المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النفس!



أهــل الحـديث
25-03-2013, 05:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله) ، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها.


النفس!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن نفس الإنسان أيها الأحبة دائما ما ترغبه دائما إلى اتباع الشهوات والسعي وراء الملذات، وتثبطه عن فعل الطاعات و التزود من الخيرات،فهي من أعوان الشيطان على محاربة الإنسان.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء".
مدارج السالكين ( 1/220)
فهذه النفس إذا لم يهذبها صاحبها بالدين ويعودها على البحث عن رضى رب العالمين،و اتباع هدي خير المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين،فإنها تجره إلى كل قبيح، وتبعده عن كل فعل صحيح، فَتردي به في المهالك وتجعله يبوء بالخسران والحرمان،قال تعالى:( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)[ يوسف:53]
يقول الإمام الطبري –رحمه الله- :"إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله".
تفسير الطبري(13/1)
ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" تأمر صاحبها بما تهواه :من شهوات الغي واتباع الباطل فهي مأوى كل سوء وإن أطاعها قادته إلى كل قبيح وكل مكروه".إغاثة اللهفان(ص 77)
ويقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :" (إن النفس لأمارة بالسوء):أي :لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء،أي:الفاحشة،وسائر الذنوب،فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان".تفسير السعدي(ص 400)
لكن الناس أيها الأحبة الكرام على صنفين،فمنهم من يتغلب على نفسه فيقودها إلى ما يحب الله ويرضى، ومنهم من تغلبت عليه نفسه!فجرته وراء شهواتها وأغرقته في نزواتها فضيعت أوقاته في المعاصي والذنوب فأهلكته، نسأل الله العافية.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" فإن الناس على قسمين:قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها، وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم ".إغاثة اللهفان (ص 75)
وقد أشار إلى هذين القسمين من الناس نبينا صلى الله عليه وسلم ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :" كُلُّ الناس يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أو مُوبِقُهَا ". رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- .
قال الإمام النووي –رحمه الله-:" كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى بإتباعهما فيوبقها أي: يهلكها، والله أعلم ".الشرح على صحيح مسلم (3 /102)
وقال الإمام ابن رجب –رحمه الله-:"ودل الحديث: على أن كل إنسان إما ساع في هلاك نفسه أو في فكاكها، فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه لله، وأعتقها من عذابه ومن سعى في معصية الله تعالى فقد باع نفسه بالهوان، و أوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه".جامع العلوم والحكم (ص 220)
أيها الأفاضل إن من تيسير الباري سبحانه لعبده وتوفيقه له أن يعينه على كبح نفسه عما تريد من الشهوات وترغب من الملذات،قال تعالى:( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) [يوسف:53]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"( إلا ما رحم ربي ) فنجاه من نفسه الأمارة حتى صارت نفسه،مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى ، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس،بل من فضل الله ورحمته بعبده . ( إن ربي غفور ) أي : هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب . ( رحيم ) بقبول توبته،وتوفيقه للأعمال الصالحة ".تفسير السعدي ( ص 400)
فعلى العبد الحريص أن يبذل أيضا الأسباب التي تعينه على التغلب على نفسه الأمارة بالسوء من فعل الطاعات والسعي في الخيرات و تجنب المحرمات و الابتعاد عن المنكرات،ويصبر على جهاد نفسه ويحتسب ذلك عند الله جل وعلا،فإن هذا الأمر متعب وشاق.
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"فأما مجاهدة الإنسان نفسه فإنها من أشق الأشياء، ولا تتم مجاهدة الغير إلا بمجاهدة النفس أولاً، ومجاهدة النفس تكون بأن يجاهد الإنسان نفسه على شيئين، على فعل الطاعات، وعلى ترك المعاصي؛ لأن فعل الطاعات ثقيل على النفس إلا من خففه الله عليه، وترك المعاصي كذلك ثقيل على النفس إلا من خففه الله عليه، فتحتاج النفس إلى مجاهدة لا سيما مع قلة الرغبة في الخير، فإن الإنسان يعاني من نفسه معاناةً شديدة؛ ليحملها على فعل الخير". شرح رياض الصالحين ( 2/51)
وعليه أن يعلم أن جهاده لما يضره في آخرته من هوى نفسه والشيطان والسعي وراء الدنيا الفانية له ثمرة عظيمة بعونه سبحانه وهو الفوز بجنة قطوفها دانية،قال تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )[العنكبوت :69].
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد جهاد النفس،وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد".الفوائد (ص 59)
فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأن يوفقنا لكل عمل يقربنا إليه سبحانه، وينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.


وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي