المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التبيان في أن التأشيرة عقد أمان



أهــل الحـديث
28-03-2013, 07:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وتابعيه بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد ,,,


قال تعالى "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" (الإسراء: 34)

وقال تعالى "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ" (الأنفال: 58)

إن مسألة التأشيرة هل تعتبر عقد أمان بين الدولة المانحة و بين الشخص الحاصل عليها إذا دخل بها إلى تلك الدولة أو لا مسألة كانت ومازالت مثار جدل خصوصا في أوساط المجاهدين

والحقيقة فإن أهمية تبيان هذار الأمر قد برزت بعد أن زلت فيه أقدام بفتاوى جانبها الصواب ممن نحسبهم على خير و نحتسبهم من العلماء العاملين الصادقين المجاهدين كما نحسبهم و الله تعالى حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا.

لكن مكانتهم عندنا لا تمنع أن نختلف معهم جزئيا في بعض المسائل إذا ظهر الحق و ترجح الدليل بخلاف ما قالوا لأننا أتباع منهج هو منهج الكتاب والسنة ولسنا أتباع أشخاص أو تنظيمات بعينها.

عقد الأمان:
1- تعريفه:
الأمان لغة: ضد الخوف.
واصطلاحاً: هو عبارة عن تأمين الكافر على ماله ودمه مدة محدودة.
2- مشروعيته وأدلة ذلك:
الأصل في مشروعية عقد الأمان قوله تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ" (التوبة: 6).
3- ممن يصح وشروطه: يصح عقد الأمان من كل أحد من المسلمين، بشرط أن يكون:
- عاقلاً بالغاً: فلا يصح من المجنون والطفل.
- مختاراً: فلا يصحُّ من المكره، ولا السكران، ولا المغمى عليه.
فيصح من المرأة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ». ويصح من العبد؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم».
ويكون الأمان عاماً: من الإمام لجميع المشركين، أو من الأمير لأهل بلده، وخاصاً: من آحاد الرعية المسلمين لواحد أو جماعة من الكفار.

ويقع الأمان بكل ما يدل عليه من قول مثل: (أنت آمن)، أو: (أجرتك)، أو (لا بأس عليك)، أو إشارة مفهمة أو ما دل عليه العرف بأن فيه أمان أو شبهة أمان. فالعرف له اعتبار شرعا ويجب مراعاة العرف فيما لا يخالف نصا من الكتاب والسنة
قال تعالى "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"

فعقد الأمان إذن يحصل بصورة من اثنتين

الأولى: تتمثل في التعبير اللفظي أو المكتوب

الثانية: تكون على شكل عقد ضمني عرفي متعارف عليه بين الناس على أنه عقد أمان. وهذه الصورة هي التي تدخل تحتها "التأشيرة" أو "الفيزا"

يقول الشيخ أبي بصير الطرطوسي:
"هذه الفيزة أو التأشيرة في حقيقتها هي عقد أمان متبادل بين الطرفين، بين المانح للفيزة والتأشيرة وبين طالبها، وإن لم يحصل بينهما تقرير لفظي على عقد الأمان ... بدليل أن صاحب التأشيرة يُمنح كامل ومطلق الأمان والحماية من قبل الدولة المانحة للتأشيرة، لمجرد كونه يحمل الإذن ـ الذي هو بمثابة عقد أمان ـ بالدخول، بخلاف لو أنه جاءهم بغير تأشيرة دخول فإنه لا يحظى بشيء مما حظي به في حالته الأولى، كما أنه لا يستطيع أن يطالبهم بحقوق الدخول والحماية والأمن كما لو كان يحمل الإذن والتأشيرة في الدخول.
ولو نظرنا في المقابل إلى صاحب التأشيرة وطالبها لوجدنا أنه ـ إما بلسان القال أو بلسان الكتابة والحال ـ قد أعرب للجهة المانحة للتأشيرة عن غرضه من سفره إلى بلادهم؛ فهو إما طالب يقصد الدراسة، وإما لزيارة صديق أو رحم، وإما لغرض العلاج، وإما لغرض العمل والتجارة .. وهذه كلها تلميحات بل وتصريحات تفيد الأمان، وأنه لم يقصدهم لشرٍّ أو سوء، وإنما لأمر من الأمور السلمية الآنفة الذكر .. وعلى هذا الأساس فهم يعطونه التأشيرة والإذن في السفر إلى بلادهم.
وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان من العقلاء" انتهى كلامه

فالتأشيرة هي "إذن بدخول البلاد مقرونا باحترام دم و مال الشخص المأذون له بالدخول وفق نظام الدولة المانحة للتأشيرة"

نعم هي ليست عهدا مكتوبا بالحصانة المطلقة تتعهد فيه الدولة بعدم التعرض للشخص مهما ارتكب من مخالفات (حسب قوانينهم) , ويكاد لا يعرف عقد أمان ينص على مثل هذا

فالشخص معرض لأن يتم استجوابه و حبسه إذا ارتكب ما يعاقب عليه قانون الدولة.
مثلما هو الحال أيضا في عقد الأمان الذي يعطيه المسلمون للكافر الداخل إلى بلادهم فهو مقيض بعدم إيذاءه للمسلمين أو ارتكاب ما يستوجب قتله في شريعة الاسلام فإن ارتكب مثل ذلك انتقض العهد و أحل ماله ودمه.

وعقد الأمان كما سلف لا يشترط أن يكون صريحا لفظا أو كتابة ولا يشترط أن تكون له صيغة محددة
بل كل ما عرف اصطلاحا أو عرفا أو بداهة أنه فيه أمان أو حتى شبهة أمان كان عقد أمان ملزما

وهذه نقولات عن بعض أهل العلم في المسألة:
يقول ابن قدامة في المغني:
مسألة ; قال : من دخل إلى أرض العدو بأمان ، لم يخنهم في مالهم ، ولم يعاملهم بالربا أما تحريم الربا في دار الحرب ، فقد ذكرناه في الربا ، مع أن قول الله تعالى : { وحرم الربا } وسائر الآيات والأخبار الدالة على تحريم الربا عامة تتناول الربا في كل مكان وزمان .

وأما خيانتهم ، فمحرمة ; لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم ، وأمنه إياهم من نفسه ، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ ، فهو معلوم في المعنى ، ولذلك من جاءنا منهم بأمان ، فخاننا ، كان ناقضا لعهده . فإذا ثبت هذا ، لم تحل له خيانتهم ، لأنه غدر ، ولا يصلح في ديننا الغدر ، وقد قال النبي { صلى الله عليه وسلم : المسلمون عند شروطهم } . فإن خانهم ، أو سرق منهم ، أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه ، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان ، رده عليهم ، وإلا بعث به إليهم ; لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه ، فلزمه رد ما أخذ ، كما لو أخذه من مال مسلم .
( المغني لابن قدامة - كتاب الجهاد - الجزء التاسع - مسألة دخل إلى أرض العدو بأمان )

وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم:
"فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك"
( الأم للشافعي - الجزء الرابع - مسائل في الجهاد والجزية - الأسارى والغلول)

وقال السرخسي في شرح السير الكبير:
"ولو أن رهطا من المسلمين أتوا أول مسالح أهل الحرب فقالوا : نحن رسل الخليفة. وأخرجوا كتابا يشبه كتاب الخليفة ، أو لم يخرجوا ، وكان ذلك خديعة منهم للمشركين . فقالوا لهم : ادخلوا . فدخلوا دار الحرب . فليس يحل لهم قتل أحد من أهل الحرب ، ولا أخذ شيء من أموالهم ما داموا في دارهم. لأن ما أظهروه لو كان حقا كانوا في أمان من أهل الحرب ، وأهل الحرب في أمان منهم أيضا لا يحل لهم أن يتعرضوا لهم بشيء ، هو الحكم في الرسل إذا دخلوا إليهم كما بينا . فكذلك إذا أظهروا ذلك من أنفسهم . لأنه لا طريق لهم إلى الوقوف على ما في باطن الداخلين حقيقة ، وإنما يبنى الحكم على ما يظهرون لوجوب التحرز عن الغدر ، وهذا لما بينا أن أمر الأمان شديد والقليل منه يكفي"
( شرح السير الكبير - الجزء الثاني - باب ما يكون أمانا ممن يدخل دار الحرب والأسرى وما لا يكون أمانا)

قال ابن الهمام في شرح فتح القدير :
"وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ودمائهم ؛ لأنه بالاستئمان ضمن لهم أن لا يتعرض لهم فإخلافه غدر والغدر حرام بالإجماع. وفي سنن أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان) وتقدم قوله : عليه الصلاة والسلام لأمراء الجيوش والسرايا (لا تغلوا ولا تغدروا) في وصيته لهم".
( فتح القدير - كتاب السير - الجزء السادس - باب المستأمن)

فانظروا رحمكم الله احتراز العلماء في هذه المسألة احترازا شديدا حتى للمسلم الذي دخل بحيلة انطلت عليهم كالذي ادعى أنه رسول الخليفة

ولا تُلغى هذه القاعدة لاحتمال حدوث غدر منهم كما حصل في بعض حالات عين من قبض على بعض المسافرين في المطار لأن الغدر من طباع كثير من الكفار فليس مجرد احتمال الغدر منهم يجيز لنا الغدر بهم بل لا يجوز نقض العهد من جانبنا إلا أن ينقضوه هم فعليا أولا

ولنضرب مثال مبسط على ذلك تضح منه الصورة

الذي يقول أن التأشيرة ليست عقد أمان لأنها مجرد إذن بدخول البلاد وليس فيها ضمان بعدم الاعتداء على دمه أو ماله
نسأله:
إذا دعاك شخص من دولة كافرة محاربة مثل أمريكا أن تدخل بيته هل يجوز لك قتله ووأنت في بيته بعدما سمح لك بالدخول

بالتأكيد ستكون الإجابة بلا

نقول له أنت اعتبرت أنك مستأمن من جانبه و بالتالي هو مستأمن من جانبك لمجرد إذنه لك بالدخول رغم أنه لم يكتب لك نصا صريحا بأنه أمنك في مالك ودمك و رغم أنه قد يغدر بك ويقتلك فقد يكون يهودي واليهود الغدر من طبعهم فالذي تقوله في هذا قله في التأشيرة

فإما أن تقبل ببنود العقد و مقتضياته و تؤمنهم طوال فترة تواجدك في بلادهم حتى تخرج إلا أن ينقضوه هم وإما إن خفت فلا تتقدم للحصول على تأشيرة أصلا وادخل البلاد إن استطعت بطريقتك أنت بغير علمهم ولا موافقتهم

و الله سبحانه وتعالى أعلم