المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة التوحيد وأقسامه عند العلماء



أهــل الحـديث
13-04-2013, 10:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


التوحيد:
التوحيد أصل مادته (وحد) وتدور هذه المادة على الانفراد والاختصاص"تهذيب اللغة للأزهري(4/3844-3848) والصحاح للجوهري(2/547) ولسان العرب لابن منظور
ويقول ابن فارس :"الواو والحاء والدال :أصل واحد يدل على الانفراد"معجم مقاييس اللغة ص1084
قال الحافظ في الفتح:
"وقال أبو القاسم التميمي في " كتاب الحجة " : التوحيد مصدر وحد يوحد ، ومعنى وحدت الله اعتقدته منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه ، وقيل معنى وحدته علمته واحدا ، وقيل : سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له ، وفي صفاته لا شبيه له ، في إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له ولا رب سواه ولا خالق غيره ."

وقال ابن حجر العسقلاني عند حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمابعث معاذ إلى اليمن قال له(إنك تاتي قوما"من اهل الكتاب،فليكن أول ماتدعهم إليه شهادة أن لاإله إلا الله..): (ووجه الجمع بينها أن المراد بالعبادة: التوحيد، والمراد بالتوحيد: الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله ذلك إلى التوحيد، وقوله: « فإذا عرفوا الله » أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة الإقرار والطواعية فبذلك يجمع بين هذه الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة وبالله التوفيق.) فتح الباري (ج13 ص367)

وقال في موضع آخر:
(ويُجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما.) فتح الباري (ج3 ص419)

وقال ابن حجر في الفتح ( 11/227) : [ وأن يوحد ويعتقد بإنفراده بالإلوهية دون خلقه]
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم إلا نوحي إليه أنه لا معبود في السماوات والأرض، تصلح العبادة له سواي فاعبدون يقول: فأخلصوا لي العبادة، وأفردوا لي الألوهية.) جامع البيان (ج18 ص427)
قال ابن كثير (774 هـ) في تفسيره: (ثم قال تعالى مخبرًا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التغابن : 13] فالأول خَبَرٌ عن التوحيد، ومعناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية (17) له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه) تفسير القرآن العظيم (ج8 ص138)
وقال ابن كثير (774 هـ) : ({مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف : 38] هذا التوحيد - وهو الإقرار بأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ج4 ص389)
قال البيهقي (458 هـ) : (الباب الأول في توحيد الله في عبادته دون سواه) ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
”مَنْ وَحَّدَ اللهَ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ.“ الأربعون الصغرى للبيهقي - (ص23( [صحيح مسلم]
وقال السفاريني التوحيد:" إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً" لوامع الأنوار البهية(1/57)
ويرى ابن حجر الهيتمي أن الإيمان بالله تعالى يعني الإيمان بأنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لاشريك له في الألوهية وهي استحقاق العبادة منفرد بخلق الذوات بصفاتها وأفعالها وبقدم ذاته وصفاته الذاتيه" فتح المبين بشرح الأربعين (ص69)
وبناء على ذلك فإنه يرى أن الإيمان بالله تعالى يعني توحيد الله تعالى المتضمن لتوحيده سبحانه في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
وقال الباجوري في شرح الجوهرة عند شرح البيت الثاني : والتوحيد لغة هو العلم بأن الشيء واحد وشرعاً :هو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتاً وصفاتا وأفعالاً.
وبناء على ذلك فإن التوحيد هو : إفراد الله بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات .
أو إفراد الله بما يستحقه أو بكل ما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
وعليه فالتوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، إلى توحيد ربوبية ، وألوهية ، وأسماء وصفات .
وهذه الأقسام تشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي نسميه التوحيد ولهذا عرّف الفيروز آبادي التوحيد بأنه :"الإيمان بالله وحده"
أولاً: توحيد الربوبية:
كلمة الرب في اللغة تطلق على عدة معانٍ.
قال ابن فارس :" الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ والقيامُ عليه. فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. والله جلّ ثناؤُه الرَّبٌّ؛ لأنه مصلحُ أحوالِ خَلْقه."معجم مقاييس اللغة ص1084
قال ابن منظور: الرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبِّر، والمربي، والقيِّم، والمنعم.
وقال: ولا يطلق غير مضاف إلا على الله_عز وجل_وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: ربُّ كذا.
قال: وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله_تعالى_وليس بالكثير، ولم يذكر في غير الشعر (لسان العرب 1/399_400.).
وقال: ورب كل شيء: مالكه ومستحقه، وقيل: صاحبه.
ويقال: فلان رب هذا الشيء أي مِلْكُه له.
وكل من ملك شيئاً فهو ربه، يقال: هو ربُّ الدابة، ورب الدار، وفلان رب البيت، وهن ربات الحجال (لسان العرب 1/339.).
أما الرب من حيث إنه اسم من أسماء الله فمعناه: من له الخلق والأمر والملك، قال_تعالى_:[أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ] (الأعراف: 54).
وقال: [ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ](فاطر:13).
قال ابن منظور: الرب: هو الله_عز وجل_هو رب كل شيء، أي مالكه، وله الربوبية على جميع الخلق لا شريك له، وهو رب الأرباب، ومالك الملوك والأملاك (لسان العرب 1/399.).

وأما توحيد الربوبية فهو ( إفراد الله بأفعاله ، كالخلق والرزق والإحياء ونحوها ) فنعتقد أن الله رب كل شيء والمتفرد بالخلق والملك والتدبير والنفع والضر والإحياء والإماتة ونحو ذلك من أفعاله فلا خالق ولا رازق، ولا معطي ولا مانع، ولا مميت ولا محيي، ولا مدبر لأمر المملكة _ ظاهراً وباطناً _ غيره، فما شاء كان، ما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54 فدل على تفرده بالخلق والأمر والنهي والتشريع ، وقال {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران189 فله الملك المطلق ، وقال تعالى في بيان أنه المدبر وحده لا شريك له { يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }يونس3 ، وقال تعالى مبيناً تفرده بالإحياء والإماتة {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }غافر68 ، وقال جل وعلا في بيان ملكه للنفع والضر ، وأن ليس أحد من الخلق قط يملك أن ينفع أحد أو يضره من دون الله {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يونس107 .
فمن اعتقد أن هناك من يخلق مع الله أو ينفع مع الله أو يضر من دون الله فهو مشرك بالله ، لأنه ساوى بين الله وبين خلقه في الخلق والنفع والضر التي هي أفعال الله وحده.

قال العلامة الزبيدي في تاج العروس : ( التَّوْحِيدُ تَوْحِيدَانِ . تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة وتَوْحِيدُ الأِلهيَّة . فصاحِبُ تَوْحِيد الرَّبَّانِيَّةِ يَشْهَد قَيُّومِيَّةَ الرَّبِ فَوْقَ عَرْشِه يُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِه وَحْدَه فلا خالِقَ ولا رَازِقَ ولا مُعْطِيَ ولا مَانِعَ ولا مُحْيِىَ ولا مُمِيتَ ولا مُدَبِّرَ لأَمْرِ المَمْلَكَةِ ظَاهِراً وباطِناً غيرُه فما شاءَ كانَ وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ ولا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلاَّ بإِذْنِه ولا يَجُوز حادِثٌ إِلاَّ بِمَشِيئَتِه ولا تَسْقُط وَرَقَةٌ إِلاَّ بِعِلْمِه ولا يَعْزُب عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّموات ولا في الأَرْضِ ولا أَصْغَرُ مِن ذلك ولا أَكْبَرُ إِلاَّ وقد أَحْصَاها عِلْمُه وأَحاطتْ بها قُدْرَتُه ونَفَذَتْ فيها مَشِئَتُه واقْتَضَتْهَا حِكْمَتُه . وأَمّا تَوْحِيدُ الإِلهِيَّة فهو أَن يُجْمِعَ هِمَّتَه وقَلْبَه وعَزْمَه وإِرادَتَه وحَرَكاتِه على أَداءِ حَقِّه والقيامِ بِعُبُودِيَّتِهِ . )اهـ
ثانياً: توحيد الألوهية:
يقول الزجاجي: ( إله: فعال بمعنى مفعول. كأنه مألوه أي معبود مستحق للعبادة يعبده الخلق ويؤلهونه ) (اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي (ص/24)).
ويقول الجوهري في معنى كلمة (الله): (.. وأصله إلاه على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود، كقولنا إمام فعال بمعنى مفعول لأنه مؤتم به) (الصحاح" مادة (أله) (6/2223)).
ويقول ابن سيده: ( و الإلاهة و الألوهة والألوهية العبادة) ("لسان العرب" (1/114))
و أما الألوهية التي جاءت هذه الكلمة لإثبات استحقاق الله وحده لها فهي من مجموع كلام أهل اللغة أيضاً فزع القلب إلى الله، وسكونه إليه، واتجاهه إليه لشدة محبته له، وافتقاره إليه .
ويجمعهما كون الله هو الغاية والمراد والمقصود مطلقاً.
يقول ابن الأثير: (أصله من أله يأله إذا تحير، يريد: إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصرف وهمه إليها أبغض الناس حتى لا يميل قلبه إلى أحد ) (النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/62)).
ويقول أبو الهيثم: ( الله: أصله إله … ولا يكون إلها حتى يكون معبوداً، وحتى يكون لعابده خالقاً ورازقاً ومدبراً وعليه مقتدراً … وأصل إله ولاه. فقلبت الواو همزة… ومعنى ولاه أن الخلق إليه يؤلهون في حوائجهم ويفزعون إليه فيما ينوبهم كما يوله طفل إلى أمه) (لسان العرب " (13/468)).
ويقول الإمام ابن القيم: ( اسم الله دال على كونه مألوهاً معبوداً تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب) (مدارج السالكين" (1/31)).
وقال الفيروز أبادي في لفظ الجلالة )) أصله إله كفعال بمعنى مألوه وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه والتأله التنسك والتعبد والتاليه التعبيد)) القاموس المحيط (4/280)
وقال البيضاوي )) الإله في الأصل لكل معبود ثم غلب على المعبود بالحق ... واشتقاقه من أله آلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد)) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/15)
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: ((وإلهكم إله واحد)) :قوله (إلهكم ) يدل على أن معنى الإله مايصح أن تدخله الإضافة فلو كان معنى الإله القادر لصار المعنى وقادركم قادر واحد ومعلوم أنه ركيك فدل على أن الإله هو المعبود)) التفسر الكبير (4/192) وقد خطا الرازي من فسر الإله بالقادر ونحوه.

فأما توحيد الألوهية أو الإلهية فهو ( إفراد الله بأفعال العباد أو بالعبادة، من الصلاة والزكاة والحجِ ، والصيامِ ، والذبح والخشيةِ ، والرهبةِ ، والخوفِ ، والمحبةِ ، والرجاءِ ونحو ذلك . ويُطلقُ على توحيدِ الألوهيةِ توحيدُ الإرادةِ والطلبِ) .
فمن عبد غير الله، بأن دعا الأموات أو استغاث بهم أو ذبح لغير الله أو نذر له أو أحب غير الله كحب الله أو خشي منه كخشية الله أو عظمه كتعظيم الله فقد أشرك لأنه اتخذ معه شريكاً في عبادته .

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: _
" توحيد الألوهية هو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدعاء، والرجاء، والخوف، والخشية، والاستعانة، والاستعاذة، والمحبة، والإنابة، والنذر، والذبح، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والتذلل، والتعظيم. " الدرر السنية 2/35، وانظر 2/37، 2/152، 153 .
وهذا النوع هو مقتضى لا إله إلا الله ومعناها وهو الذي أنكره المشركون، وهو الذي من أجله شرع الجهاد وقامت الحروب على ساقها بين الموحدين والمشركين انظر مذكرة التوحيد للشيخ عبد الرازق عفيفي، ص20، 29 . (.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-: (فإن قيل لك ما الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؟ فقل: توحيد الربوبية فعل الرب مثل: الخلق، والرزق والإحياء، والإماتة، وإنزال المطر، وإنبات النبات، وتدبير الأمور، وتوحيد الإلهية فعلك أيها العبد مثل: الدعاء والرجاء والخوف والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة والنذر والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادة).مجموعة الشيخ 1/371 .
ثالثاً: توحيد الأسماء والصفات:
هو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في القرآن والسنة، والإيمان بمعانيها وأحكامها.
أو الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو متصف بجميع صفات الكمال، ومنزه عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع الكائنات.
وأهل السنة والجماعة: يعرفون ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنة، ويصفون ربهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعدتهم في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "الشورى: 11"

فتوحيد الأسماء والصفات فهو اعتقاد أن الله عز وجل واحد في أسمائه وصفاته لا مماثل له فيها ولا مشارك له بوجه من الوجوه وذلك يكون بـ( إثبات ما أثبته الله لنفسه ، من الصفات من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه) .
قال الشيخ عبدا لرحمن بن سعدي: "توحيد الأسماء والصفات: وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة، والجلال، والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه.
وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله"من جميع الأسماء، والصفات، ومعانيها، وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تمثيل.
ونفي ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله"من النقائص والعيوب ومن كل ما ينافي كماله"( القول السديد في مقاصد التوحيد 3/10 مجموعة ابن سعدي.).

فالله قد اتصف بصفات لا تشبه صفات المخلوقين وتسمى بأسماء لا تطلق إلا عليه ، قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف180 ، وقال في بيان أن لا مثيل له وشبيه له فيما اتصف به {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الشورى11 ، فأثبت لنفسه سمعاً وبصراً وبيَّن بأنهما لا يماثلان سمع وبصر المخلوق ، وقال {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}مريم65 ، وقال أيضاً {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}الإخلاص4 ، أي ليس له كفؤ وند ومثيل وشبيه.
فمن اتخذ مع الله شريكاً في أسمائه وصفاته، كمن اعتقد في مخلوق أن له من القوة كقوة الله ، أو أنه يحيط بالأصوات سمعا كإحاطة الله، أو أن هناك من يستحق أن يسمى بالرحمن والقدوس ورب العالمين فقد أشرك بالله لأنه ساوى بين الله وبين خلقه في أسمائه وصفاته.
ولا يكون العبد موحداً مؤمناً إلا إذا وحده في جميعها، فمن أشرك في شيء أو نوع منها بطل توحيده، فمن أقر بالربوبية ووحد الله فيها ولكنه عبد مع الله غيره في النذر كان مشركاً ولم يكن موحداً ناجياً، ومن عبد الله وحده ولكنه اعتقد في مخلوق أنه يدبر مع الله أمر الكون كان مشركاً غير موحد وهكذا.

الأسماء: جمع اسم ،والاسم في اللغة: هو اللفظ الموضوع لمعنى تعييناً أو تمييزاً. أو الاسم: ما دل على الذات وما قام بها من الصفات.
ومن أسماء الله تعالى: الله – الرحمن – الرحيم – الغفور – العزيز – القدير – السميع – البصير – البارئ...
الصفات :جمع صفة ، والصفة هي: ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من أمور ذاتية أو معنوية أو فعلية.
ومن صفات الله عز وجل:
الذاتية: اليدان – الوجه – العينان – الأصابع.
المعنوية: العلم – القدرة – الحياة - الإرادة.
الفعلية: النزول – الاستواء – الخلق – الرزق.
قال الإمام أحمد (ت 241) رحمه الله: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه, أو ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, لا نتجاوز القرآن والسنة)
وقال ابن عبد البر (ت 463) رحمه الله: (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه)

واجتمعت أنواع التوحيد الثلاثة في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : 65]
الربوبية: {رب السماوات والأرض وما بينهما}
العبودية: {فاعبده واصطبر لعبادته}
في أسمائه وصفاته {هل تعلم له سميًّا} سميًّا: أي مثلا أو شبيها.
واجتمعت في سورة الفاتحة:
قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: إثبات ربوبيته لكل الخلق.
وقوله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: ذكر لأسمائه وصفاته.
وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: توحيده في العبادة.


وما ذكرناه قد ذكره بعض السلف والعلماء في كلامهم في التوحيد، منهم:
قال البخاري (256 هـ) في صحيحه:
(بَاب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)
فذكر فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ”يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ “ قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» قال: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا».ا.هـ وهذا توحيد الله في العبادة.
وذكر الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال:َ”سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِك“َ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: «لِأَنَّهَاصِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”أخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ.“ وهذه في الربوبية والأسماء والصفات، كما هو بَيّن في معنى سورة الإخلاص، وكونه صفة الرحمن، الله عز وجل.

قال ابن جرير الطبري (310 هـ) : (يقول: فاعبدوا ربكم الذي هذه صفته، وأخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهية والربوبية، بالذلة منكم له ، دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة) (جامع البيان للطبري (ج12 ص114))
وقال: (وأما قوله: {لا إله إلا هو}، فإنه خبرٌ منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيرُه، ولا يستوجبُ على العبادِ العبادةَ سواه) (جامع البيان (ج2 ص746))
وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطةَ العكبري (ت387):
((أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقادُهُ في إثباتِ الإيمانِ به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً.
والثاني: أن يعتقد وحدانيته ليكون مبايناً بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وَصَفَ به نفسه في كتابه.
وإذ قد علمنا أن كثيراً ممن يقر به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته فيكون إلحاده في صفاته قادحاً في توحيده.
ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها.
فأما دعاؤه إياهم إلى الإقرار بربانيته ووحدانيته فلسنا نذكر هذا هاهنا لطوله وسعة الكلام فيه، ولأن الجهمي يدعى لنفسه الإقرار بهما وإن كان جَحْدُهُ للصفات قد أبطل دعواه لهما...)) الإبانة لابن بطة (693 -694) عن القول السديد (ص:36).

قال أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) في عقيدته المشهورة بالعقيدة الطحاوية:
(نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله ‏:‏ إن الله واحد لا شريك له،
ولا شيء مثله ، [في الصفات]
ولا شيء يعجزه ، [الربوبية]
ولا إله غيره ‏.) [الألوهية وهي العبودية]


قال أبو بكر الباقلاني (403 هـ) :
(والتوحيد له هو: الإقرار بأنه ثابت موجود: وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء.)
وقال في موضع آخر: (وكذلك قولنا أحد، وفرد وجود ذلك إنما نريد به أنه لا شبيه له ولا نظير، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الإلهية سواه، وقد قال تعالى: {إنما اللّه إله واحد} ومعناه: لا إله إلا الله.) (الإنصاف للباقلاني (ص22 و33))

وقال العلامة ملا علي سلطان القاري: ((فابتداء كلامه سبحانه وتعالى في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين يشير إلى تقرير توحيد الربوبية، المترتب عليه توحيد الألوهية، المقتضي من الخلق تحقيق العبودية، وهو ما يجب على العبد أولا من معرفة الله سبحانه وتعالى.
والحاصل أنه يلزم من توحيد العبودية توحيد الربوبية دون العكس في القضية؛ لقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}، وقوله سبحانه حكاية عنهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، بل غالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد، بل القرآن من أوله إلى آخره في بيانهما وتحقيق شأنهما. فإن القرآن إما خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوتُهُ إلى عبادتِهِ وَحْدَهُ لا شريك له وَخَلْعِ ما يُعْبَدُ من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإِما خبر عن إكرامه لأهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في العقبى فهو جزاءُ توحيدِهِ، وإما خبرٌ عن أهل الشرك وما فَعَلَ بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب والسلاسل والأغلال، فهو جزاء مَنْ خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوق أهله وثنائهم وفي شأن ذم الشرك وعقوق أهله وجزائهم)) أهـ شرح الفقه الأكبر (ص:15)

و قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة : (( و أما تقسيم التوحيد إلى ما ذكره هؤلاء الائمة شيخ الاسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم و الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية فهذا تقسيم اصطلاحي استقاه العلماء مما جاء في كتاب الله تعالى في الكتاب و السنة في مواضع لا تحصى ومما رد الله تعالى به على المشركين الذين كان يؤمنون بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية ، وفي سورة الفاتحه التي يقرأها المسلم في صلاته مرات كل يوم دليل على ذلك )) كلمات من كشف الاباطيل 37 المطبوعة مستقلة و المطبوعة في آخر جواب المنذري عن أسئلة الجرح و التعديل باعتناء أبي غدة .