المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا



أهــل الحـديث
10-04-2013, 08:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة الكرام مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا بها جميعا.


وما نرسل بالآيات إلا تخويفا

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن للمعاصي و المنكرات أيها الأحبة تبعات وخيمة وأخطار جسيمة، تلحق بأهلها إذا لم يبادروا بالتوبة والرجوع إلى الله جل وعلا،فهذه الذنوب قد أفسدت النفوس وأعمت القلوب،وأهلكت الديار،وأذلت أمما قد سبقت في الأمصار,وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء، والزرع والثمار والمساكِن".الجواب الكافي (ص 42)
لأن أصحابها لم يمتثلوا لأوامر ربهم سبحانه الذي نهاهم عن فعلها، وحذرهم من الاجتراء عليها، فاقترفوا السيئات وجاهروا بالمحرمات،وأفسدوا في البر والبحر والجو بالمنكرات،قال تعالى:(ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)[الروم :41].
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"أي: استعلن الفساد في البر والبحر، أي:فساد معايشهم ونقصها،وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها". تفسير السعدي (ص 643) مع أن خالقهم جل جلاله ذكَّرهم بحال من قبلهم،حيث حلَّ عليهم العقاب ونزل بهم العذاب،فتبدلت عليهم الأحوال وصاروا مضربا للأمثال،بعد أن بدلوا الأمن والاطمئنان بالكفر والطغيان،قال تعالى:(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) [النحل: 112].
قال الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-:"وعلى كل حال،فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل،وألا يقابل نعم الله بالكفر والطغيان،لئلا يحل به ما حل بهذه القرية المذكورة،ولكن الأمثال لا يعقلها عن الله إلا من أعطاه الله علماً".أضواء البيان (2 /459)
أيها الأحبة الكرام إن من لطف رب العزة وتمام قدرته وكمال حلمه وكرمه بخلقه أنه لا يعاجلهم بالعقوبة بل يمهلهم ليتوبوا ويرجعوا عما قدمت أيديهم،يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"وسبحان الحليم الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم، كأنهم ما عَصَوه مع قدرته عليهم".تفسير السعدي (ص790)
فيرسل لهم سبحانه النذر ويذكرهم جل وعلا بالآيات، فيبعث عليهم الفيضانات المهلكة والرياح المروعة والزلازل المدمرة لعلها تُحيي قلوبا مرضت بالذنوب والمحرمات،فيتوب أصحابها لرب البريات ويتركوا المعاصي و المنكرات، فيقبلوا على فعل الطاعات والتزود من الخيرات.
فهذه الآيات التي يرسلها الواحد الجبار كالزلازل والبراكين، ليست للتسلية وإنما للعظة والاعتبار ، والرجوع للواحد القهار ، ولكن بعض الجهلة من المسلمين ممن قلَّ فيهم الوازع الديني!وطغى عليهم الجانب العقلي! وتأثر بالكفار!وبمساعدة وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة! أردوا قلب الحقائق و التلبيس على الناس، وإبعادهم عن دينهم، فزعموا أن ما يحدث من هذه الآيات كالزلازل و الفيضانات ما هي إلا كوارث طبيعية وظواهر جغرافية عادية!وأن هناك بلدانا أمنع من أن تحل بهم هذه الآيات الربانية و النذر السماوية! لأنهم ليسوا على خطها أو لاستعدادهم لها!.
أيها الأفاضل الكرام أنصدق هؤلاء!الكذبة! أم نصدق أصدق القائلين !الذي أخبرنا أنه يرسل هذه الآيات للناس من باب التهديد والوعيد الشديد،لعلهم إليه سبحانه يرجعون،ويرتدعوا عما هم عليه متجرئون!،فقال تعالى:(وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)[ الإسراء :59]
قال قتادة –رحمه الله-:"إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون ".تفسير البغوي ( 3/121)
فعلينا أيها الكرام أن لا نلتفت لهؤلاء الجهلة! وأن نبادر إلى التوبة النصوح ،و نسارع في الأوبة والغفران قبل فوات الأوان،فإن في ذلك النجاح والفلاح،ونحذر أشد الحذر من التسويف والتأخير فإن هذا من تلبيس الشيطان وهو من الخسران و الحرمان، والله المستعان.
قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:"فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة و الفيضانات، البدار بالتوبة إلى الله سبحانه،والضراعة إليه وسؤاله العافية،والإكثار من ذكره واستغفاره".مجموع الفتاوى (9/151)
وعلينا كذلك أيها الأفاضل أن نعلم أن من حكمة ربنا سبحانه أن العذاب إذا نزل بقوم قد فشت بينهم المنكرات وجاهروا بالمحرمات وعصوا رب الأرض و السماوات فإنه يعم، لكنه لطائعهم وأهل الصلاح فيهم بإذن الله رحمة ومطهرة، ولعاصيهم وأهل الفساد عذابا وعبرة،فعن أم المؤمنين أم سلمة-رضي الله عنها – قالت:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا ظَهَرَتِ المعاصي في أمتي عَمَّهُمُ الله عز وجل بِعَذَابٍ من عِنْدِهِ"، فقلت: يا رسول الله أَمَا فيهم يومئذ أُنَاسٌ صالحون؟! قال:" بَلَى"، قالت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال :"يُصِيبُهُمْ ما أَصَابَ الناس ثُمَّ يَصِيرُونَ إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ". رواه الإمام أحمد في المسند( 6/304) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (3156)
فعلينا جميعا أيها الأحبة أن نبذل الوسع في نصح المسلمين وحثهم على الرجوع إلى الدين القويم، وسنة أفضل المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ونُذكِّرهم دائما بفضل الطاعات، ونحذرهم من شؤم المحرمات ،ونقص عليهم أنباء من عصى رب العالمين وكذب المرسلين لعلهم بها يتعظون، وعن المحرمات يبتعدون، وإلى الخيرات يقبلون، و الهداية و التوفيق من عند العزيز الوهاب.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يغفر لنا جميعا ذنوبنا ويكفر عن سيئاتنا وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي