المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : و بشر الصابرين (2)



أهــل الحـديث
28-03-2013, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الصبر فى القرآن

لقد ورد الحديث عن الصبر في القرآن الكريم علي أوجه شتي , حصرها ابن القيم في ستة عشر نوعا , أتناولها بعون الله وتوفيقه بالشرح والتوضيح .يقول الإمام :

الأول:- الأمر به (أي الأمر بالصبر) نحو قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) البقرة 153

المؤمن الصادق مع نفسه ومع الله يتلو القرآن وكأن الله جل وعلا يخاطبه هو بهذه الأوامر والنواهي ,هكذا كان منهج الصحابة رضوان الله عليهم في تلقيهم للأوامر القرآنية ,فلذلك تأثروا بالقرآن , خلافا لما نحن عليه من إقامة حروفه وإضاعة حدوده.
المؤمن الصادق يتلو هذا القرآن تلاوة موقن أن الله تعالي لم يأمره بأمر من فريضة أو غيرها إلا وفيه الخير العميم للإنسان نفسه ,ولم ينهه عن أمر إلا لما فيه من ضرر.
نري هذا المؤمن يستعذب الصبر علي ما فيه من مرارة ومشقة إرضاءاً لمن خلقه وسواه ,وأنشأه ورباه ,وأطعمه وسقاه من غير حول منه ولا قوة ؛لأنه سبحانه مستحق لكل محبة و تمجيدٍ وتعظيم.
أحبك لا تسألني لماذا لأنني أحبك هذا الحب رأيي ومذهبى
فهو لحبه لمولاه يحب ما أحب مولاه ويبغض ما أبغضه مولاه .
فيا ساكني أكناف طيبة كلكم إلي القلب من أجل الحبيب حبيب

يعلم علم اليقين أن الصبر خير محض (خالص) وأنه سبيل كل عزة وتمكين .

قال ميمون بن مهران: ما نال رجل من جسيم الخير (أي الخير العظيم ) نبي ولا غيره إلا بالصبر.
يقول الإمام الشافعي عن صبره في طلب العلم وهو صغير : ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة (الفقر)ولقد كنت أطلب ثمن القراطيس فتعسر علي.

الثاني:-
وأما الوجه الثاني الذي به الصبر في القرآن فهو النهي عن ضده (أي النهي عن الجزع واستعجال الفرج) كقوله تعالي ﴿ فَاصْبِرْ (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) كَمَا (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) صَبَرَ (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) أُولُو (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) الْعَزْمِ (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) مِنَ (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) الرُّسُلِ (http://www.libyanyouths.com/vb/t61764.html) ُ﴾ ( سورة الاحقاف الآية :35)
ويقول صلي الله عليه وسلم (إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ) صحيح: السلسلة الصحيحة -146.
من شيم الصالحين التمسك بالصبر الجميل الذي لا تزعزعه تقلبات الدهر ولا حوادث الزمان ,وهذا هو الصبر الجميل الذي ذكر في القرآن .
قال الإمام ابن تيمية :الصبر الجميل هو الذي لا شكوي فيه ولا معه ،والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذي معه.
إذا كنا علي يقين أن ما قضاه الله كائن فلنقبل هذا القضاء بالصبر الجميل دون ضجر أو شكوى.
يقول سيدنا علي للأشعث بن قيس:إنك إن صبرت جري عليك القلم وأنت مأجور وإن جزعت جري عليك القلم وأنت موزور.
عجباً لنا يمنحنا ربنا النعم والهبات بلا قيد ولا حساب ، فإذا سلبنا نعمة واحدة نريد أن نحاسبه علي ما سلبنا بالجزع والسخط ،وعدم الرضا بقضائه.
يقول الفضيل: لا يجزع من المصيبة إلا من اتهم ربه.
وصدق في قوله فكأني بهذا العبد الذي يسخط لنزول البلاء يتهم ربه وخلقه بالجور في حكمه ,وحاشاه سبحانه أن يجور.
اعلم أنه لم يمنعك هذه النعمة إلا لحكمة ولا ابتلاك بهذه النعمة إلا لحكمة , فربما كان عطاؤه لك من النعم حرمانا وربما كان حرمانه لك عطاءاً يدخر لك أجره وذخره عنده.
فاطرح الجزع والسخط وتمسك بالصبر وإن كان مرا ًفالعاقبة عند الله {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر 10].
الصبر مثل اسمه مرٌ مذاقته لكن عواقبه أحلي من العسل
ثم يقول رحمه الله :
الثالث: الثناء علي أهله " أي أنه سبحانه قد امتدح أهل الصبر " كقوله تعالي (( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) وهو كثير في القرآن
الرابع : إيجابه سبحانه محبته لهم كقوله (( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))
الخامس : إيجاب معيته لهم وهي معية خاصة تتضمن حفظهم ونصرهم وتأييدهم ليست معية عامة وهي معية العلم والإحاطة ,كقوله تعالي(( واصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))
لقد أثني ربنا جل وعلا علي أهل الصبر ,وامتدح سبحانه مسلكهم ومسعاهم ,وكيف لا والصبر طريق النبيين ودرب المثابرين أصحاب الرسالات الطامحين إلي تبليغها دعوة الخير مستعذبين المشقة والعنت في سبيلها.
لولا المشقة لساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتّال

فهؤلاء الصابرون الأفذاذ استحقوا الثناء الجميل لأنهم صبروا عن المعاصي أولاً فحرموا النفوس مما تشتهيه من المحرمات ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))

تفني اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقي الإثم والعار
تبقي عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها نار

وصبروا ثانيا بثباتهم علي طاعة ربهم، مهما تكن المشقات والعقبات ولولا تثبيت الله لرسوله- صلي الله عليه وسلم - علي الطاعة ما بلغنا هذا الدين ، وما آتت هذه الرسالة أكلها ، حتى نراه يصلي من الليل حتى تتورم قدماه ؛مع أن الله تعالي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
لولا هذا التثبيت ما رأينا تلك الصور الخالدة لشباب الإسلام رهبان بالليل وفرسان بالنهار من أصحاب محمد وتابعيهم إلي قيام الساعة
فلئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج
وإن كنوز الغيب تخفي طلائعا صابرة رغم المكائد تخرج
يقول التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني : أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا ؟كلا والله لنزاحمنهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا.
نعم تلك التربية الربانية علي الصبر علي الطاعات ، وترك الشواغل والمبادرة إلي الفرائض، مهما تكن الظروف هي التي انتشلت هذه الأمة من حمأة الجاهلية ،وجفاء الطبع إلي ذروة المجد والشرف، والذي تمثل في اعتزازهم بهذا الدين بديلا عن الاعتزز بالقبلية والعصبية الجاهلية.

عندما فتح عمر- رضى الله عنه- بيت المقدس وأتي يتسلم مفاتحه رأي جيش المسلمين العظيم، له أربعة من القادة تحت إمرة أبي عبيدة, فكاد الغرور يتسرب إلي نفسه فقال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله.
وهذا الصبر علي طاعة ربهم قد أرغم أنوف أعدائهم وأثار حفيظتهم فهذا القائد الفارسي رستم عندما رأي المسلمين يصطفون مبادرين إلي الصلاة قال : أكل عمر كبدي يعلم الكلاب الآداب .
وناهيك بأهل الصبر فخراً وعزة أن الله تعالي معهم يكلؤهم ويرعاهم، وإذا كان الله معهم فمن عليهم، لن يخذلوا أبداً أو يخيب مسعاهم.
يقول الدقّاق: فاز الصابون بعز الدارين؛ لأنهم نالوا من الله معيته فإن الله مع الصابرين .
فكيف يستوي من جاهد نفسه لله ومن تركها لأهوائها ونزواتها
فيا وصل الحبيب أما إليه بغير مشقة أبداً طريق

يقول الجوزي مصوراً مشقة الصبر عن الهوى، وأنه كالكي بالنار :لقيت راهباً ضعيفاً فقلت له :أنت عليل
قال:نعم
فقلت :منذ كم ؟
قال : منذ عرفت نفسي
فقلت :تداو.
قال أعياني الدواء "أي أتعبني البحث عن دواء لنفسي"ولكن عزمت علي الكي .
قلت: وما الكي؟
قال: مخالفة الهوى.
فهاتان صورتان للصبر استحق أصحابهما الثناء من الله تعالي :الصبر عن المحرمات، والصبر علي الطاعات ،والصورة الثالثة هي صبر أصحاب الدعوات و أتباعهم علي تحمل المشقات في سبيل تبليغها ,فلو عرف القنوط سبيلاً إلي قلب النبي الكريم لحظة ما تم أمر هذا الدين , بل نراه حتى في أقسي لحظات الضيق والمشقة حينما آذاه أهل الطائف، وأغرواْ سفهاءهم فرموه بالحجارة طريداً شريداً، جاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين إن شاء ،
فقال نبي الرحمة الذي جاء ليعتق الرقاب من النار (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا) رواه البخاري ومسلم
و إذا رحمت فأنت أم و أب هذان فى الدنيا هما الرحماء