المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "عدنان إبراهيم" بين العلم والتعالم



أهــل الحـديث
20-03-2013, 06:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


"عدنان إبراهيم" بين العلم والتعالم
للشيخ ساعد بن غازي
سبق وناقشت الدكتور عدنان إبراهيم في طعنه ولمزه لعبد الله بن الصحابي الجليل الإمام - رضي الله عنه - ما أبو عبد الرحمن العدوي المدني الفقيه، أحد الأعلام في العلم والعمل، ومناقبه جمة؛ أثنى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووصفه بالصلاح، وكفى بها تزكية، وقد تفاوتت التعليقات على ما كتب من الرد على مزاعم عدنان، والذي استوقفني هو محاولات الدفاع عن عدنان، والتماس الأعذار له، أو التهوين مما يطرحه من أفكار ومعتقدات، ولكن يظل عدنان إبراهيم ومن على شاكلته، يمثلون طابوراً من أدعياء العلم والبحث النزيه - زعموا -، وهو في حقيقته هادم للأصول وقواعد العلم الصحيح، وفي هذا المقال أجدني مرة أخرى أعاود الحديث عن ظاهرة عدنان إبراهيم التي شغلت المسلمين مؤخراً، بين منبهرٍ به وأسلوبه، وما يذكره بطريقة توحي بسعة الاطلاع والمعرفة، وفريق من أهل العلم وطلابه أدركوا خطر ما يطرحه، وظهرت لهم بوضوح مبلغ هذا الرجل من العلم وما يرميه من وراء أفكاره ومعتقداته، وأول هو كثرة اللمز في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجة البحث العلمي المتجرد لمعرفة الحقيقة، وما هو في الحقيقة إلا كما أعلن هو عنها بصراحة وحزم ووضوح وإصرار وفي الحقيقة فإن عدنان إبراهيم أعلن عن هدف من وراء طعنه في معاوية - رضي الله عنه -، ومن خلفه بقية الصحابة - رضي الله عنه -م فيقول ما نصه: "أنت الآن آمنت بكلامي هذا أو صدقته جزئياً، أن معاوية هذا كان طاغية وكان من أئمة الضلالة، وكان خداعاً كبيراً، وأفاكاً، وغداراً، كما قال أبو إسحاق السبيعي، ومتهتكاً كما قال الشيح ابن عبد الله القاضي، إلى آخره، آمنت بهذا، هذا يوجب عليكم أن تراجع أشياء كثيرة جداً في الحديث والعقيدة وفي الفقه وفي النقل وفي العقل وفي الأدبيات، شغلات كثيرة وسوف تضطر أن تراجع نظرية عدالة الصحابة وما الصحابة معصومية الصحابة يعني بالمعنى الحقيقي بصراحة وهذا مرهق جداً ومتعب لا أقدر أطلع على المنبر زي الأول أتكلم بسهولة، سوف يحرجني في أشياء كثيرة جداً جداً، هذا إمام الفئة الباغية، الفئة الباغية فيها رؤوس غير معاوية فلان وعلان، والناس تدافع عنه وسيدنا الإمام أحمد دافع عنه وقال: اللي يتكلم في معاوية كذا وكذا، ولا شارب ولا كذا يطعن فيه، أو نطعن فيه، وابن تيمية والعلماء كلهم أيش حنعمل ورطة كبيرة صحيح، لا لا أيش دخلني في المسألة، معاوية - رضي الله عنه - وأرضاه وقدس الله سره الكريم، وحشرنا الله - البعيد البعيدة - حشرهم الله معه، هو حيرتاح، روح أرتاح يا كسول لسنا كسلا إن شاء الله أحنا عندنا جراءة وشجاعة". هكذا أفصح عدنان إبراهيم عن مقصده ومراده من الطعن في الصحابة - رضي الله عنهم - أنه يريد مراجعة الحديث والعقيدة والفقه والنقل والتاريخ، إي أن كل ما نقل لنا وما لدينا من عقائد أهل السنة والجماعة وما عليه السلف الصالح، وما لدينا من فقه منقول عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المتبوعين كل هذا لا يثق به عدنان إبراهيم، بل يمضي في الإفصاح عن مراده، وهو إعمال عقله هو، وعدم اعتبار ما اجتمعت عليه الأمة أو ما اتفقت عليه الأمة ولا ما ترجح بالأدلة، ونحو ذلك، ولا اعتبار لرأي من سبق من العلماء فيما قرروه من أصول وقواعد في مختلف العلوم، فيقول في محاضرة بعنوان: "إعمال العقل": "ولكن عقلي لا يمكن أعيره لأحد ولا استعير عقل أحد هكذا خلقني الله، وبعد أربعين سنة في الدراسة أو قريب من ذلك أنا أعود في حافرتي أرتكس الآن وأنقلب على عاقبي وأعير عقلي للآخرين والله لا أستعير ولو كان عقل أعظم الأئمة وهو أعظم عقلاً مني ألف مرة لا يعنيني أنا في نهاية المطاف مكلف بعقلي الذي في دماغي ليس بعقله هو الذي في دماغه، هو مكلف بعقله الذي في رأسه، أنا مكلف بعقلي الذي في دماغي أنا لن استعير عقله وأنصح لكم لا تستعيروا عقلي إياكم أن تستعيروا عقل أحد، ليعمل كل منكم عقله ثم الحقائق ستلوح لكم في أكثر القضايا الإشكالية صدقوني، واضحة جداً جداً وضوح الشمس في رابعة النهار. نحاول أن نتخفف من أوراق الطروحات والآراء والاجماعات، والاتفاقات، ومعظم العلماء وهم علماء كبار أذكياء لا لا نتخفف من هذا نحب أن نقتنع بأنفسنا لسنا أطفالاً نريد أن نفهم يا أخي". ويقول أيضاً: "عليك أن تكون واضحاً تماماً ذات مصدقية كاملة مع نفسك ومع ضميرك ومع عقلك ومع الآخرين إياك أن تردد ما لا تقتنع به حتى ولو اتهموك بالهرطقة أو الكفر لن أسلم بما لا اقتنع به حتى لو أجمع العالم على ضدها... كيف أسلم بشيء غير مقتنع به غير معقول، لا يجوز أن نقطع رؤوس المفكرين الذين يفكرون على نحو مختلف". وهذا التمرد الذي ينادي به عدنان إبراهيم هو هدف أصيل من مشروعه وتفكيره، والله - عز وجل - يقول: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43] [الأنبياء: 7]، ويقول: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]، وعدنان إبراهيم يقوم بدعوة من لا يحسن أن يجتهد في الدين ويتدخل بعقله في فهم الأحكام والاستنباط من الأدلة وإعمال عقله هو وعدم التسليم إلا بما يظهر له هو، فانظر إلى قوله: "ليعمل كل منكم عقله ثم الحقائق ستلوح لكم في أكثر القضايا الإشكالية صدقوني، واضحة جداً جداً وضوح الشمس في رابعة النهار. نحاول أن نتخفف من أوراق الطروحات والآراء والإجماعات، والاتفاقات، ومعظم العلماء وهم علماء كبار أذكياء لا لا نتخفف من هذا، نحب أن نقتنع بأنفسنا لسنا أطفالاً نريد أن نفهم يا أخي". وقوله: "من حقنا أن نفهم النص ونناقش في فهمنا لا تحرموا علينا أن نأتي بفهم جديد للنصوص، يتناسب مع تحدياتنا مع ظروفنا مع شروطنا مع مستوانا المعرفي نعيش في القرن الحادي والعشرون اليوم تريد أن تربطني إلى عصر ابن تيمية وعصر ابن جرير وعصر أبي حنيفة ومالك والشافعي وجعفر، لا يمكن مستوانا مختلف تحدياتنا مختلف أدراكنا مختلف". وعليه فيقال: نحن أمام رجل خطير من أدعياء العلم ممن تلبسوا بالبدع والضلالات والأفكار المنحرفة في وقتنا، وأخيراً: فقد وصف عدنان إبراهيم نفسه بما لا يكلفنا عناء تصنيفه أو وصفه فقال بالنص الواحد: "لا يعنينني لست سنياً في نظرك!! في العقيدة جرى تصنيفي: سني، شيعي، ماركسي، رأسمالي، ملحد، فيلسوف، مؤمن، كافر، كله مع بعضه، هكذا ستجدني!! لو أردت أن تصنفني من خلال جزئية واحدة خذها مني أنا كل هؤلاء، من الصعب تصنيف الإنسان الحر، من يفكر بحرية ويتكلم بحرية من الصعب أن تصنفه". ثم إنه يفتخر بتناقضاته ويعتبرها تطور وشرف، وهي في الحقيقة اضطراب وجهالة، فيقول: "الفيلسوف الألماني الكبيرألبرت شويتزر يقول: "لست أنحل لقب أو شرف التلقيب بلقب مفكر لكل من ليس لديه شجاعة أن يتناقض مع نفسه"، مرة لقيت واحد من المتشددين يعايرني يقول: أنت يا شيخ عدنانتتناقض كل فترة وفترة، قلت: أتناقض، كثيراً ما أتناقض، هذا شرفي هذا فخري كل إنسان يقرأ يتعلم هو هذا، طبيعي مثله، من لا يتناقض، هذا إنسان فارغ!! لم يستوعب هذا الرجل مش فاهم!!".

هكذا يظن عدنان إبراهيم أو يريد أن يوهمنا بعد أن يأتي بكل هذه الزبالات من الآراء والمعتقدات والأفكار، والتناقضات، ويقول من الصعب أن نصنفه!! أنت الذي صنفت نفسك وأرحتنا، انظر إلى قولك: "أنا كل هؤلاء!!". حقاً أنت يا عدنان كل هؤلاء، فينطبق عليك لقب: "عدنان الجامع"، فقد جمعت كل شر!! وكما قيل: "ومن كان فكره في كل واد يهيم فهو من الأفكار الباطلة والاعتقادات الفاسدة في ليل بهيم". وقال أيضاً أهل العلم: "إنما يؤتى الرجل من سوء فهمه أو من سوء قصده أو من كليهما، فإذا اجتمعا كمل نصيبه من الضلال".

وسوء فهم عدنان إبراهيم ظاهر من كلامه في خطبه ودروسه ومحاضراته بلا امتراء، وأما سوء قصده فإن ما اشتمل عليه كلامه من الكذب والغش والتدليس والتزوير على الصحابة - رضي الله عنهم - وأهل العلم أكبر مؤشرات إلى سوء القصد وأوضح دلالات عليه، والله من وراء كل قائل وقصده.

وسوف نستعير قول عدنان إبراهيم شعاراً للرد عليه حيث قول: "لا تسمحوا لأحد أن يدلس عليكم ولا تسمحوا لأحد أن يزيف وعيكم".

ولذلك كله توالت الردود عليه من العلماء وطلبة العلم جزاهم الله خيراً، منها ما هو مكتوب، ومنها ما هو مشاهد. ولعل في هذا المقال أساهم معهم في بيان زيف هذا الرجل، بذكر أمثلة على عدم أمانته العلمية، وتعالمه، وإدخال نفسه في فنون من العلم لا يحسنها، وعدم فهمه لمصطلحات أهل العلم في كتبهم، على عكس ما يدعيه، واستدلاله بأحاديث ضعيفة جداً بل موضوعة، ولذا سوف أذكر ما يدل على أن عدنان إبراهيم يشرح لسامعيه مصطلحات العلماء في كتبهم فيقع في جهالة عمياء وسوء فهم وإدراك، وسوف اكتفي بواحدة منها، بما يقتضيه المقام، فقد أمسك عدنان إبراهيم بكتاب "أسد الغابة" لابن الأثير وقرأ منه ما جاء في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - رغم أنف عدنان -: "وروى عبد الرحمن بن أبزى، عن عمر أنه قال: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أُحد ما بقي منهم أحد، ثم في كذا وكذا، وليس فيها لطليق، ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيء. أخرجه الثلاثة". ثم بدأ عدنان في شرح معنى أخرجه الثلاثة، أي أن هذا الأثر أخرجه ابن منده، وأبو نعيم، وابن عبد البر، فقال عدنان: "الإمام ابن الأثير في "أسد الغابة" يقول الثلاثة، هم هؤلاء: الحافظ ابن منده، الحافظ أبو نعيم في "معرفة الصحابة"، وأيضاً الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب". وأشار عدنان إلى أن ابن الأثير ذكر المراد من قوله: "أخرجه الثلاثة"، في مقدمة "أسد الغابة". أنهم: ابن منده، وأبو نعيم وابن عبد البر.
وقد وقع عدنان إبراهيم في جهالات:

أولاً: أن عدنان إبراهيم فهم من قول ابن الأثير لما ذكر هذا الأثر عن عمر - رضي الله عنه - في آخر ترجمة معاوية - رضي الله عنه -: "أخرجه الثلاثة". أن ابن منده وأبا نعيم، وابن عبد البر أخرجوا هذا الأثر. على حسب فهمه لكلام ابن الأثير في المقدمة!! وهذا خطأ فاحش؛ لأن ابن الأثير أراد بقوله: "أخرجه الثلاثة"، أي اسم الصحابي المترجم له، وبيان ذلك أن نص كلام ابن الأثير في "المقدمة": "وأنا أذكر كيفية وضع هذا الكتاب، ليعلم من يراه شرطنا وكيفيته، والله المستعان فأقول: إني جمعت بين هذه الكتب كما ذكرته قبل، وعلمت على الاسم علامة ابن منده صورة "د" وعلامة أبي نعيم صورة "ع"، وعلامة ابن عبد البر صورة "ب" وعلامة أبي موسى صورة "س" فإن كان الاسم عند الجميع علمت عليه جميع العلائم، وإن كان عند بعضهم علمت عليه علامته، وأذكر في آخر كل ترجمة اسم من أخرجه؛ وإن قلت أخرجه الثلاثة فأعني ابن منده وأبا نعيم وأبا عمر بن عبد البر؛ فإن العلائم ربما تسقط من الكتابة وتنسى، ولا أعني بقولي أخرجه فلان وفلان أو الثلاثة أنهم أخرجوا جميع ما قلته في ترجمته؛ فلو نقلت كل ما قالوه لجاء الكتاب طويلاً؛ لأن كلامهم يتداخل ويخالف بعضهم البعض في الشيء بعد الشيء، وإنما أعني أنهم أخرجوا الاسم. ثم إني لا أقتصر على ما قالوه إنما أذكر ما قاله غيرهم من أهل العلم".

والذي يعنينا من كلام ابن الأثير: "... وأذكر في آخر كل ترجمة اسم من أخرجه؛ وإن قلت: أخرجه الثلاثة فأعني ابن منده وأبا نعيم وأبا عمر بن عبد البر؛ فإن العلائم ربما تسقط من الكتابة وتنسى... ولا أعني بقولي: أخرجه فلان وفلان أو الثلاثة أنهم أخرجوا جميع ما قلته في ترجمته؛ فلو نقلت كل ما قالوه لجاء الكتاب طويلاً؛ لأن كلامهم يتداخل ويخالف بعضهم البعض في الشيء بعد الشيء، وإنما أعني أنهم أخرجوا الاسم". فالذي يظهر أن ابن الأثير أراد بقوله: "أخرجه الثلاثة"، أي أن الثلاثة ذكروا هذا الصحابي المترجم له، لقوله: "وأذكر في آخر كل ترجمة اسم من أخرجه...". وكذلك قوله: "وإنما أعني أنهم أخرجوا الاسم". ولعله مما يزيد الأمر وضوحاً أن نذكر ترجمة لصحابة آخرين، فقد قال ابن الأثير: "جبارة بن زرارة (ب د ع): جبارة، بزيادة هاء، هو ابن زرارة البلوي. له صحبة وليست له رواية، شهد فتح مصر، قال: الدارقطني وابن ماكولا: هو جبارة بكسر الجيم. أخرجه الثلاثة". وقال أيضاً: "خباب مولى عتبة (ب د ع): خباب، مولى عتبة بن غزوان. شهد بدراً وما بعدها هو ومولاه عتبة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان حليفاً لبني نوفل بن عبد مناف، وكنيته أبو يحيى، وليست له رواية. أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق في تسمية من شهد بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قريش، قال: ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان، وخباب مولى عتبة بن غزوان، رجلان. وتوفي بالمدينة سنة تسع عشرة، وهو ابن خمسين سنة، وصلى عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما. ولم يعقب. أخرجه الثلاثة". لقد قصدت ذكرهما؛ لأنهما ليست لهما رواية حتى يقال أخرجه الثلاثة أنه يعني رواية بعينها. وهذا مما يدل على جهل بالغ أو على قلة التحقيق. وأحلاهما مر!

ثانياً: ثم إن هذا الأثر لم يخرجه أحد من الثلاثة المذكورين؛ إنما أخرجه ابن سعد في "الطبقات": قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عُمَرَ قَالَ: "هَذَا الأَمْرُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ فِي أَهْلِ أُحُدٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَفِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ فِيهَا لِطَلِيقٍ وَلاَ لِوَلَدِ طَلِيقٍ وَلاَ لِمُسْلِمَةِ الْفَتْحِ شَيْءٌ". وهذا إسناد ضعيف لجهالة هذا الشيخ الذي لم يسم. وقد ذكر ابن الأثير أن قد يذكر في ترجمة الصحابي ما قد يذكره غير ابن منده، وأبي نعيم وابن عبد البر، حيث قال في "المقدمة": "ثم إني لا أقتصر على ما قالوه إنما أذكر ما قاله غيرهم من أهل العلم". وهو هنا ذكر هذا الأثر من عند ابن سعد في "طبقاته".

ثالثاً: استشهاد عدنان إبراهيم بهذا الأثر؛ لأنه يريد أن يخدمه في الطعن في معاوية - رضي الله عنه -. فإن كان عدنان لا يعلم ضعف سند هذا الأثر أفلا يحق لنا أن نقول:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وأن كنت تدري فالمصيبة أعظم ؟!

أردنا من هذا إبطال تشدق عدنان إبراهيم بأنه صاحب إطلاع وفهم في اصطلاحات العلماء، وكذلك فضح منهجه العلمي في عدم التثبت فيما يستشهد به. وإذا مضينا معه لوجدنا العجب.

ثم ننتقل إلى مثال آخر:
يقول عدنان إبراهيم: "عبد الله بن عمر في صحيح البخاري ابن عمر مرة كان ماشي فرأيت رجلاً يخرج من الأرض يلتهب ناراً، ورجلين يضربانه، فقال يا عبد الله اسقني اسقني، فقال: يا عبد الله لا تسقه لا تسقه، فضربه فساخ في الأرض -شافه بعينيه في البخاري هذا - فأتي الرسول فقال يا رسول الله، فابتسم وقال أنت فقال: فذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة". خرافات وأنتم تحكون خرافات صوفية في صحيح البخاري يا أخي".

والحديث ليس في البخاري يقيناً؛ إنما أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/335) رقم (6560): حدثنا محمد بن أبي غسان ثنا عمرو بن يوسف بن يزيد البصري ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة عن مالك بن مغول عن نافع عن بن عمر قال بينا أنا سائر بجنبات بدر إذ خرج رجل من حفير في عنقه سلسلة فناداني يا عبد الله اسقني يا عبد الله اسقني فلا ادري اعرف اسمي أو دعاني بدعاية العرب وخرج أسود من ذلك الحفير في يده سوط فناداني يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم ضربه بالسوط حتى عاد إلى حفرته فأتيت النبي - صلى الله عليه و سلم - مسرعا فأخبرته فقال لي أو قد رأيته قلت: نعم، قال: ذاك عدو الله أبو جهل بن هشام وذاك عذابه إلى يوم القيامة".

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن مالك بن مغول إلا عبد الله بن محمد بن المغيرة الكوفي.

وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعفوه، قال العقيلي: يحدث بما لا أصل له، وقال ابن يونس: منكر الحديث. وقال النسائي: "روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها".وقال أبو زرعة: "منكر الحديث يحدث عن مالك بن مغول بمناكير". وهذا الحديث من روايته عن مالك بن مغول. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة وهو ضعيف".

هذا إعلال قاصر؛ لأنه ألان القول في تضعيف ابن المغيرة.

ثم أعاده الهيثمي مرة أخرى في "مجمع الزوائد" وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه". فلم يذكر عبد الله بن محمد بن المغير، وأعله بعلة ثانية وهي عدم معرفته بعض من في الإسناد، ولعله أراد عمرو بن يوسف بن يزيد البصري،؛ لأنه لم نقف له على ترجمة فيما بين يدينا من كتب الجرح والتعديل. فإسناد هذا الحديث ضعيف لضعف عبد الله بن محمد بن المغيرة، وعمرو بن يوسف لم نقف له على ترجمة. والله أعلم.

وصنيع عدنان هذا لا يخرج عن حالتين:
أولاً: أنك تعلم أن هذا الحديث ضعيف، وأردت إضفاء الصحة عليه بعزوه إلى البخاري.

ثانياً: أنك ذكرت ذلك عن جهل وعدم تثبت.

فصنيعك هذا إما عن عمد أو جهل،ولا بد من أحدهما وأحلاهما مر!

ثم ننتقل إلى مثال ثالث:
قال عدنان إبراهيم: "النبي عليه الصلاة وأفضل السلام قال في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بإسناد جيد حسن، قال: مر على قبر أو قبرين فنفرت به دابته كادت أن تلقيه، فقال من دفنتم ها هنا قالوا فلان وفلان من الأنصار كانوا، قال: إنهما ليعذبان، - الدابة سمعت سبحان الله صدق رسول الله نفرت به - إنهما ليعذبان في كبير، إلى أن قال والذي نفسي بيده لولا تمزع قلوبكم – قلوب متنزعة متوزعة يعني همها ليس الله الإنسان يصبح عنده خمسين ألف هم تتنازعه – لولا تمزع قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع". يعني العملية ممكنة أو غير ممكنة قال قاعدة في المنطق تعليق الأمر على ممكن يجعله في حيز الإمكان".

نجد عدنان إبراهيم وقع في أمرين:
الأول: أنه قال عن هذا الحديث: "بإسناد جيد حسن". كيف ذلك وفي إسناده علي بن زيد هو ابن جدعان. وهو ضعيف كما قال ابن حجر في "التقريب". وقال ابن خزيمة: "لا أحتج به لسوء حفظه". ومن سوء حفظه أنه كان يقلب الأحاديث، فقد قال حماد بن زيد: أنبأنا علي بن زيد، وكان يقلب الأحاديث. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه أحمد وفيه علي بن يزيد بن علي الألهاني عن القاسم وكلاهما ضعيف". وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"، بل قال شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند: "إسناده ضعيف جداً". فأين الجودة والحسن التي جمع بينهما عدنان؟!

الثاني: أن عدنان إبراهيم يدعي الدقة فيما يذكره، وهو في هذا الحديث مع ضعفه لم يقم متنه، فالحديث في "المسند": (5/266): "ثنا أبو المغيرة ثنا معان بن رفاعة حدثني على بن يزيد قال سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة قال: مر النبي - صلى الله عليه و سلم - في يوم شديد الحر نحو بقيع الغرقد قال فكان الناس يمشون خلفه قال: فلما سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه فجلس حتى قدمهم أمامة لئلا يقع في نفسه من الكبر فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين قال فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال من دفنتم ها هنا اليوم قالوا يا نبي الله فلان وفلان قال إنهما ليعذبان الآن ويفتنان في قبريهما قالوا يا رسول الله فيم ذاك قال أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة وأخذ جريدة رطبة فشقها ثم جعلها على القبرين قالوا يا نبي الله ولم فعلت قال ليخففن عنهما قالوا يا نبي الله وحتى متى يعذبهما الله قال غيب لا يعلمه إلا الله قال ولولا تمريج قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع". وأخرجه الطبراني (8/216) رقم (7869) من طريق علي بن يزيد به ولفظه: "ولولا تمريجاً في قلوبكم أو تزيدكم في الحديث سمعتم ما أسمع". لكن ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"، بلفظ: "ولولا تجافي قلوبكم وتزيدكم في الحديث سمعتم ما أسمع". وقال: "رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن يزيد وفيه كلام".

فإذا قارنا هذا بما ذكره عدنان إبراهيم سنجد أنه لم يحسن أن يقيم ألفاظ الحديث فليس في الحديث ذكر الدابة، أو أنهما من الأنصار، كما أن لفظ "تمزع"، الذي أتى به ليس هكذا، فقد أثبت الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه على "المسند" لفظ: "تمريج"، وجاء أيضاً في "العجم الكبير": "تمريجاً"، وقد ذكر الأرناؤوط أن في بعض النسخ الخطية لمسند أحمد: تمريغ، وفي هامش بعض النسخ: تمرغ. ونقل عن السندي: " "ولولا تمريج قلوبكم" أي: إفسادها وجعلها مضطربة قلقة". وقوله: "أو تزيُّدكم" مصدر تزيَّدَ في الحديث: إذا كذب فيه وتكلف الزيادة فيه، والعادة في حكاية الأمور العجيبة لا تخلو عن تزيُّد، والله تعالى أعلم". أما معنى تمريغ وتمرغ كما جاء في بعض النسخ، ففي "المعجم الوسيط": "ويقال: تمرغ في الرذائل، وتمرغ في النعيم تقلب فيه، وفي الأمر تردد". أما اللفظ الذي أتى به عدنان وهو: "تمزع"، فقد وقع هكذا في "مجمع الزوائد". فلعل عدنان أتى به من "المجمع"، وهو لفظ ليس له وجود في نسخ "المسند"، لكن في "الصحاح" للجوهري: "والتَمْزيعُ: التفريق".

وفي هذا الحديث الضعيف ذكر العلة التي من أجلها لا يسمع الناس عذاب القبر وهي: "ولولا تمريج قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع". وإنما العلة من ذلك كما في الأحاديث الصحيحة، فأخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر".وأخرج أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد ولم أشهده من النبي - صلى الله عليه و سلم - ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال فمتى مات هؤلاء؟ قال ماتوا في الإشراك فقال: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت لله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه".

وبوب ابن حبان في "صحيحه" على حديث أنس - رضي الله عنه -: "ذكر العلة التي من أجلها لا يسمع الناس عذاب القبر".

قال النووي: "فلولا أن لا تدافنوا" يعني لولا مخافة أن لا تدافنوا". يعني: أنهم لو سمعوا ما يجري في القبور من الصراخ والصياح لما قرّ لهم قرار ولا هدأ لهم بال، وتنكدت حياتهم، بل يمكن أن يصيبهم المرض، ويصيبهم التعب حتى يموتوا، ولا يتمكن بعضهم من أن يدفن بعضاً؛ ولذلك لطف الله بهم فلم يسمعهم عذاب القبور. والله أعلم.

مثال رابع: أن عدنان إبراهيم لا يأتي بالحديث بلفظه الصحيح، ويستدل به تبعاً لهواه ومذهبه، فيقول في خطبة بعنوان: "هدم الأضرحة هل هو من أولويتنا" ما نصه: "صح عنه أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنني لا أخشى على أمتي الشرك بعدي"، هذه أمة لا يخشى عليها الشرك هذه أمة لا تشرك"، والتحقيق: لا يوجد حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ، إنما الذي صح في ذلك من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "... والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها". أخرجه البخاري ومسلم.

وجه الاستدلال على ظاهر الحديث: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما خاف علينا الشرك فكيف يقع الشرك في هذه الأمة؟

ويجاب عن هذا الحديث بما يلي:
1- أنه صحت أحاديث صريحة، على وقوع الشرك في هذه الأمة كما في حديثأَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِى الْخَلَصَة". وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ. أخرجه البخاري ومسلم. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى". فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا قَالَ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيَبْقَى مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ". أخرجه مسلم. وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "... وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى الأوثان". رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه وأحمد والحاكم وغيرهم، وقال الترمذي"حسن صحيح"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي قال الألباني: "وإنما هو على شرط مسلم فقط". فإن في هذه الأحاديث بيان وقت ظهور الشرك بصفة عامة بحيث يطغى على التوحيد ويسيطر على حاملي لواء التوحيد ويستأصلهم، فذكر: أن هذا يحدث في أواخر أيام الدنيا، قبل انعقاد القيامة الكبرى، وبعد خروج الريح القابضة لأنفس جميع المؤمنين حتى لا تبقى هذه الطائفة المنصورة والناجية على ظهر الأرض وانظر إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيَبْقَى مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ".

2- أن حديث: "والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها" يحمل على عدة محامل:
أ- أي على مجموعكم؛ لأن ذلك قد وقع من البعض، أعاذنا الله تعالى منها. قاله ابن حجر في "فتح الباري".

ب- أو يقال: إنه في الصحابة خاصة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم". قال الحافظ في "الفتح": "فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال - صلى الله عليه وسلم - وأن الصحابة لا يشركون بعده، فكان كذلك، ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا".

ج- أو يقال: لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل أن يعلم ويوحى إليه بأن طوائف من الأمة سوف يضلون ويشركون.

د- قال ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين: "وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يخشى على أمته الشرك؛ لأن البلاد ولله الحمد فتحت وصار أهلها إلى التوحيد لكن لا يفهم من هذا أي من كونه لا يخاف الشرك على أمته ألا يقع فإن الشرك وقع الآن فهو موجود الآن من المسلمين من يقول إنه مسلم وهو يطوف بالقبور ويسأل المقبورين ويذبح لهم وينذر لهم فهو موجود والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقل إنكم لن تشركوا حتى نقول إن ما وقع ليس بشرك لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لا أخاف"، وهذا بناء على وقوع الدعوة في عهده - صلى الله عليه وسلم - وبيان التوحيد وتمسك الناس به لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة ويدل لهذا أنه صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمته الأوثان"، أي جماعات كبيرة ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك لكن خشي شيئاً آخر الناس أسرع إليه وهو أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم...". فتبين بهذا أن بعض المسلمين سوف يقع في الشرك والردة، من دون أن يعم ذلك جميع الأمة؛ فإنها معصومة من أن تجتمع على ضلالة.

وكيف يشك مسلم في أن دعاء الأموات، والتضرع إليهم في الملمات، وسؤالهم تفريج الكربات، من الشرك ؟! بل هذا عين ما كان يفعله المشركون الأوائل طلباً للقربى أو الشفاعة عند الله، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]. وقال سبحانه: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18]. ولكن عدنان إبراهيم يعتبر أن هذا تكفير للمسلمين فأخذ يشنع على من يقول بوقوع مظاهر الشرك في الأمة الآن ويجب التحذير من ذلك وحماية جناب التوحيد، وأهل السنة والجماعة، هم خير من يعلم كيفية إقامة الحجة، ومن يقيمها، ومتى تستوفى شروط التكفير، ومتى تنتفي موانعه على الشخص المعين !!فتبين من الأمثلة التي ذكرنها أن عدنان إبراهيم له منهجه في الاحتجاج؛ فتراه يحتج بالأحاديث الضعيفة بل الشديدة الضعف، بل يأتي بأحاديث لا يقيم متونها، ويرويها بالمعنى الذي يوافق رأيه ويلزم بها خصومه، ويخفي الأحاديث الصحيحة أو الحسنة، بل الأحاديث المتواترة التي حكم بتواترها أئمة الحديث، إذا خالفت رأيه ومذهبه وهواه، أو يذكرها ثم يتسلط عليها بالتعطيل، فتارة بأنها تخالف العقل – عقله هو - أو يتأولها بتأويلات ضعيفة منحولة !!

مثال خامس: في محاضرة بعنوان: "عدنان إبراهيم يكشف حقائق تاريخية": قال عدنان وهو يتكلم على أحد رواة الحديث واسمه حريز بن عثمان: "أحد العلماء والأئمة استمع إليه وهو يقول: "الحديث الذي يروى وهو حديث صحيح وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى" قال حريز: ليس هكذا هذا غلط، قال ما وجهه؟ قال حريز: "أنت مني بمنزلة قارون من موسى". هذا كذاب، حريز بن عثمان كذاب. عمن تروي فيه سند لهذا، سمعت الوليد بن عبد الملك، - لوليد المجرم، المصدق عنده أصدق من علمائنا وأثبت من العلماء الثقات الأثبات- على المنبر يقول هذا. هذا الكذاب الأموي". نقول: عدنان إبراهيم ليس عنده أمانة عندما ذكر رواية حريز بن عثمان لحديث: "أنت مني بمنزلة قارون من موسى". فهذه الرواية رواها الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (8/268) في ترجمة حريز بن عثمان من طريق عبد الوهاب بن الضحاك حدثنا إسماعيل بن عياش قال سمعت حريز بن عثمان قال هذا الذي يرويه الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، حق ولكن أخطأ السامع، قلت: فما هو؟ قال: إنما هو: "أنت مني مكان قارون من موسى"، قلت: عمن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر". قلت- أي الخطيب -: "عبد الوهاب بن الضحاك كان معروفاً بالكذب في الرواية ولا يصح الاحتجاج بقوله". ولما ذكره الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (5/577) في ترجمة حريز بن عثمان من طريق الخطيب البغدادي نقل في آخره كلامه بقوله: "قال الحافظ أبـو بكـر الخطيب: عبد الوهاب بن الضحاك كان معروفاً بالكذب في الرواية، فلا يصح الاحتجاج بقوله". وأقره. وكذلك ذكر هذه الرواية الحافظ الذهبي في "تاريخ الإسلام" (10/122) في ترجمة حريز بن عثمان، وقال: "قال الخطيب: عبد الوهاب كذاب". وأقره. وكذلك قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/209) في ترجمة حريز بن عثمان: "وقال عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك متهم حدثنا إسماعيل بن عياش سمعت حريز بن عثمان يقول...". وقال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب عـن عبد الوهاب بن الضحاك: "متروك كذبه أبو حاتم". قال الذهبي في "ميزان الاعتدال": "كذبه أبو حاتم، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال الدارقطني: منكر الحديث، والبخاري: عنده عجائب". وقال في "المغني في الضعفاء": " عبد الوهاب بن الضحاك الحمصي العرضي متهم تركوه". فلماذا كتم عدنان إبراهيم ما قيل في عبد الوهاب بن الضحاك!! ثم يتهم الإمام أحمد بعدم الأمانة، إن هذا ليذكرنا حقاً بالمثل العربي القائل: "رمتني بدائها وانسلت". وصدق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". أخرجه البخاري وغيره.

مثال سادس: كثير ما يذكر عند طعنه في مروان بن الحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عنه: "الوزغ ابن الوزغ".

والحديث أخرجه الحاكم (4 / 479) من طريق ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: "هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون: يعني مروان بن الحكم". قال الحاكم: صحيح الإسناد ورده الذهبي بقوله: قلت: لا والله، وميناء كذبه أبو حاتم.


قال الألباني في "الضعيفة" (348): "موضوع". ثم ذكر كلام الذهبي في ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف، وقال: "قلت: وقال ابن معين في كتاب "التاريخ والعلل" (13/2): ليس بثقة ولا مأمون، وربما قال: من ميناء أبعده الله ؟!، وقال يعقوب بن سفيان: غير ثقة ولا مأمون، يجب أن لا يكتب حديثه".


والذي يعنيننا هنا هو بيان أن عدنان إبراهيم لا يعنيه أن يستدل بأحاديث موضوعة مكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي المقابل يرد الأحاديث الصحيحة، ولو كانت في البخاري ومسلم، بعقله وذوقه ويحكم عليها بالوضع والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فيقول: "إذا صح عندهم -أي أهل السنة والجماعة- حديث المهم أن يكون في البخاري ومسلم مهما كان خرافياً مهما كان كذباً، جننتنا، أنت تصف حديثاً في البخاري ومسلم بأنه خرافي وكذب نعم". ويقول أيضاً: "حديث صححه الشيخ فلان بلا شيخ ولا شيخة!! أنصفوا رسول الله من أنفسكم، أنصفوه من علمائكم من مواريثكم هذه الرثة بعد، أن ورثتم الوبال نحن الآن في عالم العولمة العالم أصبح مفتوحاً ومكشوفاً كل شيء يرى، لا شيء يخبأ، أحرجنا بعض رجال الدين آخرين من نصارى وغيرهم يحرجوننا من كتبنا يقولون هذا في مسلم، عند البخاري وأحمد ماذا تفعل تفضل تدافع باستماتة عن كل ما في البخاري ومسلم صحيحان خلاص أن تذبح دينك أنت حر، لكن نحن لا نسكت هذه الخطة الغبية، هذه خطة غبية نحن نحاكم إلى كتاب الله هذه خطة إلهية، نهين صورة النبي من أجل شيخ وما شيخ ونهدر كتاب الله تبارك وتعالى...".

أدركت أخي الحبيب ما يرمي إليه هذا الرجل، فهو لا يهمه ذكر أحاديث الكذبة والهالكين، ويرد أحاديث الثقات الصادقين. وفيما ذكرته من أمثلة تدل على حقيقة مبلغه من العلم، ومعرفته بالعقيدة والحديث والفقه، وأنه دعي في هذا التبجح ونحوه. وأستعير قول محدث العصر الإمام في حق المعلق على كتاب "أصول الكافي" للكليني المتعبد لغير الله، المسمى بعبد الحسين المظفر: "وحق لمن ينصب العداء لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناشري الإسلام في الأرض، أن يكون في تلك المنزلة من العلم!".

و - صلى الله عليه وسلم - على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/51019/#ixzz2O5UWLYav