعوة التَّامَّة و التَّذكِرَة العامَّة