المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ قراصنة البحر



االزعيم الهلالي
27-03-2013, 07:30 AM
https://pbs.twimg.com/media/BGVS-STCYAAqbz3.jpg:large


الجزء الاول
منقول عن مجلة الجيش اللبناني العدد 283
__________________________


مسيرة تطوّرت وشبكات منظّمة تثير الشكوك






برزت أخبار القرصنة الصومالية في نهاية العام 2008 في معظم وسائل الإعلام المحلية والعالمية، لما تشكّله من تهديد لحركة التجارة العالمية ونقل الطاقة، في منطقة استراتيجية حسّاسة، قرب مضيق باب المندب والقرن الأفريقي. فتلك المنطقة تشكّل نقطة الإتصال الحرجة في خطوط النقل البحري باتجاه قناة السويس، نحو أوروبا وأميركا، وخصوصاً أن الشرق الأوسط يشكّل مصدراً مهماً للطاقة في العالم. فمن هم القراصنة؟ وما هي القرصنة؟ وكيف تحوّلت الصومال الى مصدر تهديد وخطر على الملاحة البحرية؟ سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات عبر محورين:
1- القراصنة والقرصنة عبر التاريخ (جزء أول).
2- القرصنة في سواحل الصومال وتداعياتها المحلية والعالمية، وموقعها في السياسة الدولية والقانون الدولي (جزء ثان).

تعريف القرصنة
القرصنة هي عملية سطو تُرتكب في البحر وأحياناً على الشاطئ من دون إذن دولة ما أو موافقتها.
يعتبر قرصنة بحرية، وفقاً لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) للعام 1982: «كل عمل عنفي أو جرمي، أو سلب أو حجز، يُرتكب لغايات خاصة بواسطة طاقم أو ركاب باخرة خاصة أو طائرة، تُوجّه نحو أعالي البحار لاعتراض باخرة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو أملاك على متن هذه الباخرة أو الطائرة. كذلك يعتبر قرصنة العمل المرتكب ضد سفينة، أو طائرة، أو أشخاص، أو ملكية، في أي مكان خارج صلاحية الدولة القضائية».
والقرصنة في اللغة العربية «من القرصان وتُجمع على قراصنة، وهم لصوص البحر»، ويعتبر البعض أن أصل الكلمة إيطالي، وكلمة قرصان في الإنكليزية «Pirate» تعتبر من أصل لاتيني «Pirata» إو إغريقي «Peirates» ومصدرهما «Peira» ومعناها «محاولة العثور على الحظ في البحر».

القرصنة في التاريخ
• المصادر القديمة:
يعتبر البعض أن القرصنة وُجدت منذ أصبح البحر طريقاً للتجارة، وأقدم الحوادث الموثقة عن أعمال القراصنة تتحدث عن «شعوب البحر» الذين كانوا يهددون تجارة بحري إيجيه والمتوسط، منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد (1200 ق.م). ويعتبر بعض المؤرخين أن «التيرانيين» (Tyrrhenians)، و«التراقيين» (Thracians) قد عُرفوا كقراصنة في التاريخ القديم، وكانت جزيرة «لمنوس» (lemnos) ملجأ لهم ضد هجمات الإغريق. كما يؤكدون أنه كان للقراصنة دول على طول ساحل بلاد الأناضول (تركيا اليوم) خلال القرن الأول ق.م وكانت هذه الدويلات تهدّد تجارة الإمبراطورية الرومانية.

• يوليوس قيصر ضحية القراصنة:
يروي المؤرخ «بلو تارك» أن يوليوس قيصر وقع ضحية للقراصنة السيليسيين (كيليكيا الحالية) العام 75 ق.م وسجن في إحدى جزر الدوديكانيز، (جزيرة فرماكوزا) في بحر إيجيه وطالب خاطفوه بفدية قُدّرت بعشرين «تالنت» من الذهب (التالنت Talent هو وزنة كانت تقدر في تلك المرحلة بين 25و30 كلغ من المعادن). ولما كان يوليوس الشاب يقدّر نفسه غالياً فقد رفض هذا العرض وطلب من القراصنة أن يرفعوا قيمة الفدية الى 50 تالنت من الذهب. وبالفعل فقد رفع القراصنة قيمة الفدية التي تمّ دفعها ثمناً لحرية القائد الشاب. ولكن قيصر عمد الى شن حملة بحرية بعد ذلك حيث قبض على القراصنة وأعدمهم، كذلك فقد شنّ القائد الروماني بومباي العام 67 ق.م حملة بحرية كبيرة للقضاء على القراصنة على امتداد سواحل المتوسط وبعمق 50 ميلاً من الشاطئ وذلك وفق قانون «غابينيوس» (Lex Gabinia)، الذي منحه السلطة المطلقة للقضاء على القراصنة.

• قراصنة البلقان:
من أشهر الشعوب التي مارست أعمال القرصنة الشعب «الإلليري» (Illyrian) أي سكان سواحل شبه جزيرة البلقان الغربية على البحر الأدرياتيكي، حيث سبّبوا الكثير من المشاكل مع الجمهورية الرومانية خلال عقود، الى أن تمّ القضاء عليهم من قبل روما العام 68 ق.م بعد شنّ حرب عليهم واحتلال بلادهم.

• قراصنة بلاد الأناضول:
منذ القرن الثالث قبل الميلاد كان الغوط يشنّون غارات القرصنة على سواحل البحر الأسود، وبحر مرمرة وسواحل بحر إيجيه، والعام 264 ق.م وصل القراصنة الغوطيون الى جزيرتي قبرص وكريت حيث استولوا على ثروات كبيرة واحتجزوا الآلاف من أبناء هذه البلاد.

• قراصنة غرب أوروبا:
يمكن الملاحظة أن أعمال القرصنة في تلك الفترة كانت منتشرة في سواحل فرنسا وبلجيكا وانكلترا وقد عانى الرومان من نشاطهم الكثير.

القرون الوسطى
يعتبر «الفايكنغ» (Vikings) أشهر القراصنة المحاربين الذين اجتاحوا السواحل الأوروبية خلال القرون الوسطى، وقد وصلوا في انتشارهم الى ساحل البحر الأسود وبلاد فارس، كما أنهم وصلوا الى سواحل بريطانيا وافريقيا وإيطاليا وجنوب فرنسا، ولما كانت أوروبا في ذلك الوقت تفتقد الى سلطة موحدة وقادرة، فقد هيمن الفايكنغ على الكثير من المدن والقرى الأوروبية سواء أكانت مشاطئة للبحر أو على ضفاف الأنهر الصالحة للملاحة داخل أوروبا.
كذلك فقد شهد البحر المتوسط أعمال القراصنة المسلمين الذين اتخذوا من سواحل فرنسا الجنوبية وشمال إيطاليا منذ نهاية القرن التاسع الميلادي مقراً لشن هجماتهم على المدن الإيطالية مثل روما (846م)، واستمر نشاطهم قرب السواحل الإيطالية حتى القرن الثالث عشر، بعد أن اتخذوا من جزيرة كريت مقراً لهم.
كذلك يشهد تاريخ هذه الفترة وجود قراصنة «سلاف» على شواطئ بحر البلطيق، وقراصنة إيرلنديين على شواطئ الجزر البريطانية. كما قامت قبائل «الهايدا» (Haida)، و«التلينجت» (Tlingit) على شواطئ أميركا الغربية بأعمال القرصنة وتجارة العبيد من جنوب «ألاسكا» وحتى كاليفورنيا الحالية.
ولم يقتصر نشاط القراصنة على بحار أوروبا وأميركا وأفريقيا، بل امتد الى سواحل الهند وآسيا الشرقية حيث اشتهر القراصنة الصينيون والهنود باعتراض السفن التجارية ما بين بلاد فارس وأفريقيا، كما شكّلت جزيرة مدغشقر ملجأ لعدد كبير من القراصنة الذين أقاموا فيها مستعمرة.

ما بين القرون الوسطى والقرن العشرين
شهد مطلع القرن الثالث عشر الميلادي بداية أعمال القرصنة اليابانية والتي عرفت باسم «ووكو» (Wokou)، وهؤلاء كانوا من الجنود والتجار والمهربين اليابانيين، وقد غزوا شواطئ الصين وكوريا، وكان البحر الأصفر مسرحاً لنشاطهم، حيث تحالفوا في القرن السادس عشر مع زملائهم الصينيين ووسعوا نشاطهم الى دول شرق آسيا وبحارها. ومع الوقت تحوّلت قيادتهم الى الصينيين، ويقدر بعض المصادر أنه كان لديهم ما بين 20 الى 400 مركب، ويعزون سبب ظهورهم الى عدم الاستقرار السياسي في اليابان في تلك الفترة، وبعضهم يعتبر أنهم كانوا يوجّهون من قبل «لوردات الحرب» لجني الثروة وسلب السفن التجارية مع السلطة الحاكمة في اليابان. وقد وضع البرتغاليون حدّاً لهذه الأعمال بالاتفاق مع السلطات الصينية لتأمين حرية التجارة ما بين الصين والهند وأوروبا.

• أوروبا الشرقية:
تعتبر جمهورية «زابوريجيان سيك» في السهوب الأوروبية الشرقية قرب نهر الدنيبر (Dneper) أول جمهورية للقراصنة ما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، وكانت تتكّون من الأوكرانيين الهاربين من أسيادهم الإقطاعيين، والخارجين على القانون من مختلف الأنواع، كذلك من الهاربين من نير العبودية التركية، وقد تَسمّى هؤلاء بإسم «القوزاق» (Cossacks)، وقاموا بأعمال القرصنة في البحر الأسود والاعتداء على الشاطئ التركي حتى اسطنبول وسواحل فارس.

• قراصنة شمال أفريقيا:
أُطلق على قراصنة شمال أفريقيا، إسم «القراصنة البربريين». وكانوا ينطلقون في أعمالهم من موانئ تونس وطرابلس الغرب، الجزائر وبعض مرافئ المغرب، وذلك منذ بداية الحروب الصليبية وحتى القرن التاسع عشر. وقد اشتهر منهم «خير الدين بربروسا» الذي أصبح حاكماً لشمال أفريقيا من قبل الدولة العثمانية وقائداً لأسطولها البحري في عدة معارك ضد الأساطيل الأوروبية في البحر المتوسط، وانتصر في عدة معارك بحرية أهمها معركة بريفيزا (Preveza). والعام 1538 عيّنه السلطان العثماني «سليمان القانوني» أميراً للبحر (Fleet Admiral)، حيث تمّت السيطرة على البحر المتوسط من قبل العثمانيين حتى معركة «ليبانتو» العام 1571، وهنا يجب التمييز ما بين القراصنة الذين يقومون بأعمالهم العدائية تجاه السفن الأخرى لمصلحتهم الخاصة، وبين «القراصنة المفوضين» (Privateer)، الذين يقومون بأعمال القرصنة للسطو، أو الإستيلاء على السفن العدوة بتفويض من إحدى الدول، التي تكون بحالة عداء مع دولة أخرى، وهذا التقليد كان متبعاً خلال القرون الوسطى وحتى القرن العشرين، من قبل الدول الأوروبية وغيرها، أي أن العمل يصبح من مسؤولية الدولة المفوِّضة التي تتحمل تبعات عملها، وهذا ما حدث عندما شنّت الولايات المتحدة الأميركية أول حرب لها في البحر المتوسط ضد القراصنة البربر في تونس والجزائر والمغرب ما بين 1801 و1816، وعاملت القراصنة كأسرى حرب نظراً الى ارتباطهم بدول ترعاهم وتوجّههم في أعمالهم.

• القرصنة في البحر الكاريبي:
يمكن اعتبار أن العصر الذهبي للقرصنة في البحر الكاريبي يمتد على طول الفترة ما بين العامين 1560 و1720، خصوصاً بعد انتهاء حرب الوراثة الإسبانية في أوروبا (1700 - 1730)، فقد لجأ الكثير من الأوروبيين واستقروا في كثير من جزر هذا البحر وتحوّلوا الى قراصنة. وتحول الصراع بين دول أوروبا الى صراع ما بين القراصنة، وخصوصاً أولئك الذين ينتمون الى أصول بريطانية وفرنسية وهولندية، فقد كانوا يهاجمون السفن الإسبانية، لأن إسبانيا في ذلك الوقت كانت تسيطر على منطقة البحر الكاريبي، ولديها مستعمرات كثيرة فيها، فقد استطاع القراصنة الهولنديون أن يستولوا على أكثر من 500 سفينة إسبانية وبرتغالية ما بين 1623 و1638م. كذلك، وصل نشاط هؤلاء القراصنة الى سواحل أميركا الشمالية كما أنهم مارسوا نشاطهم وصولاً الى سواحل أفريقيا الغربية. وبرز من قراصنة تلك الفترة إدوارد تيتش المشهور بلقب اللحية السوداء (Black beard)، كذلك الكابتن هنري مورغان. وقد تمّ تصوير عدد من الأفلام السينمائية المشهورة تتناول هاتين الشخصيتين، وتصور بعض أعمالهم وأحداث تلك الحقبة.

القرصنة في العصر الحديث
يشكّل موضوع القراصنة المنقولين بحراً، اليوم، قضية اعتبارية مهمة وكذلك مادية، فقد قدّرت الخسائر الناتجة عن القرصنة سنوياً بما بين 13 و16 بليون دولار، خصوصاً في المياه الواقعة ما بين المحيط الهادئ والمحيط الهندي، شواطئ الصومال، كذلك مضيق «مالاقا» و«سنغافورة»، وهذه الممرات المائية تسلكها أكثر من 50 ألف سفينة تجارية كل عام.

تتخذ قضية القرصنة بُعداً دولياً كبيراً في عالم اليوم ذلك أن القسم الكبير من التجارة الدولية المعاصرة يتم بواسطة السفن، كذلك نقل موارد الطاقة من الشرق الأوسط باتجاه الشرق الأقصى كالصين واليابان وغيرها (نفط، غاز، معادن)، وباتجاه أوروبا والغرب وأميركا، وأهم الخطوط الدولية البحرية للنقل والشحن والتجارة إنما تمر عبر محورين بحريين يمتازان بأهمية استراتيجية وحسّاسة كونهما محكومين بالمرور عبر مضيقين هما: مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس فالبحر المتوسط، ومضيق مالاقا (Malacca) ما بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، ويفصل ما بين المحيطين الهندي والهادئ. ونظراً الى ازدحام حركة المرور البحري أمام هذين المعبرين وكثافة عدد السفن الموجودة في البحر، ازدهرت عمليات القرصنة خصوصاً قرب هذين الممرين، في مالاقا وأندونيسيا وماليزيا، وقرب سواحل الصومال وخليج عدن، وقد قدّر عددها العام 2008 بأكثر من 90 عملية قرصنة، كما قدّرت أعمال القرصنة التي وقعت في هاتين المنطقتين في الأعوام القليلة الماضية بأكثر من نصف مجموع أعمال القرصنة التي وقعت في مختلف مناطق العالم، وذلك استناداً الى إحصاءات «مكتب الملاحة الدولي» (IMB)، وهو مكتب يرتبط بمنظمة الأمم المتحدة للبحار، ويهتم بحركة السفن التجارية والنقل في العالم ويرفع تقارير يومية عن النشاط البحري للسفن عبر العالم.
تبيّن تقارير المكتب الدولي تراجعاً في أعمال القرصنة ما بعد العام 2004، ولكنه يرتفع العام 2007، وذلك لازدياد انخراط الدول وتعزيز إجراءات الحماية على سفنها ضد أعمال القرصنة.

ولا تزال منطقة أندونيسيا ومضيق مالاقا أكثر المناطق التي تزدهر فيها أعمال القرصنة، مع ملاحظة ازديادها في منطقة سواحل الصومال، خصوصاً خلال العام 2008، كما يعتبر مكتب الملاحة البحرية أن أخطر المناطق التي تتم فيها أعمال القرصنة هي سواحل نيجيريا، وشواطئ بنغلادش وسانتوس في البرازيل، ويعزو خبراء المكتب سبب ازدياد هذه الأعمال في منطقة ما، الى عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول القريبة من أماكن ارتكاب القرصنة، ما يسهّل للقراصنة قواعد إنطلاق وملاجئ آمنة تحميهم من الملاحقة، أو لتورط بعض زعماء العصابات والمافيات العالمية، أو أمراء الحرب الموجودين في الدول القريبة. كما يرى البعض الآخر، إن أعمال القرصنة اليوم تنتمي الى شبكة عالمية، لها قيادتها ومنظماتها وتعمل في العالم وفق مخططات معينة وتمتلك وسائل إتصال ونقل حديثة وأسلحة، وتستخدم أحدث التقنيات في الاتصال عبر الأقمار الإصطناعية مما يثير الكثير من التساؤلات حول عملها وخلفيات نشاطها وتداعياته، مما يضع منظمات عالمية ودولاً، وسياساتها في دائرة الشك والإتهام. (يتبع في العدد القادم).


__________________________________________________ ___________

الجزء الثاني : منشور في العدد 284
______________________

القرصنة الصومالية وخلفيات نشوئها
إعداد: الدكتور أحمد عَلّو (عميد متقاعد)



الصيادون اعترضوا السفن الأجنبية دفاعاً عن لقمة عيشهم وأمراء الحرب حموهم وقاسموهم المغانم

على مدى عقود كانت الصومال مسرحاً لسلسلة من الحروب التي جعلت الشعب الصومالي من أفقر شعوب العالم. وعلى خلفية الفقر والصراعات القبلية والأزمات السياسية المتشابكة مع المصالح الدولية، نشأت ظاهرة القرصنة التي بدأت مع اعتراض الصيادين القدماء سفناً أجنبية أتت تقاسمهم «لقمة البحر».

«ستبقى أعمال القرصنة على شواطئ الصومال البحرية مشكلة، طالما بقي العنف والفوضى على أراضيها البرية».

مسؤول في الأمم المتحدة
المكتب الدولي البحري

موقع الصومال وأهميته الاستراتيجية
تقع الصومال في القسم الشرقي من قارة أفريقيا، وتتربّع فوق ما يُعرف بـ«القرن الأفريقي»، المطلّ على خليج عدن والمحيط الهندي، والقريب من «باب المندب»، المعبر الاستراتيجي المهم ما بين هذا المحيط والبحر الأحمر، حيث يعبر أكثر من 30٪ من التجارة العالمية البحرية، وسفن نقل النفط باتجاه قناة السويس.

المساحة والحدود
تبلغ مساحة الصومال حوالى 638 ألف كلم2. تحدها من الشمال دجيبوتي (58 كلم)، وإثيوبيا من الغرب (حوالى 1600 كلم)، كينيا من الجنوب (682 كلم)، وتطل شرقاً على المحيط الهندي بشريط طويل من السواحل (3025 كلم)، وهي تملك أطول ساحل لدولة أفريقية تطل على البحر.

الموارد الطبيعية
تمتاز طبيعة الصومال بأراضيها الجرداء والصحراوية في مناطق الوسط والداخل، وقلة الأمطار، ومناخها الإستوائي الموسمي في الوسط والجنوب، والمعتدل في الشمال.
وقد دلّت دراسات أجريت أخيراً على وجود كميات ضخمة من النفط خصوصاً في مناطق الشمال. وكذلك كميات كبرى من اليورانيوم والفولاذ والرصاص والملح والغاز الطبيعي.

السكان ووسائل العيش
يبلغ عدد سكان الدولة الصومالية الحالية وفق التقديرات الأخيرة (2008) حوالى 10 ملايين، أما الشعب الصومالي (كإثنية مستقلة موزعة على عدد من الدول المجاورة أو في العالم، خصوصاً بعد سلسلة الحروب المستمرة منذ عقود) فيبلغ تعداده حوالى 16 مليون.
المجتمع الصومالي، قبلي، عشائري، متدين، يمتاز بسيطرة عدد من القبائل الكبيرة على الحياة السياسية والإجتماعية يتبعها عدد من القبائل الأصغر وفروعها وبطونها وأفخاذها. وتعيش هذه القبائل على تربية الماشية والرعي والزراعة، في الأرياف (40٪ من الدخل) وتتنافس في ما بينها للحصول على الموارد وأسباب المعاش الى حد الإقتتال.
أما على السواحل فيعيش الناس من عملية صيد الأسماك، وزراعة الموز وتصديرها مع الجلود والفحم والحديد الخام (65٪ من الصادرات) ويبلغ معدل دخل الفرد السنوي حوالى 600 دولار (تقديرات 2008) أما الدخل القومي فقدر بمبلغ 5.7 مليار دولار العام 2008.
يتكلم سكان الصومال اللغة الصومالية، وهي اللغة الرسمية، كذلك اللغة العربية وهي لغة الدين (كلهم مسلمون سنّة، على المذهب الشافعي). و85٪ من الشعب، صومالي الإثنية، و15٪ من باقي الإثنيات ومن ضمنها العرب (30 ألفاً). والصومال دولة أفريقية تنتمي الى الإتحاد الأفريقي وهي كذلك إحدى دول «جامعة الدول العربية».

قبائل الصومال
- مجموعة قبائل «أرر بن سالمة» أو أرر صومالي (أبو الصومال). وهذه المجموعة تضم حوالى 70٪ من شعب الصومال.
- قبائل «الهوّي» والدر والمرجان وتعني صباغة الجلود والصيد البري. وتمتد قبيلة «الهوّي» خارج حدود الصومال الى كينيا وأثيوبيا.
«الجودا بورسي» وتساكن مجموعة الهواشم الذين ينسبون أنفسهم الى بني قريش، ويساكنون قبائل العيسى ومرجان والجبويي في زيلع.
- قبائل اسحاق وهم من العرب وكذلك قبائل الدارود.

الوضع السياسي الإجتماعي في الصومال
تعيش الدولة الصومالية أزمة سياسية منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق محمد سياد بري العام 1991، فهي دولة ممزّقة منذ 18 عاماً، إذ أعلن عدد من مقاطعاتها استقلاله عن الحكومة المركزية كجمهورية أرض الصومال في الشمال (Somali land). كما أعلن إقليم البونطلاند (Pont Land) الواقع على القرن الأفريقي حكماً ذاتياً مع ولائه السياسي للحكومة المركزية في العاصمة مقديشو. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة التي قامت بها الحكومة المركزية لإعادة توحيد البلاد، إلا أن الصراع على السلطة بين التيارات والقبائل حال دون التوصل الى حلول للأزمة. واندلعت حروب دامية أدت الى مقتل عشرات الآلاف من السكان، وهجرة مئات الآلاف عن ديارهم، ولم تستطع محاولات الأمم المتحدة، أو الإتحاد الأفريقي منع هذه المنازعات الدامية حتى اليوم، كما أن الأحداث جعلت الشعب الصومالي من أفقر شعوب العالم إذ أن هناك حوالى 73٪ من الشعب اليوم يعيش بأقل من دولارين في اليوم، ومعظمهم يعيش من المساعدات التي تقدّمها الأمم المتحدة عبر حملات منظمة ومستمرة لمكافحة المجاعة والأمراض.

جذور ظاهرة القرصنة الصومالية
عمل الرئيس سياد بري في أثناء فترة حكمه على تنمية صناعة صيد الأسماك وتطويرها من خلال مساعدات دولية مهمة قدّمت للصومال أسطولاً للصيد البحري وتصديره الى الخارج، وقد عمل الكثير من الصوماليين في هذه الصناعة.
وبعد سقوط حكم بري واندلاع الحرب الأهلية في الصومال تدهورت هذه الصناعة، واشتدت الأزمة مع قيام السفن الأجنبية بأعمال الصيد في سواحل الصومال، ما دفع بعض الصوماليين الصيادين القدماء للقيام باعتراض هذه السفن وأحياناً مصادرة ما تحمله، واستخدام القوة لمنع التعدي على شواطئهم البحرية. من هنا نجد أن الجذور الأولى للقراصنة الصوماليين تعود الى بعض هؤلاء الصيادين الذين احتجزوا هذه السفن وطلبوا فدية لإطلاقها، ولما جرى دفع الفدية من قبل الدول أو الشركات صاحبة هذه السفن انتبه أمراء الحرب الصوماليون «على البر» الى أهمية هذا العمل وأرباحه الكبيرة، فبدأوا بتسهيل أعمال القرصنة، وحماية القراصنة، واقتسام الغنائم معهم.
واللافت أن القراصنة لا يؤذون الرهائن الذين يسيّرون السفن المخطوفة، بل يعاملونهم معاملة حسنة طمعاً في الحصول على الفدية بأسرع وقت.

وقد حاولت الحكومة الفدرالية الإنتقالية التي تولّت السلطة العام 2004 محاربة ظاهرة القرصنة، وسمحت للأساطيل الأجنبية بملاحقة القراصنة حتى في مياه الصومال الإقليمية (200 كلم)، كذلك فعلت حكومة بونطلاند. وقد وجّهت الحكومتان طلباً الى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للمساعدة في مكافحة عمليات القرصنة في شواطئ الصومال بعد تزايد هذه الأعمال خصوصاً خلال العام 2008.

من هم القراصنة؟
يمكن ملاحظة أن معظم القراصنة ينتمي الى منطقة البونطلاند في القرن الأفريقي (شمال الصومال الشرقي)، ويقدّر بعض المصادر أن هناك حوالى خمس عصابات كبيرة يقدر عديدها بأكثر من 1000 شخص تقوم بالقرصنة، وتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 سنة.
وقدر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أنه يمكن تقسيم القراصنة الى ثلاث فئات هي:
1- الصيادون المحليون ويعتبرون كعقل لعمليات القرصنة نظراً الى مهاراتهم وخبرتهم الطويلة في البحر.
2- أفراد الميليشيات السابقون، والذين عملوا في خدمة أمراء الحرب المحليين، وهؤلاء يشكّلون عضلات القراصنة.
3- خبراء تقنيون وهؤلاء يمكنهم إدارة وتشغيل التجهيزات المتطورة من أجهزة إتصال وكمبيوتر ونظام تحديد المواقع العالمي GPS.

أسلحة القراصنة وعملهم
يقول بعض المصادر أن القراصنة يحصلون على سلاحهم من خلال وسطاء. وهؤلاء يشترونه من اليمن، ومن مقديشو العاصمة، ويرسلونه الى القراصنة في الشمال وهناك يقبضون ثمنه نقداً.
وهذه الأسلحة تراوح ما بين رشاشات «كلاشينكوف» (AK47) و«آر. بي. جي» (RPG - 7)، وصواريخ مضادة للدروع (Rocket Launcher) ومسدسات نصف أوتوماتيكية مثل «TT - 30»، وكذلك قنابل يدوية مثل «RGD - 5 أو F1».
ينطلق هؤلاء القراصنة في البحر داخل سفينة صيد متوسطة تدعى السفينة الأم (Mothership) وفيها بعض الزوارق السريعة (Zodiac)، والوسائل اللوجستية الضرورية كافة للبقاء في البحر أياماً. وعندما يحدّدون هدفهم المناسب ينطلقون بعدة مجموعات مسلحة في قواربهم السريعة نحو السفينة المقصودة ويحيطون بها ويهدّدونها بأسلحتهم المختلفة، ولما كانت السفن التجارية غير مسلحة فإنهم يصعدون الى ظهر السفينة المخطوفة بواسطة الحبال أو السلالم التي يتزوّدونها، وهناك يتم حجز الطاقم ومن ثم يقومون بتوجيه السفينة الرهينة باتجاه برّ الأمان المحدد باستخدام أنظمة التوجيه المتطورة التي بحوزتهم، ويعتبر مرفأ إيل أحد المرافئ المهمة التي يلجأ اليها القراصنة في منطقة بلاد البونط.

كيف يتم دفع الفدية؟
يتم دفع الفدية للقراصنة بالدولار (في أكثر الحالات) ويجري ذلك بالطرق الآتية: بواسطة أكياس أو صناديق خاصة لمنع تلفها بالماء وترمى بواسطة طائرة هليكوبتر أو زوارق صغيرة، كذلك يمكن رميها للقراصنة بواسطة المظلة (Parachute) كما حدث في دفع فدية ناقلة النفط السعودية العملاقة «سيريوس ستار» (MV Sirius star)، فقد أسقط صندوق برتقالي بواسطة المظلة فوق سطح هذه السفينة، يحتوي 3 ملايين دولار، وتمّ ذلك في شهر كانون الثاني 2009، وأطلقت السفينة وطاقمها بعد أن جرى عدّ أوراق النقود بواسطة آلات عدّ متطورة جداً تماماً كتلك الموجودة في أي مكتب عملات حول العالم.
ويزعم البعض أن القراصنة الصوماليين يتلقون دعماً مالياً، وتجهيزات ومعلومات من صوماليي «الدياسبورا» الموزعين في عدد من دول العالم الغربي، وخصوصاً في كندا حيث ينتشر حوالى 200 ألف صومالي. ووفقاً للمكتب الدولي للملاحة فإن قراصنة الصومال قاموا بحوالى 111 عملية قرصنة العام 2008، نجح منها 40 عملية، ويحتجزون حتى الآن 14 سفينة عليها 200 رهينة، وقد جنى القراصنة أرباحاً قدّرت بما بين 60 و70 مليون دولار من الفدية التي تمّ دفعها من قبل أصحاب السفن أو الدول.

الموقف الدولي
لقد وحّد عمل القراصنة في الصومال جهد عدد من الدول الكبرى، وبعض دول المنطقة ضدها، وعدد من هذه الدول تعتبر في حالة عداء في ما بينها، أو على الأقل غير متعاونة، مثل الولايات المتحدة وإيران والناتو وروسيا، والصين والهند واليابان؛ وقد أنشأت قوة مهمة خاصة (Task Force 150) مؤلفة من عدد من سفنها الحربية وباشرت أعمال الدورية والمطاردة في المحيط الهندي وخليج عدن. كذلك عمدت جامعة الدول العربية ودولها المشاطئة للبحر الأحمر والمطلة على باب المندب الى تعزيز إجراءات الأمن والحماية للسفن العابرة للمضيق وقناة السويس، خصوصاً أن قناة السويس تأثرت بنسبة كبيرة نتيجة تحوّل السفن عن عبورها وتوجّهها نحو رأس الرجاء الصالح، وقدّرت خسائر مصر بأكثر من مليار دولار من عائدات القناة نتيجة لذلك.
وفي مطلع كانون الثاني 2009 تشكّلت قوة جديدة مشتركة من عدد أكبر من دول العالم أطلق عليها إسم «CTF - 151» (Combined Task Force 151) وأعدت وجهّزت بعدد أكبر من السفن الحربية للعمل في منطقة سواحل الصومال وخليج عدن، لحماية عملية إنتقال السفن التجارية بأمان وحرية، ولمحاربة القراصنة العاملين في هذه المنطقة ومطاردتهم.

موقف الأمم المتحدة
في 7 تشرين الأول 2008 تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً رقمه 1838، دعا فيه الدول التي لديها أساطيل في المنطقة الى استخدام القوة لمنع أعمال القرصنة، كما أن الهند دعت لإقامة قوة حفظ للسلام لمعالجة قضية القرصنة في سواحل الصومال.
كذلك تبنّى مجلس الأمن في 20 تشرين الثاني 2008 قراراً اقترحته بريطانيا بفرض عقوبات على الصومال لتقصيرها في منع أعمال القرصنة.
وفي 17 كانون الأول 2008 تبنّى مجلس الأمن بالإجماع قراراً، يسمح لأول مرة بجواز احتلال البحر والبر لاستخدامهما في مطاردة القراصنة والقضاء عليهم.

صراع دائم
إذا كانت القرصنة جرماً دولياً بامتياز وعملاً لصوصياً من الدرجة الأولى وفق القوانين البشرية والدولية كافة يجب ردعه ومنعه بالقوة، إلا أن المشكلة في الصومال تكمن في البر الصومالي وفي الصراع الدائم على السلطة والمكاسب، والحل الأمثل لهذه المشكلة هناك (القرصنة) هو في إرساء نظام حكم مستقر وتوحيد أفرقاء التركيبة الإجتماعية ولو بالقوة، لأن إقامة دولة قوية وتنمية إجتماعية مستدامة وحدهما ما يكفل القضاء على هذه الظاهرة الخطرة، والى أن يتحقق ذلك ستبقى أرض الصومال وشواطئها سائبة للقراصنة وغيرهم وللتدخل الدولي.