المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواصفات الخطاب الناجح



أهــل الحـديث
26-03-2013, 05:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




من مواصفات الخطاب الديني الناجح



د. نعمان جغيم
(ورقة قدمت في مؤتمر مكة الثاني عشر)



مقدمة
الخطاب الناجح هو الخطاب الذي ينتج عنه أثر عملي في حياة المخاطَبين، بتغيير في أفكارهم وسلوكهم. وحتى يكون الخطاب ناجحا لابد من توفر صفات في صاحب الخطاب وصفات في الخطاب ذاته. وأهم ما ينبغي توفُّره في صاحب الخطاب الإسلامي هو الإخلاص، فهو أساس نجاح العمل، وتمثُّل صاحب الخطاب بما يقول؛ لأن أثر القدوة العملية أكبر من أثر الكلام المجرد، والكفاءة التي تجعل صاحب الخطاب قادرا على اختيار المضمون المناسب. ومن ناحية ثانية لابد من توفُّر صفات في الخطاب من حيث الإعداد، وطريقة العرض، ومواصفات المضمون. وهذه الورقة عرض للصفات التي إذا توفرت في الخطاب أسهمت في نجاحه بإذن الله تعالى. وهي صفات بعضها يتعلق بالجوانب الشكلية والفنية للخطاب، وبعضها بمضمون الخطاب.


تحديد الهدف من الخطاب
إن تحديد الهدف العام والأهداف الجزئية للخطاب يعد المرحلة الأولى التي تسبق الإعداد، وتحديد الهدف يُبنَى على التعرُّف على من يُوجَّه إليهم الخطاب من حيث استعداداتهم العقلية والنفسية، واحتياجاتهم، وما يريد منهم صاحب الخطاب. وبناء على تحديد تلك الأهداف يكون تحديد نوع المعلومات التي تقدمها والطريقة التي تعرضها بها.
هل الهدف من الخطاب هو التذكير، أم الإعلام، أم التعليم، أم الإقناع، أم التحفيز والترغيب والترهيب؟
فإذا كان الهدف هو مجرد التذكير بشيء معلوم لدى المستمعين أو إعلامهم بحدث، فإن الأمر هيِّن. أما إذا كان الهدف التعليم، فإن الأمر يحتاج إلى وضع مخطط لكيفية تفهيم الناس الأفكار التي تريد تعليمهم إياها. وإذا كان الهدف هو الإقناع فإنك تحتاج إلى التركيز على الأدلة والبراهين التي تدعم الأفكار التي تريد الإقناع بها. وإذا كان الهدف هو التحفيز والترغيب والترهيب فإنك تحتاج للتركيز على بيان فوائد الشيء المرغَّب فيه، وأضرار الشيء المنهي عنه، وتدعيم ذلك بالأمثلة الواقعية.


الإعداد للخطاب
"تذكّر دائما أن الذي يفشل في التخطيط الجيد، فهو إنما يخطط للفشل".[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)
إن الإعداد الجيد يعد المفتاح الأساس لنجاح الخطاب. وقد يظن البعض أن الاستعداد لإلقاء خطاب أو كتابة مقال إنما يكون مطلوبا عندما لا تكون لدى الملقي معلومات كافية عن الموضوع، فيحتاج للتحضير ليتعلم ما ينوي إلقاءه، ولكن الواقع أن الحاجة للإعداد أكبر من ذلك. فالتحضير قد يكون بتعلُّم المعلومات التي ينوي المخاطِب تقديمها، وقد يكون باستحضارها وتذكُّرها، ويكون بتحديد ما ينبغي على الملقي تقديمه بحسب الوقت المحدد، وبحسب الهدف من الخطاب، وبحسب الاستعداد النفسي والعقلي للمخاطبين، ويكون أيضا بتحديد الطريقة المناسبة لعرض ما تريد تبليغه للمتلقين. وللتحضير جانبان مهمان: أحدهما المعلومات التي ينوي الملقي تقديمها، والثاني: طريقة التقديم. فكما يحتاج الشخص إلى التحضير الجيد للمعلومات التي يقدمها، يحتاج إلى إعداد مماثل للطريقة التي يعرض بها تلك المعلومات. والاقتصار على أحد الجانبين دون الآخر يؤدي دون شكّ إلى عدم تحقيق الخطاب الأهداف المرجوة منه. إن الإعداد الناجح هو الذي ينجح صاحبه في تحديد المعلومات المناسبة للمقام، وتحديد الطريقة المثلى لتقديم تلك المعلومات في ذلك المقام.
إنه من أجل التمكن من إعداد خطاب/مقال فعّال يجب أن تتوفر لديك المعلومات المهمة حول الموضوع، ولابد من التفاني في إعداده، وأن تتوفر لديك الرغبة في تقديمه. اجمع من المعلومات أكثر مما تحتاج إليه في خطابك/مقالك، لأن ذلك سيجعل من اليسير عليك انتقاء جميع وأفضل ما تحتاج إليه. وتذكّر أنك إذا قدمت معلومات أقل من المطلوب فسيُنظر إليك المستمعون/القراء على أنك قليل الزاد في الموضوع، وإذا قدمت أفكارا كثيرة جدا فسيكون من الصعب على المستمعين التعرّف على الأفكار المهمة التي تريد تبليغها.[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)
بعد الفراغ من جمع المادة العلمية قم بتصنيف تلك المعلومات تصنيفا أوليا في مراتب عامة. عُد مرة أخرى للتدقيق في التصنيف والانتقال من التصنيف العام إلى التصنيف الخاص.[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3) بعد ذلك قُمْ بالمراجعة والتحرير عدة مرات، فعلى قدر تكرار المراجعة والتحرير على قد ما تتمكّن من تجويد ما كتبته.


طريقة العرض
المقدمة:- ابدأ بإعطاء لمحة عامة عن العناصر التي ستتحدث عنها في خطابك، الأمر الذي يساعد المستمع على تحصيل فكرة عامة عما تنوي تقديمه، وتوقُّع العنصر الذي ستنتقل إليه والربط بينه وبين ما سبق.
إن الدقائق الأولى من كلامك (الفقرات الأولى من مقالك) مهمة للمستمع/القارئ لتحديد مصداقيتك ومدى الرغبة في الاستماع/القراءة لك. إن المقدمة يجب أن تكون إعدادا للمستمع/القارئ بإعلامه بما ستتحدث عنه وما يتوقع تحصيله منه.[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)
الموضوع:- اذهب مباشرة إلى القضايا التي تريد طرقها في كلمتك/ مقالك، احصرها في بضع نقاط فقط (المعدل ثلاث نقاط رئيسة، والحد الأقصى لا يتجاوز خمسا)، ثم بيِّن كل نقطة ودعمها بالشواهد والبيانات التوضيحية والأمثلة الواقعية. كن مقتنعا ومتحمسا لأفكارك، فإن قناعتك بما تقدمه تزيد في قوة الإقناع به.[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)
وأثناء عرض كل نقطة ابدأ بتلخيص الفكرة التي تريد تبليغها في عبارة واحدة أو عبارات قليلة بأسلوب سهل، ثم بعد ذلك انتقل إلى التفريع. وبعبارة أخرى ابدأ بتقرير الفكرة العامة التي تريد تبليغها، ثم قسمها إلى أفكار جزئية، ثم تناول كل فكرة جزئية بالعرض والتحليل والتدليل.
- رتب إلقاء الأفكار ترتيبا منطقيا متناسقا، بحيث تسلم كل فكرة إلى ما بعدها. إن تسلسل الأفكار مهم جدا للاستيعاب ولجذب انتباه المستمع، ومن السهل جدا شرود المستمع إذا لم تكن الأفكار متسلسلة. ويمكن أن يكون التسلسل زمنيا، أو ببيان المشكلة وسببها وحلها، أو بالمقارنة وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف لبيان إيجابيات وسلبيات الشيء، أو بالاستنباط القائم على السؤال الافتراضي "لو" مع ذكر الحقائق ثم استنباط النتيجة، أو بالاستقراء القائم على عرض مجموعة من الحقائق الجزئية والخلوص منها إلى نتائج عامة.[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)
- ركز على توضيح نهاية عنصر وبداية عنصر آخر منفصل عنه، وذلك بتلخيص العنصر السابق والإعلان عن بدء عنصر جديد. هذا الأمر يساعد المستمع على الفهم، كما يجعل الإلقاء انسيابيا ومتناسقا.
- دعّم أفكارك بأدلة منطقية قوية، وأقوى الأدلة هي الأمثلة العملية التي تقرِّب الصورة إلى ذهن المستمع/القارئ وتؤثر فيه. وانظر كيف امتلأ القرآن الكريم بضرب الأمثال؛ لأنها من أقوى وسائل الإقناع. قال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الإسراء: 89)، وقال: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (الكهف: 54)، وقال: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25).
وفي السنة النبوية نماذج كثيرة، منها –مثلا- بيان أثر الصلوات في محو السيئات. عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جارٍ غمرٍ على باب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات."[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7) ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي شكّ في عفة زوجته التي ولدت له غلاما لا يشبهه. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعة عرق."[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)
- تكرار النقاط والعبارات المهمة مفيد في زيادة لفت انتباه السامع وترسيخ الفكرة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنَّه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه."[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9)
- توقَّع الأشياء التي يمكن أن تسأل عنها، وكن مستعدا للجواب عنها.
- أعد الأسئلة التي تلقى إليك على مسامع السائل للتأكد من إدراك ما يريده، وليكون ذلك -في الوقت نفسه- فرصة لك للتفكير في جواب جيد عن السؤال.
- لا ترتبك أثناء الإلقاء، وكي لا ترتبك ينبغي أن تكون في غاية الاستعداد. ركز على الموضوع ليس على المستمعين. استعمل الحركات المناسبة للمقام.
الخاتمة:- اختم عرضك بالتذكير بالنقاط الأساسية التي تحدثت عنها، وتريد بقاءها في أذهان المستمعين.


الأدوات المساعدة
إن تحديد الأدوات المساعدة على الإلقاء يخضع، فضلا عن الإمكانات المتوفرة، إلى نوعية المعلومات التي تريد تقديمها، والهدف من تقديمها. إن إلقاء شعريا أو خطبة حماسية أو موعظة لا يناسبها العرض من خلال الشرائح المرئية التي تعرض بالوسائل التكنولوجية الحديثة، لأن هذا النوع من الإلقاء يعتمد على إثارة عاطفة المستمع وتملُّك وجدانه قبل عقله، والعرض المرئي يشتِّت تركيز المستمع، فيضعف تجاوبه مع الخطاب العاطفي، ولا تتحقق الأهداف المرجوة منه.
إن تدعيم الإلقاء الشفوي بالعرض المرئي يكون في الموضوعات المعقدة ذات التفريعات التي تحتاج إلى شروح وبيانات، فيكون العرض المرئي معينا للمستمع على التركيز وإدراك العناصر والتفريعات ومتابعة الانسياب المنطقي لأفكار الموضوع وتفرعاته. أما الإلقاء الذي يكون القصد منه إثارة عاطفة المستمع، أو التذكير والوعظ، بما هو غالبا معلوم لدى المستمعين، والموضوعات البسيطة، فإنه لا حاجة فيه للاستعانة بالوسائط المرئية، وفِعْلُ ذلك يكون تكلُّفا يؤثّر سلبا في تركيز المستمع، ويسهم في فشل الخطاب في تحقيق أهدافه. وقد رأيت في بلد تجربة إدخال عرض الشرائح المرئية ليكون مصاحبا لخطبة الجمعة في المساجد، ولا أظن أن ذلك حقق نجاحا للخطبة بزيادة التأثير في المستمعين عندما لا تكون الخطبة في ذاتها جذابة، حيث كثيرا ما تجد الخطيب يتحدث والشباب يلعبون بهواتفهم النقالة.
وينبغي عند استخدام الشرائح المرئية مراعاة العناصر الآتية:
- أن يكون الخط كبيرا وواضحا للمشاهدين.
- عدم المبالغة في تضمين الشرائح الصور والتأثيرات الصوتية إلى درجة تؤثر في المحتوى، وتجعل المستمع ينشغل بها عن المضمون.
- تجنب حشو الشرائح بمعلومات كثيرة، تجعل من الصعب على المستمع قراءتها في وقت معقول.
- تجنب القراءة من الشرائح، إلا ما كان القصد من قراءته الإبراز والتأكيد، ولكن ضمِّن الشرائح العناوين والنقاط الرئيسة التي تتحدث عنها في ذلك العنصر.
- استعمل كلمات وعبارات ذات معنى واضح ومحدد حتى تسهل على المستمع استيعاب ما تقوله.


التكيُّف مع الوقت المحدد للخطاب
عندما يكون الوقت المخصص للخطاب محددا، فإنه من مقتضيات نجاحه أن يكيِّف الملقي خطابه مع الوقت المسموح به، بحيث يتمكن من تبليغ ما يريد تبليغه للمستمعين دون إخلال بالوقت. وكم شهدنا في مؤتمرات وندوات كيف يأتي أشخاص لإلقاء كلماتهم في وقت محدود لا يتّسع لجميع ما هو مكتوب في ورقة البحث، ويأتي الملقي بورقته كاملة ويبدأ بمقدمات وتعريفات، غالبا ما تكون ذات قيمة ثانوية في الموضوع، وقبل أن يصل إلى الأفكار الأساسية التي يريد تبليغها، يخبره مدير الجلسة بأنه لم يبق سوى دقائق معدودة من الوقت المخصص له، فيبدأ الملقي في الاعتذار والشكوى من ضيق الوقت، ويرتبك في الإلقاء ويتيه بين تقليب أوراق بحثه سعيا لتحديد ما يلقيه وما يتجاوزه، وينتهي الوقت دون أن يتمكن من تبليغ ما كان يريد تبليغه مع انزعاج المستمعين واستيائهم. وسبب هذا عدم استعداد الملقي بتحديد الأشياء التي ينوي تبليغها حسب الوقت المحدد له. أما الملقي الناجح فهو الذي يستعدّ مسبقا بتحديد ما يلقيه، وقد يقوم مع نفسه بإلقاء تجريبي ليرى تناسبه مع الوقت المحدد، وعندما يحضر للإلقاء يحضر معه ذلك الملخص، فيتمكن من تبليغ ما يريد تبليغه في الوقت المحدد له دون ارتباك ودون تشكي من ضيق الوقت.


الترويح عن المتلقّين
إذا كنت صاحب طرافة فإن تضمين كلامك طرائف ذات صلة بالموضوع في غاية الأهمية لجلب انتباه المستمعين والترويح عنهم، ولكن لا تكثر من ذلك حتى تخرج بالمقام عما يقتضيه من جِدٍّ. أما إذا لم تكن صاحب طرافة فلا تتكلّف؛ فإنك تُفسد خطابك بدلا من تجويده. تذكر دائما أن هذه العناصر بمثابة الملح أو البهارات للطعام، إذا زادت عن حدها أفسدت طعمه. وتذكر دائما أن التكلّف يُفسد أكثر مما يُصلح.
وإذا كنت صاحب خبرة في المجال الذي تتحدث عنه فإن تدعيم الخطاب بحوادث وقعت لك في غاية الإفادة، أما إذا لم تكن كذلك فلا تتكلّف إيراد وقائع ليست ذات صلة قوية بالموضوع، وبدلا من ذلك يمكن الاستعانة بوقائع مما قرأت أو سمعت.
تذكر أن الهدف من التقديم هو استيعاب المستمعين لما تقدمه وبقاؤه في ذاكرتهم، وليس إرهاقهم وإصابتهم بالملل، ولذلك فإن خير الكلام ما قلّ ودلّ، واعلم أن متوسط قدرة الإنسان على الاستماع بتركيز تقدر بـ 20-25 دقيقة؛ لذلك لابد من جعل فواصل أثناء الحديث إذا كان يستغرق وقتا طويلا. ويمكن أن تكون الفواصل على شكل تمرينات وأسئلة للمناقشة في شكل مجموعات إذا كان الموضوع يحتمل ذلك، فإن كان الموضوع لا يحتمل ذلك، فيمكن أن تكون الفواصل على شكل دردشة لبضع دقائق ثم العودة إلى الموضوع، ولا تتكلّف إعطاء تمرينات غير مناسبة للموضوع. وقد شهدت ورشات عمل يقدم فيها المحاضر تمرينات ساذجة لأساتذة جامعيين، ظنًّا منه أنه بذلك يقدم فواصل للترويح عنهم، ولكنه في الواقع يزيدهم ضجرا ومللا.


الإيجاز
إن معيار نجاح الخطاب ليس في كمّ المعلومات التي يتضمنها وفائدتها، وإنما هو في الأثر الإيجابي الذي يتركه ذلك الخطاب في المخاطبين به والثمار العملية التي تنتج عنه. إن واجب الداعي ليس مجرد البلاغ، بل البلاغ المبين، ومن خصائص البلاغ المبين أن يكون بطريقة تُيسِّر العمل به. ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّل الصحابة بالموعظة. عن شقيق أبي وائل قال: كان عبد الله يذكرنا كل يومِ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إنّا نحب حديثَك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: ما يمنعني أن أُحدثكم إلا كراهية أن أُملَّكم؛ "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوّلنا بالموعظة في الأيام؛ كراهية السآمة علينا."[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10)
إن مدى الإيجاز في الخطاب تتحكّم فيه ظروف الخطاب والغرض منه، فإذا كان الخطاب تعليميا في جلسة علمية حضورها اختياري وأُعِدّت لها الظروف المناسبة للإطالة فلا بأس بذلك. أما إذا كانت الظروف غير مناسبة للإطالة فإن اللازم هو الإيجاز، ومثال ذلك خطبة الجمعة التي حضورها واجب على كل مسلم؛ فيحضرها المريض مرضا لا يُقْعِدُه عن حضورها، وصاحب الحاجة المستعجل، وقد يكون بناء المسجد لا يتّسع لجميع المصلين فتجد منهم من يجلس خارجه في حرّ الصيف أو في برد الشتاء الشديد، وكل ذلك من موانع التركيز مع الخطيب، فيكون ذهن المصلي معلَّقا بوقت فراغ الخطيب لا بما يقوله. وقد كانت خُطب الرسول صلى الله عليه وسلم قصيرة، وكان كلامه معدودا. عن عمار قال: سمعت رسول الله يقول: (إن طول صلاةالرجل وقصر خطبته مئِنَّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن منالبيان سحراً ).[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11) وعن جابر بنسمرة قال: (كنت أصلي مع رسول الله، فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً).[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn12)
إنه من الأفضل في خطب الجمعة أن يركز الخطيب على مسألة واحدة فقط، مع إفاضة البيان في مظاهر التطبيق العملي لها، فيرشد الناس إلى ما ينبغي عليهم فعله في حياتهم اليومية للتحلي بتلك الفضيلة أو التخلص من تلك الرذيلة، بدلا من أن يسعى إلى تعليمهم أشياء كثيرة، ظنا منه أنها فرصة سانحة ينبغي استغلالها لتعليمهم أكبر قدر ممكن، ولكن المحصلة تكون التركيز على الجانب النظري وكثرة الكلام الذي يُنْسِي بعضُه بعضا، وتكون الثمرة قليلة، ويذهب الجهد في غير كبير فائدة.


التحري عند اختيار الأدلة الشرعية
إن الاستدلال على أحكام الإسلام وقيمه ينبغي أن يقتصر على ما هو مقبول من الأدلة الشرعية، حيث يكون الأولى أن لا تقلّ الأحاديث المستدلّ بها عن درجة الحسن، لا فرق في ذلك بين الأحكام وفضائل الأعمال. ومع أن من العلماء من أجاز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، إلا أن سدّ باب تلك الذريعة أولى؛ لأن فتح باب فضائل الأعمال قد يكون ذريعة إلى الأخذ بالضعيف في الأحكام.[13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn13) ففضائل الأعمال لا تقلّ عن الأحكام؛ لأن في كلا الأمرين نسبة الأمر إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون تأكّد من ثبوت تلك النسبة، والمحظور في العمل بالحديث الضعيف هو نسبة ما لم يثبت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا فرق بين كون ذلك من أعمال الخير والبرّ أو مما تترتب عليه الأحكام والحقوق. وفضلا عن هذا فإن في القرآن الكريم والسنّة الثابتة ما يحيط بجميع فضائل الأعمال التي يمكن أن يتصورها الإنسان، وفي ذلك غنًى عن البحث عن الضعيف والواهي من الآثار لتدعيم ما هو قائم بذاته وهو في غنى عن مزيد من الدعم. وإن ولع البعض بإكثار الأدلة والشواهد -بغضّ النظر عن صحتها إلى درجة الإغراب وغير المعقول أحيانا- من الآفات التي أصابت الخطابة والتأليف لدى المتأخرين، ولو أن الاستدلال بالضعيف اقتصر على المواضع التي لا يجد فيها صاحبه ما هو صالح للاستدلال سوى ذلك الضعيف لهان الخطب، ولكن المشكلة أنك تجد في الموضوع الذي يحشر فيه ذلك الضعيف أو المنكر من الأدلة الصحيحة ما يغني. وقد يظن صاحب ذلك أنه بالإكثار من الشواهد يزيد في إقناع المستمع/القارئ، ولكن الأمر قد يكون غير ذلك، حيث إن الإكثار من الشواهد الضعيفة يضفي على المسألة غبشا أكثر مما يضفي عليها وضوحا وإقناعا. ويكفي للمسلم في المسألة دليل واحد صحيح يبيّن حكمها أو فضلها، وبدلا من الإكثار من الشواهد التي لا داعي لها، يكون الأولى التفصيل في الآثار الإيجابية أو السلبية لذلك الفعل، وبيان التطبيقات العملية التي يحتاج إليها الناس في حياتهم اليومية، فذلك أنفع.


الاستجابة لمتطلبات الواقع
إن من خصائص الخطاب الناجح التفاعل مع الواقع الذي يعيشه المخاطبون، ويوجيههم إلى موقف الإسلام من مجريات الحياة المعيشة وما ينبغي على المسلمين فعله. ولكن ينبغي أن يكون الداعي على وعي وحذر من الإفراط في الانسياق وراء كل ما هو من قضايا الساعة حتى لا ينجرّ إلى معارك هامشية لا تستحق أن تُهدر فيها طاقات المسلمين وأوقاتهم، وليس الخوض فيها مما يُسهم في بناء المجتمع المسلم، بل قد ينتج عن الخوض فيها مفاسد أكثر مما يرجى من مصالح. وبعض البدع والأفكار الضالة التي لم تفش بين الناس ولم يكن عامة المسلمين عرضة للتأثُّر بها قد يكون أفضل طريق لإماتتها هو إهمالها والسكوت عنها.
ولعل من أمثلة ذلك قضية سلمان رشدي، الذي كان رجلا مغمورا وكتب رواية مغمورة، ولكن الانشغال الزائد للمسلمين بتلك الحثالة، وتحويل البعض القضية لأغراض دعائية، حوّل صاحبها إلى نجم عالمي وأدى إلى انتشار الرواية، وأهدرت في تلك المعركة الهامشية طاقات كبيرة وأوقات ثمينة للمسلمين، بل وأهدرت أرواح كثيرة للمسلمين. ولو أن أول من تنبّه إليها من المسلمين تركها في مزبلة التاريخ، ربما لما خرجت منها.
ومن أمثلة ذلك أيضا ما نجده في بعض الأماكن من إفراط أو تفريط في الحديث عن الأمور العامة للمسلمين، فتجد الخطاب الديني عند البعض يميل إلى تسييس غالب الأمور، الأمر الذي يؤدي إلى إهمال قضايا اجتماعية وخلقية وعلمية مهمة، بل هي أهم بكثير من القضايا السياسية التي يُخاض فيها، وأنفع لبناء مجتمع إسلامي. وفي المقابل تجد عند البعض عزوفا كاملا عن القضايا التي تُصنّف على أنها من السياسة، مع أنها من صلب الواقع الاجتماعي الذي ينبغي على الدعاة التعرض له بالإرشاد والإصلاح، وهو من صلب الدين، ولا يقوم مجتمع إسلامي حقيقي بدونه.


التركيز على الجانب العملي
يمكن في المجالس العلمية المتخصصة والمحاضرات الأكاديمية الحديث عن النظريات، والتفصيل في الجوانب النظرية. أما في المجالس التي تكون مع عامة الناس، مثل الخطب في المساجد والمحاضرات التي يقصد منها التوعية، فإنه ينبغي التركيز فيها على التطبيقات والمظاهر العملية، وكيفية القيام بالعمل إن كان شيئا مُرَغَّبا فيه، أو اجتنابه إن كان شيئا منهيًّا عنه. فمثلا تجد الخطيب يتحدث عن الربا، فيذكر التعريف اللغوي والاصطلاحي، وتقسيمات الفقهاء للربا، ولا يكاد يتطرق لمظاهر الربا وتطبيقاته في الحياة المعاصرة، فيخرج المستمعون -وكثير منهم لا خبرة له بلغة الفقهاء وتقسيماتهم- وقد علموا حرمة الربا وخطورته، ولكن الكثير منهم لا يعلم أين الربا في تعاملاته اليومية حتى يجتنبها!
ومما لا فائدة فيه أيضا خطب ومقالات الرثاء لحال المسلمين؛ فهذه الخطب والمقالات، وما أكثرها، قد تثير الأسى والانفعال في نفوس السامعين، ولكنها قلّما تغيّر شيئا من حالهم. إن الأولى من ذلك أن تحوَّل تلك الخطب والمقالات إلى سلسلة من البرامج والمقترحات العملية التي تسهم في المشروع الطويل لبناء المجتمع المسلم القوي، والخروج بالأمة من انحطاطها وهوانها. إن كبوة الأمة الإسلامية لها أسباب موضوعية كثيرة ومعقدة تحتاج إلى جهود مضنية ومنظَّمة على مدى طويل للنهوض منها، ولتعود الأمة إلى مكانة السيادة والشهادة.
إن من القضايا العملية المهمة التي ينبغي على الخطاب الإسلامي التركيز عليها، قضية تربية الأبناء، حيث إن الناظر في المجتمعات الإسلامية يجد أن الكثير من المسلمين يقصّرون بشكل واضح في العناية بتربية أبنائهم. وقد يظن البعض أنه قد أدى وظيفته الأسرية بمجرد توفير الطعام واللباس والسكن لأبنائه، وقد يكون البعض على وعي بضرورة تربية الأبناء ولكنه لا يحسن تفاصيل ذلك، أو لا يريد أن يبذل في سبيل ذلك الوقت والجهد المطلوبين. لقد رأيب في بعض البلاد كيف أن غير المسلمين يهتمون بتربية أبنائهم أكثر بكثير من المسلمين، وقد كانت نتيجة ذلك أن نسبة الفشل الدراسي ونسبة البطالة بين أبناء غير المسلمين أقل بكثير مما هو عليه الحال بين المسلمين، كما تجد نسبة تعاطي المخدرات وجرائم الأحداث بين أبناء المسلمين أعلى مما هو عليه الحال بين أبناء غير المسلمين. وترى الرجل من المداومين على المسجد، ولكن تراه يتجول مع بناته المتبرجات وكأن الأمر طبيعي جدا. وللأسف لا تجد بين أصحاب الخطاب الديني اهتماما كافيا بهذا الموضوع على خطورته، وتجد غالب الحديث عن علامات الساعة، والجن، والتوسل وغيرها من الموضوعات الثانوية.
إن الاهتمام بتربية الأبناء على الخلق الحسن، والجِدّ والاجتهاد، والأمانة، والإتقان، واحترام حقوق الآخرين، والمحافظة على المرافق العامة والمصالح المشتركة، وآداب الاختلاف والتعامل مع الآخرين، والاستفادة من الوقت فيما يعود بالنفع على الفرد وأسرته ومجتمعه، وتقوى الله في السرّ والعلن، وغيرها من القيّم الفردية والاجتماعية، هو أساس الإصلاح الاجتماعي. وإذا لم يكن لأصحاب الخطاب الديني المؤهلات العلمية الكافية للحديث عن أساليب التربية، فإنه يمكن الاستعانة بالمتخصصين في التربية لتنظيم برامج ودورات متواصلة لتعليم لتوعية الوالدين بأهمية تربية الأبناء ومجالاتها، وتعليمهم أسس تلك التربية وطرقها العملية.



تشجيع ثقافة الحوار والنقد
النقد نوع من المحاسبة التي تمارس بغرض التقييم والتقويم. وللنقد أصول أصيلة في الإسلام، فهو من باب النصح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، فعين تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).[14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn14) وهو يندرج ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من الصفات الأساسية للأمة الإسلامية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110)؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71). كما أنه نوع من التشاور في المسائل محلّ التحاور والنقد، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بأن أمورهم العامة شورى بينهم، فقال عز وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38).
والواقع أنه مهما كان مصدر النقد ونوعه، ومهما ترتب عليه من آثار جانبية إذا لم تراعى آدابه، فإنه مهم في تقييم الإيجابيات والسلبيات وتقويم الأخطاء وتتميم النقائص. وينبغي على أصحاب الخطاب الإسلامي عدم التبرُّم بالنقد مهما كان مصدره، حتى لو كان من الخصوم العلمانيين، فإن انتقادهم قد تكون له وجاهة ويكون محلّ إفادة في التقويم والتتميم. كما ينبغي التفريق بين نقد أحكام الإسلام وشرائعه والطعن فيها، وهذا الذي ينبغي التصدي له والرد على أصحابه، وبين النقد الموجَّه للخطاب الإسلامي وممارسات أصحابه، وهذا لا ينبغي أن نصوِّره على أنه نقد للإسلام وطعن فيه، فقد يكون فيه شيء من الحق يستفيد منه الداعي لتقويم مسيرته وتحسين أدائه.
والمؤسف أن الثقافة الغالبة في المجتمعات الإسلامية، على اختلاف طبقات أصحابها وتوجهاتهم الفكرية، تتوجّس من النقد، وتصوِّره على أنه وسيلة للفرقة والتشهير. ومع كثرة الحديث عن الشورى والنصيحة إلا أنك لا تكاد تجد لهما أثرا عمليا في ممارسات المسلمين، سواء على مستوى الأنظمة أو الجماعات والأحزاب إسلامية كانت أو علمانية. وكثيرا ما يوصف الناقد بأنه مثير للفتنة، مفرِّق للصف، عميل لطرف آخر، وغيرها من الأوصاف. لا شك أن هناك من يستغل النقد لأغراض سيئة، وأن النقد ينبغي أن يكون بنَّاء وأن يتصف صاحبه بآدابه، ولكن الواقع أن منع النقد تحت هذه الشعارات ما هو إلا تكريس للاستبداد، وتستُّرٌ على النقائص والأخطاء.
انظر كيف مارس القرآن الكريم أشدّ أنواع النقد للمجتمع المسلم في أصعب الظروف وأشدّها على ذلك المجتمع. ففي غزوة أحد التي كانت فاجعة للمسلمين، وكان منطق الاستبداد (الذي يلجأ إلى فرض حالة الطوارئ وتكميم الأفواه في حال الصراع مع الأعداء بحجة المحافظة على الأمن الوطني) يقتضي المواساة والتستّر على العيوب حتى لا تُفضَح الحال الداخلية للمسلمين أمام الأعداء فيغريهم ذلك بمزيد من التهجم على المسلمين، لكننا نجد القرآن الكريم –وهو منطق الحق- يوجِّه أشد أنواع النقد للصف المسلم، ويفضح جميع النقائص، حتى التي كانت أسرارا في نفوس بعض الأفراد، وجعلها قرآنا يتلى يعلمه العدوّ والصديق. (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 152)، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 165)، فانظر كيف كشف القرآن وجود التنازع وعصيان أوامر القيادة وأن من المسلمين من كان يريد الدنيا، وأن ما أصابهم من هزيمة هو بسبب أخطائهم وتقصيرهم. وانظر مزيدا من النقد في الآيات: (آل عمران: 140-179).
وكذلك كان الأمر في أعقاب غزوة بدر عندما كان المسلمون فرحين بما أنجز الله عز وجل لهم من نصر، كيف جاء النقد لموقف المسلمين من الأسرى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (الأنفال: 68)


التركيز على التكامل
إن ميدان الإصلاح في مجتمعاتنا واسع جدا، ومجالاته متعددة (في العقيدة، والعبادة، والأخلاق الفردية والاجتماعية، والأسرة، والاقتصاد، والسياسة)، وهو في حاجة إلى جهود جبارة قد لا توفي بها جهود جميع الدعاة على اختلاف اهتماماتهم وتوجهاتهم الفكرية. وينبغي أن ندرك أنه لن يتمكن تيار بعينه من الوفاء بجميع متطلبات الإصلاح، وعليه فإنه على كل تيار أو جماعة عمل ما يراه لازما لتحقيق الإصلاح مما هو في مجال اهتمامه ونطاق قدرته وتخصُّصه دون سعي إلى احتكار الساحة وإفشال عمل الآخرين، إلا إذا كان عملهم منحرف بيِّن الانحراف عن خط أهل السنة والجماعة. ولا يعني التكامل سدّ باب النقاش والنقد، فهذا أمر لابد منه، وهو صمام الأمان الواقي من الانحراف والاستمرار عليه، ولكن الذي ينبغي تجنُّبه هو تسفيه جهود الآخرين إذا كانوا لا يسيرون في ركبنا، ومحاولة احتكار ساحة الدعوة والإصلاح دون قدرة على الوفاء بمتطلباتها.



احترام الرأي المخالف/ أدب الخلاف
الخلاف بين المسلمين نوعان: خلاف سائغ مبني على دليل، واختلاف مبني على جهل أحد الطرفين بالدليل أو على انحرافه عن جادة الطريق وابتداعه. ومن حق الشخص أن يتبنى أو يرجح رأيا من الآراء الخلافية وأن ينتصر لذلك الرأي وينافح عنه بالحجة والبرهان، وله أن يدعو إليه، ولكن يجب عليه أن يحترم الرأي الآخر في الخلاف السائع، ويحترم أصحابه، فلا يهاجمهم أو يسفِّه عقولهم. وينبغي على المسلم في خُطبه وكتاباته العامة أن يراعي شعور المستمعين والقراء ممن يخالفونه في الرأي، فيعرض رأيه ويدافع عنه بأدب دون تجريح في أصحاب الآراء المخالفة. ولنا في القرآن الكريم المثل الأعلى، حيث أمر الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم بالتزام آداب الحوار حتى مع الكفار الذين هم على ضلال بيِّن. انظر إلى قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 125)، وقوله: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (سبأ: 24). فإذا كنّا مطالبين بأن نجادل الكفار بالتي هي أحسن، فكيف الحال مع المسلمين؟ وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).[15] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn15)
والأفضل للمسلم أن يتعامل مع الواقع الذي لا يرضاه من منطلق الإصلاح، لا من منطلق التعنيف والتشهير. فمن وجد أفكارا وممارسات يراها مخالفة للشريعة، فبدلا من تعنيف أصحابها وتحقيرهم، يتوجّه إليهم توجّه الناصح الدال على الخير، الذي يريد أن يدلهم إلى ما هو خير مما عندهم، لأن التوجُّه إليهم توجُّه المعنِّف المشهّر بهم يثير فيهم التعصّب لما هم عليه ويبعث فيهم حمية الجاهلية للدفاع عن أنفسهم، فيجعلهم يُعرضون عمّا يريد أن يوجههم إليه، وقد قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء: 53). أما مخاطبتهم خطاب الناصح الذي يرشدهم إلى ما هو خير مما هم عليه فإنه لا يثير فيهم عصبية ولا حمية، ويجعلهم أقرب إلى قبول ما يُدعون إليه. عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).[16] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn16) وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)) (سورة طه). وقال تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) (الإسراء: 28).
وقد يتسرع الشخص في اتهام مخالفه بالشرك أو الضلال وربما بالكفر دون مراعاة لعاقبة ما يقول. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).[17] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn17) وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه).[18] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn18)

(http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn18)
الموضوعية والاعتراف بالخلل
قد ينساق بعض أصحاب الخطاب الإسلامي في خضم السجال الفكري مع العلمانيين أو غير المسلمين إلى التغاضي عمّا قد يكون من خلل عند أصحاب الفكر الديني وعمّا تعيشه المجتمعات الإسلامية من قصور وخلل، إما بسبب عدم إدراك ذلك القصور والاعتقاد أنه شيء مقبول، أو من باب التستُّر على العورات وعدم إبدائها والاعتراف بها أمام الخصوم. وإذا لم يبادر أصحاب الخطاب الإسلامي بالكشف عما في المجتمعات الإسلامية من خلل وقصور ويسعوا إلى إصلاحه وفق منهج الإسلام، فقد يستغله الليبراليون والعلمانيون وأعداء الإسلام لإحداث تغيير اجتماعي على طريقة لا يرضاها الإسلام.
ومما يمكن التمثيل به لذلك قضية تحرير المرأة في العالم الإسلامي، حيث تجد الشطط باديا على الطرفين المتصارعين. فمن جهة دعاة تحرير المرأة نجد أنهم استغلوا الواقع المزري للمرأة في نواحي كثيرة من العالم الإسلامي للعمل على إخراجها، ليس فقط من واقعها المزري، بل من الالتزام بأحكام الشريعة وأدبها في اللباس والزينة والعلاقة مع الرجال. وفي المقابل تجد من أصحاب الخطاب الديني الذين يقفون في وجه حركة تحرير المرأة من يهمل وجود واقع مزري للمرأة في كثير من مناطق العالم الإسلامي لا تقبله الشريعة ولا العقل. وكثيرا ما تجد أصحاب الخطاب الإسلامي في دفاعهم عن مكانة المرأة يلجأون إلى مقارنة مكانتها بمكانة المرأة في الجاهلية وفي العصور الوسطى، ويتجاهلون ما حققته المرأة المعاصرة من حقوق مشروعة تقرّها الشريعة، وأن المرأة المسلمة ما زالت محرومة منها في أماكن كثيرة. فما زالت المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية محرومة من الميراث، وتجبر على الزواج ممن ليس كفءا لها، ويأخذ والدها مهرها أو بعضا منه؛ وتجد في بعض الأماكن المرأة مستورة سترا كاملا في الظاهر، فإذا توغلت في خبايا المجتمع وجدت الكوارث بسبب انعدام التربية الإسلامية الحقيقية والاكتفاء بالمظاهر؛ وتجد في بعض القرى المرأة تجهد في عمل البيت وفي الحقل، وزوجها يتسكع في المقاهي يحستي الشاي ويدخن السجائر؛ وتجد الكثير من التقاليد السيئة متستِّرة بستار الدين، وربما بتواطئ ممن يُحسَبُون على أنهم رجالُه. وإذا لم يعمل أصحاب الخطاب الإسلامي على الإقرار بهذا الخلل والعمل على إصلاحه، فلا غرابة أن يستغله خصومهم لصالحهم وأن ينساق كثير من النسوة وراءهم بحثا عن مخرج من ذلك الواقع المزري.
ومثل ما يقال عن تحرير المرأة يقال عن قضية حقوق الإنسان التي كثيرا ما تُهدر في بلاد المسلمين، وقضايا النهضة العلمية والاقتصادية، والحرية والشورى، والعدالة الاجتماعية. وهي قضايا تعاني فيها المجتمعات الإسلامية من مشاكل حقيقية. وإذا اكتفى أصحاب الخطاب الديني بالتغني بأن الإسلام سبق غيره بأربعة عشر قرنا، وأن الإسلام دين العلم، وأن المسلمين حققوا حضارة من أعظم الحضارات، وأن الإسلام دين الشورى، وهو الدين الذي سبق غيره بقرون إلى حفظ حقوق الإنسان، دون أن يتحول ذلك إلى برامج عملية وحركة اجتماعية يُسهم في توجيهها وتنفيذها أصحاب الخطاب الإسلامي، فإن غيرهم من علمانيين وليبراليين سيعملون على ذلك ولكن بطريقتهم الخاصة التي تنتهي بإبعاد الإسلام عن الحياة العامة.
ومن القضايا المعاصرة التي أرى ضرورة النظر إليها بموضوعة وتمحيص وكشف ما فيها من خلل مجال المصارف الإسلامية، حيث ينبغي تجنُّب نزعة البحث عن مسوغات شرعية – مهما كان ضعفها وشذوذها – لتلك المصارف التجارية التي همّها الأول هو الربح، والتغاضي عما فيها من نقائص قد تنتهي إلى انحرافات كبيرة تشوِّه صورة تطبيق أحكام الإسلام في الحياة المالية؛ وذلك تحت ذريعة أن هذه البنوك مازالت في طور النشأة وأنها تحتاج إلى تشجيع لا إلى نقد حتى توفِّر بديلا للبنوك الربوية. ولكن نخشى مع غياب النقد أن تتسع زاوية الانحراف يوما بعد يوم. وقد سارت تلك المصارف في بعض البلاد مسيرة وصلت بها إلى تبنّي معاملات لا تختلف عما هو في البنوك الربوية سوى في الاسم، ولا تكاد تجد في تعاملاتها أثرا للمبدأ الأساس الذي يقوم عليه الاستثمار في الإسلام؛ وهو الاشتراك في الربح والخسارة، بل تجد الهمّ الأساس للبنك هو أن يدفع بمخاطر الخسارة إلى طرف العميل. ولا غرابة بعد ذلك أن تجد لندن وهونغ كونغ وسنغافورة تسعى لأن تكون مراكز استقطاب للمعاملات المالية الإسلامية، وأن تجد كبار البنوك الربوية قد افتتحت لها فروعا/نوافذ إسلامية!
ومن ذلك أيضا أننا عندما ننتقد التيارات الدينية الغالية في المجتمع، يجب أن نكون موضوعيين في تقييم أسباب غلوهم؛ لأن عدم الموضوعية في ذلك، والتغاضي عن الفساد الذي دفعهم إلى الغلو يجعلهم لا يثقون في من ينتقدهم ويسعى إلى تقويمهم. إن التركيز على طاعة أولي الأمر وإطلاق الأمر في ذلك لم يعد له صدى حتى بين عامة الناس، والموضوعية تقتضي الإقرار بالفساد الموجود، ودعوة الناس إلى أن ينهجوا أسلم طريق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يلتزموا بضوابط ذلك، حتى لا ينتج عن تغيير منكرٍ منكرٌ أكبر منه، أما التركيز على مجرد النصوص التي تدعو إلى طاعة أولي الأمر فإنه لا يعدو أن يُفْقد صاحبَه المصداقية ويجعل الناس لا يأبهون بكلامه.
إننا في وقت انفتح فيه الناس على ما يعيشه غيرهم في العالم، وتطلعت نفوس الأجيال الجديدة إلى حياة ملؤها الحرية والكرامة والعدل، ولم يعد كثير من الناس يسمعون لمن يبرّر الاستبداد وما يصاحبه من فساد مالي واجتماعي ونقص الفرص والخدمات. إن الناس يدركون أن أولي الأمر لهم حقوق وعليهم واجبات، وعليه فإن تركيز الخطاب الإسلامي على طاعة أولي الأمر دون حديث عن حقوق الرعية في الإصلاح سيُفْقِد أصحابَه المصداقية.


الوسطية
ليس الحديث هنا عن وسطية الإسلام، فهذا أمر مفروغ منه، وقد قال الله تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)، ولكن الحديث عن تمثُّل أصحاب الخطاب الديني بتلك الوسطية، حيث إن ذلك يبقى محلّ أخذ وردّ بين مختلف الجماعات والتيارات الفكرية الإسلامية، حيث يرى كل طرف أنه يمثّل الوسطية، وأن من يخالفه في بعض التوجُّهات والأفكار يحيد بذلك عن الوسطية. وليس هذا محلّ تحرير مفهوم الوسطية، ولكن الإشارة إلى بعض مظاهر تجاوز الوسطية. فلا أعتقد أن من الوسطية أن تجد من يحصر أهل السنة والجماعة في الأشاعرة والماتريدية، أو تجد من يخرج الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة. كما أنه ليس من الوسطية تسفيه المذاهب الفقهية الأربعة التي أسهم في بنائها كبار فقهاء الأمة الإسلامية، ولا من الوسطية التعصب الأعمى لتلك المذاهب والجمود على بعض اختيارات المتأخرين من أتباع المذاهب الفقهية التي تكون أحيانا مخالفة حتى للأسس التي وضعها أئمة المذهب. وليس من الوسطية تعميم الحكم على كثير من رجال الفكر والإصلاح بتصنيفهم ضمن التيارات المنحرفة، على الرغم مما كان لهم من أثر بارز في النهضة الإسلامية المعاصرة. ولا شك أن المنهج الوسط هو الذي يعترف للشخص أو للتيار الفكري بما له من فضائل، وينتقد ما فيه من أخطاء، ولا تجرّه عصبيّة الانتماء إلى التغاضي عن الأخطاء والنقائص في التيار الذي ينتمي إليه، كما لا تجرّه عصبيّة الاختلاف إلى إنكار الإيجابيات والفضائل في التيارات الأخرى.
وانظر إلى القرآن الكريم في حديثه عن الخمر – وهي أُمّ الخبائث- كيف أقرّ بما فيها من منافع على قِلّتها ، فقال عزّ وجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة: 219).



التركيز على الأسباب بدلا من المظاهر
لكل مشكلة أسباب قد تكون ظاهرة وقد تكون خفيّة، وينبغي على الخطاب الإسلامي عند تطرقه لمعالجة المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أن لا يكتفي بالتحذير من مظاهرها والدعوة النظرية إلى حلِّها، بل ينبغي على أصحاب هذا الخطاب القيام بدراسات جادة والاستفادة من أهل التخصص والخبرة من أجل الكشف عن الأسباب الحقيقية لتلك المشكلات والبحث عن الحلول المناسبة لها. وبدلا من كثرة الحديث عن المشكلة ومظاهرها ينبغي التوجُّه إلى جذورها والعمل على حلِّها. ومما يمكن التمثيل به لهذه النقطة قضية الوحدة الإسلامية. فما أكثر حديث المسلمين عن الوحدة سواء على مستوى البلد الواحد أو على مستوى الأمة كلها، ولكن ما أقلّ تحقُّق تلك الوحدة في الواقع. والمشكلة أننا نريد أن نحقق إنجازا كبيرا قال الله تعالى في مثله: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 63) بمجرد آمال ومناشدات. إن الوحدة لا تتحقق بكثرة الكتابات والخطب التي تدعو إلى ذلك، وإنما للوحدة أسباب موضوعية لا تتحقق بدونها. وما دمنا لا نعالج بموضوعية وبطرق عملية أسباب التفرق والتناحر فلن تتحقق وحدةٌ حتى لو ملأنا عالمنا الإسلامي بالمقالات والخطب الداعية إلى ذلك.
لن تتحقق وحدة مع انعدام العدل في المجتمع، فالوحدة إنما تتحقق عندما يشعر كل طرف بأن الأطراف الأخرى لا تهضم حقوقه ولا تستغلها لمصالحها الخاصة في حال الوحدة. ولن تتحقق الوحدة مع عدم تدريب أبناء المجتمع على أساليب التعامل مع الاختلاف وإدارته. فالاختلاف جزء من الطبيعية البشرية، وإذا كنّا نريد من الوحدة انتهاء الاختلافات فهذا حلم لن يتحقق، وإنما طريق الوحدة في تعليم الناس وتدريبهم عمليا منذ مرحلة الصبا (في الحضانة، والمدرسة، والأسرة، ومكان العمل) على كيفية إدارة الاختلاف والتعامل معه بصورة إيجابية. ولن تتحقق الوحدة مع طغيان الأنانية وغياب السلوك الاجتماعي الذي يؤمن صاحبُه بأنه لن يعيش حياة سعيدة إلا باحترام القانون والحقوق المشتركة بين أفراد المجتمع، وأن مصالحه الشخصية لا تتحقق بشكل إيجابي إلا مع احترام مصالح الآخرين والمصالح المشتركة. ولن تتحقق الوحدة بدون النظر إلى النقد نظرة إيجابية بوصفه أداة من أدوات تصحيح الخطأ والانحراف في المجتمع، لا بوصفه أداة من أدوات التحدي والتحقير.
هذه – في اعتقادي – أمراض اجتماعية ينبغي على الخطاب الإسلامي أن يتوجه بجد إلى معالجتها على جميع المستويات بالتوعية والتربية العملية القائمة على مبادئ الإسلام وأخلاقه السامية، بدلا من البكاء على الوحدة الإسلامية التي لن تتحقق إلا بتحقق أسبابها ومقوماتها. وأساس ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11). فما لم نغيّر ما بأنفسنا من أسباب الفُرقة والتناحر، لن يغيّر الله عزّ وجل حالنا من الفُرقة إلى الوحدة بمجرد دعوات وخطب ومراثي لا يصحبها التحرك العملي الإيجابي.
والأمر نفسه يقال عن النهضة الإسلامية، فالنهضة لها مقومات وأسباب عملية لا تتحقق بدونها، وينبغي على الخطاب الإسلامي التركيز على تفاصيلها، والإسهام في وضع وتنفيذ البرامج العملية التي تحقق عوامل النهضة على المدى الطويل مهما كان الإسهام بسيطا. لقد بات واضحا لغالبية المسلمين اليوم أن مفتاح نهضتنا في العودة إلى الإسلام، ولم تعد المشاريع العلمانية والقومية ذات جاذبية كبيرة، ولكن هناك نقص واضح في البرامج التي تحوِّل هذه القناعة إلى واقع معيش، وهذه من القضايا التي ينبغي على الخطاب الإسلامي التركيز عليها.


فقه الأولويات
المسلم الكامل هو الذي يأتي بالواجبات كلها ويجتنب المحرمات جميعها، ويسعى جهده في الالتزام بالسنن والتزود من الفضائل والرغائب. والداعي يدعو الناس إلى جميع ذلك، ولكن قد يكون في ظرف لا يمكن الجمع فيه بين جميع ذلك، فيتطلب الأمر مراعاة الأولويات في دعوته. ومن هنا كان التدرّج في التشريع والدعوة. وإذا كان التدرُّج في التشريع قد انتهى بانتهاء عصر التشريع، وليس لأحد بعد ذلك أن يُحلّ مُحَرَّما للمدعوين أو يسقط عنهم واجبا، فإن التدرُّج في الدعوة ما زال قائما، وأساسه حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوماً أهلَ كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، فإن هم أطاعوا لك؛ بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك؛ فإياك وكرائمَ أموالِهم، واتق دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب."[19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19) فالتدرج في الدعوة يكون بالتدرج في الموضوعات التي يركز عليها الداعي والبرامج العملية التي تدعم تلك الموضوعات حسب متطلبات المرحلة وما تسمح به الظروف، وغالبا ما يكون ذلك في البيئات الجديدة في الإسلام، أو البيئات التي طُمِسَت فيها معالم الإسلام أو كادت، فيحتاج أصحابها إلى التدرّج معهم في فهم الإسلام وتطبيقه. والمهم أن لا ينتهي التدرُّج إلى إخضاع شرائع الإسلام لظروف البيئة ورغبات أصحابها كما حدث للنصرانية مع الرومان، ولكن يكون منهج التدرّج وغايته الارتقاء المتدرِّج بأبناء تلك البيئة إلى الإسلام الكامل. كما يكون التدرّج في مراحل التربية الروحية، وتعليم العلم الشرعي.
وتكون الحاجة إلى فقه الأولويات عند تدافع المصالح فيما بينها، أو تزاحم المفاسد فيما بينها، وعند تعارض المصالح مع المفاسد. فتُعمل القواعد الفقهية المعروفة التي تحكم ذلك. فعند تدافع المصالح تقدم المصلحة الأكبر على الأصغر، وعند تزاحم المفاسد تدفع المفسدة الأكبر مع تحمُّل المفسدة الأقل. وعند تعارض المصالح والمفاسد يكون درء المفاسد مقدما على جلب المصالح عند تساويهما أو تقاربهما، فإن كان بينهما تفاوت كبير قُدِّم الأكبر، فإذا كانت المصلحة أكبر جُلبت مع تحمُّل المفسدة المقابلة، وإذا كانت المفسدة أكبر دُفعت المفسدة مع تحمُّل ضياع المصلحة المقابلة.


تطبيق الشريعة بين الشمول والاختزال
قد ترى البعض في دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يصرف جلّ اهتمامه إلى تطبيق العقوبات الحدية، إلى درجة يصير فيها إصدار قانون للعقوبات الشرعية (قانون الحدود) عَلَمًا على قضية تطبيق الشريعة. وهذا في الواقع اختزال لشريعة عامة جاءت لتحكم جميع جوانب الحياة في جانب العقوبات التي هي جزء بسيط منها. وهو اختزال أعطى صورة خاطئة عن تطبيق الشريعة لدى غير المسلمين، وحتى بين بعض المسلمين. وقد يقود إلى هذا التصور اعتقاد البعض أن الحدود (العقوبات الحدية) هي أهم شيء في الشريعة، وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أسامة بن زيد لما كلمه في المرأة المخزومية التي سرقت، وقال له: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله".[20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20) ومما يدعم ذلك أن مصطلح "الحدود" في كتب الفقه شاع إطلاقه على العقوبات المقدرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وقد يكون من أسباب ذلك الاعتقاد بأن العقوبات كفيلة بتربية الناس وتكوين مجتمع إسلامي ملتزم.
وإذا نظرنا في القرآن الكريم في المواضع التي وردت فيها "حدود الله" نجدها: مرة في الآية (187) من سورة البقرة،[21] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21) وستّ مرات في الآيات (229-230) من سورة البقرة،[22] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22) ومرتان في سورة النساء: (13-14)،[23] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23) ومرة في سورة التوبة: (112)،[24] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24) ومرة في سورة المجادلة: (4)،[25] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25) ومرتان في سورة الطلاق: (1).[26] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn26) وإذا نظرت فيها وجدت أغلبها وارد في أحكام الطلاق وحفظ حقوق الزوجة عند الطلاق وما يتبعه، ومرة في أحكام الإرث (التي للأسف لا يلتزم بها بعض المسلمين في بعض الأماكن وما زالوا يحرمون المرأة من الميراث)، وبعضها في أحكام الله تعالى عموما. والخلاصة أن حدود الله تشمل جميع أحكامه ولا فرق فيها بين عدم الإضرار بالزوجة والاعتداء على حقوقها في الطلاق، وبين احترام شروط الصيام والاعتكاف، وبين معاقبة السارق والزاني وشارب الخمر. فإذا كان السارق يُعاقَب لأنه اعتدى على حقوق الناس، فإن الذي يحرم المرأة من ميراثها أو من حقوقها عند الطلاق اعتدى على حق من حقوق الناس، وهو قد تعدى حدود الله مثل السارق أو الزاني. وكما نحرص على تطبيق حدود الله في السرقة والزنا والخمر، نحرص على تطبيق حدوده في الطلاق والميراث واحترام أموال المسلمين وأعراضهم ودمائهم.
وفي بلد مسلم يحكم إحدى مقاطعاته منذ سنين طويلة حزب إسلامي يحمل لواء الدعوة إلى تطبيق الشريعة، قام الحزب بصياغة "قانون الحدود" وأجازه البرلمان المحلي، ولكن الحكومة الفدرالية جمّدت القانون ورفضت السماح بتطبيقه، ولكن الزائر لتلك المقاطعة لا يرى –للأسف- اختلافات كبيرة بين نمط الحياة فيها ونمط الحياة في المقاطعات الأخرى، وقد حدثني من مارس التجارة في أسواقها بما لا يختلف عنه حال أسواق البلاد الإسلامية من مفاسد. والناظر في الإحصائيات التي تنشر سنويا عن الآفات الاجتماعية في الدولة (المخدرات، زنا المحارم، الطلاق، الجرائم ...) يجد تلك المقاطعة تحتل المراكز الأمامية في كثير منها.
والشاهد هنا أن البعض قد يختزل تطبيق الشريعة في تطبيق العقوبات (قانون الحدود)، في حين نجد تقصيرا كبيرا وفشلا واضحا في تربيّة الناس على مبادئ الإسلام، والالتزام بحدود الله عز وجل في مجال الأسرة والطلاق، والتجارة، وحقوق اليتامى والضعفاء، وغيرها من حدود الله عز وجل؛ وبعبارة أخرى التقصير في العمل على إيجاد مجتمع مسلم يلتزم حدود الله تعالى في مختلف مناحي حياته اليومية.
وقد صدر في بلد مسلم قانون للزنا على اعتبار أنه تطبيق لحدود الله تعالى، ولكن لم نجد في مقابل ذلك تطبيقا لحدود كثيرة من حدود الله في مجال الأخلاق والآداب العامة، فتجد في البلد نفسه الأفلام الهندية الراقصة هي وسيلة الترفيه الأكثر انتشارا في البلد (في وسائل النقل العامة، وفي البيوت، وفي دور السنما، وغيرها)، وتجد الصور الإشهارية الفاضحة لتلك الأفلام تملأ جدران المدن وصفحات الجرائد. وبعد ذلك قد يظن بعضهم أنهم بإصدارهم لقانون الزنا قد طبَّقوا حدود الله وأزاحوا المسؤولية عن عاتقهم!
وليس المراد من هذا الكلام التقليل من شأن تطبيق العقوبات الشرعية، فتلك من حدود الله تعالى التي لا يملك أحد حقّ التصرف فيها بغير التنفيذ، ولكن المراد أن العقوبات في الشريعة ليست مقاصد، ولكن المقصد هو تعبيد الناس لله رب العالمين وإيجاد المجتمع المسلم الخالي من الفواحش والاعتداء على حقوق الآخرين، وما العقوبات إلا وسائل المقصود منها الزجر، وكما جاء في الأثر: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فالهدف هو تربية الناس على الوقوف عند حدود الله تعالى وتوفير البيئة الصالحة التي تساعدهم على الاستمرار في ذلك؛ وهذا هو الجانب الذي ينبغي أن تتوجه إليه العناية الكبرى، وتبذل في سبيله الجهود، فإن بدر مع ذلك من أحد جريمة تستحق عقوبة عوقب.
وما يُخْشَى هو أن يصير اختزال تطبيق الشريعة في تطبيق العقوبات مسلكا خفيًّا للهروب من مسؤولية تربيّة المجتمع على التزام حدود الله، التي هي مسؤولية ثقيلة تحتاج إلى جهود وتضحيات كبيرة على مدى طويل قد يصعب الصبر عليه. فبدلا من بذل الجهد على المدى الطويل، نلجأ إلى اختصار ذلك في العقوبات، ظنًّا أن العقوبة كفيلة بالتربية. ومثل هذا كمثل الأب الذي يختزل تربية أبنائه في معاقبتهم على أخطائهم، دون أن يمنحهم من وقته وجهده الشيء الكثير لتعليمهم الفضائل وتدريبهم عليها إلى أن ترسخ في نفوسهم، وهو جهد لا يصبر عليه الكثير من الآباء، فيلجأون بدلا من ذلك إلى التنفيس عن غضبهم بالضرب والعقاب لأولئك الأطفال المساكين الذين تعلموا تلك الرذائل من بيئتهم التي يعيشون فيها فمارسوها، ولم يجدوا في المقابل من يدرِّبهم ويرسِّخ في نفوسهم الفضائل، ويوفّر لهم البيئة التي تُعينهم على التحلِّي بتلك الفضائل والتخلي عن الرذائل.


خاتمة
إن مهمة أصحاب الخطاب الإسلامي هي تحقيق البلاغ المبين، الذي يرشد الناس ويوجههم، ويترك فيهم أثرا عمليا يقود إلى بناء المجتمع الإسلامي المنشود. وحتى يكون الخطاب فعالا لابد أن يبذل فيه صاحبه جهدا كبيرا لإعداده، ولا يكون الإعداد جيدا إلا إذا سبقه تحديد دقيق لأهداف ذلك الخطاب واختيار المادة العلمية المناسبة لمقامه الزماني والمكاني والأشخاص الموجَّه إليهم. ثم بعد ذلك لابد من رسم طريقة مناسبة لعرض تلك المادة العلمية، بما يحقق تلك الأهداف. وحتى يكون مضمون الخطاب فعالا، لابد من التحلي بالوسطية وآداب الخلاف، ومراعاة الأولويات، والاستجابة لمتطلبات الواقع، والتركيز على الجانب العملي، ومعالجة أسباب المشكلات وأصولها بدلا من التركيز على المظاهر، والموضوعية في العرض والنقد. ومما يسهم في تحسين الخطاب والارتقاء به اتساع الصدر للنقد مهما كان مصدره، والتعامل معه على أنه وسيلة للتقييم واستدراك النقائص، لا على أنه تحديا للشخص وقدحا فيه.



الهوامش


[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1)http://www.ljlseminars.com/elements.htm (http://www.ljlseminars.com/elements.htm)

[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2)http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech (http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech)

[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref3)http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech (http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech)

[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref4)http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech (http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech), http://www.speech-topics-help.com/effective-speech.html (http://www.speech-topics-help.com/effective-speech.html)

[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref5)http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech (http://pac.org/*******/speechwriting-101-writing-effective-speech), http://www.speech-topics-help.com/effective-speech.html (http://www.speech-topics-help.com/effective-speech.html)

[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref6)http://professionalpractice.asme.org/Communications/NonTech/From_Technical_NonTechnical.cfm


([7]) أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الصلوات الخمس.


([8]) صحيح مسلم، كتاب اللعان، (حديث1500).


([9]) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه.


([10]) صحيح مسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب الاقتصاد في الموعظة.


[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref11) صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيق الصلاة والخطبة.


[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref12) صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيق الصلاة والخطبة.

[13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref13) هذا ما يراه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي استغرب ما أورده الإمام النووي من إجماع الحفاظ على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ورأى أن الأولى خلاف ذلك. انظر كتابه: أليس الصبح بقريب، "التعليم العربي الإسلامي دراسة تاريخية وآراء إصلاحية"، قرأه ووثق شواهده وقدم له: محمد الطاهر الميساوي، كوالالمبور: دار التجديد للطباعة والنشر والترجمة، ط1، 1423ﻫ/ 2002م، ص226.


[14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref14) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة.


[15] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref15) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.


[16] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref16) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل الرفق.


[17] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref17) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار. وفي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ». كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان.


[18] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref18) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال من قال لأخيه المسلم: يا كافر.


([19]) صحيح البخاري، كتاب الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا.


[20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref20) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان.

[21] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref21) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة: 187).

[22] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref22) (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (230) (سورة البقرة).

[23] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref23) (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (14) (سورة النساء).

[24] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref24) (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: 112)

[25] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref25) (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (4) (سورة المجادلة)

[26] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref26) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق: 1)