المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا طول الأمل؟!



أهــل الحـديث
28-03-2013, 08:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله) ، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها


لماذا طول الأمل ؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من الأمراض التي إذا تمكنت من القلب أفسدته، ومن المرء أهلكته، داء يجعل من أصابه يعيش في عالم الخيال و الأوهام، داء من أبتلي به ساء العمل ألا وهو طول الأمل
قال الإمام الحسن البصري –رحمه الله- : "ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل".قصر الأمل لابن أبي الدنيا ( ص 82)
إن هذا الداء العضال و المرض القتال يجعل صاحبه شديد الحرص على الدنيا، معرضا عن الآخرة، فلهذا أعيا العلماء الأطباء وحير الحكماء ، يقول الإمام القرطبي –رحمه الله- :" داء عضال ومرض مزمن ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ولم يفارقه داء ولا نجح فيه دواء بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء ".تفسير القرطبي (10/ 3)
لقد خدع هذا الداء الكفار وجر عليهم الحسرة و الندم بعد موتهم ،بعد أن جعلهم يظنون أنهم لن يفارقوا هذه الدنيا الفانية والحياة الزائلة،فألهاهم عن عبادة الله جل وعلا وتوحيده ومنعهم من اتباع رسله عليهم الصلاة و السلام،قال تعالى : (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)[ الحجر :3]
قال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله- :"هدد الله تعالى الكفار في هذه الآية الكريمة بأمره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتركهم يأكلون ويتمتعون، فسوف يعلمون حقيقة ما يؤول إليه الأمر من شدة تعذيبهم و إهانتهم".أضواء البيان (2/253)
أيها الأفاضل إن طول الأمل جر كثير من الناس -إلا من رحم الله- إلى التسويف والتأخير و إلى ارتكاب المحرمات و الابتعاد عن الطاعات بزخرفة شيطانية ألا وهي غدا أعمل! غدا أصلي! غدا أحج!غدا أعمل الطاعات!
وكان أحرى بهم لما طال عمرهم و اقترب أجلهم نقص أملهم، وأن لا يغتروا بزخرف الدنيا الكاذب ويتذكروا وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم لابن عمر –رضي الله عنهما - :(كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ )
قال ابن عمر –رضي الله عنهما - :"إذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ مِنْ صِحَّتِكَ لمرضك، ومن حياتك لموتك". رواه البخاري ( 6053)
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله- :" وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيء جهازه للرحيل ".جامع العلوم والحكم (ص 379)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" يعني: كن كالغريب الذي يداخل الناس ولا يهتم بالناس، ولا يعرف بين الناس، أو كأنك عابر سبيل تريد أن تأخذ ما تحتاجه في سفرك وأنت ماش.
وهذا التمثيل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو الواقع؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا مسافر، فالدنيا ليست دار مقر؛ بل هي دار ممر، سريعٌ راكبه لا يفتر ليلاً ولا نهاراً، فالمسافر ربما ينزل منزلاً فيستريح، ولكن مسافر الدنيا لا ينزل، هو دائماً في سفر، كل لحظة فإنك تقطع بها شوطاً من هذه الدنيا لتقرب من الآخرة.
فما ظنكم بسفر لا يفتأ صاحبه يمشي ويسير. أليس ينتهي بسرعة؟
الجواب: بلى، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعات: 46) .
وينبغي للإنسان أن يقيس ما يستقبل من عمره بما مضي، فالذي مضى كأنه لا شيء، حتى أمسك الأدنى، كأنك لم تمر به، أو كأنه حلم، وكذلك فما يستقبل من دنياك، فهو كالذي تقدم، ولهذا لا ينبغي الركون إلى الدنيا ولا الرضا بها؛ وكأن الإنسان مخلد فيها.
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنه يقول: ((إذا أصبحت فلا تنتظر المساء)) فإنك قد تموت قبل أن تمسي. ((وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح)) فإنك قد تموت قبل أن تصبح، ولكن انتهز الفرصة، لا تؤخر العمل، لا تركن إلى الدنيا فتؤمل البقاء مع أنك لا تدري." وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" انتهز الصحة، انتهز الحياة، فإنك قد تمرض فتعجز، وقد تفتقر فتعجز، وقد تموت فينقطع عملك". شرح رياض الصالحين (3/371)
أيها الكرام قد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستصاب بهذا الداء فحذرهم منه وأخيرهم أنه سيهلكهم إذا استولى عليهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل". رواه الإمام أحمد الزهد (ص 10) وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله – في صحيح الجامع (3845) من حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-.
و حذرنا أيضا سلفنا الصالح ( رحمهم الله) منه ، لأنهم يعلمون أنه يُعلق صاحبه بالدنيا الفانية و يشغله عن الآخرة الباقية خطورته وشدة صرفه عن الآخرة ، فقال علي-رضي الله عنه- :"ارتحلتِ الدنيا مُدْبِرَة، وارتحلتِ الآخرةُ مُقْبِلَة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنَّ اليومَ عَمَلٌ ولا حساب، وَغَدًا حسابٌ ولا عَمَلٌ ". رواه البخاري (6416)
وقال أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه- :"لا يطولنَّ عليكم الأمد،فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم". رواه مسلم (1050)
وقال الفضيل بن عياض : "إن من الشقاء طول الأمل ، وإن من النعيم قصر الأمل .قصر الأمل لابن أبي الدنيا "(ص 76)
وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل".حادي الأرواح (ص 48)
أيها الأحبة إن مما يعيننا بإذن الله على علاج هذا الداء العضال و المرض القتال تذكر الموت وسكرته و القبر وضمته و العلم بأن الدنيا مهما عظمت فهي حقيرة ومهما طالت فهي قصيرة،إن الموت لا يخشى أحدا و لا يُبقي على أحد، ولا يُفرق بين أحد،لا يعرف صديقا، ولا يميز بين كبير ولا صغير، ولا صحيح ولا سقيم،فكلهم لكأسه شارب ولو طال بهم المدى وعمَّروا سنينا.
فلا محيص عن الموت ولا مفر لنا منه، يُلاحقنا في أي مكان كنا، في البر أو البحر أو الجو ولو تحصَّنا منه وبذلنا الجهد في ذلك،قال جل وعلا:(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنت في بروج مشيدة)[ النساء: 78]
قال الإمام الطبري-رحمه الله-:" فإن الموت بإزائكم أين كنتم وواصل إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة ". تفسير الطبري (5/ 172)
فلا مرد للموت الواقع من دافع،ولا ينفع في تأخيره شافع،يحاول الإنسان أن يبتعد عنه ويهرب منه، لكنه ملاقيه لا محالة،قال سبحانه: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم )[الجمعة :8].
أيها الأفاضل عندما تركنا ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات تعلقنا بشهوات هذه الدنيا الفانية وفرِحنا بزخرفها، فلم نستعد للموت لاغترارنا بصحتنا وفَرِحنا بشبابنا،والله المستعان.
قال ابن الجوزي-رحمه الله-:" يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً،ولا يغترر بالشباب والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشبان". صيد الخاطر (ص 63).
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يعيذنا وإياكم من طول الأمل والاغترار بزخرف الدنيا، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي