المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللسان نصف الإنسان-لشيخنا محمّد بو سلامة-حفظه الله-.



أهــل الحـديث
26-03-2013, 02:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إنّ كلّ لغة تكلّم بها الإنسان هي من نعم الله عليه وهي جزء من إنسانيّته،ولست أبالغ إن قلت إنّ اللّسان نصف الإنسان ،ومازال أهل الحدود والنّظر يقولون في حدّ الإنسان هو الحيوان النّاطق أي بالقوّة،فكأنّهم لاحظوا النّاطقيّة فرقا عظيما يحترزون به في حدّ الإنسان،فكان ذلك من عظيم آلاء الله على آدم وذريّته،قال في المراقي:
من لطف ربّنا بنا تعالى**** توسيعه في نطقنا المجالا
وكم يعظم هذا الفضل على الإنسان حينما يجعله الله تعالى ناطقا بلغة العرب،وذلك لأمرين:
أحدهما:كونها لغة القرآن وبها نطق النّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم-وعليها بنيت نصوص الشّريعة،فلغة العرب هي لسان الملّة وخطاب الشّرع.
وربّما تكون أيّها القارئ اللّبيب قد استشعرت بهذا أنّ حفظ اللّغة العربيّة فرض على هذه الأمّة،وما كذب ظنّك وما ضلّ فهمك،فهي كذلك عند علماء الإسلام،وهي معدودة عندهم في فرائض الكفاية فإنّ في حفظها حفظا للشّريعة وفي تضييعها تضييعا لها.
وإنّك إذا نظرت في تصرّفات الفقهاء وجدتهم يبنون كثيرا من مسائلهم الفقهيّة على مسائل لغويّة وربّ فقه أصله النّحو،وهذا مطلب له ذيول ليس هذا موطن جرّها،وسنجرّها إن شاء الله تعالى في مقالة تجلّي أثر العربيّة في الفقه.
ثانيهما:هو حسن تراكيبها وبديع أساليبها،وتناسق ألفاظها وسعتها بغزارة مادّتها وكثرة مترادفاتها فهي قد وسعت كلّ معنى يقوم بالإنسا، فإذا أحكمها من سلم طبعه تصرّف فيها بما يسحر الألباب ويأسر القلو، فتتجلّى به المعاني على أتمّ وجوهها كما يتجلّى القمر ليلة التّما، فتكون بذلك أوقع في النّفوس وأدلّ على المطلوب، ولقد وصف الله تعالى وهو خالق اللّغات –لغة العرب بأبلغ ما وصف به الكلام فقال:"لتكون من المنذرين بلسان عربيّ مبين"،وتأمّل قوله تعالى:"لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين"كيف وصف لسان العرب بالإبانة دون اللّسان الأعجميّ،ونحن نعلم أنّ كلّ متكلّم مبيّن لما في نفسه ولكن لمّا كان لسان العرب أبلغ بيانا استحقّ أن يفرد بهذا الوصف ومن أدمن النّظر في كلام العرب عاين ما جاءت به الأخبار،ولقد عظّمت العرب شأن اللّسان حتّى قال شاعرهم:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده***فلم يبق إلا صورة اللّحم والدّم
وعظم عندهم أمر الفصحاء والشّعراء واتّخذت كلّ قبيلة خطيبا يبعث هممها وشاعرا يذبّ لها عن أمجادها ويتشدّق لها بمفاخرها،بل يصطنع لها من الفخار ما ليس لها.
ولقد عرفت ألسنة العرب كيف ترفع أقواما وتضع آخرين،وماصار بنو أنف النّاقة يفخرون بلقبهم إلا بعد قول الحطيئة فيهم- وقد ناله قراهم-:
قومٌ همُ الأنف والأذناب غيرهمُ***ومن يُسوّي بأنف النّاقة الذّنبا
وكانوا قبل ذلك تضيق صدورهم لهذا اللّقب،وهو لقب أحد أجداده، وله في ذلك خبر ترويه العرب.
ولقد كان الرّجل من نمير إذا قيل له ممّن الرّجل؟قال:من نمير وأمال بها عنقه فخرا،فلمّا هجاهم جرير بقوله:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير***فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ذهب الّذي كانوا يميلون به أعناقهم فأصبحوا إذا قيل للرّجل منهم ممّن الرّجل؟قال:من بني عامر.
فما رفع أنف النّاقة وحطّ نميرا إلا فصاحة العرب وسحر اللّسان.
أيّها القارئ اللّبيب إنّا إذا تعلّمنا لغة العرب أو علّمناها وجرينا على أساليبهم لا نفعل ذلك لنمدح أنف المهين ولا لنهجو أنف الأشمّ ولا لنصدّ عن تعلّم اللّغات الأخر،وإنّما نسعى بذلك إلى شيء كان قطعة من مجدنا،ولقد كان من هدي "منابر الهدى"أن ترفع شأن العربيّة في نفوس القرّاء،وأن تبوّئها بين أبنائها مكانة عليّة قد تبوّأتها بين أسلافهم فكانت نجما طالعا وفي سماء سنائهم ومعقدا من معاقد عزّهم.
إنّما نسعى بذلك إلى الرّقيّ بلسان تدحرجت به الرّطانة والعجمة إلى هوّة العيّ والفهاهة فانعقدت عقده ونفثت فيها النّفّاثات في العقد بليل تسرمدت ظلماؤه فأعجزه أن يفصح بلسان عربيّ مبين عن قريب المعاني بله بعيدها،وليس فيما نسعى إليه ليٌّ للسانٍ أعجميّ إلى غير لغته،أو تكليف له بما يعجز عنه طوقه، وإنّما هو تذكير لألسنة وردت مناهل الفصاحة الّتي فجّر عيونها بأرضنا بنو هلال وبنو سليم وغيرهم من فصحاء العرب الّذين اتّخذوا من بلادنا أوطانا لهم،ثمّ غيضت الموارد وكان من بقاياهم ما تقرؤون.
أيّها القارئ اللّبيب إنّ إصلاح اللّسان من إصلاح الإنسان،فما الإنسان إلا قلب ولسان.
(http://mareb.org/newreply.php?do=newreply&p=46230)