المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نشأة علم التحقيق التاريخية و منهج الدكتور حاتم الضامن (رحمه الله) الأمثل في تحقيق المخطوطات



أهــل الحـديث
27-03-2013, 03:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


نشأة علم التحقيق التاريخية و منهج الدكتور حاتم الضامن (رحمه الله) الأمثل في تحقيق المخطوطات .
إعداد : أ.م.د طه عفان الحمداني ــ كلية التربية للبنات ـــ الجامعة العراقية ـ بغداد
كلمة ألقيت في حفل تأبين الأستاذ الدكتور حاتم الضامن الذي أقامه المنتدى العلمي والثقافي في الفلوجة 2/3/2013م


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
نجتمعُ اليوم في هذا المكان لتابين رائِدٍ من رواد الحركة الفكرية في العراق وعملاقٍ من عمالقة اللغة والأدب وعمودٍ من أعمدة التحقيق والتأليف ؛ لبيان دوره الكبير في هذا المجال ومدرسته التي ينتمي إليها ومنهجه الأمثل في التحقيق دون أن أخوض في التفاصيل عن سيرته الذاتية والعلمية المشرفة التي سيتناولها أخي وزميلي فضيلة الأستاذ المساعد الدكتور يوسف العيساوي كونه من أهل الصنعة لهذا الفن وممن تتلمذ على يد أستاذنا الفاضل الفقيد حاتم الضامن رحمه الله.
وللحديث عن علم التحقيق لابد لنا من ذكر بعض المسائل التي تتعلق بالنشأة التاريخية لهذا العلم وذكر مدارسه ورواده .
تعدُّ المخطوطاتُ الإسلاميةُ الإرث العظيم الذي خلَّفه السلف الصالح لنا وهي تقدر بحدود عشرة ملايين مخطوط بمكرراتها موزعة في بقاع الارض وعواصم الدول وهذا العدد الهائل يدل على عظمة الحضارة الاسلامية ومدى اهتمامها بالعلم الذي كان مشعلاً للحضارة في العالم لعدة قرون عديدة وأوربة آنذاك كانت تغرق في ظلمات الجهل والفساد.
تعرض تراثنا الفكري العظيم للأسف لسرقات عديدة من قبل أعداء الامة الاسلامية من خلال الاجتياحات والحروب والكوارث المدمرة ولا يغيب عن اذهانها ما فعله التتار والصليبين وغيرهم في بغداد والشام ومصر وغيرها من البلدان، عندما احرقوا مئات الآلاف من المخطوطات ناهيك عن سرقة مثلها وهي موزعة اليوم في لندن وباريس وألمانيا وروسيا وأروبا والفاتيكان وغيرها .
ومعظم المخطوطات التي سرقت تدور حول علوم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وسائر العلوم الطبيعية علاوة على كتب العلوم الشرعية، وقد استفاد الغرب من هذه المخطوطات كثيراً بعد ان درسوها وأسسوا عليها حضارتهم وقد أظهرت الكثير من الدراسات الحديثة مدى استفادة هذه الدول من إرثنا العظيم نجد مثلاَ ان 85% من القانون الفرنسي مأخوذ من مذهب الامام مالك بن أنس (رضي الله عنه ) المتوفى عام 179 هـ ،وكذلك التطور التكنولوجي لدى الغرب مأخوذ مما أبدعه علماؤنا الأجلاء.
وكان لعلماء الحديث النبوي الشريف السبق والفضل في وضع قواعد هذا الفن لتحقيق الرواية والوصول بتلك النصوص الى الدرجة القصوى من الصحة في تحقيقها ، ولم تنشأ الحاجة الى هذا العلم عند العرب إلاّ عندما قلَّ الاعتماد على الرواية الشفوية في تحصيل العلم لأنَّ عدم الثقة بما هو مكتوب هو السبب في أنهم لم يكونوا يُجيزون لأحد أن يقرأَ لتلاميذه شيئاً من كتابٍ مُعيّنٍ أو يذكرَ من هذا الكتاب شيئاً في مؤلفاته إلاّ إذا كان قد قُرأ هذا الكتاب على مؤلفه أو على من قرأه على مؤلفه ، وبهذه الضوابط التي اعتمدوها قدموا لنا منهجاً واضحاً ومتكاملاً، وقد تأثر بمنهجهم هذا فيما بعد أصحاب العلوم المختلفة.
وللحديث عن تاريخ حركة طبع المخطوطات نجد أنها ظهرت قبل خمسة قرون أي بحدود عام القرن العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي(920للهجرة/ 1514 م) لكنَّ هذه الحركة الطباعية كانت بدائية بعض الشيء حيث قامت على اخراج النص من نسخة واحدة دون جمع بقية النسخ للمخطوط المحقق ومقابلتها للأصول لغرض الوصول إلى الهدف الاسمى من تحقيق المخطوطات ألا وهو إخراج نص صحيح كما أراد له مؤلفه ، ثم تطورت عملية طبع المخطوطات مع مرور الزمن وأصبحت علماً قائماً بحد ذاته له أصوله وضوابطه وقواعده ، ووضعت كتب عديدة في هذا المجال سجَّل فيها أصحابها قواعد هذا العلم، وانقسم أصحاب هذا العلم إلى مذهبين ؛ مذهب المشرقيين ومذهب الغربيين ، وصار لكلٍّ من المذهبين مدرسة خاصة به لها قواعدها وأصولها ، ويمثل عميد المحقِّقين العرب في القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي الأستاذ عبد السلام هارون(رحمه الله) المدرسة المشرقية في كتابه " تحقيق النصوص ونشرها " الذي طبع عام 1954م بالقاهرة كما ويمثل بلاشير وسوفاجيه المدرسة الغربية في كتابهما " قواعد نشر وتحقيق النصوص العربية"، وقد حاول الدكتور صلاح الدين المنجّد التوفيق بين هاتين المدرستين في كتابه "قواعد تحقيق المخطوطات" وظهرت كتب كثيرة بعده في هذا العلم إلى أن عُقد مؤتمر المجامع العلمية العربية في بغداد عام 1980م ووضع مُقررّات توصّل إليها في هذا العلم ،طبعت في كُتيِّب جمعه الدكتور بشار عواد معروف حيث جمع فيه بين المدرستين وأخذ من كل مدرسة حسناتِها ، وهكذا نشرت في هذا الكتيب آخر قواعد تحقيق المخطوطات وعممت على الجامعات .
وكان للأستاذ الدكتور حاتم الضامن رحمه الله دور كبير في هذا الميدان بين تحقيق للمخطوطات وتأليف للكتب المنهجية والبحوث والمحاضرات ، فقد كان حريصاً كل الحرص على نشر المنهج الأمثل في تحقيق المخطوطات من خلال محاضراته التي ألقاها على طلبة الماجستير والدكتوراه في الجامعات العراقية منذ العام 1984م ،وتأليف كتاب منهجي في البحث والمكتبة في العام 1988م، وبحث متميز عن منهج المدرسة العراقية في تحقيق المخطوطات ألقاه في ملتقى ابن باديس بالجزائر ، كما وله بحث كثير الفائدة في هذا الباب وسمه بـــ " المنهج الأمثل في تحقيق المخطوطات " نشره في مجلة التراث العلمي العربي العدد الثالث للعام 2001م ذكر فيه أهم المسائل التي يجب معالجتها في تحقيق المخطوطات وهو المنهج الأمثل في التحقيق، وهو جهد متميز للمدرسة العراقية متمثل بالأمور الأتية كما ذكرها رحمه الله .
1. اعتماد التسلسل الزمني في ذكر مصادر التخريج لأن الفضل للمتقدم.
2. يكون تخريج الأشعار من كتب دواوين الشعر المطبوعة المحققة أو المجموعة .
3. الرجوع إلى المصادر القديمة المتخصصة في التراجم .
4. الرجوع إلى الكتب القديمة لفهم ما أشكل علينا من معنى كلمة أو فهم قراءة أو تخريج حديث نبوي أو إعراب وغيرها.
5. تخريج الأقوال من كتب أصحابها إن كانت مطبوعة فإن لم تصل إلينا فمن المصادر الأخرى .
6. عدم اثقال الهوامش والتوجه الى ضبط النص واخراجه سليماً... كما وضعه مؤلفه فليس التحقيق شرحاً للنصوص.
7. الأمانة العلمية واحترام النص .
8. الاعتماد في التخريج على الكتب المحققة تحقيقاً علمياً وترك غيرها لأن فيها الكثير من التصحيف والتحريف
وأقول كما قال أستاذنا وشيخنا في التحقيق رحمه الله : ( والتحقيق أيها الأخوة ليس عملاً يسيراً بل هو عمل شاق مرهق والحرص على إحياء تراثنا المجيد جعلنا نتغلب على هذه الصعاب ) .
وأخيراً اسمحوا لي أن اقول لكم ... لقد سجّل الفقيد رحمه الله صفحات عظيمة حافلة بالآثار العلمية التي فاقت المائة كتاب بين تأليف وتحقيق لهي خير شاهد على ما نقول فقد طرزها بمداد من ذهب أثرى بها المكتبة العربية الاسلامية وإنَّ العديد ممن سلك طريقه قد تعلم منه ونهل من علمه واستفاد كثيراً من مؤلفاته التي تعد سجلاً مضيئاً وصدقة جارية له في صحائف أعماله إلى يوم القيامة.
اللهم اسكنه في الفردوس الأعلى واحشره مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واجعل أعماله حجة له لا عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .