المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقامة طريق النجاة



عميد اتحادي
21-03-2013, 08:10 PM
الاستقامة طريق النجاة



http://www.hejraway.com/atms/104024.gif (http://www.hejraway.com/atms/104024.gif)


إنَّ الحمد لله نحمده تعالى،ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرورأنفسنا ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.وبعد,

أحبتى فى الله معاً لكى نصل الى طريق النجاة من الهلاك والنار الى طريق جنة الرحمن التى وعد بها عباده المتقين باستقامة وفلاح الدنيا والأخرة.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوارَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ(فصلت/ 30).وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ (الأحقاف/ 13)، إلى قوله:يَعْمَلُونَ،وقال تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم:فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ (هود/ 112) إلى قوله بَصِيرٌ،فبيّن أنّ الاستقامة بعدم الطّغيان،وهومجاوزةالحدود.
وقال: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/6)

قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: «الاستقامة هي لزوم المنهج القويم.
والمقصود من العبد الاستقامة وهي السّدا,فإن لم يقدرعليها فالمقاربة وعند مسلم من حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«سدّدوا وقاربوا،واعلموا أنّه لن ينجو أحد منكم بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمّدني اللّه برحمة منه وفضل»
فجمع في هذا الحديث مقامات الدّين كلّها فأمر بالاستقامة وهي السّداد، والإصابة في النّيّات والأقوال وأخبر في حديث ثوبان أنّهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة، وهي أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم، كالّذي يرمي إلى الغرض، وإن لم يصبه يقاربه ومع هذا فقد أخبرهم أنّ الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة، فلا يركن أحد إلى عمله، ولا يرى أنّ نجاته به؛ بل إنّما نجاته برحمة اللّه وغفرانه وفضله. فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي اللّه تعالى على حقيقة الصّدق، والوفاء بالعهد.

والاستقامة تتعلّق بالأقوال والأفعال والأحوال والنّيّات فالاستقامة فيها، وقوعها للّه وباللّه وعلى أمر اللّه قال بعضهم: كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإنّ نفسك متحرّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة. فالاستقامة للحال بمنزلة الرّوح من البدن، فكما أنّ البدن إن خلا عن الرّوح فهو ميّت فكذلك الحال إذا خلا عن الاستقامة فهو فاسد. وكما أنّ حياة الأحوال بها، فزيادة أعمال الزّاهدين أيضا ونورها وزكاؤها بها، فلا زكاء للعمل ولا صحّة بدونهوقال رحمه اللّه تعالى: «من هدي في هذه الدّار إلى صراط اللّه المستقيم الّذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه،هدي هناك إلى الصّراط المستقيم الموصل إلى جنّته دار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصّراط الّذي نصبه اللّه لعباده في هذه الدّار، يكون ثبوت قدمه على الصّراط المنصوب على متن جهنّم، وعلى قدر سيره على هذا الصّراط يكون سيره على ذاك الصّراط، ولينظر العبد الشّبهات والشّهوات الّتي تعوقه عن سيره على هذا الصّراط المستقيم؛ فإنّها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصّراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا، وقويت فكذلك هي هناك وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ »مدارج السالكين.

إذااستقام القلب استقامت الجوارح
قال ابن رجب- رحمه اللّه تعالى-: «أصل الاستقامة استقامة القلب على التّوحيد، وقد فسّر أبو بكر- رضي اللّه عنه - الاستقامة في قوله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*: بأنّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة اللّه، وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبّته وإرادته ورجائه ودعائه والتّوكّل عليه والإعراض عمّا سواه، استقامت الجوارح كلّها على طاعته، فإنّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلبمن الجوارح اللّسان، فإنّه ترجمان القلب والمعبّر عنه».

وأورد الطّاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*ما يلي:
الاستقامة حقيقتها: عدم الاعوجاج والميل، والسّين والتّاء فيها للمبالغة في التّقوّم، فحقيقة استقام: استقلّ غير مائل، ولا منحن. وتطلق الاستقامة أيضا على ما يجمع معنى حسن العمل والسّير على الحقّ والصّدق، قال تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (فصلت/ 6) وقال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ (هود/ 112)

فاستقاموا تشمل معنى الوفاء بما كلّفوا به، وأوّل ما يشمل من ذلك أن يثبتواعلى التّوحيد، أي لا يغيّروا ولا يرجعوا عنه،وعن أبي بكر رضي الله عنه: ثُمَّ اسْتَقامُوا لم يشركوا باللّه شيئا،
وعن عمر رضي الله عنه: استقاموا على الطّريقة لطاعته ثمّ لم يروغوا روغان الثّعالب.
وقال عثمان رضي الله عنه: ثمّ أخلصوا العمل للّه، وعن عليّ رضي الله عنه: ثمّ أدّوا الفرائض. وكلّ هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإيمان وآثاره.

والاستقامة زائدة في المرتبة على الإقرار بالتّوحيد؛ لأنّها تشمله وتشمل الثّبات عليه والعمل بما يستدعيه وجمع قوله: قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أصلي الكمال الإسلاميّ، فقوله: قالُوارَبُّنَا اللَّهُ يشير إلى الكمال النّفسانيّ وهو معرفة الحقّ للاهتداء به،ومعرفة الخير لأجل العمل به.
والخلاصة أنّ الاستقامة- كما يقول صاحب البصائر- كلمة آخذة بمجامع الدّين، وهي القيام بين يدي اللّه تعالى على حقيقة الصّدق والوفاء بالعهد، وهي تتعلّق بالأقوال والأفعال والنّيّات، والاستقامة فيها وقوعها للّه وباللّه وعلى أمر اللّه تبارك وتعالى

وقوله: اسْتَقامُوا يشير إلى أساس الأعمال الصّالحة، وهو الاستقامة على الحقّ، أي أن يكون وسطا غير مائل إلى طرفي الإفراط والتّفريط ...
فكمال الاعتقاد راجع إلى الاستقامة، فالاعتقاد الحقّ أن لا يتوغّل في جانب النّفي إلى حيث ينتهي إلى التّعطيل، ولا يتوغّل في جانب الإثبات إلى حيث ينتهي إلى التّشبيه والتّمثيل؛ بل يمشي على الخطّ الفاصل بين التّشبيه والتّعطيل، ويستمرّ كذلك فاصلا بين الجبريّ والقدريّ، وبين الرّجاء والقنوط، وفي الأعمال بين الغلوّ والتّفريط.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين