المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه الأبرار بمعتقد حملة السنة في الصفات



أهــل الحـديث
02-04-2013, 07:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ﴾
﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ﴾
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وبعد :
«كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائما في خلافة أبي بكر وعمر.
فلما استشهد قفل باب الفتنة؛ عمر -رضي الله عنه- وانكسر الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذبح صبرا، وتفرقت الكلمة، وتمت وقعة الجمل، ثم وقعة صفين.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع ظهور السنة وأهلها إلى بعد المائتين، فظهر المأمون الخليفة - وكان ذكيا متكلما، له نظر في المعقول - فاستجلب كتب الأوائل، وعرب حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخب ووضع، ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة، فإنه كان كذلك.
وآل به الحال أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يمهل.
وهلك لعامه، وخلى بعده شرا وبلاء في الدين، فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله -تعالى- ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأنه كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله -تعالى- إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله.
فأنكر ذلك العلماء.
ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة »( ).
وإن مما أظهرت الجهمية من المقالات القبيحة إلحادهم في أسماء الله وصفاته حيث شبهوا صفاته تعالى بصفات خلقه بعد ما قاسوا بعقولهم الضعيفة وأفكارهم الكدرة الصفات الموجودة في البشر صفاته تعالى ثم عطلوا وهذا من ضلالهم وقصور أفهامهم ورغبتهم عن الحق فإن المعلوم لدى الجميع أن اتحاد الأسماء لا يقتضي اتحاد المسميات كيف وقد ذكر الله في القرآن الجنة وما فيها من النعيم والسرور وما أعده تعالى لأوليائه الصالحين من أنواع المشارب والمآكل والملابس ومع كل هذا فليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء كما ذكره ابن عباس.
وإنما ذكر الله تعالى بهذه الأسماء تقريباً إلى الأفهام أما في الحقيقة فإن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة (البخاري:( 3244) ومسلم : (2824).

واعلم أخي الكريم أنه « لما كان مرض التعطيل أعظم كان عناية الكتب الإلهية بالرد على أهل التعطيل أعظم وكانت الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفضيل مع تنزيهه عن أن يكون له فيها مثيل بل يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مماثلة المخلوقات ويأتون بإثبات مفصل ونفي مجمل فيثبتون أن الله حي عليم قدير سميع بصير غفور رحيم ودود إلى غير ذلك من الصفات ويثبتون مع ذلك أنه لا ند له ولا مثل له ولا كفو له ولا سمى له
ويقول تعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } سورة الشورى[ 11] ففي قوله { ليس كمثله شيء } رد على أهل التمثيل وفي قوله { وهو السميع البصير } رد على أهل التعطيل »( )

«ولو اعتصموا- يعنى المعطلة- بالكتاب والسنة لاتفقوا كما اتفق أهل السنة والحديث فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم ولهذا لم يقل أحد منهم إن الله جسم ولا قال إن الله ليس بجسم
بل أنكروا النفي لما ابتدعته الجهمية من المعتزلة وغيرهم وأنكروا ما نفته الجهمية من الصفات مع إنكارهم على من شبه صفاته بصفات خلقه مع أن إنكارهم كان على الجهمية المعطلة أعظم منه على المشبهة لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه
كما قيل المعطل يعبد عدما والمشبه يعبد صنما »( )
وإن مما يدل على أنهم يعبدون عدماً قولهم :إن الله ليس داخل العالم ولاخارجه لا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ...
وقولهم: لا متصل العالم ولا بمنفصل.....
وقولهم: ليس بجوهر- أي ما يقوم بنفسه- ولا عرض.- الذي يقوم على غيره كالألوان مثلاً- .وغير ذلك مما لايوصف إلا العدم المحض.
وما أحسن ما نُقل عن حماد بن زيد أنه قال: مثل الجهمية كـقوم قالوا: في دارنا نخلة ، قيل: لها عسف؟ قالوا : لا ، قيل: فلها كرب؟ قالوا : لا ، قيل : لها رطب وقنو؟ قالوا : لا ، قيل : فلها ساق؟ قالوا : لا ، قيل : فما في داركم نخلة. اهــ ( )
ومن قبله قال الإمام أبو حنيفة : بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال : إن الله ليس بشيء. اهـ.( )
ولما عظم شر هذه الطوائف بسبب ما خرجوا به عن الشريعة بالخوض في آيات الله بغير حق ولا هدى ، وتقولوا على الله بغير علم ففارقوا بذلك الكتاب والسنة ؛ ألف أهل العلم كتب السنة والرد على البدع
فألف الإمام أحمد بن حنبل :كتاب الرّد على الجهمية ، وكتاب السنّة .
والبخاري: كتاب خلق أفعال العباد والإمام الدارمي كتابه الفذ :الرّد على البشر المريسي العنيد ،وابن أبي شيبة " العرش" وابن خزيمة الشافعي "التوحيد" والأشعري الحنبلي "مقالات الإسلاميين"و" الإبانة " والطحاوي الحنفي " عقيدته "والصابوني الشافعي " عقيدة السلف أصحاب الحديث " واللالكائي الشافعي "اعتقاد أهل السنة والجماعة" والإسماعيلي الشافعي "اعتقاد أهل السنة " وابن بطة الحنبلي " الإبانة" والقيرواني المالكي " مقدمته" وخلائق لا
يحصون ولم يتوقف القلم عن الجري.
سبب جمع الرّسالة
والذي دفعني إلى جمع هذه الرسالة هو أنني رأيت في بلدنا هذا – الصومال- من ينشر ، عقائد الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من أهل الكلام خاصة في مسألة "الصفات" وينسب هذه الاباطيل إلى السلف الصالح افتراء عليهم دونما منهج علمي واضح بل كذباً وزوراً ، ثم يلقن الصبيان وفلذات الأكباد.
فلما رأيت الأمر كذلك آثرت أن أجمع طرفاً من أقوالهم في "الصفات " ، براءة للذّمة ونصحا للأمة ، بهمة عالية متحرياً ومستوعبا فيما نقلت قريبا إلى الحق والإنصاف ، بعيدا عن التعسف
وقسمت الرسالة إلى



- مقدمة
- وتمهيد
وثلاثة فصول
الفصل الأول: أقوال أئمة السلف في الصفات
الفصل الثاني: رد شبهات أهل البدع .
وفيه مطلبان
- المطلب الأول :رد ما نسب إلى السلف من تأويل الصفات
- المطلب الثاني :رد ما نسب إلى السلف من التفويض
الفصل الثالث : علو الله على عرشه
وفيه مطالب
المطلب الأول :ذكر بعض ما رود من الأدلة في العلو.
المطلب الثاني :في نقل الإجماع على علو الله على العرش.
الطلب الثالث :ذكر من أطلق من السلف عبارة بـــــذاته في العلو.
المطلب الرابع :رد شبهاتهم على علو الله تعالى.
التمهيد
وقبل بداية الكلام أردت أن أنوه بعض المسائل والقواعد المهمة في الصفات، فأقول :
- صفات الله ذاتية وفعلية
الذاتية: هي التي لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها، وهي التي لا تنفك عنه سبحانه وتعالى كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والوجه، واليدين.
الفعلية: وتسمى الصفات الاختيارية، وهي التي تتعلق بمشيئة الله، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، وتتجدد حسب المشيئة كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين، كالكلام؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء.
- صفات الله توقيفية .
فلا يوصفُ الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله.
- القول في الصفات كالقول في الذات
وذلك أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقية لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل الصفات وإن كانت ذاته سبحانه مجازية لاحقيقة لها في الواقع فكذلك الصفات ومن فرق بين الصفة والموصوف أو بين الموصوف والصفة فعليه الدليل ولابد.
والخلاصة في هذه المسألة أن العلاقة بين الصفات والذات علاقة تلازم؛ فالإيمان بالذات يستلزم الإيمان بالصفات، وكذلك العكس سواء بسواء . وراجع " القواعد المثلى " لشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
قال الخطيب البغدادي: والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوَه ومثاله .
فإذا كان معلوماً أن إثبات الربّ العلمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفيه ؛ فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .
فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر ؛ فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه ، ولا نقول :إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع البصر والعلم ، ولا نقول : إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار ، التي هي جوارح وأدوات للفعل...اهـ .
- إثبات الصفات سمعية محضة ، لا مدخل لها من العقل.
من أصول أهل السنة والجماعة أن العقل المجرد ليس له إثبات شيء من العقائد والأحكام وإنما المرجع في ذلك المنقول عن الله ورسوله والعقل آلة الفهم .
ولهذا لم يختلف أهل العلم في أن التشريع بالرأي المجرد والاستصلاح بالعقل العاري عن الدليل الشرعي كفر وشرك بالله حتى قال الإمام الشافعي: من استحسن فقد شرع.
وهذا هو مذهب العلماء الأبرار من السلف الصالح الأخيار ،
قال تعالى :
﴿ وماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم... ﴾ [ الأحزاب:36] .
وقال سبحانه: ﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ﴾ [ الحجرات:1].
وقال: ﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾ [ النور:63]
وقال تعالى في وصفه للملائكة :﴿بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ﴾ [ الأنبياء: 26-27].
قال الإمام أبو مظفر السمعاني : إن الله أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار ، لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف ، وقرناً عن قرنٍ إلى أن انتهوا إلى التابعين ، وأخذه التابعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم ، والصراط القويم ، إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث .
وأما الفرق فطلبوا الدين لا بطريقته لأنهم رجعوا إلى عقولهم وخواطرهم ، وآرائهم ، فطلبوا الدين من قبله ،فإذا سمعوا شيئا من الكتاب والسنة عرضوهم على معيار عقولهم ..... اهـ( ).
وقال شيخ الإسلام: فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعا لما جاء به الرسول ولا يتقدم بين يديه ؛ بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعا لقوله وعمله تبعا لأمره فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين ،
فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله ولا يؤسس دينا غير ما جاء به الرسول وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول فمنه يتعلم وبه يتكلم وفيه ينظر ويتفكر وبه يستدل فهذا أصل أهل السنة ، وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول ؛ بل على ما رأوه أو ذاقوه ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا أو حرفوها تأويلا . فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة وأهل النفاق والبدعة.. اهـ ( )
-لا فرق في الإستدلال بين الأحاديث المتواترة و الآحاد في الصفات وغيرها.
إن الحديث إذا ثبتت صحته بالتصال سنده وثقة رواته وضبطهم مع عدم الشذوذ والعلة ، فإنه يجب الإيمان به والعمل على وفقه ، سواء كان آحاداً أو متواتراً وهذا هو الذي أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها
وخالفهم بعض من لايعتد بقوله، من أهل البدع والكلام .
ورَدوا خبر الواحد الثقة ، وقولهم محدث ، لا دليل عليه من الكتاب و السنة .
والعجب كل العجب أنهم ينكرون الأحاديث الثابتة المنقولة بالأسانيد الصحيحة ثم يجعلون عقولهم الضغيفة وأهوائهم الكدرة شرعا متبعا لايمكن الحيدة عنه ، ويكفرون من خالفهم أو يبدعون .
قال الحافظ رحمه الله: قد شاع فاشياً عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد ؛ من غير نكير ، فاقتضى الإتفاق منهم على القبول اهــ ( )
وقال الإمام النووي في مقدمة " شرح مسلم "(1/62):وقد تظاهرت دلائل النصوص الشرعية والحجج العقلية على وجوب العمل بخبر الواحد وقد قرر العلماء في كتب الفقه والأصول ذلك بدلائله وأوضحوه أبلغ ايضاح وصنف جماعات من أهل الحديث وغيرهم مصنفات مستكثرات مستقلات فى خبر الواحد ووجوب العمل به والله أعلم اهـ
وقال في الإستئذان[رقم الحديث 2153 ]: وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر .. اهـ
وقد جاء في السنة أمثلة كثيرة ومستفيضة في قبول خبر والواحد الثقة
ومن ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يبعث رسله إلى الملوك والبلدان مثنى وفرادى
وكان يرسل معهم الجميع من المسائل العملية والإعتقادية .
فبعث أبا عبيد عامر بن الجرّاح رضي الله عنه إلى أهل نجران ، وبعث عبد الله ابن حذافة السهمي إلى كسرى ، كما في البخاري ( 4424) ودحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنة إلى هرقل كما في الصحيحين (خ 2940-2941) (م 1773). ومعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن وقال له :« فليكن أول ما تدعوهم إليه ، شهادة أن لا إلـه إلا الله ..»
قال المدني عفا الله عنه:وإذا كان التوحيد أهم مباني الإسلام والإيمان وقد قبل بنقل الثقة الواحد فغيره من المسائل الإعتقادية الفرعية أولى وأحرى . قال النووي"(1/197):وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ..اهـ
ومن طلب الزيادة فليراجع – لزاماً- إلى " الرسالة للإمام شافعي " وإلى "الصحيح البخاري" فإنه عقد كتاباً في قبول الخبر الواحد ، والأمثلة التي قدمناها فيه

الفصل الأول: مذهب أهل السنة في الصفات
واعلم أخي القاري أن القول الحق الذي عليه السلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن سلك على نهجهم واقتفى آثارهم في صفات الله هو :الإيمان والتسليم بماجاء في كتاب الله من الآيات البينات الوضحات في صفات الله وما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الثابتة ،التي نقلتها العدول الثقات الأثبات بعضهم عن بعض على القاعدة الشرعية وهي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وما أثبت له الرّسول من غير تأويل ولا تفويض ولا تمثيل ولا تعطيل
قال تعالى :(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))الشورى
وقال تعالى :((...ولم يكن له كفوا أحد )) الإخلاص
وقال تعالى: (( هل تعلم له سمياً ))أي شبيها ومثيلاً.
وطريقة السلف هي أحسن الطرق وأقومها ، وهي الوسط ، وهي الأعلم والأحكم ، وليس فيها شيء من البدع .
وهذا ظاهر لوجوه:
- أنهم عصروا التشريع وعايشوه فعلموا مواقع التنزيل وموارد الأدلة .
- أن خطاب الشارع توجه إليهم في الأصل قبل غيرهم .
- هم أهل الفصاحة والبيان والوحي جاء بلسانهم .
- قد جعل الله تبارك وتعالى لهم الإمامة في الدين لمن بعدهم ، وأثنى على من تبعهم وسلك سبيلهم ، وإنما نال التابع الفضل لفضل المتبوع كما قال تعالى :( والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه .....)
- خلوّ زمانهم من البدع والأهواء والجدال والمراء ، وإقبالهم على العلم المقتضي للعمل( ).
أقوال العلماء
1- الإمام مالك إمام دار الهجرة صاحب المذهب المتوفى (179 )
قال جعفر بن عبد الله: جاء رجل إلى مالك بن أنس فسأله عن قوله تعالى :((الرحمن على العرش استوى))
كيف استوى؟ ...فقال :الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .اهـ رواه غير واحد من أهل العلم ( )
قال المدني عفا لله عنه : وقول مالك رحمه الله" الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول:" قاعدة شرعية عند أهل السنة والجماعة في باب الصفات وهي :إثبات الصفات مع نفي التكييف والمماثلة ، ولا يفرقون في ذلك بين الصفة والأخرى ، فيقولون: كلاً من اليد والوجه والإرادة والقوة والقدرة والنزول وفي جميع الصفات مثل ذلك بلا فرق ، ومن قال غير ذلك فهو ضال مضل.
وقوله أيضا: "والإستواء منه غير مجهول "، ردّعلى المفوّضة الذين لايقولون في الصّفات معناً ولا يقيمون لها وزناً.
2- الإمام محمد بن حسن الشيباني المتوفى سنة(189)
روى اللالكائي بسنده عن محمد بن حسن قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في صفة الربّ عزّ وجلّ من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه ، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفارق الجماعة ، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا.
فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنه وصف بصفة لاشيء.اهـ ( )
3- الإمام الأوزاعي (ت157)ومالك بن أنس (ت179)وسفيان بن عيينة(ت198 ) والليث بن سعد (ت175)
قال الإمام الوليد بن مسلم(ت195): سألت الأوزاعي ومالكاً وسفيان والليث عن هذه الأحاديث التي فيها الصفات
فقالوا :أمرها بلا كيف اهـ ( )
4-الإمام أبو عبيد قاسم بن سلام المتوفى سنة (224هـ)
وقال الإمام عباس بن محمد الدوري : سمعت أبا عبيد قاسم بن السلام وذكر الباب الذي يروى في " الرؤية " والكرسي موضع القدمين " وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره "
" وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء " وان جهنم لتمتلئ حتى يضع ربك قدمه فيها فتقول : قط قط " . وأشباه هذه الأحاديث.
فقال : هذه الأحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضم عن بعض وهي عندنا حق لا نشك فيها ، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه ؟ وكيف ضحك ؟ قلنا :لا يفسر هذا ، ولا سمعنا أحداً يفسره . اهــ ( )
وقال عباس بن محمد الدوري أيضاً : سمعت أبا عبيد قاسم بن السلام وذكر عنده هذه الأحاديث " ضحك ربنا عزّ وجل من قنوط عباده وغرب غيره " والكرسي موضع القدمين"
"وأن جهنم لتمتلئ فيضع ربك قدمه فيها " وأشباه هذه الأحاديث .
فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندا حقٌ يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا : ما أدركنا أحداً يفسر شيئاً ونحن لا نفسر منها شيئاً نصدق بها ونسكت. اهـ( )
وقال أيضاً : ما أدركنا أحداً يفسر هذه الأحاديث ونحن لا نفسرها . اهـــ "( )
قال المدني عفا الله عنه : قال الإمام الذهبي : قلت :قد صنّف أبو عبيد كتاب "غريب الحديث " ، وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبداً ،ولا فسر منها شيئاً ، وقد أخبر بانه ما لحق احداً يفسرها .
فلو كان والله تفسيرها سائغاً أو حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم باحاديث الفروع والآداب فلما لم يتعرضوا لها بتأويل وأقروها على ما وردت عليه ، عُلم ان ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه . اهـ ( )
5- شريك بن عبد الله المتوفى سنة(150)
روى اللالكائي بسنده وعبد الله بن الإمام أحمد عن عباد بن عوام قال :قدم علينا شريك فقلنا : إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا" والرؤية " وما أشبه هذه الأحاديث ؟
فقال: إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاءنا بالسنن في الصلاة والزكاة والحج ، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث .اهـ
ولفظ عبد الله بن أحمد: حدثني أبو معمر نا عباد بن العوام قال: قدم علينا شريك فسألنا عن الحديث " إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان " قلنا : إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث ، قال: فما يقولون ؟
فقلنا : يطعنون فيها فقال: إن الذين جاؤوا بهذه الأحاديث هم الذين جاؤوا بالقرآن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم الرمضان، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث اهـ( )
- الإمام وكيع بن الجراح المتوفى (197)
قال عبد الله بن إمام أحمد :حدثني أحمد بن إبراهم سمعت وكيعاً يقول: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ، ولا نقول كيف كذا ؟ ولم كذا ؟ يعني مثل حديث ابن المسعود "إن الله عزّ وجلّ يحمل السموات على إصبع والجبال على إصبع " وحديث " إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قلب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن "ونحوها من الأحاديث. اهـ ( )
وقال أبو حاتم الرازيّ رحمه الله :حدثني أحمد بن حنبل ، حدثنا وكيع بحديث في "الكرسي" قال: فاقشعرّ رجل عند وكيع فغضب وقال : أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها . اهـ ( )
7- الإمام سفيان بن عيينة المتوفى سنة(198)
روى الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله تعالى في كتابه "الصّفات" بسنده عن أحمد بن نصر رحمه الله قال: سمعت سفيان بن عيينة وأنا في منزله بعد العتمة ، فجعلت ألح عليه في المسألة فقال: دعني أتنفس ، فقلت له : يا أبا محمد إني أريد أن أسألك عن شيء ؟ فقال : لا تسأل ، فقلت : لابد من أن أسألك ،
إذ لم أسألك فمن أسأل ؟ فقال : هات سل .
فقلت : كيف حديث عبيدة عن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " إن الله عزّ وجلّ يحمل السوات على إصبع والأرضين على إصبع ..." وحديث " إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ...." وحديث " إن الله عزّ وجلّ يعجب ويضحك " ممن يذكر في الآفق ؟
فقال: سفيان هي : كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف . اهـ ( )

8- الإمام نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري المتوفى (228)
روى الإمام الذهبي بسنده عن محمد بن إسماعيل قال: سمعت نعيم بن حماد يقول : من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ماوصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً . اهــ( )
قال المدني عفا الله عنه : وهذا كلام ماتع للغاية وهو : قاعدة أهل السنة في جميع الصفات، وفيه ردّ على المشبهة والمعطلة خذلهم الله .
قال الإمام الذهبي معلقاً على كلامه هذا: قلت : هذا الكلام حق نعوذ بالله من التشبيه ، ومن إنكار أحاحيث الصفات ، فما ينكر الثابت منها من فقه ، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان :
تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب ، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها ، بل آمنو بها وأمروها كما جاءت .
المقام الثاني : المبالغة في إثباتها وتصورها من جنس صفات البشر وتشكلها في الذهن ، فهذا جهل وضلال ، وإنما الصفة تابعة للموصوف ، فإذا كان الموصوف عزّ وجلّ لم نره ولا أخبرنا أحد عاينه ؛ مع قوله لنا في تنزيله : (( ليس كمثله شيء )) فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعلى الله ذلك .
فكذلك صفاته المقدسة ، نقر بها ونعتقد أنها حق ولا نمثلها أصلاً ولا نتشكلها اهـــ .( )
9- أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة صاحب المذهب المتوفى (241)
قال حنبل بن إسحاق : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ،
عن الأحاديث التى تروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا " ؟ فقال أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ،ولا نفسر شيئاً منها ، إذا كانت بأسانيد صحاح ، ولا نرد على رسول الله قوله أن ما جاء به الرسول حق حتى قلنا لأبي عبد الله ، "ينزل إلى السماء الدنيا " قال : قلت : نزوله بعلمه ، بماذا ؟
فقال لي : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا امض الحديث على ماروي ، بلا كيف ولا حد بما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب ، قال الله عزّ وجلّ : (( ولا تضربوا لله الأمثال )) ينزل كيف شاء بعلمه وقدرته أحاط بكل شيء علماً لايبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب . }اهـ( )
وقال الإمام الآجري : حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال: حدثنا أبو بكر المروذي قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات و الأسماء والرؤية ، وقمة العرش ؟ فصححها وقال: قد تلقاها العلماء بالقبول ، تسلّم الأخبار كما جاءت .
قال أبو بكر المروذي : وأرسل أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد الله يستأذنانه بهذه الأحاديث التي تردها الجهمية ، فقال أبو عبد الله : حدثوا بها قد تلقاها العلماء بالقبول
. وقال أبو عبد الله : تسلم الأخباركما جاءت ...اهــ( )
وقال إسحاق بن منصور الكوسج - رحمه الله - : قلت لأحمد - يعني ابن حنبل -:«ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا »
أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ و «يراه أهل الجنة» ، يعني ربهم عز وجل . و « لاتقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته » . و « اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه » . و«إن موسى لطم ملك الموت». قال أحمد : كل هذا صحيح . قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي اهــ .رواه الآجر في الشريعة (2/ 271) ورجاله ثقات.
وقال الإمام أيضاّ :{ لايوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله لايجاوز القرآن والأحديث }. اهــ ( )
10- الإمام العلامة شيخ الإسلام وإمام المحدثين ، عبد الله بن المبارك(181)
قال الإمام البخاري : وقال ابن المبارك : لانقول كما قالت الجهمية إنه في الأرض ههنا بل على العرش استوى ، وقيل له : كيف نعرف ربنا ؟ قال : فوق سمواته على العرشه ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه ها هنا في الأرض .....} اهــ ( )

11- الإمام الزاهد الورع فضيل بن عياض (190 )
قال الإمام رحمه الله : إذا قال لك جهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه قفل :{ أنا أومن برب يفعل مايشاء }اهــ ( )
12- الإمامان الزهري(ت124) ومكحول (ت117 تقريباً)
قال الإمام الأوزاعي: كان الزهري ومكحول ، يقولان : {أمروا الأحاديث كما جاءت }. اهــ ( )
13- الإمام حماد بن سلمة بن دينار(170)
قال عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا حماد بن سلمة بحديث "ينزل الله إلى السماء الدنيا " فقال من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه }. اهــ ( )
14- الإمام الحافظ شيخ الإسلام محمد بن إدريس الشافعي صاحب المذهب (204)
قال في مقدمة كتابه الجليل " الرسالة " : ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته ، الذي هو كما وصف نفسه ، وفوق مايصف به خلقه ..... أهـ( )
وقال رحمه الله تعلى أيضاً: لله أسماء وصفات لا يسع أحداً قامت عليه الحجة ردها ، فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل ، لأن علم ذلك لايدرك بالعقل ، ولا بالرؤية والفكر ، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه ، كما نفى عن نفسه ، قال: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ))اهــ ( )
15- الإمام وهب بن منبه (114)
ذكر الحافظ بن عساكر في ترجمة جعد بن درهم : أنه كان يتردد إلى وهب بن منبه وأنه كان كلما راح إلى وهب يغتسل ويقول: أجمع للعقل ، وكان يسأل وهباً عن صفات الله عز وجلّ فقال له وهب يوماً : ويحك ياجعد أقصر المسألة عن ذلك، وإني لأظنك من الهالكين ، لو لم يخبرنا الله في في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك ، وأن له عيناً ما قلنا ذلك ،وأن له نفساً ما قلنا ذلك ، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك ، وذكر الصفات من العلم و الكلام وغير ذلك ... } اهــ ( ).
16- الإمام الحجة الحافط أمير المؤمنين في الحديث البخاري صاحب الصحيح (256)
بين الإمام اعتقاد أهل السنة والحديث وبالغ في تقريره في كتابه " خلق أفعال العباد "

و عقد في " الصحيح المسند" كتاباً ماتعاً يبين فيه مذهب أهل السنة والجماعة وأسماه:" كتاب التوحيد والرّد علي الجهمية وغيرهم "
وهنا أحببت أن أشير طرفاً من الأبواب التي أشار إليها في الصفات .( )
فأقول: بوب رحمه الله باباً في إثبات النفس فقال:
(( باب قوله تعلى :(ويحذركم الله نفسه ) وقوله عزّ وجلّ (... تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ..)
ثم ذكر حديث أبي هريرة.[ لما خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش إن رحمتي تغلب غضبي] وغيره
وبوب رحمه الله تعالى باباً في إثبات الوجه لله عزّ وجلّ فقال: (باب قول الله تعلى ﴿ كل شيء هالك إلا وجهه ﴾ ، وأورد تحته حديث جابر بن عبد الله وفيه « أعوذ بوجهك..».
قال الحافظ : قال ابن بطال:في هذه الآية والحديث دلالة على أن لله وجهاً وهو من صفات ذاته ، ليس بجارحة ، ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين ،كما نقول :إنه عالم ولا نقول: إنه كالعلماء الذين نشاهدهم .اهــ الفتح الباري (ج13ص)
وبوب الإمام أيضاً باباً في إثبات العين لله عزّ وجلّ فقال:
(باب قول الله تعلى ﴿ولتصنع على عيني﴾...وقوله عزّ وجلّ ﴿تجري بأعيننا ﴾
ثم ذكر حديث أنس – رضي الله عنه – في قصة الدجال وفيه «..إنه أعور وليس ربكم بأعور..».
وبوب رحمه الله باباً في صفة اليدين فقال: (باب قول الله تعالى: ﴿لما خلقت بيدي﴾ومن الأحاديث حديث أنس وأبي هريرة – رضي الله عنهم- أما حديث أنس ففيه «....يا آدم أما ترى الناس ؟ خلقك الله بيده ..» وحديث أبي هريرة«يد الله ملأى لا يغيضه نفقة سحاء الليل والنهار » .
قال الحافظ :قال ابن بطال: في هذه الأية إثبات اليدين لله ،وهما صفتان من صفات ذاته ، وليستا بجارحتين خلافاً للمشبهة من المثبتة ، وللجهمية من المعطلة ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة ، أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة ، لأنهم يقولون إنه قادر لذاته ....
اثم قال: ولا جائز أن يراد باليدين النمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق .... اهــ
الفتح (13ص 393-394 )
وبوب رحمه الله بابًا في إثبات إستواء الله على عرشه
فقال: (باب ﴿وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيمم ﴾وقال: قال أبو العالية : استوى إلى السماء ارتفع . فسواهنّ : خلقهنّ ، وقال مجاهد استوى: علا
على العرش....) الفتح (ج13ص414)
قال المدني عفا الله عنه : هذا غيض من فيض وقليل من كثير مما أورده الإمام في إثبات الصفات فراجعه فإن فيه الكفاية والغنية .
17- الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن (279)
وقال الإمام الحافظ الترمذي رحمه الله تعالى:
في سننه إثر حديث « ..إن الله يقبل الصدقة ويأحذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره ...»: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا .
قالوا قد تثبت الروايات في هذا ولا يؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف ؟ هكذا روي عن مالك و سفيان بن عيينة و عبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف .
وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز و جل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر .
فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة وقال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه: ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ اهــ ( ).

وقال الإمام أيضاً: في تفسير " المائدة " في نفس الحديث الذي مرّ: وهذا الحديث قد روتْه الأئمة ، نؤمن به كما جاء ، من غير أن يفسر أويتوهم ، هكذا قاله غير واحد من الأئمة مهم: سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وابن المبارك أنه تروى هذه الأشياء ، ويومن بها ولا يقال كيف.اهـ( )
18- الإمام أبو داود سليمان بن أشعث السجستانى صاحب السنن (275)
قد عقد الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني باباً في رد على الجهمية ، وأورد تحت هذا الكتاب بضعة من أحاديث الصفات، كحديث النزول ، والرؤية ، واليد ، وصفة الكلام ..
وقال :حدثنا علي بن نصر بن علي ومحمد بن يونس النسائي ، المعنى ، قالا :ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حرملة – يعني ابن عمران – حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة ، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...) إلى قوله (سميعا بصيرا )
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ، قال أبو هريرة : رأيت رسول الله يقرؤها ويضع إصبعيه .
قال يونس : قال المقرئ : يعني ( إن الله سميع بصير ) يعني إن لله سمعاً وبصراً . قال أبو داود وهذا ردّ على الجهمية . اهــ بحروفه ( ).
19- الإمام محمد بن ماجة القزويني صاحب السنن(273)
عقد رحمه الله تعالى باباً فيما أنكرت الجهمية ثم ذكر تحت هذا الباب أحاديث الرؤية وإثبات الضحك لله .....وغيرها كثير .( )

20- سلام بن أبي مطيع مَوْلاَهُم المتوفى (164)
قال الحافظ : وقد اخرج بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية بسند صحيح عن سلام بن أبي مطيع وهو شيخ شيوخ البخاري أنه ذكر المبتدعة فقال ويلهم ماذا ينكرون من هذه الأحاديث والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن مثله يقول الله تعالى ان الله سميع بصير ويحذركم الله نفسه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وكلم الله موسى تكليماً الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك فلم يزل أي سلام بن مطيع يذكر الآيات من العصر إلى غروب الشمس ... اهــ ( ).
21- الإمام حماد بن أبي حنيفة المتوفى (176)
قال رحمه الله تعالى : قلنا لهؤلاء أرأيتم قول الله عزّ وجلّ ( وجاء ربك والملك صفا صفاً ) وقوله عزّ وجلّ ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة …) البقرة الآية[ 210].
فهل يجيء ربنا ؟ وهل يجيء الملك صفاً صفاً ؟ قالوا أما الملائكة فيجيئون صفاصفاً ، أما الرب تعالى فإنا لاندري عما عنى بذلك ولا ندري كيف جيئته .
قلنا لهم : إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه . أرأيتم من أنكر أن الملك لايجيء صفاً صفاً فما هو عندكم ؟ قالوا كافر مكذب ، قلنا : فكذلك من أنكر أن الله سبحانه لايجيء فهو كافر مكذب اهــ ( )
22- الإمام الحافظ الحجة شيخ المحدثين إسحق بن راهويه المتوفى (238)
قال الإمام إسحاق إبراهم الحنظلي رحمه الله رداً على الجهمية في ادعائهم على أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه :قال رحمه الله : إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيدٍ أو مثل يدٍ أوسمع كسمع أو مثل سمعٍ ،فإذا قال: سمع كسمع أومثل سمع فهذا تشبيه
وأما إذا قال: كما قال الله : يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ، ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيهاً ، وهو كما قال تبارك وتعالى في كتابه : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) اهــ وقد تقدم ضمن كلام الترمذي .
وقد روى الإمام أبو عثمان الصابوني: بسنده إلى أحمد بن سعيد الرباطي قال: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم ، وحضر إسحاق بن إبراهم – يعني ابن راهويه – فسئل عن حديث النزول ، أصحيح هو ؟ قال: نعم ، فقال له بعص قواد عبد الله : يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة ؟ قال: نعم ، قال : كيف ينزل ؟ فقال له إسحاق : أثبته فوق حتى أصف لك النزول ، فقال الرجل : أثبته فوق .فقال إسحاق : قال الله عزّ وجلّ ( وجاء ربك والملك صفاً صفاً ) فقال الأمير عبد الله : يا أبا يعقوب هذا يوم القيامة ، فقال إسحاق : أعزّ الله الأمير ! ومن يجيء يوم القيامة ؛ من يمنعه اليوم ؟. اهــ ( )

جماعة من المتأخرين
1- الإمام الكبير أبو الحسن على إسماعيل الأشعري :المتوفى (330) هـ
قال الإمام العلامة أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري : وجملة ماعليه أهل الحديث والسنة ، الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله ، وما رواه الثّقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا يردون من ذلك شيئاً وأن الله سبحانه إلـه واحد فرد صمد لا إلـه غيره .
ثم قال : وأن الله سبحانه على عرشه كما قال: (الرّحمن على العرش استوى ) وأن له يدين بلا كيف كما قال:(... خلقت بيدي) وكما قال: ( بل يداه مبسوطتان ).
وأن له عينين بلا كيف كما قال:( تجري بأعيننا ).
وأن له وجهاً كما قال: (ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام) .
ثمّ قال: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول :هل من مستغفرٍ... ؟ كما جاء في الأحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال: ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال:( وجاء ربك والملك صفاً صفاً ) وأن الله يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد).
ثمّ قال : وبكل ماذكرنا من قولهم ، نقول وإليه نذهب ، وما توفيقنا إلا بالله وهوحسبنا ونعم الوكيل ... اهــ ( )
وقال في الإبانة : فإن قال لنا قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحروورية والرافضة والمرجئة ، فعرِّفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن سادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث
ونحن بذلك معتصمون ، وبما يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ور فع درجته وأجزل مثوبنه قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون........
وقال: ....وأن الله استوى على عرشه كما قال سبحانه: (( الرحمن على العرش استوى)) وأن له سبحانه وجهاً بلا كيف كما قال سبحانه: (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام))وأن له سبحانه يدين بلا كيف كما قال سبحانه(( لما خلقت بيدي)) وكما قال: (( بل يداه مبسوطتان)) وأن له عينين بلا كيف كما قال سبحانه(( تجري بأعيننا )) .... وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.....اهـ ( )
2- الإمام محمد بن حسين الآجري الشافعي : المتوفى( 360) هـ
قال الإمام العلامة الحافظ: اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل : أن أهل الحق يصفون الله عزّ وجلّ بما وصف به نفسه عزّ زجل ، وبما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما وصف به الصحابة رضي الله عنهم .
وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع ، ولا يقال كيف ؟.
بل التسليم له والإيمان به أن الله عزّ وجلّ يضحك كذا روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعن صحابته رضي الله عنهم ، ولا ينكر هذا إلا من لايحمد حاله عند أهل الحق .
ثم قال بعد ذكر الأدلة : هذه السنن كلها نؤمن بها ولا نقول فيها كيف ؟
والذين نقلوا هذه السنن هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة وفي الصلاة وفي الزكاة والصيام والحج والجهاد وسائر الأحكام من الحلال والحرام ، فقبلها العلماء مهم أحسن قبولٍ.
ولا يرد هذه السنن إلا من يذهب مذهب المعتزلة ،
فمن عارض فيها أو ردّ أو قال كيف ؟ فاتهموه واحذروه . اهــ ( ).
3- الإمام أبو بكر الإسماعيلي الشافعي صاحب المستخرج المتوفى:( 371) .
قال الإمام الحافظ أبوبكر أحمد بن إبراهم :اعلموا رحمنا الله وإياكم أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة ، الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله
وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى ، وصحت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثمّ قال: ويعتقدون أن الله تعلى مدعوّ بأسمائه الحسنى وموصوف بصفاته التى سمّى ووصف بها نفسه ، ووصف بها نبيّه صلى الله عليه وسلم .
خلق آدم بيده ( بل يداه مبسوطتان .......) بلا اعتقاد كيفٍ.
وأ، الله عزّ وجلّ استوى على العرش بلا كيف .
ثمّ قال : ويثبتون أن له وجهاً ، وسمعاً ، وبصراً ،وعلماً ، وقدرة ، وقوة ، وعزاً ، وكلاماً ، لا على ما يقول أهل الزيق من المعتزلة وغيرهم ... . ثمّ ذكر الأدلة على ذلك .اهـ( )
4- الإمام أبو عثمان الصابوني المتوفى :( 449)
قال الإمام رحمه الله : أصحاب الحديث حفظ الله تعالى أحياءهم رحم أموتهم يشهدون لله تعالى بالوحدانية ،وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة ويعرفون ربهم عزّوجلّ بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله ، أو شهد له بها الرسوله صلى الله على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلت العدول الثقات عنه ، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه ، في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه ، فيقولون إنه خلق بيده .
قال : ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، بحمل اليدين على النعمتين ، أو القوتين ؛ تحريف المعتزبة الجهمية.
قال : وقد أعاذ أهل السنة من التحريف ، والتشبيه ، والتكييف ، ومنّ عليهم بالتعريف والتفهيم ، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه ،وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه ، واتبعوا قول الله عز وجل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ).
قال بعد ذكر الأدلة : وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعزة، والعظمة، والإرادة، والمشيئة، والقول، والكلام، والرضا، والسخط، والحب والبغض، والفرح، والضحك وغيرها، من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه بتأويل منكر يستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.... اهــ ( )
5- الخطيب البغدادي الشافعي المتوفى (463)هــ
قال الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبوبكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي : أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح : مذهب السلف رضوان الله عليهم ، إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها .
وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه ، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف .
والقصد إنما هو سلوك طريقة المتوسطة بين الأمرين ، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.
والأصل في هذا : أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوَه ومثاله .
فإذا كان معلوماً أن إثبات الربّ العلمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفيه ؛ فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .
فإذا قلنا: لله تعالى يد وسمع وبصر ؛ فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه ، ولا نقول :إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع البصر والعلم ، ولا نقول : إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار ، التي هي جوارح وأدوات للفعل .( )

الفصل الثاني : رد شبهات أهل البدعِ في الصفات

وفيه مطلبان

- رد التأويلات المنسوبة إلى السلف

- رد التفويض المنسوب إلى السلف

المطلب الأول : التأويل
قال المدني عفا الله عنه :واعلم أخي القاري أن الأمة ما زالت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلّم -والصحابة ومن بعدهم من أئمة الهدى والدين على إثبات الصفات ونفي التشبيه لتضافر الأدلة الصحيحة على ذلك ، حتى جاءت الفرق الكلامية والفلسفية فهاجوا بين أوساط المسلمين النار والبلبة وخاضوا حول هذا الموضوع الكثير من المراء والجدل ، بل وأدت فتنتهم إلى القتل وسفك الدم كما هو معروف في حادثة "خلق القرآن" وهذا من دواعي الأسى والأسف .
ومن أبرز تلك الفرق :
- المعتزلة : من أصحاب عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء .
- الجهمية : من أصحاب جعد بن درهم ، وجهم بن الصفوان الترمذي .
- والمشبهة : من أصحاب محمد بن سليمان ، ومحمد بن كرام السجستاني .
- والأشاعرة : تنتسب إلى أبي الحسن الأشعري .
ويجمع جميع هذه الفرق
نفي الأسماء والصفات، - إلا الكرامية فإنهم غلو في التشبيه والتمثيل - مابين مستقل ومستكثر ويتوصلون في تحقيق ذلك أية وسيلة من شأنها سلب الصّفات عن الله عزّ وجل
على القاعدة الشيطانية ( الغاية تبرر الوسيلة ).
وإن من الوسائل الخبيثة الباطلة التي استخدمت إلباساً بها ثوب الحق ؛ "التأويل" "والتفويض".
وليس هذا إلا التحريف والتلبيس ((... يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ))[ آل عمران:78]
معاني التأويل
وللتأويل معان عدة في اللغة منها:
- التفسير والبيان : وهو تعبير أئمة الحديث والتفسير والفقه
- الحقيقة الشيء : ومنه قوله تعالى : ﴿هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ...﴾
[ الأعراف : 53]
- العاقبة : ومنه قوله تعالى ﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا ﴾ [النساء:59]
- الغاية والحكمة : ومنه قول الخضر لموسى ، فيما حكاه الله عنه : ﴿ سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ﴾[الكهف:78]
وغير ذلك من المعاني .
والتأويل المشاع عند المتأخرين من أهل الأصول والفقه الذي هو : صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى ما يخالف ذلك الظاهر ..
فهذا منه مقبول ومردود:
فإن كان بدليل صحيح فهو من القسم المقبول وإن كان غير ذلك فباطل مردود ، وهذا الأخير هو الذي جرى عيله كثير من أهل البدع من العتزلة والجهمية وأفراخهم من الأشعرية......
والجواب عنه من وجهين :مجمل ومفصل .
أما المجمل فهو:
في بيان ما يقبل التأويل من الكلام وما لا يقبله
واعلم أخي القاري أنه ( لما كان الكلام للدلالة على مراد المتكلم وكان مراده لا يعلم إلا بكلامه ، انقسم كلامه ثلاثة أقسام ؛ أحدها ماهو نص في مراده لا يقبل محتملا غيره .
والثاني : ماهو ظاهر في مراده وإن احتمل أن يريد غيره .
الثالث : ماليس بنص ولا ظاهر ،بل هو محتمل محتاج إلى البيان .
فالأول : يستحيل دخول التأويل فيه ، إذ تأويله كذب ظاهر على المتكلم ، وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها خصوصا آيات الصفات والتوحيد ،والبعث والنشور
فهذا القسم إن سلط عليه التأويل عاد الشرع كله مؤولاً لأنه أظهر أقسام القرآن ثبوتاً وأكثرهًا وروداً ودلالة .
القسم الثاني : ماهو ظاهر في مراد المتكلم ولكنه يقبل التأويل ، هذا ينظر في وروده ، فإن طرد استعماله على وجه واحد استحال تأويله بما يخالف تأويله . لأن التأويل إنما يكون في موضع جاء خارجاً عن نظائره ، فيأول حتى يرد إلى نظائره ، فهذ شأن من يقصد البيان وأما من يقصد التلبيس والتعمية فله شأن آخر .
مثال دلك : قوله تعالى ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ [ طه :5]
﴿ ثم استوى على العرش ﴾ [ الأعراف : 54] إنما جاء في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا للفظ ، فتأويله استولى باطل ، ونما كان يصح أن لو كان أكثر مجيئه بلفظ استولى ثم يخرج موضع عن نظائره ويرد بلفظ استوى ، فهذا كان يصح تأويله باستولى ،
فتفطن لهذا الموضع واجعله قاعدة فيما يمتنع تأويله من كلام المتكلم ومايجوز تأويله.
ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم « ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول....» في نحو ثلاثين حديثاً كلها مصرحة بإضافة النزول في الرب تعالى ، ولم يجئ موضع واحد صحيح بقوله : ينزل ملك ربنا ، أو أمر ربنا ... .
القسم الثالث : الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر ، فهذا لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بيّنه وقد يكون بيانه معه وقد يكن بيانه منفصلا عنه..
فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وكلم الله موسى تكليماً ﴾[ النساء :64] رفع سبحانه وتعالى توهم المجاز في تكليمه لكليمه بالمصدر المؤكد الذي لا يشك عربي القلب واللسان أن المراد به إثبات تلك الحقيقة ..( )
قال المدني عفا الله عنه: ومثله قوله تعالى : ﴿ هو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ﴾ [ الأنعام : 3] فرفع سبحانه وتعالى في قوله ﴿ يعلم سركم وجهركم ..﴾ توهم السامع على أن الله موجود في السماء والأرض بذاته المقدسة كما هي عقيدة الجهمية ومن تبعهم .
ومثله قوله تعالى : ﴿ إنني معكما أسمع وأرى ﴾ [ طه:46] فقوله تعالى ذكره ﴿ أسمع وأرى ﴾ وهو تأويل قوله ﴿ إنني معكما ﴾ والله أعلم
والوجه المفصل هو :
نقض التأويلابهم المزعومة المنسوب إلى السلف تفصيلاً
ولقد أكثر أهل البدع التأويلات بل التحريفات المنسوبة إلى سلف وهي في الحقيقة مما لم يصح عنهم أو كان صحيحاً إلا أنهم ظنوا ما لم يكن بتأويلٍ تأيلاً. ثم عولوا عليه مع كونه مرجوحاً لأن صاحب التأويل ليس جازما بتأويله كما ذكره ابن حجر العسقلاني في" الفتح"(13/383).

ولست مضطراً إلى ذكرها جميعا في هذا المقام ولا أعيرها اهتماماً لقلة العائدة وأكتفي منها نبذة يسيرة مما يكون دليلاً على ما لم أذكر. فأقول:( )
1- نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه أول قوله تعالى : (( يوم يكشف عن ساق )) قال عن شدة .
والجواب من وجهين :
الأول : أنه ليس هناك تأويل أصلاً ولم تخرج الكلمة عما هو المتعارف عند العرب.
فقد نقل ابن جرير بسنده عن ابن عباس أنه كان يقول: يكشف عن أمر عظيم ألا تسمع العرب تقول : وقامت بنا الحرب على ساق .
الوجه الثاني : ليس في الآية صفة أضيف إلى الله تعالى ، بخلاف الحديث الذي في الصحيح فإنه صرح نسبة الساق إلى الله تعالى [عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يكشف ربنا عن ساقه.. (ح4919)].
2- ونقلوا عن ابن عباس أيضاً :أنه أول قوله تعالى :
﴿السماء بنيناها بأيد ﴾ [ الذاريات : 47] قال بقوة
والجواب : أنه ليس هناك تأويل أيضاً فإن قوله تعالى : (( بأيد )) إنما هو : مصدر آد يئيد أيداً لا جمع يدٍ .
وفي تفسير الجلالين يقال : آد الرجل يئيد قوي (ص 522) .
ونظير ذلك في القرآن كثير كقوله تعالى ﴿ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ...﴾[المائدة:110]
وقوله : ﴿.. داود ذا الأيد إنه أوّاب ﴾ [ ص : 17 ]
قال الحافظ ابن خزيمة الشافعي المتوفى سنة 311 هـ:
وزعم بعض الجهمية أن معنى قوله " خلق آدم بيد " أي بقوته ، فزعم أن اليد هي القوة ، وهذا من التبديل أيضا وهو جهل بلغة العرب والقوة انما تسمى الأيد في لغة العرب لا اليد.
فمن لا يفرق بين اليد والأيد فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة . اهـ "كتاب التوحيد" ص 160 .
3- ونقلوا عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل:أنه أول قوله تعالى: (( وجاء ربك))
[ الفجر:22] أي جاء ثوابه .
والجواب : أن هذا الأثر ضعيف شاذ ولا يصح عنه
فإن الروي عنه هو حنبل بن اسحاق
قال عنه الذهبي : له مسائل كثيرة عن أحمد ويتفرد ويغرب . سير أعلام النبلاء للذهبي (ج 13 ص 56) .
وقال العلامة الحافظ ابن القيم الجوزية عن هذه الرواية :إنها غلط عليه فإن حنبلاً تفرد بها عنه وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه ... اهــ مختصرالسواعق المرسله (ج 2ص616) .
4- ونقلوا عن البخاري أنه أول الضحك الوارد في السنه بالرحمة .
والجواب : أن هذا الأثر ضعيف منقطع ولا يصح عن البخاري وذكر هذا الأثر الإمام البيهقي في"الأسماء والصفات"(ج 2ص217) ولم يذكر سنده إلى البخاري وإنما قال: قال البخاري : معنى الضحك الرحمة ، وبين البخاري والبيهقي مفاوز ، وصدق من قال : الإسناد من الدين ولو لا الإسناد لقال من شاء ماشاء .هذا أولا.
والثاني : قال الإمام الحافظ المطلع ابن حجر العسقلاني : قال أبو سليمان الخطابي : قال أبو عبد الله – يعني البخاري - : معنى الضحك هنا الرحمة . قلت – القائل ابن حجر – ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري اهــ الفتح الباري (ج 9ص 546 برقم 4889).
قال المدني عفا الله عنه : تنبيه : ورغم أن الأثر لم يصح عن الإمام البخاري فإن فيه أيضاً إثبات الصفة الرحمة لله جل وعلا ، والأشاعرة لاتقول بإثباتها وهذا من تناقضات أهل البدع(( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ))
5- ونقلوا عن سفيان الثوري أنه أول قوله تعالى :
(( ... وهو معكم أين ما كنتم ..))[ الحديد :4 ] قال : بعلمه .
قال المدني عفا الله عنه : ليس هناك تأويل وإنما هو تفسير صحيح دلّ عليه سياق الآية الكريمة .
ولو قيل إنه تأويل فهو مما أجمعت عليه الأمة .
قال الحافظ ابن كثير : .... ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك اهــ ( ج4ص 345) .
6- ونقلوا عن الإمام المفسر الكبير مجاهد بن جبر العتكي أنه أول قوله تعالى : ((... أن تقول نفس يا حسرتى على مافرّطت في جنب الله ))[ الزمر: 56 ] قال: في أمر الله .

والجواب من وجهين :
الأول : أن الآية ما زالت على أصلها ، قال الإمام القرطبي:{ قال أبو عبيد : في جنب الله أي في ثواب الله.
وقال الفراء : الجنب القرب والجوار ، يقال فلان يعيش في جنب فلان ، أي في جواره ، ومنه (( والصاحب بالجنب )) .
قال الزجاج : أي على ما فرّطت في الطريق الذي هو طريق الله الذي دعاني إليه .
والعرب تسمي السبب والطريق إلى الشيء جنباً أهـ . الجامع لأحكام القرآن (ج 15ص 271 وما بعدها ) .
الثاني : أنه لم يقل أحد من أهل السنة والجماعة من السلف الصالح أن في الآية صفة من صفات الله حتى يحتاج إلى التأويل المزعوم .
قال الإمام عثمان بن السعيد الدارمي في نقضه على المريسي : وادعى المعارض – بشر المريسي الجهمي - زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قوله تعالى : ((... أن تقول نفس يا حسرتى على مافرّطت في جنب الله ))[ الزمر: 56 ] الجنب الذي هو العضو ...
قال الدارمي: فيقال هذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفّ على لسانك ، فإن كنت صادقاً في دعواك فأشر بها إلى أحد من بني آدم .
قال: وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك ، إنما تفسيرها عندهم : تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعوا إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية .
فمن أنبأك أنهم قالوا : جنب من الجنوب ؟ فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلاعن علمائهم .... اهـ . نقله ابن القيم في "مختصر السواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة "(ج 1 ص 58-59) .
7- ونقلوا عن نضر بن الشميل أنه أول حديث {{ حتى يضع الجبار فيها قدمه }} قال : إن معناه من سبق في علمه أنه من أهل النار .
قلت : الأثر ضعيف لا يصح ، أوره البيهقي " في الأسماء والصفات" بدون إسناد وقال: وفيما كتب إلى أبي نصر من كتاب ابن مهد الطبري ، حكاية عن نضر بن شميل أن معنى قوله ... فذكره .
ومع كونها حكاية كما ذكره -رحمه الله - فإنها منقطعة معضلة ما بين نضر بن شميل وابن مهد الطبري ، فإن نضر توفي سنة 204هــ بينما توفي ابن مهد الطبري380هــ .
8- ونقلوا عن سفيان بن عيينة أنه أول حديث {{ آخر وطأة وطأها الرحمن بوجّ }} قال: إن معناه آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطائف .
والجواب : أن الحديث ضعيف وإذا ذهب الأصل بطل الفرع .
والتأويل المنسوب إلى سفيان رحمه الله لا يصح عنه لأن سفيان توفي سنة 198 هــ والروي عنه هو ابن مهد الطبري السابق .
9- ونقلوا عن إمام دارالهجرة مالك بن أنس أنه أول النزول الوارد في الحديث الصحيح {{ ينزل ربنا تبارك وتعالى ...}} قال : أي أمره فأما هو فدائم لا يزول.
قال المدني عفا الله عنه: أورد هذا الأثر الإمام الذهبي في السير(ج8/ 105) فقال: قال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك قال: ينزل ربنا- تبارك وتعالى – أمره فأما هو فدائم لا يزول ، قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى ابن بُكَير فقال : حسن والله ولم أسمعه من مالك .
قلت – القائل الذهبي – لا أعرف صالحاً وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك – رحمه الله – رواية وليد بن مسلم أنه سأله عن حاديث الصفات فقال : أمرّها كما جاءت بلا تفسير فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب اهــ
قال المدني عفا الله عنه : هذا الأثر باطل موضوع لأمور :
الأول : جهالة الصالح.
الثاني :فيه حبيب بن أبي حبيب الذي وصفه الذهبي
بـقوله (مشهور).
وهو رجل تافه قال عنه أبو داود : كان من أكذب الناس .
وقال أبو حاتم والنسائي والأزدى : متروك الحديث .
وقال النسائي : متروك ، أحاديثه موضوعة عن مالك وغيره.
وقال ابن حبان : أحاديثو كلها موضوعة .
وقال : عامة أحاديثه موضوع المتن مقلوب الاسناد ، ولا يتحشم حبيب في وضع الحديث على الثقات وأمره بين في الكذب .
وكذبه أيضاً ابن المدِيني . تهذيب التهذيب للحافظ ( ج1ص492).
الثالث : مخالفتها لما صح واستفاض عنه كما في رواية الوليد بن مسلم ، فهي منكرة .
الرابع : نقل الحافظ ابن حجر عن الأئمة الأربعة وغيرهم أنهم مروا حديث النزول على ظاهره من غير تأويل فقال: ... ومنهم من أجراه على ما ورد ، مؤمناً به على طريق الإجمال ، ومنزها الله تعالى الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ، ونقله البيهقي عن الأئمة الأربعة ، والسفيانين ، والحمادين ، والأوزاعي والليث ، وغيرهم... ، اهــ الفتح الباري.(3 /30 باب الدعا والصلاة من آخر الليل)

10- ونقلوا: عن حماد بن زيد ، أنه أول" النزول " قال : نزوله إقباله .
أورد هذا الأثر البيهقي " في الأسماء والصفات " وقال: وقرأت بخط الأستاذ أبي عثمان – رحمه الله – في كتاب الدعوات عقيب حيث النزول قال الأستاذ أبو منصور- يعني - الحمشاذي على إثر الخبر : وقد اختلف العلماء في قوله {{ ينزل الله }} فسئل أبو حنيفة عنه فقال: ينزل بلا كيف . وقال حماد بن زيد : نزوله إقباله .
والجواب : أن الأثر ضعيف معضل لإنقطاع ما بين
أبي منصور الحمشاذي توفي - رحمه الله – 388 هــ ، وحماد بن زيد – رحمه الله - ، فإنه توفي سنة 179 هـ .
11- ونقلوا: عن ابن جرير الطبري أنه أول قوله تعالى
(( فاليوم ننساهم ....)) قال: أي نتركهم في العذاب .
والجواب : أن الآية مازالت على معناها الحقيقي في أن معنى النسيان الترك والتأويل المزعوم هنا ليس بوارد البتة ، قال: ابن جرير في تفسير قوله تعالى :
(( نسوا الله فنسيهم ...))[ التوبة : 67] وقد دللنا فيما مضى على أن معنى
النسيان "الترك " بشواهده اهــ .
وقال الإمام ابن عبد البر : " والنسيان في لسان العرب يكون الترك عمدا ، ويكون ضد الذكر ، قال الله تعالى : (( نسوا الله فنسيهم ...)) [ التوبة : 67] أي تركوا طاعة الله تعالى والإيمان بما جاء به رسوله ، فتركهم الله من رحمته ...
قال: وهذا مما لا خلاف فيه ولا يجهله من له أقل علم بتأويل القرآن " اهـ الاستذكار( ج1 ص300).
12- ونقلوا عن سفيان الثوري تأويلاً ، في قوله تعالى (( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) [ القلم : 44] قال : نسبغ عليهم النعم ونمنعهم من الشكر .
والجواب من وجهين :
الأول : أن ادعاء التأويل في هذه الآية الكريمة مما لا قيمة له ولا أثر
والآية على أصلها وحقيقتها ، قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى (( الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) [ الأعراف : 182] وأصل " الإستدراج " اغترار المستدرَج بلطف من استدرَجه حيث يرى أن المستدرِج إليه محسن حتى يوَرطه مكروهاً ...اهـ
الوجه الثاني : ليس في الآية صفة أضيف إلى الله تعالى ، ولم يذكر أحد من أهل السنة صفة في هذه الآية .
14- ونقلوا عن ابن الجرير الطبري تأويلاً في قوله تعالى(( كل شيء هالك إلا وجهه)) قال:اختلف في معنى قوله ((إلا وجهه)) فقال بعضهم: كل شيء هالك إلا هو،
وقال آخرون :معنى ذلك إلا ما أريد به وجهه اهــ
قال المدني عفا الله عنه : اختلف أهل العلم في كثير من الآيات والأحاديث سواء كان في الحلال والحرام أو العقائد وليس اختلافهم في تفسير هذه الآية أمثل من اختلافهم في غيرها من الآيات والأحاديث ، على أنه يجب التفريق بين الاختلافهم في معنى الآيه أو دلالتها كما هنا، و اختلافهم في أصل المسألة من حيث وجودها أو لا .
وقوله تعالى: ((كل شيء هالك إلا وجهه)) هو من تعبير الجزء وإرادة الكل على من فسر الآية ، "كل شيء هالك إلا هو"، فهو نظير قوله تعالى(( يجعلون أصابعهم في آذانهم ...))وقوله (( فاركعوا مع الراكعين )) وقوله (( واسجد واقترب)) وقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح {{ فاركع ركعتين}
والذي جعلواه في آذانهم هو: طرف الأصبع لا الأصابع والأمر بالركوع ، والسجود إنما هو الأمر بالصلاة ، وتعبير هذا الجزء مع إرادة الكل لا يستلزم عدم وجود الجزء ولا عدم إرادة ذلك الجزء وهذا واضح جلي .
لأن قوله –صلى الله عليه وسلم – مثلاً «فاركع ركعتين» يدل على وجود الركوع في الصلاة لكن لا يريد هو- صلى الله عليه وسلم – هذا الجزء فقط فكذلك دلت الآية على وجود الوجه وإن لم يكن هو الباقي وحده فقط .
هذا وقول من فسر الآية "إلا ما أريد به وجهه" لا ينافي القول الأول فإنه قد أبان أن جميع الأعمال تكون باطلة إلا ما أريد بها وجه الله ، فأثبت وجهاً يراد به الخير والصلاح فتنبه لهذا فإنه مهم جداً.
ومما يقطع دابر المؤلين في هذا الصفة ماثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفريقه بين الوجه والذات بالعطف الذي يفيد المغايرة كما هو معلوم فقال صلى الله عليه وسلم
« أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم »متفق عليه .
فسلطانه سبحانه وتعالى القديمة ليست ذاته وإنما هي صفة قديمة قائمة بذاته فكذلك وجهه الكريم إنما هو صفة قائمة به سبحانه فالسلطان غير الذات ، والوجه غير السلطان والذات.
وللحافظ ابن خزيمة الشافعي في كتاب "التوحيد" بحث نفيس في تحقيق صفة "الوجه" قل أن تجده من غيره حيث قال: أقول وبالله توفيقي وإياه أسترشد :قد بين الله عز وجل في محكم تنزيله الذي هو مثبت بين الدفتين أن له وجهاً وصفه بالجلال والإكرم والبقاء فقال جل وعلا :(( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرم )) [ الرحمن:27] ونفى ربنا جل وعلا عن وجهه الهلاك في قوله (( كل شيء هالك إلا وجهه ))[القصص:88] .....
قال : وفي هاتين الآيتين أن وجه الله صفة من صفات الله صفاتِ الذات لا ان وجه الله ، هوالله ولا أن وحهه غيره ...
قال: نحن نقول وعلماؤنا جميعاً في جميع لأقطار : إن لمعبودنا عزّ وجلّ وجهاً كما أعلمنا الله في محكم تنزيله فذواه بالجلال والإكرام وحكم له البقاء ونفى عنه الهلاك ، ونقول: إن لوجه ربنا عزّ وجلّ من النّور والضياء والبهاء ما لو كشف لأحرقت سحات وجهه كل شيء أدركه بصره ... اهـ ملخصاً التوحيد (56-58)
والله المستعان وعليه التكلان


المطلب الثاني : التفويض .
واعلم أخي القاري أن بعضاً من أهل البدع جعلوا التفويض مذهباً للسلف الصالح ، وهذا أعظم فرية على السلف -رضي الله عنهم – والنسبة إليهم مالا يرضى من القول ،وهو من الخلط والخبط ، والقوم لا يتحاشون في ترويج بدعهم الباطلة وتسويغ بضائعهم الكاسدة عن كل قبيح يسنتكر ، والله حسيبهم
وتقرير قولهم هو:أن السلف الصالح ماكانوا يعلمون معاني الصفات التي جاءت في القرآن والسنة ، ولا يتدبرون بها كقوله تعالى(( الحي القيوم ) وقوله (( يعلم مابين أيديهم ...)) وقوله(( وهو العلي العظيم )) وقوله (( الرحمن الرحيم )) وقوله (( وهو العزيز الحكيم)) وقوله (( وهو السميع البصير )) وقوله (( لما خلقت بيدي )) وقوله (( الرحمن على العرش استوى )) وقوله ((وربّك الْغنِي ذُو الرحمة)) وقوله (( والله غفور رحيم ))
وقوله (( قد سمع الله )) وقوله (( وجاء ربك والملك )) وقوله (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل ..)) وقوله (( فعّال لما يريد )) وقوله (( بل عجبتُ ويسخرون))
وكقول النبيّ- صلى الله عليه وسلم – « أعوذ بوجهك »وراه البخاري(7406) وقوله
« والذي نفس محمد بيده » أخرجه البخاري ومسلم. وقوله « إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور » أخرجاه وقوله « يد الله ملأى ..»(خ 7411 ) وقوله « يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... »(خ 2826) (م1890) وقوله « إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء » رواه مسلم (2654)
وقوله « ينزل ربنا في كل ليلة »(خ 6321)(م 758).
ووالله إن هذا الإنحراف العقدي ليستنكفه القلم من تسطيره. .(( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك))
واحتجوا لتفويضهم هذا إلى ما وقع من كلام الائمة كقولهم:
- أمرها كما جاءت .
- ولا نفسرها .
- تفسيرها تلاوتها
وغير ذلك والجواب من وجوه:
أحدها : أن هذه دعوى بلا حجة ولا دليل.
الثاني: ما المراد بنفي الكيفية في قولهم "بلا كيف" إذ نفي الكيفية متوقف بمعرفة المعنى المكيف .
الثالث : قد ورد عن السلف ما يناقض دعواهم قفد ورد عن إمام مالك – رحمه الله – لما سئل عن الاستوى أنه قال : الاستواء معلوم ....
قال الإمام القرطبي – رحمه الله – ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة ...
قال: وإنما جهلوا كيفية الاستوى فإنه لا تعلم حقيقته .
قال مالك : الاستواء معلوم – يعني في اللغة – والكيف مجهول ....اهـ تفسير القرطبي (ج 7 / 219)
وقال الإمام الترمذي – رحمه الله – بعد أن قرر مذهب السلف الصالح : فتأولت الجهمية هذه الآيات ، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم .... اهـ
فأثبت –رحمه الله تعالى - لأهل السنة تفسيراً مخالفاً تفسير الجهمية .
وقولهم – رحمهم الله -:لايفسر.. تفسيرها تلاوتها... إنما يعنى به التفسير المخالف لظاهر الأدلة القرآنية والنبوية ، ومما يؤيد ذلك ولا يدع مجالاً للشك ما ثبت عن السلف من عدم التفسير بعض النصوص التي ليسن من الصفات كذلك.
فقد روى أبو نعيم في الحلية(3 /369) وأورد ابن كثير في" البداية.." (9/432) من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه سأل الزهري عن حديث " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... "ما هذا؟ فقال: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم كما جاءت".
ورواه ابن الأعرابي في معجمه من طريق هقل بن زياد عن الأوزاعي به(1/ 224-225 ح 140) و(2/ 90ح 747) وفيه:" فقلت للزهري : ذكر كلمة ، فنفر من ذلك وقال: أمروا الأحاديث كما أمرها من قبلكم، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أمروها"اهــ
وروى اللالكائي في " شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة "(ج1/ 182) عن أحمد بن حنبل أنه قال:وهذه الآحاديث التي جاءت ،( ثلاث من كن فيه فهو منافق) هذا على التغليظ.
نرويها كما جاءت ولا تفسرها.اهــ
فهل يقال إن الإمام الزهري لم يعرف معنى حديث(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)
وأحمد بن حنبل لم يعرف كذلك معنى حديث (ثلاث من كن فيه فهو منافق) أم ماذا؟
الرابع : قد ورد عن السلف تسوية أحاديث الصفات بأحاديث الأحكام سواء بسواء مثل أحاديث الصوم والصلاة والزكاة والحج وغير ذلك كما تقدم في قول شريك رحمه الله
الخامس: أنه لا يتأتى معرفة الله وأسمائه وصفاته إلا بهذه الآيات والأحاديث والجهل بها يكون جهلا بالله وكفى للتفويض به قبحاً.

الفصل الثاني : علو الله على عرشه :
المطلب الأول : ذكر الأدلة الواردة على علو الله تعالى.
وعلم أيها الأخ السني الصادق أن مما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة علو الله على عرشه علواً مطلقاً ذاتاً وقهراً وملكاً وسلطنة ، ولم يخالف في ذلك إلا طوائف من أهل البدع كالجهمية والمعتزله ومتأخري الأشاعرة .
وقد أكثر أئمة السلف في الرد عليهم وكلامهم منثور في بطون الكتب .
والأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على علو الله على عرشه تفوق الحصر
- أما الكتاب : فقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من القران:
الموضع الأول قوله تعالى في سورة الأعراف: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (54) سورة الأعراف
الموضع الثاني قوله تعالى في سورة يونس: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} (3) سورة يونس
الموضع الثالث قوله تعالى في سورة الرعد: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} (2) سورة الرعد
الموضع الرابع قوله تعالى في سورة طه: {الرحمن على العرش استوى} (5) سورة طه
الموضع الخامس قوله تعالى في سورة الفرقان: {الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} (59) سورة الفرقان
الموضع السادس قوله تعالى في سورة السجدة: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} (4) سورة السجدة
الموضع السابع قوله تعالى في سورة الحديد: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} (4) سورة الحدي
ومن الأدلة قوله تعالى : ((ثم استوى إلى السماء فسواهن) [29البقرة ]
قال الإمام الحافظ أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري المتوفى(310) بعد أن ذكر مقالات الناس في الاستوى .. : وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسواهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات.اهــ قال الإمام البخاري – رحمه الله – ( ح 7418 )قال أبو العالية ( استوى إلى السماء ) ارتفع وقال مجاهد: (( استوى ) على على العرش.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى(( ثم استوى على العرش....)) [ الأعراف:54] وللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما يسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح : مالك ، والأوزاعي ، والثوري، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً وهو امرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل.
والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله لا يشبهه شيء من خلقه ,
و(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت الله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى . اهــ تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ج 2 / 304 )
ومن الأدلة قوله تعالى : (( يخافون ربهم منفوقهم )) [ النحل: 50] وقوله (( سبح اسم ربك الأعلى )) [ الأعلى : 1] وقوله (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) [ الملك :16] وقوله (( إني متوفيك ورافعك إليّ ))[ آل عمران :55] وقوله (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض )) [ السجدة : 5]
وغيرها من الآيات المتنوعة وقد ذكر بعض الأئمة الشافعية أن في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله تعالى عال على الخلق أو أنه فوق عباده أهـ الفتاوى لابن تيمية( 5/ 121).
وأما السنة فقد جاء فيها نصوص كثيرة قولاً وفعلاً وتقريراً .
- أما القول : فقد روى البخاري ( ح 4094) ومسلم (ح 1064) أن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال: في حديث أبي سعيد الخدري { ألا تأمنوني أن أمين من في السماء ..}}
- أما الإقرار : فعن معاوية بن حكم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقر للجارية حين سألها {{ أين الله }} قالت : "في السماء " فقال صلى الله عليه وسلم لسيّدها: " أعتقها، فإنها مؤمنة " فلو كان والله هذا منكراً غير مباح لما ساغ لمصطفاه – صلى الله عليه وسلم -أن يقر لها ، كيف يقر ما هو نقص على الحق!!
وليس هؤلاء الجمهية أعرف بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا تعلم بطلان قولهم لا يقال "أين" .
والحديث أخرجه مسلم( ح537) وأحمد ( ج5 / 447) وأبو داود ( الرقم 930 باب تشميت العاطس في الصلاة ) ومالك في الموطأ ، ومن طريقه الشافعي في الرسالة ( ص 75) وابن خزيمة في التوحيد ، وابن حبان ( 165و 2248) والطحاوي غي مشكل الآثار ( ج 13/ 168 ح 5331و5332).
وهذا الحيث متفق على صحته وصححه جمع من أهل العلم ممن اشترط الصحة في كتابه كـــ "مسلم "وبن حبان" وابن خزيمة" وغيرهم من أهل العلم .. .
قال الذهبي رحمه الله في كتاب العرش له ( ص 15 ) هذا حديث صحيح . وفي الفتح الباري للحافظ ابن حجر:( ج 13/ 372 ح 7376 ) وهو حديث صحيح أخرجه مسلم اهـ
فائدة : قال الشافعي – رحمه الله – فلو آمن عبد به – يعني "الله " – ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا حتى يؤمن برسوله معه
وهكذا سنّ رسول الله في كل من امتحنه للإيمان ... فذكر حديث الجارية الذي سبق .الرسالة (57 )
فاستنبط رحمه الله من هذا الحديث أن من سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يسأل ويمتحن لكل من يشك في إيمانه بالله وبرسوله { أين الله }. وهذا من لطائف المعارف والله أعلم.
قال المدني عفا الله عنه : فهكذا كان دأب الصالحين من أهل لعلم والتقى ، فقد قال على بن يزيد السلمي ، سمعت أبي يقول : سمعت هاشم بن عبد الله الرازى يقول : حبس رجل في التجهم ،فتاب ، فجيء به إلى هاشم ليمتحنه فقال له: " أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه ؟ قال : لا أدري ما بائن من خلقه .
فقال: ردوه فإنه لم يتب " اهـ أورده اذهبي في العلو ( 126 ) والعرش ( 94).
وشيخ الإسلام في " الفتاوى ( 5 /49 )
وقال شيخ الإسلام : رواه ابو إسماعيل الهروي في " كتاب الفاروق " وروى ايضاً ابن ابي حاتم.
- أما الفعل : فكما في إشارته الحسية إلى الله تعالى في العلو ، فقد أخرج إمام مسلم
( ح1218) من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : {{ وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ، وينكبها إلى الناس : اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات }} .
المطلب الثاني: ذكر من نقل الإجماع في العلو
وأما الاجماع فقد نقله غير واحد من أئمة السنة والحديث وإليك أقوالهم
1- قال الإمام الأوزاعي المتوفى ( 157 ) :كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلى . اهـ أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ( ج2/304) وغيره وصححه شيخ الإسلام في المجموع الفتاوى (ج 5/39). وأورد الحافظ في الفتح (ج 13/ 416ح 7428) وجوّد اسناده.
2- ونقل الإجماع أيضاً الإمام سعيد بن عامر الضبعي ، المتوفى (208)
قال - رحمه الله - وقد ذكر عنده الجهمية قال : هم شر قولاً من اليهود والنصارى ، وقد أجمع أهل الديانة مع المسلمين على ان الله على العرش ، وقالوا هم : ليس على العرش شيء اهـــ نقله الذهبي في العرش ، ( ص 82) وقال : رواه ابن أبي حاتم .والبخاري في خلق أفعال العباد (7).
3- ونقل الإجماع أيضاً الإمام إسحاق بن إبراهم الراهوية المتوفى ( 238)
قال- رحمه الله - : قال الله عزّ وجلّ : ((الرحمن على العرش استوى )) إجماع أهل السنة أنه فوق العرش استوى ، ويعلم كل شيء أسفل الأرض السابعة . اهـ نقله الذهبي في العلو ( 179)
4- وممن نقل الإجماع الإمام الحافظ شيخ خراسان قتيبة بن سعيد المتوفى ( 240)
قال الإمام الذهبي – رحمه الله – قال أبو أحمد الحاكم وأبو بكر النقاش المفسر واللفظ له : حدثنا أبو العباس السراج قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول : هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة : نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه ، كما قال الله جلّ جلاله (( الرحمن على العرش استوى ))
ونقل موسى بن هارون عن قتيبة أنه قال : نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه .
قال الذهبي: فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة .اهــ مختصر العلو (ص 187)
5- وممن نقل الإجماع الإمام عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى280)
قال رحمه الله : قد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء . اهــ نقض الإمام أبي سعيد على المريسي الجهمي العنيد . ( ج 1 /228).

6- 7- الإمامان الحافظان
1- أبو زرعة الرازى عبيد الله بن عبد الكريم القرشي الحافظ المتوفى ( 264)
2-وأبو حاتم الرازى محمد بن إدريس الحافظ الحنظلي المتوفى ( 277)
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنّة في أصول الدين وما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدون من ذلك ؟
قالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشمالاً ويميناً فكان من مذهبهم
الإيمان قول وعمل يزد وينقص .
والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته.
ثم قال : وأن الله عزّ وجلّ على عرشه بائن من خلقه
كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلمّ بلا كيف
أحاط بكل شيء علماً (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) [ الشورى:11].
ثم ذكرا سائر العقيدة . [ اعتقاد أهل السنة للالكائي ج1/ 197-198].وصححه الألباني في مختصر العلو.(204).

قال المدني عفا الله عنه : فهذه سبعة أنفاس من أئمة السلف الصالح ،كلهم نقلوا الإجماع على هذه المسالة .
فتشبث بها أيها السني مسروراً مغتبطاً على ما أنعم الله عليك من الهدى والفرقان .
ومن الأئمة أيضاً:
7- الإمام المحدث أبوعمر أحمد بن محمد الطلمنطكي المتوفى ( 429 )
قال – رحمه الله- : أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله (( وهو معكم أين ما كنتم )) [ الحديد : 4] ونحو ذلك من القرآن :أن ذلك علمه ،وأن الله فوق سموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء "
وقال :" قال أهل السنة في قوله (( الرحمن على العرش استوى )) أن الاستواء من الله على عرشه المجيد على الحقيقته لا على المجاز...". " الوصول إلى معرفة الأصول " نقلاً عن " درء التعارض العقل والنقل " لشيخ الإسلام (ج5 / 251 ) ونقله الذهبي في العلو (مختصر 264).
8- وقال الإمام الحافظ الواعظ أبو عثمان الصّابون الشافعي: " وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أنّ الله على عرشه ، وعرشه فوق سماواته" عقيدة السلف أصحاب الحديث .

9- الحافظ شيخ الإسلام أبو عمر ابن عبد البر النمري القرطبي(463)
قال رحمه الله معلقاً على حديث أبي هريرة ((ينزل ربنا تبارلك وتعالى كل ليلة إلى السماءالدنيا حين يبقى ثلث اليل ، فيقول من يدعوني فأستجب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفرله)) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وغيرهم.
- فيه دليل على أنّ الله عزّوجلّ في السّماءعلى عرش من فوق سبع اسموات
- كما قالت الجماعة ،
- وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إنّ الله عزّوجلّ في كل مكان وليس على العرش
ثم قال: والدليل على صحة ما قاله أهل الحق في ذلك ... وسرد الأدلة وقال :
- وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل الاستوى استولى ، فلا معنى له ، لأنه غير ظالهر في اللغة ،
- ومعنى الاستيلاء في اللغة ؛ المغالبة والله لايغالبه ولا يعلوه أحد ، وهو الواحد الصمد ،
- ومن حق الكلام ان يحمل على حقيقته حتى تتفقت الأمة أنه أريد به المجاز ،
- إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا إلا على ذلك ،
- وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه .
- ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ،
- ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدّع ما ثبت شيء من العبارات ،
- وجلّ الله عزّ وجلّ أن يخاطب إلا ما تفهمه العرب في معهودِ مخاطباتها مما يصح معناه عند المخاطبين.
قال : أما سمعوا – يعني الجهمية وأتباعهم – حيث يقول :
(( وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إلـه موسى وإني لأظنه كاذباً )) [ الغافر :36-37] فدل على أن موسى عليه السلام كان يقول إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذباَ اهــ (التمهيد ج 7/ 129-139).
وقال في الإستذكار (ج 22/ 168) : وأما قوله في هذا الحديث للجارية أين الله ؟ فعلى ذلك جماعة أهل السنة ، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم ، يقول ما قال الله في كتابه (( الرحمن على العرش استوى )) وأن الله عزّ وجلّ في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القرآن في قوله عزّ وجلّ
(( ءامنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور )) وبقوله عز وجلّ (( إليه يصعد الكلم الطيب ....))
وقوله :(( تعرج الملائكة والروح إليه .....)) اهــ

أقوال أهل العلم غير من نقل الإجماع
1- الإمام سليمان التيمي رحمه الله ، قال الذهبي: ورويناه بإسناد صحيح عن صدقة بن سليمان التيمي قال: سمعته يقول : لو سئلت أين الله – تبارك وتعالى ؟ لقلت في السماء
فإن قال: فأين عرشه قبل أن يخلق السماء ؟ قلت : على الماء .
فإن قال لي :أين كان عرشه قبل أن يخلق الماء ؟ قلت : لا اعلم.
قال أبو عبد الله – يعني البخاري – وذلك لقوله تعالى(( ولا يحيطون بشء من علمه إلا بما شاء )) [ البقرة :255] يعني إلا بما بين .اهـ خلق أفعال العباد (13)
وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( ج3 / 255ح671 )
2- الإمام الحافظ المجاهد شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك المتوفي ( 181) .
فعن على بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله بن المبارك كيف نعرف ربنا ؟
قال: في السماء السابعة على العرش .
وفي لفظ "على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه ها هنا في الأرض " اهـ أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ( 7 ) وعبد الله ابن إمام أحمد في السنة( ج1 /111) والصابوني في عقيدة السلف والبيهقي في الأسماء والصفات ( ج 2 / 336 ح 903) . وابن عبد البر في التمهيد ( ج 7 / 142 ) وصححه الذهبي في" العرش " ( 74 ) .
وعلق الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " على كلام ابن المبارك فقال: قلت : الجهمية يقولون :إن الباري تعالى في كل مكان ، والسلف يقولون :إن علم الباري في كل مكان ويحتجّون بقوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم)الحديد:4) يعني بالعلم ويقولون: إنه على عرشه استوى،كما نطق به القرآن وسنة .
وقال الأوزعيّ وهو إمام وقته : كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعلى فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنّه من صفاته،ومعلوم عند أهل العلم من الطوئف
أن مذهب السلف إمرار آيات الصّفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولاتحريف،ولاتشبيه ولاتكييف ،فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسه وقد علم المسلمون أن ذات البارى موجودة حقيقة،لامثل لها، وكذلك صفاته تعلى موجودة،لامثل لها. سير أعلام النبلاء ( ج 8 ) ترجمة عبد الله بن المبارك .
3- الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهد المتوفى ( 198)
قال – رحمه الله تعالى - : " إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى ، وأن يكون على العرش ، نرى أن يستتابوا ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم " اهـ
أخرجه الإمام البخاري في خلق أفعال العباد ( 17 ) وأبو نعيم في الحلية ( ج9 / 8) وغيرهم .
4- الإمام أحمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة.
قال الذهبي – رحمه الله – في" العرش " قال حنبل بن إسحاق : قلت لأبي عبد الله : ما معنى قوله (( وهو معكم )) و (( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم )) قال : علمه محيط بـ " الكل" ، وربنا على العرش بلا حد ولاصفة . وأخرجه الالكائي ( ج 3 / 256ح 675 )
وقال يوسف بن موسى القطان : وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه ، بائن من خلقه ، وعلمه وقدرته بكل مكان قال: نعم .
أخرجه الالكائي ( ج 3 / 256ح 674).
5- الإمام مالك بن أنس
قال – رحمه الله - : الله في السماء وعلمه في كل مكان .اهـ الشريعة للآجري(ج 2 / 62 ).
6- الإمام الحافظ حماد بن زيد
وقال حماد بن زيد وذكر هؤلاء الجهمية: فقال إنما يحاولون أن يقولو: ليس في السماء شيء . اهـ الخلاه (5 / 91) وعبدالله في السنه (1 /117) وصححه شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (5/52).
قال المدني عفا الله عنه : وروى الخلال مثل هذ الكلام أيضاً ، عن أبي بكر العياش(ج 5 / 123) وعباد بن عوام(5/ 115)
7- وقال يزيد بن هارون : من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي ، ومحمد الشيباني جهمي, اهـ ( ) رواه عبد الله بن أحمد (1/123، برقم54) والبخاري في" خلق أفعال العباد(19)

الطلب الثالث: من أثبت من أهل العلم علوّ الله على عرشه بذاته:
واعلم أخي القاري أن السلف الصالح اتفقو على علو الله على عرشه وقد ذكرت طرفاً من أقوالهم بعبارات مختلفة ،
وممن أطلق عبارة بـذاتـه ( )
1- الإمام عثمان بن سعيد الدارمي أحد أئمة الحفاظ ، قال عنه البخارى: ما رأيت مثل عثمان بن سعيد ولارأى عثمان مثل نفسه المتوفى ( 282 )
2- الإمام الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكان من أوعية العلم بصيراً بالحديث والرجال المتوفى ( 297 )
3- الإمام المبجل شيخ الإسلام أبو محمد بن أبي زيد القيرواني الملقب بـ مالك الصغير المتوفى ( 386 )
4- الإمام الواعظ يحيى بن عمار السجستاني المتوفى (422)
5- الإمام أبو عمر الطلمنكي المتوفى (429 )
6- الإمام أبو وائل السجزى المتوفى ( 444 )
7- الإمام الحافظ أحمد بن ثابت الطرقي المتوفى (521 )
8- الإمام الحافظ أبو الحسن الكرجي الشافعي المتوفى (532)
9- الإمام الحافظ الزاهد الورع عبد القادر الجيلاني المتوفى (561)
10- الشيخ المحدث تقي الدين القحيطي المتوفى ( 656)
وإليك صوص بعضهم صاعقة على المبتدعة المعطلة .
1- ابن أبي شيبة :( )
قال – رحمه الله - : تواترت الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه ، فهو فوق العرش بذاته متخلصاً من خلقه بائنا منهم .اهـ كتاب العرش لابن أبي شيبة( 276).
2- ابن أبي زيد القيرواني :
قال في مقدمته (ص1): وأنه تعالى فوق عرشه المجيدِ بذاته ، وأنه في كل مكان بعلمه .
4- يحيى بن عمار وعظ سجستان :
قال في رسالته : لا نقول كما قالت الجهمية إنه مداخل للأمكنة وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو، بل هو بذاته على العرش ، وعلمه محيط بكل شيء . اهـ العرش للذهبي
5- أبو عمر الطلمنكي :
قال – رحمه الله - أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله (( وهو معكم أين ما كنتم )) [ الحديد : 4] ونحو ذلك من القرآن :أن ذلك علمه ،وأن الله فوق سموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء ... اهـ" درء التعارض العقل والنقل " (ج5 / 251 ) والذهبي في العلو (مختصر 264).
6- أبو وائل السجزى :
قال الإمام الذهبي – رحمه الله – قال الحافظ أبو نصر الوائلي السجزى في كتاب
" الإبانة " لـه : وأئمتنا كالثوري ومالك والحمادين وابن عيينة وابن المبارك والفضيل وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته ، وأن علمه بكل مكان . اهـ العلو للذهبي ( مختصر 255) .
8- أبو أسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام :
قال في كتاب الصفات :"... أن الله عز وجل في السماء السابعة على العرش بنفسه ، وهو ينظر كيف تعملون ، علمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان . اهـ العرش للذهبي (151) .
9- الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلى :
قال الإمام - رحمه الله - في كتابه " الغنية " أما معرفة الصانع بالآيات والدلائل على وجه الاختصار فهو أن يعرف ويتيقن أن الله واحد أحد ...
وهو بجهة العلو مستو على العرش ، محتو على الملك محيط علمه بالأشياء (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) [ فاطر: 10] .
قال : ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان ، بل يقال : إنه في السماء على العرش كما قال: (( الرّحمن على العرش استوى )) [ طه:5]
وينبغي إطلاق صفة الاستوى من غير تأويل ، وأنه استواء الذات على العرش .... اهـ الغنية .
10- الإمام أبوالحسن محمد بن عبد الملك الكرجى :
نظم رحمه الله تعالى عقية أهل السنة في نحو مائتى بيت وفيها :
وأفضل زاد في المعاد عقــيــدة على منهج في الصدق والصبر لاحب
عقيدة اصحاب الحديث فقد سمت بأرباب دين الله أسنى المراتــــب
عقائدهم ان الإلـــه بــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــذات ــه على عرشه مع علمه بالغوائــــب
وأن استواء الرب يعــــــــــــــــــــقل كـــــــــــــونــه يجهل فيه الكيف جهل الــــشهارب
قال الذهبي وهذه القصيدة مشهورة عند الخاصة والعامة في بلاد المشرق .اهـ العرش ( 154)
وقال: في" تاريخ الإسلام"(36/295): وله القصيدة المشهورة في السنة، نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السلف، وله تصانيف في مذهب التفسير. كتبت عنه الكثير، وتوفي في شعبان.
المطلب الرابع: شبهات أهل البدع في العلو
استدل أهل البدع على منع علو الله على عرشه بشبهات مختلفة ومنها:
الشبهة الأولى:
1 - استدلوا على نفي علو الله على خلقه بماجاء في معيته وقربه ودنوه من خلقه
والجواب: أن علو الله على عرشه وبينونته من خلقه لا يستلزم بعده عن خلقه، بل هو مع خلقه أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، ولا يخفى من خلقه خافية ((لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)).
وقرب الله ومعيته ليس معناه أنه سبحانه وتعالى مختلط بالخلق حالاً فيهم لا يقول هذا إلا جهمي خبيث مختل العقل فاقد العلم، بل الله سبحانه وتعالى عال على عرشه مع قربه من خلقه، ولا يستبعد هذا، كيف وأن القمر آية من آيات الله ومن أصغر مخلوقاته موضوع في السماء وهو مع المسافر وغيره أينما كان.
قال البحتري وهو يصف ممدوحه:
دان إلى أيد العفات وشاسع ... عن كل ند في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضوؤه ... للعصبة السارين جد قريب

والأدلة من الكتاب والسنة على قرب الله ومعيته كثيرة جداً
فمن الكتاب قوله تعالى:
: ((وإذاسالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان)) [البقرة:186].
وقوله: ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)) [النحل:128]
وقوله: ((هوالأول والآخر والظاهروالباطن وهوعلى كل شئ قدير، هوالذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم مايلج في الأرض وما يخرج منها وماينزل من السماء ومايعرج فيها وهو معكم أين ماكنتم)) [الحديد:4]
وقال: ((مايكون من نجوى ثلاثة إلاهو رابعهم ولاخمسة إلاهو سادسهم ولا أدنى من ذالك ولا أكثر إلا هو معهم أين ماكانوا)) [المجادلة:8]
ومن السنة : قوله صلى اللهّ عليه وسلم{{إربعو على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمّ ولاغائبا إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم}} رواه البخاري (2992) ومسلم (2704) من حديث أبي موسى الأشعري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم {{مامن يوم أكثرمن أن يعتق اللهّ فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء}} رواه مسلم (1348)

الشبهة الثانية:
2 - ما أخرج عبد الرزاق، وَابن جَرِير عن الحسن قال سأل أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أين ربنا فأنزل الله {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}
وهذا الأثر مرسل من مراسيل الحسن البصري
قال الذهبي في " الموقظة " (ص 17): " من أوهى المراسيل عندهم: مراسيل الحسن.
وأوهى من ذلك: مراسيل الزهري، وقتادة، وحُميد الطويل، من صغار التابعين.
وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات؛ فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير، عن صحابي، فالظن بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي " (1/ 195)
قال أحمد في رواية الفضل بن زياد: ((مرسلات سعيد بن المسيب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهيم لا بأس بها، وليس في المرسلات أضعف من مراسيل الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يخذان عن كل)).
وقال أحمد في رواية الميموني وحنبل عنه: ((مرسلات سعيد ابن المسيب صحاح لا نرى أصح من مرسلاته. زاد الميموني: وأما الحسن وعطاء فليس هي بذاك. هي أضعف المراسيل كلها. فإنهما كانا يأخذان عن كل)) اهـ
وقال الحافظ في الفتح (11/ 556): ... كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن , لأنه كان يأخذ عن كل أحد .
الشبهة الثالثة:
3 - واستدلوا ايضاً ما رواه مسلم في"صحيحه (2713) " .. اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عنا الدين وأغننا من الفقر .. اهـ
قالوا: قوله النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الظاهر فليس فوقك شيء وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في العلو. اهـ
والجواب: أن هذا الحديث من الأحاديث والآيات الدالة على قرب الله سبحانه وتعالى لخلقه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «فليس دونك شيء» أي فليس شيء أقرب إلى شيء منه , قال ابن جرير: وقوله:( والظاهر ) يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه.( والباطن ) يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال:( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ). اهـ
وثانياً : فمع كونه - صلى الله عليه وسلم - صرح علوه سبحانه وتعالى وأنه ليس فوقه شيء حيث قال «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» فلم يقل في الشطر الثاني وأنت الباطن فليس تحتك شيء وإنما قال: « وأنت الباطن فليس دونك شئ »
فتبين من ذلك أن معنى الظاهر هو : فليس فوقك شيء ، ومعنى الباطن فليس دونك شيء رفعاً لتوهم السامع أن معنى الباطن أن الله تحت الأشياء وانه فوقه شيء .
وقال ابن منده في "كتاب التوحيد" (2/ 82): الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل اهـ.
وقال البغوي في "التفسير": الباطن: العالم بكل شيء اهـ
وقال النووي: ... المحتجب عن خلقه، وقيل العالم بالخفيات .. اهـ
وقال القرطبي: عنى بالظاهر الغالب، وبالباطن العالم، والله أعلم.
الشبهة الرابعة:
4 - واستدلوا أيضاً ماروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان الله ولا مكان وهو الآن على ما كان. اهـ نقله عبد القاهر البغدادي في " الفرق بين الفرق " (ص333).
وهذا الأثر لم يثبت عن علي ولا عن غيره من أئمة المسلمين ولم يذكر البغدادي لا بسند صحيح ولاضعيف .
وقد جاء في البخاري «كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء»
الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 6/ 289): (تنبيه): «وقع في بعض الكتب في هذا الحديث كان الله ولا مكان [وهو الآن على ما عليه كان] وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبَّه على ذلك العلامة تقي الدين ابن تيمية، وهو مسلَّمٌ في قوله [وهو الآن] إلى آخره»
الشبهة الخامسة:
5 - استدل بعضهم بما رواه الترمذي وغيره في تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)
عن قتادة حدثنا الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نبي الله صلى الله عليه و سلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ...
وفيه .. والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلاً بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}
والجواب من وجهين:
الأول: هذا الحديث ضعيف منقطع فإن الحسن وهوالبصري لم يسمع من أبي هريرة
قال أبو عيسى في إثر الخبر : هذا حديث غريب من هذا الوجه قال ويروى عن أيوب و يونس بن عبيد و علي بن زيد قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة
والوجه الثاني: هو ما قاله الترمذي أيضاً: وفسر بعض أهلم العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه علم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه.اهــ
الشبهة السادسة:
6 - ومن شبهاتهم الداحضة أنهم نقلوا عن ابن جرير الطبري أنه قال في قوله ((ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن)) علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال.


قال المدني عفا الله عنه :والجواب من وجوه:
الأول: ان ابن جرير قد قال في تفسير الآية بعد أن ذكر اختلاف الناس فيها: وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات. اهـ
الثاني: أن قوله علا عليها علو ملك ... كان من باب الإلزام لا من باب الحجة والبيان فإنه قال في أوله: والعجبُ ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها - إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه! فيقال له: زعمتَ أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. اهـ
الثالث: أن قوله:[ المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، ..] فيه بيان جليل في أنه يرى ان المفهوم من كلام العرب في هذه الآية هو العلو والارتفاع، وما بعده يعتبر من باب الإلزام كما تقدم.
الرابع: أن من قال علا عليها علو ملك وسلطنة ألزم ايضاً أشنع مما هرب فيقال له: زعمت أن تأويل قوله"استوى" علا عليها علو ملك .. أفكان عاجزاً عنها قبل ذلك؟ حتى علا عليها علو ملك وسلطنة.
الخامس: وعلى فرض صحة هذا القول عن الإمام فإن المسائل العقدية لا تؤخذ عن الأفراد وإنما تؤخذ عن الكتاب والسنة والإجماع. فلا يكون تفرد فلان وعلان حجة يقام بها ما جاء في الكتاب والسنة من إطلاق العلو الله على عرشه.
الشبهة السابعة:
7- ومن شبهات أهل البدع انهم جعلوا علوه سبحانه العلو المعنوي لكون العلو الذاتي يتصفه بعض مخلوقاته –زعموا-.
والجواب: ان العلو المعنوى أيضاً يتصفه بعض المخلوقات ألا ترى ان أبا سفيان قال في يوم أحد" أعل هبل أعل هبل " (رواه البخاري:4043و 3039)
والذي يعرفه كل عاقل أن هبل كان صنماً جامداً ليس له شيء من العلو إلا ما كان في نفوس المشركين من علو أصنامهم ولم يكن أبوسفيان يقصد بقوله هذا إلا العلو المعنوى الذي هو الغلبة والنصرة والظفر فمن أثبت تعالى هذا العلو هو نظير إثبات أبو سفيان العلو للهبل ولا فرق ، ومن قال ذلك فقد شبه الله تعالى بالصنم العاجز.
وأما أهل السنة فيثبتون لله تعالى ما لا يشاركه أحد من خلقه وهو علوه الذاتي والمعنوي الذي لايبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل .
وسبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك


جمعه / أبو عبد الرحمن محمد أحمد على المدني الصومالي