المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى أمي



أهــل الحـديث
27-03-2013, 09:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إلى أمي
( لعله أن يكون بطلقة واحدة )
بقلم : عماد بن حسن المصري
أخرج البخاري في الادب المفرد برقم (..11 - حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا سعيد بن أبى بردة قال سمعت أبى يحدث : أنه شهد بن عمر رجلا يمانيا يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر ثم قال يا بن عمر أترانى جزيتها قال لا ولا بزفرة واحدة ثم طاف بن عمر فأتى المقام فصلى ركعتين ثم قال يا بن أبى موسى إن كل ركعتين تكفران ما أمامهما.. الحديث .
نعم يا أمي : هكذا كان الجزاء لك من رسولنا الأعظم وحبيبنا الأفخم ، الذي أنزلك – بعد تنزيل الله لك – منزلة لم يصلها أحد من العالمين ( سوى الأنبياء عليهم السلام ) فجعل مجرد طلقة في ألم المخاض ساوت حملك مسيرة فرسخين - والفرسخان ثلاثة كيلومتر - سيراً على الأقدام في زمانهم المقاس بالحنان والحب والعطف والطيبة لا زماننا الذي يقاس بالعقوق والمهانة والأف والضرب ودور المسنين .
فكم من الفراسخ سنسير بك يا أغلى الناس حتى نوفيك قدرك ؟ أخرج البخاري في صحيحه ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ ( وفي رواية ابن حبان ( 433 ) بحسن الصحبة ) قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . الحديث .وهذا الرجل الذي جاء يسأل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو معاوية بن حيدة رضي الله عنه . ويعلق على هذا الحديث أحد الشراح فيقول : أولى الناس بمعروفي وبري ومصاحبتي المقرونة بلين الجانب وطيب الخلق وحسن المعاشرة ( هي أنت ) .

عود على بدء :
آه يا أمي أأعتذر إليك أم منك ؟ كيف السبيل إلى إزالة هذا العقوق من نفوس أولادك ؟ كيف السبيل يا أمي ونحن نسمي أنفسنا مسلمين ونصلي في المقدمة في الصف الأول ونحمل كل هذا العقوق ؟ كيف نسجد لله مطيعين ملبين له داخل المسجد ونعلن الحرب عليه – جل في علاه – خارج المسجد ؟ كيف السبيل يا أمي لإفهام أخي الأكبر العاق لك بكل معاني العقوق أن أمه أولى من زوجه وبنيه والناس أجمعين ؟
ألسنا نتلوا ونسمع قوله تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا الإسراء: 23 – 24 فهل قرن الله عز وجل الإحسان للوالدين مع عبادته إلى لأمر جلل ؟ فكلمة قضى في الآية الأولى بمعنى أوجب وأمر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وبعضهم قال : كمجاهد أوصى ربك ، فهذه الكلمات الثلاثة جاءت بمعنى واحد وهو الواجب الشرعي المحتم على الأبناء بالرفق واللين والمحبة والشفقة والإنفاق على الوالدين . وفي الآية الثانية ( لا تقل لهم أف ) المنع من إظهار الضجر القليل والكثير ، ( ولا تنهرهما ) معناه المنع من إظهار المخالفة في القول والعمل على سبيل الرد عليهما والتكذيب لهما .
نعم يا أمي ويا أبي : هذا جزء من تلك المنزلة الرفيعة التي أنزلها الله إياكم ونحن أنزلناكم منها إلى جحيم العقوق والمهانة ودور العجزة ، بخلنا عليكم بالقليل والكثير حتى الابتسامة في وجوهكم أصبحت صفراء باهتة كضحكة المنافقين .
ماذا أقول يا والدي غداً لربي يوم ألقاه وسيسألني لماذا قدمت ابني وزوجي عليكما ؟ بل كيف سأقابل أبا القاسم عليه السلام فيسألني ألم تسمع حديثي ؟ ألم أحذرك من إثم القطيعة ؟ فماذا أنا فاعل حينئذ ، فكيف لو رأى أبي وأمي وهما يتعرضان لأبشع صور العقوق من الابن الأكبر المتمادي في غيه وعقوقه ؟
الأم في السبعين من عمرها تتكأ على باكورة السنوات الباقية من عمرها يلف جسدها أمراض العصر ، كالسكري وآلام القدمين والخدر في الأطراف وسقوط الأسنان . ولا زالت تعمل وتكد تطعم ولداً وابنه الصغير ماتت أمه في ريعان شبابها ، فماذا صنع الابن الأكبر مليء المال صاحب البيت الكبير والذي اشترى لابنه سيارة بعشرة آلاف دينار ، والذي سارت إليه عدوى العقوق من أبيه وأمه . لا شيء ، بل إنه لا يفتح جواله للاتصال بأمه وأبيه طوال شهر أو شهرين ، يرتفع السكر عند الأم فترقد مريضة متأوهة متألمة لا تجد من يعينها في آخر عمرها حتى على شراء حبة من دواء .
الأب وقد بلغ الخامسة والسبعين لا يملك قرشاً ينفق به على نفسه ، يعمل وهو في هذه السن التي ضيعها وهو يربي أفعى كبيرة في بيته ( اسمها الابن الأكبر ) مع وجود أمراض السكر وغيرها في جسده ، لكنه يكابر على الألم مكابرة الشريف الذي لا يقبل المنة ولا يستكين للمهانة ، ليكسب قوت يومه يحمل عكازته التي هي مقوده في نزوله السوق ومصعده إلى بيته يأتي بالقليل رغم الديون المتراكمة عليه ، ولسان حاله يقول : أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل !!
هل كان الأب والأم أحمقين ربيا أفاع في بيوتهم ؟ فلما تدفأت الأفاعي لدغة من رباها ، لا والله لم يكونا أحمقين بل كانا رحيمين ودودين عطوفين ولكن كان النكران للجميل صفة هذا الولد الأكبر العاق الظالم الغاشم .
ماذا أعتذر غداً ( ولات حين مناص ) وممن أعتذر أمن أويس القرني ذلك العملاق البار بأمه ، أم من أبي هريرة البار بأمه الرؤوف بها القائم على رأسها حتى ماتت .
يا أمي صدق محمود درويش لما حن لقهوتك وخبزك فهل حن شقيقي الأكبر لحليبك الذي سفحه من أجل عيون زوجته وأولاده .
روى الطحاوي رحمه الله في شرح الآثار أن رجلاً سأل ابن عمر رضي الله عنه فقال : يا أبا عبد الرحمن لقد حملت أمي على عنقي من المدينة إلى مكة للحج أتراني وفيتها حقها ؟ فقال ابن عمر : ولا بطلقة واحدة ، إنها كانت تحملك وتدعوا الله لك بطول العمر وأنت تحملها وتدعوا الله أن يأخذها . صدقت والله يا أبا عبد الرحمن ، فكم من ابن عاق يدعوا الله أن يأخذ والديه ليريح زوجه وأولاده من شخصين بهما يدخله الله الجنة .
وصدق أبو العلاء المعري إذ يقول :
العَيْشُ مَاضٍ فَأَكْرِمْ وَالِدَيْكَ بِـهِ والأُمُّ أَوْلَى بِإِكْـرَامٍ وَإِحْسَـانِ
وَحَسْبُهَا الحَمْلُ وَالإِرْضَاعُ تُدْمِنُهُ أَمْرَانِ بِالفَضْلِ نَالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ

فإلى الله المشتكي من عقوق أخي الأكبر