المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : افوائد الثمينة من رحلة مكة والمدينة (1)



أهــل الحـديث
02-04-2013, 02:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الحمد لله الذي جعل العلم رحما بين أهله وخص أهل الحديث والسنة بأحسن الأرحام
والصلاة والسلام على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار الكرام
وبعد فإن من عظيم سروري، وبالغ غبطتي أنني وجدت رجلاً ـ من أحب الخلق إلي دون أن أراه، والذي يشهد الله كم أحبه وأحب أن ألقاه، وأستفيد من علمه وأسانيده وغايته فيها ومنتهاه..
وهو فضيلة الشيخ المسند محمد زياد التكلة ـ حفظه الله ورعاه ـ
قد نقل في ملتقى أهل الحديث المبارك مقالتي من «منتديات كل السلفين»
إلى
«ملتقى أهل الحديث»
ففرحت فرح العاقر العقيم بولده البكر بعد عشرات السنين من الزواج.. وإن شئت فقل فرح الكهل الحل الصب بعروس بكر ناهد في أول عمرها.. وإن شئت فقل: فرح طالب الحديث وقع على أعلى إسناد للبخاري أو مسلم أو كليهما عند شيخ مسلسل بالسماع.. أوقل.. وقل.. وقل...
فرحت كثيرا لهذه اللفتة الكريمة التي لن أنساها لفضيلته ما حييت..
وكنت قبل ذلك حاولت إضافة بعض المواضيع إلى هذا الملتقى الطيب ولم أفلح وراسلت الإدارة ـ اعانهم الله ـ ليساعدوني فلم يستجيبوا لي ربما بسبب كثرة مشاغلهم.
والظاهر إن العلة كانت في جهاز الحاسوب خاصتي، حيث (فرمته) إخواني في فلسطين ـ جزاهم الله خيرا ـ وها أنذا أكتب منه في هذا الملتقى الطيب، والذي سأضيف إليه الكثير إن شاء الله بعد هذه المشاركة.
وإني إذ أشكر فضيلة الشيخ المسند محمد زياد التكلة ـ حفظه الله ورعاه ـ على نقله
«الفوائد الماسية..»
أعضدها بأصلها وهي
«الفوائد الثمينة من رحلة مكة والمدينة»
سائلا الله أن ينفع بها كاتبها وقارءها والمعلق عليها، وأن يجزي إخواني القائمين على هذا الملتقى الطيب خير الجزاء..
وإليكم
«الفوائد الثمينة من رحلة مكة والمدينة»



من رحلة مكة والمدينة الثمينة الفوائد


الحمد لله الرحيم الرحمن، والصلاة والسلام على من جعل المدينة إِرْزَاً للإيمان، وعلى آله وصحبه الأطهار الشجعان، وعلى من تبعهم بصدق وإخلاص وإحسان، وبعد:


فقد يسر الله تعالى ـ بفضله وَمَنِّهِ وكرمه ـ في الفترة الواقعة بين الأحد: 8 ربيع الأول سنة 1434هـ، الموافق 20/1/2013م،


والخميس: 12 ربيع الأول سنة 1434هـ، الموافق 24/1/2013م


المشاركة في:


«دورة المسجد الأقصى للمتون العلمية».


في المدينة النبوية، على ساكنها أفضل صلاة وسلام وأزكى تحية.


بالتزامن مع


الدورة العلمية الثالثة في المسجد الحرام


ابتداءً من: 6/3/1434 وحتى 12/3/1434. والتي شارك فيها كل من:


فضيلة الشيخ عبدالله الغنيمان / بعد صلاة الفجر / عقيدة أهل السنة والجماعة.
فضيلة الشيخعبدالمحسن الزامل / بعد صلاة العصر / عمدة الأحكام.
فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي / بعد صلاة المغرب / العقيدة الواسطية.
فضيلة الشيخ خالد المشيقح / بعد صلاة العشاء / دليل الطالب.



ودورة شرح «مهمات العلم» من: 5/3/1434 وحتى 12/3/1434. في المسجد النبوي


لفضيلة الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي حفظه الله.


وقد يسر الله لنا الحضور والاستماع في بعض مجالس الدورة الثانية التي في المسجد النبوي حيث كنا حينها.


وفاتتنا جلسات مجالس الدورة الأولى لبعدنا عنها في حينها، ولله الأمر من قبل ومن بعد، إضافة للحضور في بعض مجالس أهل العلم في الحرمين الشريفين.


وقد شارك في


«دورة المسجد الأقصى للمتون العلمية»


كل من:


فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن موسى نصر، بشرح متن في علوم القرآن، والاستماع لعرض وحفظ المشاركين في الدورة لبعض سور القرآن.


فضيلة الشيخ علي بن حسن الحلبي، بشرح «الموقظة» في مصطلح الحديث للإمام الذهبي.


فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عودة العوايشة، بشرح مسائل فقهية من «موسوعته الفقهية الميسرة».


فضيلة الشيخ صالح بن عبد الواحد طه؛ أبو إسلام، بمحاضرات في إصلاح فساد القلوب.


وكاتب هذه السطور بشرح


«جواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية»


لشيخ الإسلام ابن تيمية.


وقد تفضل فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي ـ حفظه الله ـ بزيارة إخوانه وأبنائه المشاركين، وأفادهم بما فتح الله عليه من تأصيلات علمية، وقواعد أصولية منهجية.


وقد جاءت هذه الدورة بالتزامن مع الدورتين سابقتي الذكر دون تخطيط مسبقـ فيما أعلم، والتأكيد أو النفي مطلوب من إخواننا القائمين على الدورة من أهل فلسطين حتى لا نَدَّعي شيئا غير حقيقي ـلتؤكد أن أهل الشام، وأهل المسجد الأقصى تحديداً، القابضين على جمر السلفية والإيمان، والرباط في سبيل الله في ظل يحموم الاحتلال، لهم ما لإخوانهم السلفيين المؤمنين في أرض الحرمين الشريفين من عناية واهتمام، بعلوم القرآن، والسنة، والفقه، والعقيدة، والسلوك، والتواصل مع علماء الأمة في الحرمين الشريفين وغيرهما.


وسأسرد بشيء من التفصيل ـ الذي ربما يكون مملاً للبعض، ولكنه لله أولاً..


ثم للتاريخ ثانياً..


ثم لولاة أمر المسلمين من علماء وأمراء ثالثاً..


ثم لعامة المسلمين رابعاً..


ثم لسائر البشرية خامساً..


ثم للصهاينة اليهود المحتلين الغاصبين، وأنصارهم من الصليبين الغاشمين سادساً.. وسابعاً.. وثامناً.. وإلى ما لا نهاية!!


والذين سيعتبرون هذا الكلام مُقْرِفاً مقززاً!!


وهم أهل القرف والتقزز، حتى أن بعض أشهر نسائهم، وهي زوجة لأحد أشهر سادتهم لا تستحي أن تصرح لبعض وسائل الإعلام أنها في حال غياب زوجها العظيم!! يشاركها الفراشَ كلبُها بدلاً منه!! وفي هذا من المعاني والإيحات ما لا يعلمه إلا الله وما ينبئ عنه ما هو معروف من حالهم!! الذي لا يخفى على الأغبياء فضلا عن العقلاء!!


وسيعتبرونه معاداة للسامية وهم في كل ذلك كاذبون أفاكون، فنحن ساميون، نوحيون، إبراهيميون، إسماعيليون، إسحاقيون، يعقوبيون، موسويون، عيسويون، محمديون، وأتباع لكل النبيين والمرسلين، نعادي من عادى الله ورسله وأنبياءه، ونوالي من والاهم، وليشربوا البحار المالحة غيظا وحنقا وحقدا وغضبا، فإن قهرونا وغصبوا ديارنا وأخرجونا منها، فلن يقهروا أفكارنا ولا كلماتنا ولا أمانينا.


أكتب وأسرد لأمتنا وأئمتنا وولاة أمرنا الذين تقاعسوا على مدى أكثر من أربعة عقود عن تحرير ثالث المسجدين الشريفين.


وقبل ذلك بعقود أخرى سبقت تقاعسوا عن نصرة فلسطين حاضنة المسجد الأقصى.


ورضوا أو قد يرضون بوجود هذا الاحتلال البغيض الذي قَسَمَ جسم الأمة العربية والإسلامية المتصل الواحد إلى قسمين في آسيا وما اتصل بها، وإفريقيا.


وصار خنجرا مسموما منغرسا في قلبها الذي كان نابضا بالعلم والإيمان على مدى القرون والزمان؛ المسجد الأقصى؛ مسجد الأنبياء عليهم السلام، الذي يستصرخ المسلمين ليل نهار، ويستحثهم بقوله تعالى:


{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}


[الإسراء: 1]


وإلى تلك الأرض المقدسة التي كتب الله على لسان موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام.


والتي بارك الله فيها للعالمين.


ونجا الله إليها إبراهيم ولوطا قبل ذلك.


وجعلها معقلا للإسلام والمسلمين من عهود الأنبياء المتتالية ـ وكلهم مسلمون يَدْعُون إلى الإسلام، ويدعون الله أن يتوفاهم عليه ـ إلى عهود ورثة الأنبياء من علماء المسلمين وأمرائهم.


أسرد بشيء من التفصيل الممل لمن يريد أن يبقى ملولاً!! وبشيء من الحرقة المؤلمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..


غادرت بيتي بعد منتصف ليلة الأحد 8/3/1434هـ مخلصاً نيتي لله في الخروج في سبيله، والدعوة إليه، متضرعاً إليه بجعل عملي صالحاً، ولوجهه خالصاً، متوجهاً إلى مطار الملكة علياء في ضواحي عمان، ومستخلفاً أهلي في رعاية الله وحفظه.


غادرنا المطار المذكور رفقة أخينا وشيخنا وصاحبنا فضيلة الشيخ الدكتور أبي أنس محمد بن موسى آل نصر، وفضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عودة العوايشة التي صحبته زوجه أم عبد الرحمن ـ حفظها الله تعالى ـ وبعض الأخوة الذين قدر الله لقاءهم في المطار ممن هم متوجهون لأداء العمرة، بعد أن اعتنا بنا بمهنية عالية بعض موظفي الملكية الأردنية الفضلاء ممن نعرف ولا نعرف، جزاهم الله خيرا.


وصلنا مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة النبوية فجر يوم الأحد 8/3/1434هـ، حيث وجدنا الأخ أبا عبد الرزاق متولي، والأخ أبا عثمان سلهب ـ جزاهما الله خيراً ـ في استقبالنا، واللذان نقلانا مباشرة في سيارة هاني متولي إلى المسجد النبوي الشريف حيث وصلناه قبيل الإقامة، وصلينا الفجر بتكبيرة الإحرام ولله الحمد والفضل، ولأخينا أبي عبد الرزاق بعد الشكر.


توجهنا إلى الفندق متعبين مرهقين لسهر الليل، وخاصة أن البعض ربما لم ينم طيلة تلك الليلة.


بدأت فعاليات الدورة من صباح ذلك اليوم بمن سبق من إخواننا الأفاضل؛ فضيلة الشيخ علي الحلبي، وفضيلة الشيخ صالح طه.


تأخرت مشاركاتنا إلى ما بعد العصر، بفضيلة الشيخ الدكتور محمد موسى نصر، ثم فضيلة الشيخ الدكتور حسين العوايشة، ثم كانت مشاركتي بعد العشاءِ بِهَوِيٍ، بعد لقاء فضيلة الشيخ صالح طه بأيتام فلسطين وبيت المقدس، وتوجيههم بعد إكرامهم ـ أكرمه الله ـ حيث شاركت بالتقديم لكتاب


«جواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية»


لشيخ الإسلام ابن تيمية، وببعض ما في الجواب الأول على الاعتراض الأول.


دار بخلدي وأنا أنتقل من مكان سكني في المدينة النبوية، عبر شوارعها المنظمة الآمنة الأمينة، إلى موضع انعقاد الدورة رفقة أخي صلاح قعدان، الذي أخبرني أنه كان محروما من دخول المسجد الأقصى على مدى سنوات حتى تجاوز سن الأربعين ـ زاد الله عمره بطاعته ـ في رمضان المنصرم، وهو وأهله لا يبعدون عن المسجد الأقصى المبارك، إلا رمية حجر ـ كما يقال ـ


دار بخلدي وأنا أنظر إلى أشكال الناس وألوانهم، وقد قدموا من كل أصقاع الدنيا وبلادها، اختلفت ألوانهم، وألسنتهم، وجنسياتهم، ولكن جمعهم إيمانهم وإسلامهم يتجولون بكل حرية وأمن وأمان بعد إسلام وإيمان في طيبة الطيبة.. في رعاية ولاة أمر المسلمين من الأمراء والعلماء، يحمونهم، ويعلمونهم، ويتيحون لهم كل وسائل الراحة والرفاهية ليعبدوا الله وحده لا يشركون به.


وليحققوا المتابعة الكاملة لعبده ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ويقيمون الصلاة، ويعمرون مساجد الله على أكمل وجه..


دار بخلدي وأنا انظر إلى المؤمنين الآمنين في طيبة الطيبة يتنقلون على أكف الراحة والطمأنينة.. تنعم وجوههم بالأمن والأمان والإيمان.. فرحين مسرورين.. زرافات ووحدانا.. ينبض قلب المدينة النبوية بهم.. وتنبض قلوبهم بها وبحبها وحب ساكنيها وعلى رأسهم سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.. ساكنيها أحياء وميتين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين..


يتنقلون من المسجد الذي صلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، إلى قبر المصطفى وصاحبيه في الدنيا والآخرة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.. إلى جنة الروضة النبوية الشريفة.. إلى جنة البقيع ومن فيها من المبشرين بالجنة من أمهات المؤمنين وآل البيت الطاهرين المطهري.. إلى جنة الشهداء الأحياء المرزوقين في أحد.. إلى مسجد المحبوبين المتطهرين في قباء..


دار بخلدي كل ذلك وأنا أتلو قول الله تعالى:


{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}


[التوبة: 18]


وأستذكر قول الله في المقابل في يهود والذين أشركوا:


{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}


[التوبة: 17]


مستذكرا قول الله تعالى في المؤمنين:


{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(*)رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ(*)لِيَجْزِيَ� �ُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ(*)}


[النور: 36-38]


وأستذكر وأستبشر بقول الله تعالى:


{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (*)أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(*)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(*) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(*)}


[الحج: 38-41]


وأتلو قول الله تعالى مستذكرا فعال الصهاينة اليهود، ومن قبلهم مِمَّنْ قَهَرَهم من الصليبيين:


{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }


[البقرة: 114]


مستذكرا قول ذلك اليهودي الألماني الذي ذكرته سابقا في رحلة كندا:


«أنتم المسلمون تجمعون الأموال سنتا سنتا، ودولارا دولارا، ويور يورو، لتشتروا المراقص والنوادي والبنوك والكنائس المُفْلِسَةِ وتحولونها إلى مساجد يُعبدُ الله فيها، ونحن في أوروبا وغيرها إذا تمكنا من مساجدكم حولناها العكس مراقص ونوادي وبنوك واصطبلات خيول وغير ذلك».


تذكرت كل ذلك وبحت ببعضه لأخي صلاح ونحن متوجهان إلى مقر الدورة قائلاً:


سبحان الله!! يأتي الناس من كل بقاع الدنيا إلى الحرمين الشريفين ليعبدوا الله بكامل أمنهم وأمانهم، في ظل الإسلام والمسلمين، ويُحْرَمُ أبناء القدس أمثالنا ـ أنا من مواليد بيت لحم، وهو من مواليد رام الله ، وكلاهما من أعمال بيت المقدس على مر التاريخ والأزمان ـ من رؤيتها، والصلاة فيها في ظل الاحتلال الصهيوني الغاشم؟!


أين عدل المسلمين المُمُكنين في الأرض من جَوْرِ أعداء البشرية من يهود وصليبيين ومشركين؟!


الحمد لله على نعمة الإسلام، ونعمة الأمن والإيمان والأمان. قلتها وأنا أدلف إلى القاعة لألتقي بإخواني المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، والذين شدوا رحالهم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام للعمرة، ثم إلى المسجد النبوي الشريف لتلقي علوم القرآن، والسنة، والفقه، والعقيدة، والسلوك.


ولحرصي على وقتي ووقت الشباب ـ الذين ذكروني بِسَمْتِهِمْ وهديهم السُنِيين الصالحَيْنِ، وأعمارهم المباركة إن شاء الله والتي أكثرهم لم يتجاوز سن الأربعين، بمعنى أنهم وُلدوا تحت نير الاحتلال الصهيوني الذي لم يؤثر على دينهم وعقيدتهم، بل نشأ أكثرهم في بيوت الله وعلى طاعته، وأسأل الله لهم دوام التوفيق والسداد، والوفاة على الإيمان والإحسان ـ ذكروني بحديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:


«لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ».


رواه ابن ماجه عن أَبي عِنَبَةَ الْخَوْلاَنِيَّ، وحسنه شيخنا.


أردت أن أبدأ بالدرس مباشرة إلا أن كثيرا منهم غَلَبَنِي بشوقه وَسَلَّمَ وصافح وعانق، وبدأنا بدرسنا على مدى ساعة كاملة لنعود إليه في اليوم التالي.


رجعت إلى مقر سكناي محملا بهموم بيت المقدس الأسير، متسائلا في نفسي:


لماذا لا تكون هذه الدورة الآن في رحاب بيت المقدس ويكون فيها الألوف من شباب بلاد الشام كما هو حال الآلاف من شباب الجزيرة العربية في شقيقتيها في المسجدين الشريفين؟!


ألا يستطيع ولاة أمرنا أن يعملوا على تحرير بيت المقدس من المحتلين؟!


ما الذي ينقصهم لذلك؟!


أليست أموال المسلمين تعجز عن أكلها النيران؟!


أليست بلاد المسلمين من السعة والرحابة بمكان، بحيث تشكل بعدا وعمقا استراتيجيا ذاتيا؟!


أليست موارد بلاد المسلمين متنوعة ومن الكثرة بما تغنيهم عن سواهم، وتحقق لهم الاكتفاء الذاتي؟!


أليست عقول المسلمين وأبدانهم وأموالهم ومواردهم قادرة على صناعة السلاح الذي قد نحتاجه والذي قد يتعلل الكثير منهم حاجتنا الماسة إليه؟!


أليست الشعوب الإسلامية التي قَدَّمَتْ بعد احتلال يهود بيت المقدس إلى الآن مئات الألوف من الضحايا الذين يحلو لكثير من المسلمين تسميتهم شهداء في حروبها الداخلية والأهلية والبينية والإثنية في الأردن، ولبنان، والجزائر، والعراق، والسودان، والصومال، وأفغانستان، واليمن، وليبيا، والشيشان، وأخيرا في سوريا، قادرة على تقديم بعض هذه الألوف لتحرير بيت المقدس؟!


أليست شعوب الثورات مستعدة للثورة على محتل الأرض والمقدسات؟!


ما الذي ينقصنا يا ترى سوى الإيمان؟!


أليس شباب الجزيرة والخليج العربي وسائر بلاد المسلمين تركوا الغالي والنفيس وتوجهوا إلى ديار الجهاد في أفغانستان والبوسنة، والشيشان، وغيرها من البلدان التي شعروا بوجوب نصرة الإسلام فيها، حين دعاهم بعض ولاة أمر المسلمين من أمراء، أو علماء لذلك؟!


فهل سيعجز هؤلاء الشباب أو يُقَصِّر في التوجه إلى بيت المقدس لتحريره إن دعا داعي الجهاد من أحد ولاة أمر المسلمين لذلك؟!


أليست دولة الاحتلال الصهيوني محاطة بالمسلمين من جهاتها الثلاث، وبمقدور هذه الدول مجتمعة ـ إن أرادت ـ أن تغير واقع هذا الاحتلال؟!


هل الذهاب إلى مختلف أصقاع الأرض للجهاد أولى من التوجه إلى فلسطين؟!


هل فتح جبهة مالي والنيجر والجزائر في هذا الوقت بعد أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها إلا إمعاناً من الغرب في إبعاد المجاهدين ـ زعموا!! ـ عن دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين؟!


ولكن تذكرت قول الله تعالى:


{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}


[الرعد :11]


أويت إلى فراشي بعد هذا اليوم الطويل المُجْهِدِ على أمل أن أقوم قبيل الفجر، وكذلك كان.


وإلى أن نلتقيكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.


«نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه».


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.