المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أدب الحوار القرآني



عميد اتحادي
12-04-2013, 10:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ
(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)

1- قال - سبحانه وتعالى - في حوار يوسف - عليه السلام - مع إخوته وبيان الحق لهم -: ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89].

فهنا ذكَّرَهُم يوسف - عليه السلام - بما فعلوه، وحاورهم ليبين لهم الحق، ولهذا عرفوا أن الذي يخاطبهم هو يوسف، فـ ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ [يوسف: 90] عندها استشعروا الندم والحسرة على ما كان منهم، فاعترفوا بخطيئتهم قائلين: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91].

فرجعوا - في هذا الحوار - إلى الحق، واستقبحوا فعلهم، وسلّموا له.

2- وقال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97].

وفي هذه الآية الكريمة يتكرر الحوار ويبرز أدب من آدابه وما ينبغي للمحاور أن يتميز به، إذْ من الطبيعي أن الإنسان يخطئ ويصيب، فإخوة يوسف - عليه السلام - اعترفوا أمام أبيهم بخطئهم وطلبوا منه المغفرة، وبهذا كسبوا احترام وود أبيهم، وقبله يوسف - عليه السلام -، فقال يعقوب - عليه السلام:- ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 98].

3- وقال تعالى: ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 51].

ففي هذا الحوار يتضح جليًّا إقرار امرأة العزيز على نفسها بأنها هي التي حاولت فتنه يوسف-يوسف - عليه السلام - وهي التي راودته عن نفسه فامتنع، وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله، وبريء من التهمة التي سجن لأجلها.

ثم تواصل امرأة العزيز اعترافاتها والتسليم بخطئها فتقول كما أخبر الله عنها: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 52].

فتقول: إن إقراري على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالكذب عليه، ولم تقع مني الفاحشة، وأنني راودت يوسف، واعترفت بذلك لإظهار براءتي وبراءته...

ثم تواصل - أيضاً- اعترافاتها الجريئة فتقول: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53].

والمعنى: أنها تقول: وما أزكي نفسي وأبرؤها، إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي؛ طلباً لملذاتها، إلا من عصم الله، إن ربي غفور لذنوب من تاب وأناب إليه.

فهذا الأدب - أعني: الإذعان أو الرجوع إلى الحق، والتسليم بالخطأ، وعدم الانتصار للنفس-مما ينبغي أن يتحلى به كل محاور، حتى يحقق الحوار ثمرته، ويتوصل به إلى النتيجة المرجوة .